Thursday, November 27, 2014

دراسة في القانون : الانتخابات المهنية للقضاة : حين ينطق الواقع محل الصورة

حدثان بارزان شدا الانتباه إليهما الأسبوع الماضي : انسحاب البعض من قضاة النادي احتجاجا على سير أشغال الجمع العام العادي المنعقد بتاريخ 18 أكتوبر 2014 والذي تمخض عنه انتخاب رئيس نادي قضاة المغرب ومكتبه التنفيذي وأعضاء مجلسه الوطني وطرقهم باب القضاء في محاولة لاستصدار أمر قضائي يروم تعزيز موقفهم عند الطعن في نتائج الانتخابات المشار إليها. وعلى الضفة الأخرى، استصدار أحد أعضاء المكتب المركزي للودادية الحسنية للقضاة أمرا قضائيا بإثبات حال انتفاء النصاب القانوني للاجتماع الذي دعا إليه رئيسها والخروقات التي شابت العملية.......حدثان صاحبهما تراشق وتجاذب من البعض واستنكار من باقي القضاة الذين عبروا عن استيائهم مما حصل وأسفهم الشديد على أن يصدر ذلك من القضاة، نخبة المجتمع وأن تغذيه اعتبارات لا تخدم مصلحة القضاء والقضاة في شيء. فتوالت التغريدات والتصريحات وكتبت الجرائد وسالت الأقلام... في سابقة من نوعها.
الصورة قد تبدو من الوهلة الأولى مؤسفة وغير مقبولة مهنيا ومجتمعيا ...لكن عند وضع الأشياء في سياقها وربط حاضرها بماضيها تضمحل شيئا فشيئا علامات التعجب والاستنكار تاركة المجال لمستوى آخر من التفكير، تفكير يسمح بمحاولة استغلال المستحدث في تجاوز القائم وابتكار الحلول بغية بناء واستكمال النضج.
فالتجاذبات والصراعات بين القضاة بسبب العمليات الانتخابية المهنية لم تكن وليدة اليوم. وأهل الدار أدرى من غيرهم بالأجواء التي كانت تطبع انتخابات أعضاء المجلس الأعلى للقضاء وما كانت تخلفه من تبعات نتيجة منطق الولاءات والتحالفات، الذي كان ساريا إلى وقت قريب والذي أدى عنه بعض القضاة الثمن غاليا من مسارهم المهني. والأمر نفسه ينطبق على انتخابات أجهزة الودادية الحسنية للقضاة التي بحكم الهيمنة التي كانت لها لعامل قربها من وزارة العدل واستغلالها السلطة المعنوية للمسؤولين القضائيين في تصريف قراراتها ومواقفها، حتى أن القضاة لم يشعروا يوما أنهم يمارسون عملا جمعويا في كنفها، بقدر ما كانوا يحسون أنهم يؤدون واجبا مهنيا... وإذا ما أضفنا إلى ما ذكر الجو العام الذي كان يعيشه القضاة من ضيق كبير لهامش الحرية وسيادة أكبر لخيار الصمت، فكان لزاما أن يبقى التعبير عن عدم الارتياح للطريقة التي كانت تدبر بها الانتخابات المهنية للقضاة أو الاستنكار في أقصى الحالات حبيس الغرف المغلقة ولم يكن يستطيع تخطي عتبتها.
أنعم الله على القضاة بدستور 2011 واتجهت الإرادة الملكية وإرادة الشعب المغربي نحو أن تتبوأ السلطة القضائية مكانتها بين السلط، وأن تتمتع بمقومات الاستقلالية كي تكون عن حق ضامنة للحقوق والحريات، ومنح للقضاة الحق في التعبير بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية وكذا الحق في الانتماء أو إنشاء جمعيات مهنية...إلا أنه للأسف الشديد جاءت هاته المقتضيات الحداثية لتجد الفضاء فارغا من أي موروث يؤسس للممارسة الحرة والمسؤولة والأخلاقية للترشح والانتخاب وسط القضاة : فلا الجو العام ولا المجلس الأعلى للقضاء ولا الودادية الحسنية للقضاة، ولا القضاة أنفسهم، ساهموا بفعالية في وضع ضوابط عامة تؤطر ممارستهم الانتخابية ويحتكمون لها عند الخلاف. فمن الطبيعي جدا أن نعيش الذي نعيشه الآن, والأولى أن نعيشه حالا على أن نعيشه في المستقبل. 
إذن ونحن نتفاعل مع حاضرنا ومحيطنا الآن، يبقى الرهان على القضاء ما دام قضاة اليوم لا يجدون حرجا في استعمال حقهم في التقاضي كأي مواطن دفاعا عن حقوقهم المستمدة من انتمائهم الجمعوي المهني. والقضاء بذلك مطالب بأن يكون في مستوى التحدي أولا بإبراز حياده وتجرده، وثانيا بالـتأسيس لاجتهادات قضائية تروم ضمان ممارسة القضاة لحريتهم الجمعوية في إطار ما ينص عليه القانون.
الرهان كذلك على مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية التي يقع على عاتقها الرفع من مستوى القضاة في التعاطي مع شؤونهم المهنية الجمعوية عبر وضع باب في مدونة السلوك والقيم مرتبط بأخلاقيات الممارسة الجمعوية السليمة والتكوين عليها ومراقبة مدى الالتزام بها ولم لا تأديب الخارج عنها عند الاقتضاء.
والرهان كل الرهان على حياد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والوكيل العام به في كل ما يتصل بالممارسة الجمعوية للقضاة، لا لشيء إلا لأنهما من المفروض أن يشكلا صوت الحكمة داخل هاته المؤسسة الدستورية، فهما يمثلان جلالة الملك بها ومن ثم وجب أن يتحليا بخصلة الحكم المحايد المتجرد الحكيم ويكونا في رتبة أعلى وأسمى من رتب المتخاصمين. وما يسري عليهما يسري كذلك على باقي الأعضاء من القضاة. ووجب أن تتضمن صيغة اليمين التي يتلوها الأعضاء بين يدي جلالة الملك عند تنصيبهم ما يفيد القسم على الوفاء بالالتزام المذكور.
لنخلص إذن إلى أن الصورة ليست بالقاتمة كما يبدو. وإنما هو المخاض الذي سيعطي يقينا قضاء آخر بصورة أكثر انسجاما مع الواقع، رهانا بعد رهان، واستحقاقا بعد استحقاق حتى تسقط من المخيلة كل تلك التمثلات الموصدة، تاركة المجال للجرأة والخلق والإبداع والتدافع ...في ظل الاختلاف إلى أن يتحقق النضج وتتقوى السلطة القضائية بكل أعضائها.

بقلـم : حجيبة البخاري 
 نائبة رئيس المحكمة الابتدائية بمكناس
عضو في نادي قضاة المغرب

Sunday, November 23, 2014

ما هي حقوق الإنسان؟ من هو المسؤول عن حمايتها؟ وهل تسري حقا على للجميع؟

الإقامة غير المشروعة بالمغرب بين القانون وحقوق الإنسان(1)


1 - الضمانات القانونية لدخول الأجانب إلى المملكة المغربية
إن موقع المغرب الجغرافي الاستراتيجي المتمثل في وجوده على بعد كيلومترات من السوق الأوربية، الفردوس المنشود لمواطني الجنوب، جعله يعيش تحديات كبرى على صعيد تنقل الأشخاص الراغبين في الهروب من الأزمات التي تعيشها دول الجنوب من فقر وحروب؛ الشيء الذي دفعنا إلى الوقوف عند تنقل الأشخاص، وخاصة مواطني الدول الإفريقية جنوب الصحراء ورغبتهم في المرور إلى أوربا عبر المغرب، وهو أمر يطرح الكثير من التساؤلات حول المدى القانوني لتعامل المغرب مع هؤلاء المهاجرين، وبصفة خاصة الذين ولجوا المغرب بطريقة غير مشروعة، وبدون موافقة السلطات العمومية المختصة.
هكذا وضعت السلطات المغربية على محك التعاطي مع هذه الظاهرة الجديدة المرتبطة بالتحديات التي يعرفها الجنوب من الكرة الأرضية، ورغبة مواطنيه في الخروج من أزمة الفقر عبر الهروب إلى دول الشمال، السبب الحقيقي في هذه الأزمات نتيجة التبادل غير المتكافئ للخيرات في ظل نظام اقتصاد عالمي تتحكم فيه المؤسسات والشركات الكبرى المنتمية لدول الشمال.
في ظل هذه المعطيات، فإن التساؤل المطروح هو المتعلق بمدى نجاعة الترسانة القانونية المغربية وقدرتها على حماية التراب الوطني من الهجرة غير المشروعة، وما يصاحبها من مشاكل وأزمات مرتبطة بصفة خاصة بموقف دول الشمال، وخاصة المنضوية تحت لواء السوق الأوربية المشتركة، والتي تعتبر المغرب الممر الحقيقي للهجرة غير المشروعة نحو بلدانها، وكذلك المشاكل المرتبطة بوجود الآلاف من مواطني دول جنوب الصحراء فوق التراب المغربي في وضعية مادية واجتماعية قد لا تزيد المغرب إلا مشكلا إلى جانب المشاكل التي يعانيها، وبصفة خاصة على المستوى الاجتماعي؛ لذلك عمل (المغرب)، تحت ضغط الظروف الإقليمية والدولية، على إدخالات تعديلات على الترسانة القانونية المنظمة لإقامة الأجانب بالمملكة، عبر إدخال تعديلات مهمة على القوانين التي وضعت في عهد الحماية، وخاصة الظهير الشريف الصادر بتاريخ 15 نونبر 1934، والمتعلق بضبط شؤون الهجرة إلى المنطقة الغربية بالمغرب، والذي بقي العمل به ساريا إلى حدود 13 نونبر 2003، تاريخ بدء العمل بالقانون الجديد المنظم لدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية.
وهكذا أتى القانون الجديد بمجموعة من القواعد والإجراءات القانونية التي أخذت بعين الاعتبار، إلى حد ما، خصوصية المادة التي تنظمها والمتعلقة بمراعاة حرية التجول التي تعتبر من الحريات الأساسية المرتبطة بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، هذه الحقوق المنصوص عليها في العهود الدولية، وخاصة في مقتضيات المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لدجنبر 1966 والتي صادق عليها المغرب بالظهير عدد 4-78/1 بتاريخ 27 مارس 1979، هذه المقتضيات التي رسخت قواعد قانونية دولية لحرية التنقل، بحيث أعطت لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده.
ولا يجوز تقييد الحق المذكور أعلاه بأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون، وتكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم، وتكون متماشية مع الحقوق الأخرى المعترف بها بمقتضى المواثيق الدولية. وفي جميع الحالات، لا يجوز بصفة خاصة حرمان أحدٍ تعسفيا من حق الدخول إلى بلده؛ ذلك أن الحق في فتح الحدود لتنقل البضائع والأشخاص أصبح من الضروريات الأساسية للإنسانية، مع الأخذ بعين الاعتبار النظام العام للدولة وحماية الحدود ضمانا للاستقرار الاجتماعي.
وهكذا أصبح دخول الأجانب إلى المملكة المغربية والإقامة بها يتطلبان الالتزام بمجموعة من الإجراءات القانونية المنصوص عليها، سواء في القانون رقم 02-03 أو في الاتفاقيات الدولية الثنائية أو متعددة الأطراف والمنشورة بصفة رسمية بالجريدة الرسمية، باعتبارها قانونا واجب التطبيق شأنها شأن القانون الداخلي.
والمقصود بالشخص الأجنبي، في مدلول القانون المنظم لدخول وإقامة الأجانب بالمملكة، كل شخص لا يتوفر على الجنسية المغربية، سواء كان حاملا لجنسية دولة أجنبية ما أو ليست له جنسية معروفة أو تعذر تحديد جنسيته. وهكذا، فإن القانون يلزم كل أجنبي أراد الدخول إلى المغرب -بأي صفة كانت، سواء للسياحة أو العمل أو الدراسة- بالإدلاء بالوثائق المثبتة لوضعيته القانونية. وقد أعطى القانون للإدارة، أي السلطة المختصة المكلفة بمراقبة المراكز الحدودية، الصلاحية القانونية لمراقبة مدى توفر الأجنبي الذي يريد الدخول إلى المغرب على الوثائق القانونية المطلوبة، والمتمثلة في جواز السفر أو أية وثيقة أخرى سارية الصلاحية ومعترف بها من لدن الدولة المغربية كوثيقة سفر لازالت صلاحيتها قائمة، مصحوبة عند الاقتضاء بالتأشيرة المطلوب الإدلاء بها والمسلمة من طرف الإدارة المغربية المختصة، وهي غالبا السفارات والقنصليات المغربية بالخارج، مع منح السلطة التقديرية للإدارة المختصة والمكلفة بالمراقبة في المراكز الحدودية، للتأكد من مجموعة من الشروط الواجب توفرها في الأجنبي الذي يريد الدخول إلى المغرب، ومنها التأكد من وسائل عيش الشخص المعني بالأمر، وأسباب قدومه إلى المغرب، والضمانات المتوفرة لديه لرجوعه إلى بلده، تحت طائلة رفض دخول الأجنبي الذي لا تتوفر فيه الشروط المتطلبة أو ما إذا كان لا يستطيع الوفاء بالالتزامات القانونية والاقتصادية المتطلبة.
كما منح القانون السلطة التقديرية لشرطة الحدود لرفض دخول أي أجنبي إلى التراب المغربي، إذا كان وجوده به يشكل تهديدا للنظام العام أو كان ممنوعا من الدخول إليه أو كان مطرودا منه.
غير أنه وإن منحت السلطة التقديرية لشرطة مراقبة الحدود لرفض دخول الأجنبي في الحالات التي لا يتوفر فيها على الشروط القانونية المتطلبة، فإن القانون نص، حماية لحرية التنقل، على مجموعة من الإجراءات القانونية الهادفة إلى حماية حقوق وحرية الأجنبي الذي رفض الترخيص له بدخول المغرب، ومنها أن له الحق في إشعار الشخص الذي صرح باعتزامه الذهاب عنده، أو العمل على إشعاره، أو إشعار قنصلية بلده، أو إشعار محام من اختياره، للقيام بالإجراءات القانونية في حالة تمسك الأجنبي بحقه في الدخول إلى المملكة المغربية لسبب ما.
كما أنه وفي حالة رفض دخول أجنبي إلى التراب المغربي، قدم إليه جوا أو بحرا، فإن القانون ألزم مقاولة النقل التي تولت نقله بإعادته، دون تأخير، بطلب من السلطات المختصة المكلفة بالمراقبة في المراكز الحدودية، إلى النقطة التي بدأ فيها باستعمال وسيلة النقل التابعة للمقاولة المذكورة، سواء كانت طائرة أو باخرة؛ وفي حالة استحالة ذلك فإلى البلد الذي سلمه وثيقة السفر، التي سافر بها، أو إلى أي مكان آخر يمكن قبوله به.
كما أن مقاولة النقل ملزمة قانونيا بأن تتحمل مصاريف إقامة الأجنبي خلال المدة اللازمة لإعادة نقله وكذا مصاريف إعادة النقل، وذلك ابتداء من التاريخ الذي صدر فيه قرار رفض دخوله إلى التراب المغربي، بسبب عدم توفره على إحدى الوثائق المشار إليها في المادة الثالثة من القانون رقم 02-03، والمتمثلة في جواز السفر أو أية وثيقة أخرى سارية المفعول ومعترف بها من لدن الدولة المغربية، وكذلك تأشيرة الدخول عند الاقتضاء بالنسبة إلى رعايا الدول المفروضة عليها تأشيرة الدخول إلى المغرب.
وفي حالة ما إذا كان الأجنبي الذي رفض الترخيص له بدخول التراب المغربي غير قادر على الامتثال فورا لقرار الرفض، فإن القانون نص على الاحتفاظ به في أماكن غير تابعة لإدارة السجون خلال المدة اللازمة لمغادرته، إذا كانت الضرورة الملحة تدعو إلى ذلك بموجب قرار كتابي معلل للإدارة المختصة.
وقد حدد القانون منطقة الانتظار في الميناء أو المطار والتي تمتد من نقط الوصول والمغادرة إلى نقط مراقبة الأشخاص، والتي يمكن أن تضم، في نطاق الميناء أو المطار، مكانا أو أكثر للإيواء، يضمن للأجانب المعنيين بالأمر الخدمات الضرورية، بحيث يمكن الاحتفاظ داخل هذه المناطق بالأجنبي الذي يصل إلى التراب المغربي بحرا أو جوا، والذي لم يرخص له بدخوله، أو الذي يطلب قبوله بصفة لاجئ، وذلك خلال المدة الضرورية لمغادرته والعودة إلى مكان انطلاقه أو لدراسة طلبه للتأكد مما إذا كان ذلك الطلب يستدعي الاستجابة له.
كما أن الأجنبي يكون حرا في مغادرة منطقة الانتظار باتجاه أي مكان يوجد خارج التراب المغربي، وله الحق في طلب الاستعانة بترجمان في حالة عدم إتقانه للغة البلد، كما له الحق في الاستعانة بطبيب في حالة المرض، وكذلك له الحق في الاتصال بمحام أو أي شخص من اختياره.
وقد حدد القانون فترة الاحتفاظ بالأجنبي بمنطقة الانتظار في مدة لا تتجاوز 48 ساعة، وبمقتضى قرار كتابي معلل للإدارة، هذا القرار الذي يقيد في سجل يشير إلى الحالة المدنية للأجنبي، والتاريخ والساعة اللذين تم فيهما تبليغه بقرار الاحتفاظ به في منطقة الانتظار.
كما أن هذا الإجراء، المتعلق بقرار الاحتفاظ بالأجنبي بمنطقة الانتظار، يتم تبليغه على الفور إلى علم وكيل الملك المختص، ويمكن تجديده ضمن نفس الشروط ونفس المدة.
وفي حالة مرور أربعة أيام ابتداء من تاريخ اتخاذ قرار الاحتفاظ الأول، فإنه يمكن الاحتفاظ بالأجنبي، الذي لم يرخص له بالدخول إلى المغرب، في منطقة الانتظار بترخيص من رئيس المحكمة الابتدائية، بصفته قاضيا للمستعجلات، لمدة لا يمكن أن تفوق ثمانية أيام بناء على طلب السلطة الإدارية المختصة، والذي تعرض فيه الأسباب التي حالت دون ترحيل الأجنبي، وفي حالة طلبه اللجوء تعرض في الطلب أسباب عدم قبول طلبه، والأجل اللازم لمغادرته منطقة الانتظار، بعد الاستماع من طرف رئيس المحكمة إلى المعني بالأمر بحضور محاميه مع الاستعانة بترجمان، في حالة عدم إتقانه اللغة العربية، مع تمكينه من الاطلاع على ملفه.
وفي جميع الحالات، فإن الأمر الصادر عن رئيس المحكمة، والمتعلق بتمديد فترة الاحتفاظ بالأجنبي في منطقة الانتظار، يكون قابلا للاستئناف دون التقييد بالإجراءات الشكلية أمام الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، من طرف المعني بالأمر والنيابة العامة، وممثل السلطة الإدارية المحلية. وهذا الاستئناف، الذي يجب البت فيه داخل أجل 48 ساعة من تاريخ تقديمه، لا يكون موقفا للتنفيذ.
والأجنبي المحتفظ به في منطقة الانتظار يتمتع بالحقوق المعترف له بها بمقتضى القوانين والاتفاقيات الدولية، والمتمثلة في وجود مكان أو أكثر للإيواء مجهز بالخدمات الضرورية.
وإذا لم يتم تمديد مدة الاحتفاظ في منطقة الانتظار عند نهاية الأجل الذي حدده القرار الأخير للاحتفاظ، يرخص للأجنبي بدخول التراب المغربي بتأشيرة لتسوية الوضعية، مدتها ثمانية أيام، ويجب عليه أن يكون قد غادر التراب المغربي عند انقضاء الأجل المذكور، ما لم يحصل على رخصة مؤقتة للإقامة أو على وصل لطلب بطاقة التسجيل.
الشيء الذي يدفعنا إلى التطرق إلى الوثائق التي يجب الحصول عليها للإقامة المشروعة بالمملكة المغربية

محمد أمغار

*محام ودكتور في العلوم السياسية
جريدة المساء المغربية
العدد :2255 - 26/12/2013

Saturday, November 22, 2014

دراسة في القانون : قراءة في حكم للقضاء الإداري يلغي قرارا لوزير التعليم العالي-1-

جاء في حيثيات الحكم عدد 2868 أعلاه « ... أن قيام وزير التعليم العالي بإلغاء نتائج المباراة التي نظمت في إطار القانون رقم 00-01 المتعلق بتنظيم التعليم العالي، رغم أن أحكامه مازالت سارية المفعول، يجعل قراره الصادر بهذا الخصوص، مناقضا للمقتضيات الواردة في المادة السادسة من القانون التنظيمي المشار إليها أعلاه، الأمر الذي يكون معه مشوبا بعيب مخالفة القانون. وحيث استنادا على ما سبق، وبصرف النظر عن باقي الوسائل المثارة يكون القرار المطعون فيه مشوبا بتجاوز السلطة، الأمر الذي يستوجب الحكم بإلغائه مع ترتيب كافة الآثار القانونية عن ذلك». 
وجاء في قاعدة القرار الاستئنافي عدد 3492 الذي أيد الحكم المذكور، أن قيام وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر بإلغاء نتائج مباراة نظمت في إطار القانون رقم 01.00، بشأن تنظيم مباراة التعليم العالي، رغم أن أحكامه ما تزال سارية المفعول، قرار مناقض لمقتضيات المادة السادسة من القانون التنظيمي رقم 02/12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا، وموسوم بعيب مخالفة القانون والحكم المستأنف بقضائه بإلغائه كان حكما صائبا وواجب التأييد. 
ويثير قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط أعلاه إشكالية مركزية، تتعلق بمدى قابلية تلك الأحكام القضائية لتنفيذها، وحدود ذلك التنفيذ على الأوضاع القائمة ومدى تأثيره على الحقوق المكتسبة المتولدة لدى الغير، كلها إشكالات لا محالة، تتفرع عنها إشكالات أخرى، من قبيل إثارة الصعوبة القانونية والواقعية لتنفيذها ،ومدى جواز طلب التعويض عن عدم تنفيذها نتيجة امتناع الإدارة عن ذلك ؟
وللتعليق على هذا القرار، لا بد من استعراض وقائعه وحيثياته ومنطوقه.
أولا : مضمون القرار الاستئنافي عدد 3492 موضوع التعليق :
( ... حيث يعيب المستأنف الحكم المستأنف بمجانبته للصواب، وقضى به بعدم القبول لعدم إشارة المستأنف عليهما إلى عنوانهما الشخصي في مقال الطعن، ولرفعهما طعنا واحدا رغم عدم توفرهما على سند مشترك ولأن القرار المطعون فيه ذو صبغة وطنية، ويهم باب الترشيح لسبع وعشرين مؤسسة جامعية وعمادات أساسا، واحتياطيا، لأن الدستور الجديد نقل اختصاصات وتعيين العمداء من المجال الخاص بالملك إلى المجال الخاص برئيس الحكومة، الذي يتداول بشأنه في مجلس للحكومة طبقا للفصل 92 من دستور 2011، ولا حق لهما في التمسك بالحقوق المكتسبة، لأن من بينهما شخص ثالث هو إدريس عبادي، وأن السلطة الحكومية تنتقي ثلاثة أسماء وتقترحها على جلالة الملك الذي يعين منهم عميد الكلية، فضلا على أنه لا ضرر لحقهما من القرار المطعون فيه، وأن الحكم المستأنف عطل الفصل المذكور طبقا لأحكام دستور 2011.
وحيث من جهة أولى، فإنه ولئن كان الثابت قانونا أنه وبموجب المادة 32 من قانون المسطرة المدنية المحال عليه بمقتضى المادة السابعة من القانون رقم 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية والمادة الخامسة عشرة من القانون رقم 80.03 بشأن محاكم الاستئناف الإدارية أن مقال الطعن يجب أن يتضمن الأسماء العائلية والشخصية للطاعنين، وصفتهم ومهنتهم وموطنهم أو محل إقامتهم، فإن الثابت أنه لا بطلان من غير ضرر، وأن في تحديد الطاعنين لمحل المخابرة معهما لدى وكلائهما بعناوينهما المحددة في دعوى الطعن احترام للمقتضى المذكور.
وحيث من جهة ثانية، فإنه ولما كان الثابت أن المصلحة هي مناط كل دعوى أو طعن، وأنه يستشف من وثائق الملف أن الطاعنين تقدما بترشيحهما من أجل التنافس على منصب عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية، وشاركا في المباراة المجراة بتاريخ 16/11/2011، وبعد مداولات اللجنة المكلفة بالانتقاء تم ترتيب المرشحين الثلاثة الأوائل على الشكل التالي 1/ (م.ز) 2/ (إ.ع) 3/ (م.ش)، وبتاريخ 22/08/2012 أصدر وزير التعليم العالي قرارا تحت عدد 1205/01، يقضي بإلغاء المباراة المذكورة والإعلان عن فتح باب الترشيح من جديد للمنصب نفسه، فإن هذا القرار يقوم سندا مشتركا لهما في تقديم طعن واحد.
وحيث من جهة أخيرة، فإن الثابت أن القرار المطعون فيه يخص ترشيح الطاعنين للمنصب المذكور، فإنه لا أساس لما تمسك به المستأنف من أنه قرار ذو صبغة وطنية، ما دام أن مؤدى طعنهما من حيث أثاره القانونية، لا يتعلق بباقي المؤسسات الجامعية، ولكنه محصور في القرار الإداري المتعلق بمنصب عمادة كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية. وحيث تبعا لذلك يتعين رد الوسائل المثارة بشأن ذلك.
وحيث لئن كان الثابت أن دستور 2011 نقل اختصاص تعيين عمداء الكليات من المجال الخاص بجلالة الملك إلى المجال الخاص برئيس الحكومة، الذي يتداول بشأنه في مجلس حكومي طبقا للفصل 92 منه، وأن تعيين العمداء في دستور 1996 كان يتم بظهير شريف من جلالة الملك بعدما يقدم له وزير التعليم العالي ثلاثة أسماء يتم اختيارهم وفقا للمادة العشرين من القانون رقم 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي، فإن الثابت أن الأمر في النازلة يتعلق بمباراة أجريت بتاريخ 16 نونبر 2011 أسفرت مداولاتها عن ترتيب المرشحين الثلاثة الأوائل كما يلي (م.ز)/ (إ.ع)/ (م.ش)، ثم بمباراة ثانية بتاريخ 15 دجنبر 2012 تحت إشراف لجنة انتقاء جديدة مكونة من (م.م) رئيسا وعضوية كل من (م.ع)/ و(م.أ)/ و(ع.ب)/ و(م.أ) وأسفرت مداولاتها عن ترتيب المرشحين على أساس المعايير العلمية المحددة.

بقلـم : خالد هلال 
 محام بهيأة المحامين بالدار البيضاء

Wednesday, November 19, 2014

الجماعات الترابية ، الواقع والمأمول… قراءة متفائلة

الجماعات الترابية ، الواقع والمأمول… قراءة متفائلة

نور الدين الشاعر
باحث جامعي بجامعة عبد المالك السعدي

Sunday, November 16, 2014

Thursday, November 13, 2014

الأغلبية والمعارضة بمجلس النواب تسقط المادة 8 من مالية 2015 المتعلقة بتنفيذ الأحكام ضد الدولة.


صوتت الأغلبية والمعارضة بمجلس النواب بالإجماع على حذف المادة 8 من مشروع قانون المالية والتي تتعلق بتنفيذ الأحكام الصادرة ضد الدولة.
واعتبر رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب أن الإبقاء على المادة 8 من مشروع قانون مالية 2015 ستكون هدية مجانية لقضاة ومحامين للأسف بات شغلهم الشاغل هو قضايا الحجز على أملاك الدولة ويتاجرون بها وهم قلة يقول عبد الله بووانو.
وأضاف بووانو، وهو يتحدث في لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، يوم أمس الأربعاء 12 نونبر 2014 أن موضوع الحجز على أملاك الدولة مكانه الطبيعي هو المسطرة المدنية وليس قانون المالية، مشددا  على أن "الحجز على أملاك الدولة ليس دستوريا وغير مقبول لأن الحجز يُعطّل مصالح الدولة والمواطنين على حد سواء".
وأوضح  رئيس فريق العدالة والتنمية أن قانون المالية وفق النصوص المنظمة له ووفق رأي المجلس الأعلى للحسابات يهم الموارد والنفقات بشكل أساسي، مشيرا إلى أن موضوع المادة 8 ليس مكانه قانون المالية، الأمر الذي دفع الأغلبية والمعارضة إلى حذفه من المشروع.
صوتت الأغلبية والمعارضة بمجلس النواب بالإجماع على حذف المادة 8 من مشروع قانون المالية والتي تتعلق بتنفيذ الأحكام الصادرة ضد الدولة.

واعتبر رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب أن الإبقاء على المادة 8 من مشروع قانون مالية 2015 ستكون هدية مجانية لقضاة ومحامين للأسف بات شغلهم الشاغل هو قضايا الحجز على أملاك الدولة ويتاجرون بها وهم قلة يقول عبد الله بووانو.

وأضاف بووانو، وهو يتحدث في لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، يوم أمس الأربعاء 12 نونبر 2014 أن موضوع الحجز على أملاك الدولة مكانه الطبيعي هو المسطرة المدنية وليس قانون المالية، مشددا  على أن "الحجز على أملاك الدولة ليس دستوريا وغير مقبول لأن الحجز يُعطّل مصالح الدولة والمواطنين على حد سواء".

وأوضح  رئيس فريق العدالة والتنمية أن قانون المالية وفق النصوص المنظمة له ووفق رأي المجلس الأعلى للحسابات يهم الموارد والنفقات بشكل أساسي، مشيرا إلى أن موضوع المادة 8 ليس مكانه قانون المالية، الأمر الذي دفع الأغلبية والمعارضة إلى حذفه من المشروع.

Monday, November 10, 2014

تقرير : الجهوية المتقدمة بالمغرب .. ملامح مشروع ورؤية



يعد مشروع الجهوية المتقدمة الذي جاء امتثالا للإرادة الملكية السامية، والإلتزام الحر السيادي للمملكة لتمكين المغرب من جهوية متقدمة, يعد مدخلا لديمقراطية محلية حقيقية واثقة في الكفاءات والمؤهلات البشرية الجهوية ,كما يعد رؤية المغرب كحل ممكن لقضية الصحراء المغربية.
يعد تطبيق مشروع الجهوية المتقدمة بالمغرب مدخلا لديمقراطية محلية حقيقية واثقة في الكفاءات والمؤهلات البشرية الجهوية من خلال تمكينها من تدبير شأنها العمومي الجهوي والمساهمة في التنمية المستدامة والمندمجة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبيئيا وفيما يخص القضية الوطنية فإن الجهوية تشكل رؤية المغرب كحل ممكن لقضية الصحراء المغربية وقد أكدت اللجنة الإستشارية للجهوية بأن الجهوية المتقدمة بالمغرب المشار إليها في الإصلاح الدستوري تشكل مرحلة انتقالية نحو الحكم الذاتي في الصحراء المغربية وبالتالي تكملة للمقترح المغربي لحل دائم لقضية الصحراء.
اقترحت اللجنة الاستشارية للجهوية المتقدمة، تقليص عدد الجهات الحالية بنسبة 25 في المائة، لتنتقل من 16 إلى 12 جهة. يُميز التصميم الرئيسي للتقطيع المقترح بين صنفين من الجهات الجديدة الواضحة الحدود، الأول يضم جهات محددة اعتمادا على أقطاب كبرى أو على قطبين حضريين مزدوجين والصنف الثاني، مرتبط بجهات غير مستقطبة تغطي جبال الأطلس، والسهوب، والصحاري التي تتخللها الواحات بكثافة متباينة، والتي تستلزم دعما قويا على مستوى التضامن الوطني وبخصوص الأقاليم الجنوبية، تبنى مشروع التقطيع الترابي، خيار الإبقاء على عدد الجهات المعتمدة في التقطيع الجهوي لسنة 1997، وهي ثلاث، مع مراجعة التشكيلة الإقليمية المكونة لها.
يتكون المجلس الجهوي من أعضاء ذوي صوت تقريري والذين يتم انتخابهم بالاقتراع المباشر وأعضاء بصوت استشاري ويضمون برلمانيي الجهة ورؤساء الغرف المهنية وعضو منتدب عن كل نقابة من النقابات الممثلة في مجلس المستشارين كما أن تقرير اللجنة  أكد وجوب مأسسة الديمقراطية التشاركية من خلال إشراك المواطنين والمواطنات في كل مناحي الحياة الجهوية من خلال آليات لتيسير مشاركتهم في إعداد المشاريع والمخططات الجهوية للتنمية وكذا اشراك القطاع الخاص كفاعل أساسي بالجهة في إعداد وتنفيذ المخططات الجهوية.ومن أجل تدعيم التدبير الديمقراطي للجهة، فإن رئيس المجلس الجهوي هو الآمر بالصرف والمنفذ لقرارات المجلس الجهوي.
قامت اللجنة الاستشارية بتشخيص شمولي للوضع القائم والذي أبرز تفاوتات وفوارق في التنمية بين الجهات وتم  اقترح تبني مخطط للنهوض بالمستوى الاجتماعي للجهات من خلال إحداث صندوق للتأهيل الاجتماعي للجهات يروم سد مظاهر العجز الكبرى في الجوانب المرتبطة مباشرة بالتنمية البشرية (الصحة، التعليم، السكن، والولوج الى الخدمات الأساسية) وقد تم تخصيص مبلغ مالي لهذا الغرض يتراوح ما بين 128 و215 مليار درهم بغية الارتقاء بالجهات الى المعدل الوطني. أما في الإصلاح الدستوري فقد أوصى التقرير باعتماد عبارة الجماعة الترابية محل الجماعة المحلية لتكريس تدبير القرب والإرتقاء بالكيان الجهوي اللامركزي.


المصدر : تقرير محمد أنس طموح

دراسة في القانون : دور التواصل في إصلاح منظومة العدالة(1)


إذا تأملنا في الموضوع، فإننا سنجد أن المعني بإصلاح العدالة هي منظومة بكامل حلقاتها، تتكون من عدة فاعلين كل حسب دوره في صناعة المنتوج القضائي، وهي ما يصطلح عليها عادة بمنظومة العدالة مفهوما أوسع يشمل كل الفاعلين داخل المجتمع أو المنظومة القضائية مفهوما يعنى به كل المتدخلين المباشرين في العملية القضائية.  لكن رغم الإجماع الذي يعرفه مطلب إصلاح العدالة، وسيادته على باقي المطالب المجتمعية الأخرى، لدرجة أنه أصبح لازمة خطب أعلى سلطة في البلد خلال العقدين الأخيرين، فإن الجهات المعنية بهذا الإصلاح لم تستطع لحد الآن بلورة خطة حقيقية ذات أسس علمية من شأنها رسم خريطة طريق جدية لتحقيق هذا المطلب. وهذا ما يدفع أي مهتم بالموضوع للتساؤل عن السبب الحقيقي الكامن وراء هذا التعثر الذي يحول دون انطلاق ورش حيوي من شأنه تحرير جميع المجالات الحيوية داخل المجتمع من قيود الفساد. 
إننا نعتقد أن السبب الرئيسي وراء هذا الإخفاق هو استئثار الحكومة ممثلة في وزارة العدل بموضوع الإصلاح، واختزال ذلك في تركيز الحديث عن مكون واحد من بين مختلف مكونات هذه المنظومة ألا وهو القضاة. وإن كان هذا المكون يمثل الفاعل الأساسي في قطاع العدالة، إلا أن أي حديث عن الإصلاح يجب أن يتناول المنظومة القضائية برمتها أي جميع الفاعلين في قطاع العدل. كما أننا نعتقد بأن سببا آخر لا يخلو أهمية عن سابقه، يكمن بدوره وراء إخفاق هذه الأخيرة - أي المنظومة القضائية - في تحقيق العدالة، وهو طبيعة العلاقة التي تحكم مكوناتها خاصة في بعدها المؤسساتي. إن مستوى العملية التواصلية القائمة داخل المنظومة القضائية سواء داخل كل مكون من مكوناتها أو بين بعضها البعض يبقى محددا جديرا بالبحث لمعرفة مدى تأثير ذلك على نجاح أو فشل أي محاولة لإصلاحها. فالتفكير والعمل الأحادي داخل أي مجموعة تحتاج لإخراج إنتاجها إلى تدخل كل وحداتها يتطلب إيجاد علاقة تواصل بناءة بين هذه الوحدات تستجيب للمعايير العلمية المطلوبة. 
إن تفكير كل واحد من مكونات المنظومة القضائية بشكل منفرد ومن زاويته المحدودة في موضوع الإصلاح، دون معرفة ما عند الآخر من معطيات وآراء ومقترحات لا يمكنه في النهاية أن يصيغ لنا خطة فعالة. فالمنظور الخاص لوزارة العدل حول الإصلاح المعد بعيدا عن رأي للقضاة وتصور المحامين، وتطلعات العدول والموثقين ومطالب المفوضين القضائيين والخبراء وكتاب الضبط والإداريين القضائيين، لا يمكنه في النهاية أن يوفر أرضية متماسكة لانطلاق مخطط مضبوط لتحقيق مخطط استراتيجي للإصلاح.
فما هي مستويات التواصل المطلوبة لنجاح أي مخطط لإصلاح منظومة العدالة ؟ 
يعرف التواصل بأنه: الاشتراك مع الآخرين في عملية تبادل وانتقال المعلومات.  ففعل « اتصل « يفيد الإخبار والإعلام والتخاطب.  وهو بذلك يعبر عن عملية انتقال من وضع فردي إلى وضع جماعي. والتواصل كما عرفه عالم الاجتماع الفرنسي جان كازنوف هو: نقل معلومة من مرسل إلى متلق عبر قناة اتصال . وهو يشترط الدوام والتداول في العلاقة بحيث تتم عملية النقل من الطرفين معا في اتجاه بعضهما البعض. مما وجب معه التمييز بين مفهومين، كثيرا ما يتم الخلط بينهما، وهما الاتصال والتواصل. فالأول يفيد القيام بعملية التعبير عن رسالة معينة من مرسل إلى متلق عبر آلية معينة، في حين يفيد الثاني تبادل الرسائل من طرف لآخر بشكل تطبعه الاستمرارية. 
ويشترط لتحقيق التواصل بشكل سليم أن تكون الرسالة واضحة، وأن لا يتم التشويش عليها، وأن يكون المتلقي مستعدا لتلقيها ومدركا لأهميتها. هذه التفاصيل تبرز بوضوح أهمية العملية التواصلية كمجال للتفاهم والتحاور من خلال تبادل الأفكار والآراء والمعلومات. إذ يمكن لفعل التواصل أن يخضع لعملية التحريف والتمويه لإجبار المتلقي على تقبل خطاب يتنافى مع الحقيقة. وهنا تتحول العملية من تواصل إلى سلطة. والسلطة يكون خطابها بعيدا عن التواصل وإنما، كما ذكر ميشيل فوكو هو خطاب يرمي إلى تحقيق الهيمنة والسيطرة. وهو ما دفع دومينيك ولتون إلى الاستنتاج الآتي: إن عمليات التواصل لم تبلغ التراتبيات القائمة بين الأفراد والجماعات، لأنها - أي التراتبيات - مقترنة على الدوام بممارسة السلطة  .
ويعتبر الباحث في علم التواصل جون ديوي التواصل كأداة تدقيق اجتماعي فهو أساس كل علاقة إنسانية تقوم بإنتاج وتحقيق مكاسب اجتماعية، وتربط في ما بين الأفراد وتفسح المجال أمام الحياة الجماعية.
فالتواصل هو نوع من التفاعل الهادئ إلى خلق تفاهم بين مجموعة من الذوات داخل مجال عمومي. وقد استعمل جيرجان هابرماس في مؤلفه:  «أخلاق وتواصل»  عدة مفاهيم  لإبراز خصوصية هذا التفاعل مثل: البين ذاتية، الاعتراف المتبادل، المبررات العقلانية، الصلاحية المعيارية، تسوية الخلاف، العقلانية التواصلية، أخلاقية النقاش ... إلخ. ويقول هابرماس: «إن التفاعلات التي يتفق المشاركون من خلالها على تنسيق خططهم في العمل بشكل متعاون، هي التي أدعوها بالعمليات التواصلية». وهنا تبرز أهمية ما يعرف بالنقاش العمومي الذي يقتضي وجود إطار أخلاقي وآخر عقلاني علمي، حيث ترتبط العقلانية التواصلية بالممارسات المتمثلة في النقاش الذي يقوم بين مختلف مكونات المجتمع ضمن ثقافة ديمقراطية مشتركة تضمن تعدد المشاركين واحترام القواعد العلمية لاتخاذ القرار. وبالتالي يصبح الفضاء العمومي وعاء ديمقراطيا يجتمع فيه الفاعلون والجمهور لبلورة رأي عام، انطلاقا من إرادات مستقلة غير مهيمن عليها، ومقتنعة بأهمية النقاش وتداول الأفكار والمشورة والحجاج العقلاني، وهكذا تتحقق الفعالية التواصلية التي ترمي إلى وضع حد للتراتبية بين الأطراف ومنطق الهيمنة. وقد حدد الباحثون رهانات عديدة للتواصل اختزلها المفكر الفرنسي أليكس موشيلي في خمسة رهانات، هي: الرهان الإخباري، رهان التموقع أمام الآخر، رهان التأثير، الرهان العلائقي، الرهان المعياري .

بقلـم :   خليل الإدريسي  
محام وباحث أكاديمي

Sunday, November 09, 2014

دراسة في القانون : الحجز التحفظي بمشروع قانون المسطرة المدنية


من خلال الاطلاع على مشروع قانون المسطرة المدنية، خاصة المقتضيات المتعلقة بالحجز التحفظي استوقفتنا مجموعة من الملاحظات ارتأينا عرضها وتناولها، مادام مشروع قانون المسطرة المدنية في طور الإعداد، وما دام محل نقاش وسيستمر النقاش بدون شك بشأنه أمام المؤسسة التشريعية، وهي ملاحظات تهم بالأساس المادتين 549 و 552 من المشروع. المادة 549 : يصدر الأمر المبني على الطلب بالحجز التحفظي عن رئيس المحكمة، لضمان أداء دين له ما يرجح جديته وتحققه ويحدد هذا الأمر، ولو على وجه التقريب مبلغ الدين الذي رخص الحجز بسببه ويبلغ وينفذ دون تأخير . يتعين على طالب الحجز رفع دعوى في الموضوع  داخل عشرة أيام  من تاريخ صدور الأمر بالحجز، وفي حالة عدم إدلاء طالب الحجز  بما يثبت قيامه بذلك داخل الأجل المذكور، يعتبر الحجز لاغيا ويشطب عليه تلقائيا .″
المادة 552: ″ إذا تعلق الحجز التحفظي بعقار محفظ  أو في طور التحفيظ، فإن الأمر الصادر به يوضع بالمحافظة العقارية لتقييده بسعي من المستفيد منه .
إذا تعلق الأمر بحجز تحفظي  على عقار غير العقارات المشار إليها  في الفقرة أعلاه  حدده المحضر ببيان مكان وجوده وحدوده ومساحته إن أمكن، مع الإشارة إلى كل المعلومات المفيدة وترسل نسخة من الأمر بالحجز والمحضر بواسطة المكلف بالتنفيذ إلى رئيس المحكمة الابتدائية،  قصد تقييده بسجل خاص موضوع رهن إشارة العموم ويقع الإشهار علاوة على ذلك لمدة خمسة عشر يوما  بتعليق الإعلان بالمحكمة وكذا بالقيادة و السوق المحلي  اللذين يوجد بدائرتهما العقار على نفقة الحاجز.″
أولا :الإشكالات التي تثيرها المادة 549
1_ تحديد مدة الحجز التحفظي 
لقد حدد مشروع قانون المسطرة المدنية أجل الحجز التحفظي في عشرة أيام من تاريخ صدوره، ويبدو واضحا من خلال هذا المقتضى، أن واضعي مشروع قانون المسطرة المدنية، حاولوا معالجة إشكالية هامة ترتبط بالحجز التحفظي، الذي لم تكن مدته محددة، بحيث يستمر الحجز لسنوات عديدة دون أن يبادر المستفيد منه إلى تقديم دعوى في الموضوع أو مواصلة إجراءات الحجز، وهو ما يشكل عائقا أمام تصرف المالك في ملكه مع ما يترتب على ذلك من آثار اقتصادية، تجعل رصيدا عقاريا مهما خارج الدورة الاقتصادية وخارج سوق الائتمان، لذلك فإن تحديد مدة الحجز التحفظي يبقى فعلا توجها سليما و محمودا و إن كان الأجل المقرر يبقى قصيرا جدا .
والملاحظة الثانية التي يمكننا إبداؤها هي أن واضعي مشروع قانون المسطرة المدنية تأثروا فعلا بفلسفة المشرع المعتمدة في ضبط و تقنين مؤسسة التقييد الاحتياطي  من خلال تحديد مدة صلاحية الحجز  التحفظي الذي يشكل وسيلة لحماية الحق الشخصي، وكذلك من خلال الطريقة التي يمكن من خلالها ضمان بقاء الحجز منتجا، لآثاره القانونية، إذ نجد واضعي المشروع علقوا بقاء الحجز على ضرورة تقديم دعوى في الموضوع داخل أجل عشرة أيام  تحت طائلة اعتباره لاغيا وقابلا للتشطيب عليه تلقائيا. 
ثم إن مشروع قانون المسطرة المدنية باستعماله عبارة التشطيب التلقائي فهو بدون شك يقصد التشطيب الذي يقوم به المحافظ  و الذي يهم  الحجز التحفظي المقيد بالرسم العقاري أو المودع بمطلب التحفيظ  و بالتالي فالمحافظ  و بمجرد مضي مدة عشرة أيام سيقوم بالتشطيب على الحجز التحفظي تلقائيا .
 إلى حدود الآن الأمور تبدو واضحة، لكن التساؤل المطروح هو ذاك الغموض الذي يلف مسطرة استمرار الحجز، وهو ما سنتناوله في النقطة الموالية.
2 - ضمان استمرار الحجز بتقديم دعوى في الموضوع  
 لقد ألزمت  المادة 549 من المشروع، طالب الحجز بتقديم دعوى في الموضوع  وفي حالة عدم إدلائه بما يثبت قيامه بذلك سيتم التشطيب عليه التساؤل المطروح أمام من سيتم الإدلاء بما يفيد تقديم دعوى في الموضوع، هل أمام رئيس المحكمة أم أمام المحافظ  الملزم بالتشطيب التلقائي؟. المادة  549  من المشروع سكتت عن الأمر في موضع يقتضي التوضيح رفعا للإشكال الأمر الذي يجعلنا أمام فرضين :
- الإدلاء بمقال الدعوى أمام رئيس المحكمة . 
إذا تبنينا هذا الحل، فإن أول مسألة تعترضنا هي عدم الانسجام بين الأجل الذي هو عشرة أيام و بين مسألة رفع دعوى في الموضوع داخل أجل عشرة أيام، بمعنى أن طالب الحجز بإمكانه تقديم الدعوى إلى غاية اليوم العاشر، وبعد ذلك يدلي لرئيس المحكمة بما يفيد تقديم هذه الدعوى أي أن إخبار رئيس المحكمة بما يفيد تقديم الدعوى سيكون في اليوم الموالي، وفي هذه الحالة، فإن المحافظ لن يكون لديه أي علم بتقديم هذه الدعوى، وأجل عشرة أيام قد مضى وسيقوم لا محالة بالتشطيب على الحجز التحفظي في أقرب فرصة تتاح له مادام المشرع سمح بإمكانية التشطيب التلقائي وذلك لتحيين الرسوم العقارية، وحتى إذا أغفل المحافظ ذلك، فإن المحجوز عليه، سيتقدم لا محالة بطلب التشطيب، لذلك فإن الإدلاء بما يفيد تقديم دعوى في الموضوع أمام رئيس المحكمة، ليس إجراء كافيا لضمان بقاء الحجز في ظل الصياغة الحالية للمادة 549 من المشروع.
ثم التساؤل الآخر المطروح، هل يكفي فقط الإدلاء بنسخة من المقال أمام رئيس المحكمة أم أن استمرار الحجز يستلزم استصدار أمر جديد بالإبقاء على الحجز إلى حين البت في دعوى الموضوع، أو ما يمكن تسميته  بتصحيح الحجز. وأعتقد أن إخبار رئيس المحكمة بما يفيد تقديم دعوى الموضوع ليس كافيا، لأن هناك متدخلا آخر أناط به المشرع مهمة التشطيب على الحجز بمجرد انصرام الأجل، وهو المحافظ العقاري  لذلك يبقى من الضروري استصدار أمر جديد قبل مضي أجل عشرة أيام وتقديمه أيضا للمحافظ قبل مضي هذه المدة، لكن الملاحظ هو أن سلوك هذه المسطرة لا يتناسب مع أجل عشرة أيام  الذي يعتبر أجلا قصيرا وغير كاف بحيث أن سلوك ثلاث مساطر، وهي استصدار أمر الحجز التحفظي ثم تقديم دعوى في الموضوع، واستصدار أمر جديد باستمرار الحجز داخل هذا الأجل يبقى أمرا صعبا .


Thursday, November 06, 2014

مسودة مشروع قانون يتعلق بالتنظيم القضائي

لجنة المالية والتنمية الاقتصادية لمشروع قانون رقم 033.14 بتغيير وتتميم القانون رقم 011.71 بتاريخ 12 من ذي القعدة 1391 ( 30 ديسمبر 1971 ) المحدث بموجبه نظام المعاشات المدنية.


تقرير اللجنةالحالةتاريخ الإحالة على اللجنةملاحظات
مصدر النص
نوعية النص
الاسم
الرقم
الدورة / السنة التشريعية
اللجنة المختصة  
القراءة الأولى صادق عليه مجلس النواب - القراءة 1
2014-07-17
أحيل من مجلس المستشارين. وافق عليه مجلس النواب بالأغلبية: الموافقون 131 المعارضون 1 الممتنعون لا أحد. أحيل إلى السيد رئيس الحكومة والوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني والأمين العام بتاريخ 23/07/2014
مجلس المستشارين
مشروع قانون
مشروع قانون رقم 033.14 بتغيير وتتميم القانون رقم 011.71 بتاريخ 12 من ذي القعدة 1391 ( 30 ديسمبر 1971 ) المحدث بموجبه نظام المعاشات المدنية.
دورة أبريل 2014/2013-2014
لجنة المالية والتنمية الاقتصادي

Saturday, November 01, 2014

الآثار المدنية و الزجرية لواقعة عدم تنفيذ عقد

توصف المادة 230 من قانون الإلتزامات و العقود بأنها العمود الفقري لهذا النص القانوني، فهي تكرس مبدأ العقد شريعة المنعاقدين و تنص على أن: 
«الإلتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون.»
فهذه المادة تشير إلى أن الإلتزام الناشئ من العقد يعادل في قوته الإلتزام الناشئ من القانون، وأنه كما لا يجوز لشخص أن يتحلل من التزام فرضه القانون، لا يجوز للمتعاقد أن يتجاهل التزاما أنشأه عقد كان طرفا فيه.
فالعقود لا يمكن نقضها أو تعديلها إلا بموافقة الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون فليس لأحد المتعاقدين أن ينفرد بنقض العقد أو تعديله، لكون العقد نتيجة تلاق بين إرادتين.
أما واقعة عدم تنفيذ عقد فهي في الأصل مس و إخلال بالأسس الفلسفية والأخلاقية والاقتصادية لمقتضيات المادة 230 من قانون الالتزامات و العقود.
الإخلال بالأساس الفلسفي، يكمن في تجاهل مبدأ سلطان الإرادة، و الإخلال بالأساس الأخلاقي، في عدم احترام العهود والمواثيق، وأخيرا الأساس الاقتصادي، عبر المس بمصالح الناس المالية.
فتنفيذ العقود، و احترام العهود، من المبادئ التي استقرت عليها الفطرة السليمة لكل الشعوب و الأمم عبر التاريخ، فتحدث اليونانيون عن «Pacta sunt servanda» و تحدث الفرنسيون عن «Le respect de La parole donné» و أضافوا على أن «Les conventions doivent être respectées»، ولم تخرج الشريعة الإسلامية عن هذه القاعدة، وهي التي جاءت لتتمم مكارم الأخلاق، فقال عز وجل «و َأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ» و قال أيضا «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و اعتبرته منافقا، من وعد و أخلف.
و قد يشوب الالتزامات التعاقدية المتقابلة تقصير من أحد المتعاقدين في القيام بتنفيذ ما في ذمته من التزام، ويكون أمام الطرف الآخر في العقد إحدى وسيلتين، دعوى مدنية أو تجارية، أو شكاية جنحية لأن واقعة عدم تنفيذ عقد لها آثار ذات صبغة مدنية، و أخرى ذات بعد زجري.
الآثار ذات الصبغة المدنية
المسؤولية المدنية أو العقدية، هناك مجال لإثارتها و إعمالها، ليس فقط عندما يجد أحد طرفي العقد نفسه أمام واقعة عدم تنفيذ عقد عبر تخلف الطرف المقابل عن تنفيذ التزاماته التعاقدية، ولكن أيضا إذا تعلق الأمر بتأخر في التنفيذ أو سوء تنفيذ.
و هكذا، إذا امتنع أو تأخر أحد طرفي العقد عن تنفيذ التزامه، كليا أو جزئيا، من غير سبب مقبول، يكون في حالة مطل، بمجرد حلول الأجل المقرر في السند المنشئ للالتزام.
فإن لم يعين للالتزام أجل، لم يعتبر المدين في حالة مطل، إلا بعد أن يوجه إليه أو إلى نائبه القانوني إنذار صريح بوفاء الدين، ويجب أن يتضمن هذا الإنذار:
طلبا بتنفيذ التزامه في أجل معقول.
تصريحا بأنه إذا انقضى هذا الأجل فإن الدائن يكون حرا في أن يتخذ ما يراه مناسبا إزاء المدين.
و يجب أن يحصل هذا الإنذار كتابة، ويجوز أن يحصل ولو ببرقية أو برسالة مضمونة أو بالمطالبة القضائية ولو رفعت إلى قاض غير مختص.
و لا يكون الإنذار من الدائن واجبا:
إذا رفض المدين صراحة تنفيذ التزامه.
إذا أصبح التنفيذ مستحيلا.
إذا كان المدين في حالة مطل، كان للدائن الحق في إجباره على تنفيذ الالتزام، مادام تنفيذه ممكنا، فإن لم يكن ممكنا، جاز للطرف المتضرر أن يطلب فسخ العقد، وله الحق في التعويض في الحالتين.
أما إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن إلا في جزء منه، جاز للدائن أن يطلب إما تنفيذ العقد بالنسبة إلى الجزء الذي مازال ممكنا، وإما فسخه وذلك مع التعويض على الضرر في الحالتين.
و الضرر هو إما ما يلحق الدائن من خسارة حقيقية، أوما فاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام، وتقدير الظروف الخاصة بكل حالة موكول للقاضي، الذي يجب عليه أن يقدر التعويضات بكيفية مختلفة حسب خطأ المدين أو تدليسه.
إلا أنه لا مجال لأي تعويض، إذا أثبت المدين أن عدم الوفاء بالالتزام أو التأخير فيه ناشئ عن سبب لا يمكن أن يعزى إليه، كالقوة القاهرة، أو الحادث الفجائي أو مطل الدائن.
و الالتزام بعمل يتحول عند عدم الوفاء إلى تعويض، إلا أنه إذا كان محل الالتزام عملا لا يتطلب تنفيذه فعلا شخصيا من المدين، جاز للدائن أن يحصل بنفسه على تنفيذه على نفقة المدين.
ولا يقع فسخ العقد بقوة القانون، و إنما يجب أن تقول به المحكمة، أما إذا اتفق المتعاقدان على أن العقد يفسخ عند عدم وفاء أحدهما بالتزاماته، وقع الفسخ بقوة القانون، بمجرد عدم الوفاء.
الآثار ذات البعد الزجري
اعتبر المشرع واقعة عدم تنفيذ عقد، جريمة، و نص عليها و على عقوبتها بالباب التاسع المتعلق بالجنايات والجنح الخاصة بالأموال، في فرعه الثالث المخصص لخيانة الأمانة، والتملك بدون حق، المادة 551 التي تنص على أنه:
«من تسلم مقدما مبالغ من أجل تنفيذ عقد، ثم رفض تنفيذ هذا العقد أو رد تلك المبالغ المسبقة، دون عذر مشروع، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من مائتين إلى مائتين وخمسين درهما».
واستهدف المشرع من خلال تجريم مثل هكدا فعل، الضرب على يد بعض أشباه المقاولين المحتالين و النصابين وخائني الأمانة، وغير النزهاء، الذين يمسون بسلوكهم هذا، استقرار المعاملات.
و إعمال مقتضيات هذه المادة قد يكون بدافع تفادي المساطر المدنية أو التجارية الطويلة و المكلفة، لإجبار متعاقد على الوفاء بالتزاماته التعاقدية.
وتتلخص العناصر المكونة لهذه الجريمة فيما يلي:
فعل مادي يتمثل في تسلم، مقدما، مبالغ مالية من أجل تنفيذ عقد.
عدم تنفيذ العقد.
الإمتناع عن رد المبلغ المقبوض.
النية الإجرامية التي تتجسد في غياب العذر المشروع.
والعمل القضائي أوضح في غير ما مناسبة شروط إعمال مقتضيات هذه المادة بحيث استقر على اعتبار فعلَيْ الإمتناع عن تنفيذ العقد أو رد المبلغ المقبوض، و انتفاء العذر المشروع، شرطين للقول بقيام الجريمة:
«لا يكفي لقيام الجريمة المنصوص عليها في الفصل 551 من القانون الجنائي عدم تنفيذ العقد بل إن الذي يكون هذه الجريمة هو الإمتناع عن تنفيذ العقد أو رد المبلغ المقبوض..دون عذر مشروع».
قرار للمجلس الأعلى، صادر بتاريخ 12/10/1989، عدد 7297، في الملف الجنحي 13505/97، مجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 45 ص 186.
وجاء في قرار آخر للمجلس الأعلى:
«جريمة عدم تنفيذ عقد تتطلب أن يكون المتهم قد تسلم مقدما مبالغ مالية من أجل تنفيذ عقد ثم رفض التنفيذ أو رد المبالغ دون عذر مشروع».
قرار للمجلس الأعلى، صادر بتاريخ 15/09/1995 عدد 1503/3، الملف عدد 18708/92، مجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 49-50 ص 206.
و في نفس الإتجاه سار قرار آخر:
«إن عدم تنفيذ العقد وحده لا يكون جريمة، أما الذي يكون جريمة فهو عدم رد المبلغ المقبوض مقدما من أجل تنفيذ عقد».
قرار صادر عن محكمة الإستئناف بفاس، بتاريخ 20/02/1979 عدد 946، ملف جنحي عدد 3892، مجلة القضاء و القانون، عدد 129 ص 288 و ما يليها.
و بالتالي، و أمام استفحال ظاهرة التملص و الإخلال بالالتزامات، يبقى تفعيل مثل هذا النص القانوني، أي المادة 551 من القانون الجنائي، من شأنه المساهمة في تخليق عالم الأعمال، و رد الإعتبار للإلتزامات و العقود، لكون العقوبة الجنائية تستهدف، من ضمن ما تستهدفه، ردع المتلاعبين و المستهينين باستقرار المعاملات، تجارية كانت أو مدنية.

عبد اللطيف أيت بوجبير - محام بهيئة الدار البيضاء 

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا