شكل إصلاح منظومة العدالة عبر زمن التدبير الحكومي في الماضي، أولوية صعبة المناولة أو الاقتراب الكامل والشامل على مر مشاريع واهتمامات الحكومات المتعاقبة بالمغرب، نظرا لتداخل واجب ومصلحة المواطن باعتباره متقاضيا واقعيا أو احتماليا، وهو المنسوب إليه التشكي الدائم ورفع شعار انعدام ثقته في العدالة وجزمه القاطع باهتزازها مرة تلو الأخرى، مع متطلبات الحقوقي والسياسي وحقوق وطلبات القاضي بتحسين وضعيته والاهتمام بظروف عمله وبمناخ إنتاجه القضائي، والعنصر البشري بالمحاكم، والقوانين المتحكمة في مسار النزاعات والحقوق، بالإضافة إلى مطالبات الممتهنين للمهن القضائية وعلى رأسهم المحامين.
سجل في المغرب، ولأول مرة في تاريخه توفقه في بلورة خريطة طريق متعلقة بإصلاح منظومة العدالة، جاءت نتيجة حوار وطني كلل بالميثاق المعلن عن مضمونه وتوصياته وآليات تنفيذها من قبل وزير العدل والحريات، الخميس 12 شتنبر الماضي وذلك بعد 41 اجتماعا على مستوى الهيأة العليا للحوار و11 ندوة جهوية خطت الخريطة القضائية للمملكة واستشارة كتابية همت 111 هيأة مهنية ومنظمة بالإضافة إلى 104 ندوات مواكبة على صعيد محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية وخلال مدة زمنية قاربت السنة.
ومن أهم ما أبرزه الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة والميثاق المتصل به، والذي جاء نتيجة لعدة جولات استماع والبوح الجماعي بكل حرية، ودون رقابة أو شرط لكل الفاعلين في القطاع و المسؤولين القضائيين وبعد التركيز على الانتقادات الموجهة إلى العدالة المغربية، سواء التي تخص البطء في البت أو جودة الأحكام أو البعد عن المتقاضين أو تكلفة التقاضي أو ضعف البنايات والتجهيز وتراكم الملفات غير المنفذة وآفة التبليغ وتجهيز الملفات ومطالبة المواطنين بالأمن القضائي وتسهيل ولوجهم للعدالة، فإن مهنة المحاماة باعتبارها الفاعل الأساسي في منظومة العدالة شملها مشروع الإصلاح بشكل مباشر وواضح سواء في التشخيص العام للوضع القضائي بالمغرب ولم يستثنها ميثاق إصلاح منظومة العدالة من توصياته، التي وضعتها موضع الجد في الأولويات بشكل خلف ردود فعل إيجابية من جهة بخصوص البعض منها ومن جهة أخرى ردودا منتقدة للميثاق برمته ورافضة له. وحسب وجهة نظرنا، فإن هذا التجاذب يرجع أساسه إلى الغيرة على قطاع العدالة أولا، وحبا في مهنة المحاماة التي نشأت حرة وقدمت للإنسانية عبر التاريخ أدوارا، يصعب جمعها أو حصرها بشكل كلي، ولكن يمكن إجمالها في أنها أسعدت الإنسان المظلوم، وأنصفته وثبتت حقه في العدل والمساواة والاحتكام للقانون.
وبالرغم من الانتقادات الموجهة للمحامي، سواء فردا أو لإطاره الهيكلي كهيأة، فإن كل هذا جاء نتيجة طبيعية لعطائه الميداني طيلة سنين من الممارسة، وجاء نتيجة لأهمية دوره في العدالة والرهان المعمول عليه بشكل أساسي لرفع قاطرة الإصلاح وتنزيل مضامين الميثاق وتوصياته، سواء كانت هذه الانتقادات مبنية على وقائع وحقائق أو كانت ادعاءات وتحاملات، لا تخلو من استفزاز ايجابي له ومفيد للمهنة والعدالة والمواطن.
لذا وانطلاقا من أن المحامي الناجح هو الحامل هبة الشجاعة وهي صفة جميلة من صفات الشهامة ومن مميزات الشخصية الاستثنائية التي ينفرد بها المحامي دون باقي المهن الحرة الأخرى، شخصا غير عاد يتحدى الواقع والصعاب من أجل نصرة الحق.
فمهنة المحاماة تربي في شخص المحامي كيف يتخذ قراراته في الدفاع بكل اطمئنان وشجاعة في الحسم والقول والفعل انطلاقا من وضعية المهمة الموكولة إليه، فالمحامي ليس بالخصم الحقيقي لأي نزاع وليس بطرف من أطرافه، وإنما هو وكيل يتولى مهمة محددة غايته هي الدفاع عن مصالح وحقوق موكله بكل أدب ووفق الأعراف والتقاليد المهنية التي ترعرع ونشأ فيها، ولعمري هي قيم وقواعد أخلاقية متكاملة وشامخة الجلالة والقدر بما يكفي للدفع به معنويا لتحقيق نبل رسالته الإنسانية والاجتماعية وكفيلة بنصرته لحقوقه البسيطة والعادلة تحمي مركزه في منظومة العدالة وتقر بعطاءاته وضمانات استقلاليته التي لا تقبل كالطير الحر أي قيد أو عقل.
وانطلاقا من أن أي عمل بشري لا يخلو من نواقص ولا يستثنى من الانتقادات، كيفما كانت نتائجه وأفكاره وإبداعات مقترحاته وتوصياته، مما يجعل ميثاق منظومة العدالة باعتباره نتاج عقل بشري من زمرة العمل القابل للنقد والانتقاد وفي الآن نفسه، لا يستقيم منطق الواقع أن تتنكر لمكتسباته إن لم تكن في الكل، فلا يمكن أن تحرمه ولو من جزء منه ولعله الاتفاق الكامل والشامل من جميع المشاركين والمعارضين لمسار الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة وهو: " أن العدالة من حيث الواقع المغربي ليست بخير".
لذا فإن مهنة المحامي، المهنة النبيلة، الجميلة، الإنسانية المنشأ والهدف، بحاجة إلى من يحيطها بعناية الحب والغيرة والوفاء ويبعدها عن أي حسابات ضيقة سياسية أو ذاتية أو غير مفهومة من أي طرف كان، مع العلم أن كل من يتجاذب حولها اليوم هم أبناء الدار وأمل القواعد والشباب من المحامين في فجر يوم جديد لمهنتهم، يكون كفيلا يشحن هممهم ويقوي عزيمتهم في الاستمرارية و العطاء.
و نظرا لصعوبة ومغامرة تناول هذا الموضوع في ظل هذا الجو المشحون، ما بين طرفي موكول إليهما إلى حد كبير، ضبط معادلة مهنة المحاماة انطلاقا من إيماننا بالمؤسسات ودورها في التأطير والتدبير والدفاع والحفاظ على المكتسبات، فإننا لم نجد سوى طرح بعض الأسئلة الإنكارية كتمهيد لفتح النقاش حول مهنة المحاماة وواقع التجاذبات على ضوء توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة وبشكل مجرد ونابع من رأي ذاتي وشخصي مستمد من قيم المهنة وضريبة اختيار الانتماء إليها وقسمها.
- هل المحامون ضد إصلاح منظومة العدالة؟
- هل المحامي لا يريد مصلحة بلاده و وطنه و يفضل عليها مصلحته الذاتية؟
- هل المحامون بالمغرب لم يقدموا مقترحات و مطالب طوال جولات الحوار؟
- هل الدولة وفية بالتزاماتها تجاه المحامين المزاولين للمساعدة القضائية بالمجان لمدة عقود من الزمن؟
- هل جمعية هيآت المحامين بالمغرب لم تشارك ولم تقدم أي مقترحات تخص إصلاح منظومة العدالة؟
- هل المحاماة بخير وفي رتبة مشرفة مجتمعيا وقطاعيا؟
- هل وزير العدل والحريات قدم بصفتيه الحكومية والمهنية لزملائه ما يطمئنهم على حالة مهنتهم؟
- هل تمثيلية المحامي على مستوى الهيآت الوطنية نزيهة ومقنعة وقادرة على خلخلة الواقع المهني المتناقض والجامد التفاعل مع ما هو منتظر من دوره أخلاقيا ووطنيا واجتماعيا وقطاعيا ؟
- هل المواطن يمكن له أو يستطيع الاستغناء على خدمات المحامي؟
- هل مواقف المحامين مهنية محضة أم تزينها أهداف سياسية من الباطن؟
- هل السيد وزير العدل والحريات يؤمن بالرأي المخالف، ويقبل بالحوار الهادئ وبدون شروط لإصلاح الواقع المهني هرما وقواعد؟
- هل توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة لا تحمل أي أفكار تساهم في الرقي بمهنة المحاماة؟
- هل توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة حد أقصى لا يمكن التفكير في ما هو أفضل وأحسن منها و بلورته فيما تبقى من مناقشات مجتمعية؟
بقلم: مصطفى يخلف, محام بهيأة أكادير ورئيس جمعية حوار
سجل في المغرب، ولأول مرة في تاريخه توفقه في بلورة خريطة طريق متعلقة بإصلاح منظومة العدالة، جاءت نتيجة حوار وطني كلل بالميثاق المعلن عن مضمونه وتوصياته وآليات تنفيذها من قبل وزير العدل والحريات، الخميس 12 شتنبر الماضي وذلك بعد 41 اجتماعا على مستوى الهيأة العليا للحوار و11 ندوة جهوية خطت الخريطة القضائية للمملكة واستشارة كتابية همت 111 هيأة مهنية ومنظمة بالإضافة إلى 104 ندوات مواكبة على صعيد محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية وخلال مدة زمنية قاربت السنة.
ومن أهم ما أبرزه الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة والميثاق المتصل به، والذي جاء نتيجة لعدة جولات استماع والبوح الجماعي بكل حرية، ودون رقابة أو شرط لكل الفاعلين في القطاع و المسؤولين القضائيين وبعد التركيز على الانتقادات الموجهة إلى العدالة المغربية، سواء التي تخص البطء في البت أو جودة الأحكام أو البعد عن المتقاضين أو تكلفة التقاضي أو ضعف البنايات والتجهيز وتراكم الملفات غير المنفذة وآفة التبليغ وتجهيز الملفات ومطالبة المواطنين بالأمن القضائي وتسهيل ولوجهم للعدالة، فإن مهنة المحاماة باعتبارها الفاعل الأساسي في منظومة العدالة شملها مشروع الإصلاح بشكل مباشر وواضح سواء في التشخيص العام للوضع القضائي بالمغرب ولم يستثنها ميثاق إصلاح منظومة العدالة من توصياته، التي وضعتها موضع الجد في الأولويات بشكل خلف ردود فعل إيجابية من جهة بخصوص البعض منها ومن جهة أخرى ردودا منتقدة للميثاق برمته ورافضة له. وحسب وجهة نظرنا، فإن هذا التجاذب يرجع أساسه إلى الغيرة على قطاع العدالة أولا، وحبا في مهنة المحاماة التي نشأت حرة وقدمت للإنسانية عبر التاريخ أدوارا، يصعب جمعها أو حصرها بشكل كلي، ولكن يمكن إجمالها في أنها أسعدت الإنسان المظلوم، وأنصفته وثبتت حقه في العدل والمساواة والاحتكام للقانون.
وبالرغم من الانتقادات الموجهة للمحامي، سواء فردا أو لإطاره الهيكلي كهيأة، فإن كل هذا جاء نتيجة طبيعية لعطائه الميداني طيلة سنين من الممارسة، وجاء نتيجة لأهمية دوره في العدالة والرهان المعمول عليه بشكل أساسي لرفع قاطرة الإصلاح وتنزيل مضامين الميثاق وتوصياته، سواء كانت هذه الانتقادات مبنية على وقائع وحقائق أو كانت ادعاءات وتحاملات، لا تخلو من استفزاز ايجابي له ومفيد للمهنة والعدالة والمواطن.
لذا وانطلاقا من أن المحامي الناجح هو الحامل هبة الشجاعة وهي صفة جميلة من صفات الشهامة ومن مميزات الشخصية الاستثنائية التي ينفرد بها المحامي دون باقي المهن الحرة الأخرى، شخصا غير عاد يتحدى الواقع والصعاب من أجل نصرة الحق.
فمهنة المحاماة تربي في شخص المحامي كيف يتخذ قراراته في الدفاع بكل اطمئنان وشجاعة في الحسم والقول والفعل انطلاقا من وضعية المهمة الموكولة إليه، فالمحامي ليس بالخصم الحقيقي لأي نزاع وليس بطرف من أطرافه، وإنما هو وكيل يتولى مهمة محددة غايته هي الدفاع عن مصالح وحقوق موكله بكل أدب ووفق الأعراف والتقاليد المهنية التي ترعرع ونشأ فيها، ولعمري هي قيم وقواعد أخلاقية متكاملة وشامخة الجلالة والقدر بما يكفي للدفع به معنويا لتحقيق نبل رسالته الإنسانية والاجتماعية وكفيلة بنصرته لحقوقه البسيطة والعادلة تحمي مركزه في منظومة العدالة وتقر بعطاءاته وضمانات استقلاليته التي لا تقبل كالطير الحر أي قيد أو عقل.
وانطلاقا من أن أي عمل بشري لا يخلو من نواقص ولا يستثنى من الانتقادات، كيفما كانت نتائجه وأفكاره وإبداعات مقترحاته وتوصياته، مما يجعل ميثاق منظومة العدالة باعتباره نتاج عقل بشري من زمرة العمل القابل للنقد والانتقاد وفي الآن نفسه، لا يستقيم منطق الواقع أن تتنكر لمكتسباته إن لم تكن في الكل، فلا يمكن أن تحرمه ولو من جزء منه ولعله الاتفاق الكامل والشامل من جميع المشاركين والمعارضين لمسار الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة وهو: " أن العدالة من حيث الواقع المغربي ليست بخير".
لذا فإن مهنة المحامي، المهنة النبيلة، الجميلة، الإنسانية المنشأ والهدف، بحاجة إلى من يحيطها بعناية الحب والغيرة والوفاء ويبعدها عن أي حسابات ضيقة سياسية أو ذاتية أو غير مفهومة من أي طرف كان، مع العلم أن كل من يتجاذب حولها اليوم هم أبناء الدار وأمل القواعد والشباب من المحامين في فجر يوم جديد لمهنتهم، يكون كفيلا يشحن هممهم ويقوي عزيمتهم في الاستمرارية و العطاء.
و نظرا لصعوبة ومغامرة تناول هذا الموضوع في ظل هذا الجو المشحون، ما بين طرفي موكول إليهما إلى حد كبير، ضبط معادلة مهنة المحاماة انطلاقا من إيماننا بالمؤسسات ودورها في التأطير والتدبير والدفاع والحفاظ على المكتسبات، فإننا لم نجد سوى طرح بعض الأسئلة الإنكارية كتمهيد لفتح النقاش حول مهنة المحاماة وواقع التجاذبات على ضوء توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة وبشكل مجرد ونابع من رأي ذاتي وشخصي مستمد من قيم المهنة وضريبة اختيار الانتماء إليها وقسمها.
- هل المحامون ضد إصلاح منظومة العدالة؟
- هل المحامي لا يريد مصلحة بلاده و وطنه و يفضل عليها مصلحته الذاتية؟
- هل المحامون بالمغرب لم يقدموا مقترحات و مطالب طوال جولات الحوار؟
- هل الدولة وفية بالتزاماتها تجاه المحامين المزاولين للمساعدة القضائية بالمجان لمدة عقود من الزمن؟
- هل جمعية هيآت المحامين بالمغرب لم تشارك ولم تقدم أي مقترحات تخص إصلاح منظومة العدالة؟
- هل المحاماة بخير وفي رتبة مشرفة مجتمعيا وقطاعيا؟
- هل وزير العدل والحريات قدم بصفتيه الحكومية والمهنية لزملائه ما يطمئنهم على حالة مهنتهم؟
- هل تمثيلية المحامي على مستوى الهيآت الوطنية نزيهة ومقنعة وقادرة على خلخلة الواقع المهني المتناقض والجامد التفاعل مع ما هو منتظر من دوره أخلاقيا ووطنيا واجتماعيا وقطاعيا ؟
- هل المواطن يمكن له أو يستطيع الاستغناء على خدمات المحامي؟
- هل مواقف المحامين مهنية محضة أم تزينها أهداف سياسية من الباطن؟
- هل السيد وزير العدل والحريات يؤمن بالرأي المخالف، ويقبل بالحوار الهادئ وبدون شروط لإصلاح الواقع المهني هرما وقواعد؟
- هل توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة لا تحمل أي أفكار تساهم في الرقي بمهنة المحاماة؟
- هل توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة حد أقصى لا يمكن التفكير في ما هو أفضل وأحسن منها و بلورته فيما تبقى من مناقشات مجتمعية؟
بقلم: مصطفى يخلف, محام بهيأة أكادير ورئيس جمعية حوار
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى