Friday, February 14, 2014

ضمانات القضاة والمتقاضين على ضوء الدستور ومشروعي القانونين التنظيميين

ضمانات القضاة والمتقاضين على ضوء الدستور ومشروعي القانونين التنظيميين
بقلم:  أحمد ابادرين

السلطة القضائية، المجلس الأعلى للسلطة القضائية، المؤسسة التدبيرية للقضاء أو المؤسسة التدبيرية للسلطة القضائية، كل هذه المسميات أو التسميات تستعمل عند الحديث عن القضاء قبل وبعد إقرار دستور 2011، وكان الجميع يطالب بالارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة وكأن في ذلك مفتاحا وعلاجا لما يلاحظه الجميع من خلل.  لنبدأ بتصورنا للسلطة القضائية أو للقضاء كسلطة، لنرى بعد ذلك الوضع الاعتباري والمؤسساتي لها، على ضوء الوثيقة الدستورية ومشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالقضاة وبالمجلس الأعلى. نحكم على المؤسسة (أي مؤسسة) من خلال الصلاحيات الموكولة إليها وكيفية أدائها لمهامها وليس من خلال الاسم الذي أعطي لها. لما حضرنا أمام اللجنة المختصة بصياغة الدستور، ألقينا عرضا تحدثنا فيه عن تصورنا للسلطة القضائية وتقدمنا بمقترحات، مهدنا لها بما يقوله الفقه الدستوري بأن الفصل بين السلط لا يعني الاستقلال في الرقابة وفي التدبير وأن مبدأ «السلطة تحدها سلطة» يقتضي أن تخضع كل سلطة لرقابة السلط الأخرى. وبما أن الشعب هو مصدر كل السلط، فإن آليات مساءلة ومراقبة هذه السلط ينبغي أن تتيح للشعب، إما مباشرة أو بواسطة منتخبيه ومختلف تعبيراته، إمكانية المساءلة والمراقبة، لأن إسناد سلطة بمقتضى الدستور لجهة دون التنصيص على آلية لمحاسبتها ومراقبتها يعتبر تشريعا للاستبداد والتسلط. وإذا كانت السلطة التنفيذية (الحكومة) تخضع في أداء مهامها لرقابة السلطة التشريعية (البرلمان)، فإن السلطة التشريعية هذه تخضع لرقابة الناخبين (أي الشعب الذي هو مصدر كل السلط) عبر صناديق الاقتراع وهذه الآلية متعارف عليها في كل دساتير العالم. وبما أن القضاء أريد له أن يصبح سلطة بنص الدستور، فإن هذه السلطة يجب أن تخضع لآلية محاسبة ومراقبة نابعة من الشعب، باعتباره مصدر كل السلط حتى لا تنحرف عن دورها في دعم أسس الحكم (العدل أساس الملك). وبما أن وظيفة القضاء تتولاها مؤسسة تشارك فيها عدة مكونات (قضاة، محامون، كتاب الضبط، مفوضون قضائيون، خبراء، ضابطة قضائية، سلطة إدارية، ومتقاضون) وكل مكون من هذه المكونات له دور في ماكينة العدالة. (جرى العمل بلجان ثلاثية تستعرض وتعالج خلل ومعوقات سير عمل المحاكم لكنها تقتصر على الرئيس الأول والوكيل العام والنقيب). هذه المؤسسة التدبيرية لآلة العدالة يجب أن تقوم بكل ما من شأنه أن يرجع ثقة المواطنين بالقانون وبالعدالة (جهاز نتحدث عنه دون تصوره كل واحد يتشكل في مخيلته على شكل خاص).
كلنا متفقون على أن غايات المحاكمة العادلة هي تحقيق العدل بمفهومه المجتمعي، لأن الحق والعدل لهما مفهوم مجتمعي، وعندما ينطق القاضي بحكم ويخرج الناس مستائين، فإن ذلك يعني أن القاضي لم يوفق في ترجمة الحق والعدل كما يراه ويريده المجتمع.
وشروط القيام بذلك تقتضي أن تكون مكونات العدالة على قرب من هموم المجتمع وثقافته، وذلك عن طريق الإنصات لمختلف تعبيراته واستيعابها بما يخدم رسالة العدل السامية حتى يسترجع الناس ثقتهم بالقانون وبالعدالة (هذا حلم تختلف مستويات الناس فيه).
لأنه عندما يفقد المواطنون الثقة في جهاز العدالة بكل مكوناته، فذلك دليل على أن هنالك خللا في تدبير هذا القطاع بدءا بطريقة الولوج وانتهاء بمنهجية التأطير والرقابة وهو ما يدخل ضمن السياسة العدلية التي ستختص هذه المؤسسة التدبيرية برسم معالمها وتحديد حاجيات القطاع العدلي بكل مكوناته. وكنا اقترحنا إعادة النظر في طريقة الولوج للسلك القضائي والاستغناء عن المعهد الوطني للدراسات القضائية مستحضرين قولة آينشتاين «الأوضاع الفاسدة لا يمكن إصلاحها بالعقليات نفسها التي أنتجتها» واقترحنا استقطاب القضاة من المحامين والخبراء والمفتشين الماليين والإداريين والمحاسبين وكتاب الضبط والمفوضين القضائيين ممن تتوفر فيهم الكفاءة والنضج والقدرة والأهلية والاستقامة والنزاهة للاستفادة من خبراتهم. فهل نجد في الوثيقة الدستورية وفي مشاريع القوانين التنظيمية الخاصة بالقضاة وبالمجلس الأعلى للسلطة القضائية ما يعزز هذا التصور؟
اسمحوا لي أن أعبر عن خيبة أملي، لعدم وضوح التصور ليس فقط لدى السلطة الحكومية التي هيأت مشاريع القوانين التنظيمية، بل عدم وضوح التصور لدى واضعي الوثيقة الدستورية أيضا. فالمادة 107 من الدستور تقول: السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية. الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية. و(الفصل 82 من دستور 1996 يقول: القضاء مستقل عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية). الجديد إذن هو التسمية فقط. في مشروع دستور 1908 المادة 57 تقول ما يلي: السلطان يعين ... قاضي قضاة فاس... وتضيف المادة 66 على أن: القضاة وأهل الفتوى، والعدول يعينهم قاضي القضاة بموافقة مجلس الشرفاء. هكذا كان القضاء يستمد سلطته من سلطة الحاكم.
ثم تطورت الأمور ليصبح القضاء وظيفة من وظائف الدولة وأحدثت آليات للمساءلة والمحاسبة وأيضا لتعويض ضحايا عمل هذه الوظيفة.
القاعدة تقول إن تحقيق العدل مسؤولية من مسؤوليات الدولة وهي المسؤولة عن ضمان الإنصاف لكل المتقاضين، انطلاقا من التزامها بضمان حقوق الإنسان لجميع المواطنين (في ديباجة الدستور نقرأ: المملكة المغربية تتعهد وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا).
في هذا الإطار فإن دول الاتحاد الأوربي وافقت على اتفاقية تسمى الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان وتنص في المادة 19 منها على ما يلي:
لضمان احترام الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف المتعاقدة في هذه المعاهدة تنشأ: 
أ- لجنة أوربية لحقوق الإنسان، يشار إليها في ما بعد باسم «اللجنة».  ب- محكمة أوربية لحقوق الإنسان، يشار إليها باسم «المحكمة». وتوالت ولا تزال تتوالى بروتوكولات ملحقة بهذه الاتفاقية بمثابة مساطير تبين كيفية رفع الشكايات والعرائض إلى اللجنة وإلى المحكمة وهذه تحكم على الدولة المعنية بأداء تعويض للمواطن المشتكي عن الضرر الحاصل له جراء حكم صادر عن دولة عضو بعد استنفاد كافة طرق الطعن المتاحة محليا دون إلغاء الحكم الصادر عن محاكم الدولة المعنية احتراما لمبدأ السيادة.

 بقلم:  أحمد ابادرين
المصدر جريدة الصباح المغربية 
12/02/2014

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا