قضى قسم قضاء الإلغاء، بالمحكمة الإدارية بالرباط، في 23 ماي الماضي، في قضية مدعية من موقعي «محضر 20 يوليوز» ضد الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة ومن معها، في الشكل بقبول الطلب، وفي الموضوع بالحكم على الدولة في شخص رئيس الحكومة باتخاذ إجراءات تسوية الوضعية الإدارية
والمالية للمدعية، وذلك بإدماجها في سلك الوظيفة العمومية ، مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية وفقا للمرسوم الوزاري
رقم 2.11.100 الصادر بتاريخ 8-4- 2011 وتنفيذا لمحضر 20 يوليوز 2011،مع الصائر.
تتلخص وقائع النازلة في أن المدعية، كانت مرشحة للتوظيف المباشر بحسب ما تتوفر عليه من شهادات عليا المطلوبة في الأطر وذلك بناء على ما جاء في محضر 20 يوليوز 2011 المشهور بتوقيع ممثل عن الإدارة يجسد مظاهر السلطة العامة وأنجز المحضر المذكور في عهد الوزير الأول السابق عباس الفاسي، وبعد دستور 1/7/2011 ولما تم تشكيل حكومة ائتلافية برئاسة السيد عبد الإله بنكيران رفضت هذه الحكومة تنفيذ المحضر المذكور، ورفعت إثر ذلك المدعية دعوى تطلب فيها تسوية وضعيتها الفردية المالية بإدماجها في سلك الوظيفة العمومية، وأجابت على ذلك الدولة بواسطة الوكيل القضائي للمملكة بأن الدعوى رفعت خارج الأجل، ولا يجوز للقضاء توجيه أوامر إلى الإدارة والمحضر المحتج به( 20 يوليوز) تشوبه عدة عيوب ولم يوقعه رئيس الحكومة فضلا عن تعارض طلب التوظيف المباشر مع مسطرة المباراة و المساواة وتكافؤ الفرص والاستحقاق المنصوص عليها في الفصل 22، وبعد الانتهاء من إجراءات المسطرة القضائية، ارتأت المحكمة الإدارية بالرباط أن تستجيب لطلب المدعية بموجب حكمها الصادر في 13 ماي 2013 وهو الحكم موضوع التعليق والذي حرر في حوالي 10 صفحات، مما يدل على الجهد الكبير الذي بذلته المحكمة في دراسة هذا الملف وبغية الإحاطة بجميع عناصر الموضوع الواقعية والقانونية وهو ما تطلب منها أجلا معقولا لم يتعد 5 أشهر لإصدار حكم من هذا الحجم والأهمية، وهو الحكم الذي لم يحرك مياها راكدة فحسب، بل أحدث نوعا من « تسونامي» التعليقات الصحفية السياسية وكان موضوع برامج تلفزيونية، كما جاء الحكم على لسان أكثر من وزير وداخل وخارج البرلمان، واهتم بالحكم كذلك حتى المواطنون العاديون، ففي استطلاع للرأي أجرته إحدى الجرائد تبين أن 1562 من المواطنين المستجوبين عبروا عن رأيهم لصالح الحكم، وطالبوا الحكومة بتنفيذه فورا، بينما عبر حوالي 200 من المواطنين المستجوبين عن حق الدولة في استئناف الحكم وانتظار قرار محكمة الاستئناف، في حين أن 16 مواطنا لم يكن لهم رأي في المسألة .
وبالتالي فالقضية ليست عادية لأن المدعية - ومن هو في وضعها - باحتجاجها على الحكومة» بمحضر 20 يوليوز» الشهير، كأنها تتمسك بالمبدأ المعروف في قانون الالتزامات والعقود «العقد شريعة المتعاقدين» (الفصل 230 من قانون الالتزامات والعقود)، وهو ما ردت عليه الحكومة الائتلافية برئاسة السيد عبد الإله بنكيران بما معناه أنه « إذا كان المبدأ الشرعي في مدونة علال الفاسي للأحوال الشخصية ينص على أن:(( الخطبة وعد بالزواج وليست بزواج، فإن» محضر 20 يوليوز « يظل وعدا بالتوظيف وليس بتوظيف)) لأنه هناك مستجدات جديدة دستورية وأخرى سياسية طرأت منذ 1 يوليوز 2011تخول لها حق إعادة النظر فيما سبق أن التزمت به حكومة عباس شفويا أو كتابيا، إن كان هناك التزام حقا وفعلا، ولكن حكومة السيد بنكيران خلال مناقشات علنية بجلسة برلمانية، أقرت بأنه إذا صدر ضدها حكم حول هذه القضية ستنفذه بعد أن يصبح نهائيا بطبيعة الحال، فصدر حكم في 23/5/2013.
فـي قـيمـة الحـكــم:
هو حكم تضمن نمطين مختلفين من التعليل :1- تعليل عاد أو مألوف قضاء وفقها مستمد من القواعد المسطرية الشكلية والقواعد القانونية الموضوعية، وخاصة الفصل 50 من قانون المسطرة المدنية ، 2- وتعليل غير عاد أو غير مألوف يرتكز على قواعد مستمدة من : الاتفاقيات الدولية ،ومبادئ حقوق الإنسان، والدستور، ومبادئ الحكامة الجيدة...الخ.
والملاحظ أنه في تاريخ القضاء المغربي- وحتى في القضاء المقارن - كلما شعر القاضي بأنه بين يديه ملف ملتهب كالجمر أو غير عادي بحكم طبيعة الوقائع المعروضة عليه وأن القاعدة التشريعية لا تسعفه، كلما لجأ هذا القاضي إلى تعليل من النوع نفسه أو غير مألوف يستمد جذوره من: الشريعة الإسلامية، أو المعايير الدولية، أو الدستور، أو خطاب ملكي سامي لتبرير موقفه وحكمه في هذا الاتجاه أو ذاك تحسبا منه وترقبا لسؤال ما قد يطرحه عليه في أي لحظة الفقه أو غير الفقه عقب إصداره لهذه النوعية من الأحكام التي تشغل بال الرأي العام والطبقة السياسية، وبالتالي فهو يفعل ذلك من أجل إقناع الأطراف المعنية أو المهتمة بعدالة أو سلامة حكمه من الناحيتين القانونية والقضائية، والأمثلة على ذلك كثيرة منها: في قضية بنسودة والتي أثيرت فيها مسألة عدم قابلية الظهائر الملكية للطعن فيها إداريا (المجلس الأعلى قرار رقم 93 باتاريخ 18/6/1960)، وكذالك قضية منع الحزب الشيوعي المغربي بقرار لمحكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 10 فبراير 1960 بناء على خطاب ملكي لتعارض تأسيس هذا الحزب مع النظام العام المغربي، وكذا تصريح القضاء الاجتماعي ببطلان شرط العزوبة في قضية المضيفة الجوية بطيسطا هيليلنا لمخالفته للنظام العام و مبادئ الشرع الإسلامي، وإن كان لا الأجيرة ولا المشغل شركة الخطوط الجوية الملكية المغربية لا علاقة لهما بالدين الإسلامي والمستدل بفقهه في النازلة (المحكمة الابتدائية بالدر البيضاء، حكم اجتماعي عدد 155في 19/2/1979)، وهناك أيضا قضية الاعتداء المادي التي أسس لها لأول مرة القاضي الاستعجالي بالمحكمة الإدارية الدار البيضاء( محكمة السيال سابقا) سنة 1994 والتي اعتمد فيها هذا القاضي على خطاب ملكي مشهور ومرتبط بملف حقوق الإنسان بالمغرب آنذاك - (خطاب 8ماي 1990) نهى فيه الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله عن تجاوزات الإدارة لحقوق المواطن - لكي يعلن هذا القاضي الإداري عن اختصاصه بالبت في الاعتداء المادي، وكذلك في قضية العربي السعدي ((حكم المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 13ماي 2005)) الذي طالب بتوظيفه في سلك الشرطة بناء على توصية من سمو الأمير وأمام تلكؤ الإدارة المعنية لجأ إلى القضاء الإداري (المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية عدد48و49،ص.139) ...، والأمثلة على ذالك كثيرة وطنيا ودوليا ، وفي السياق نفسه نلاحظ اهتمام بعض الفقه برصد المرجعية الإسلامية في أحكام القضاء الإداري.
بقلم: إدريس فــجــر , قاض بمحكـمة النـقض دكتور في الحقوق
جريدة الصباح الجمعة, 12 يوليو 2013
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى