من المؤكد أن الطعن بالاستئناف، بعد التعديلات المدخلة على قانون المسطرة المدنية وتحديدا بالقانون رقم 35-10، لم يعد يمارس حصريا أمام محكمة الاستئناف فقط كما كان عليه الوضع في السابق، وإنما أضحى أيضا يمارس أمام مرجع استئنافي آخر هو غرفة الاستئنافات المستحدثة ضمن التنظيم الداخلي للمحاكم الابتدائية، وهذا هو أبرز تعديل رام من ورائه المشرع تخفيف الضغط عن محاكم الاستئناف والسرعة في تصريف القضايا التي تصنف ضمن خانة القضايا البسيطة.
أما الحاصل بعد التعديلات الجديدة للمادتين المذكورتين، فهو أن الاختصاص للنظر في الاستئنافات المقدمة ضد الأوامر بالأداء، أضحى منعقدا لمحاكم الاستئناف متى كانت قيمة الدين المطلوب أداؤه تزيد عن مبلغ 20.000 درهم، ومنعقدا في المقابل لغرفة الاستئنافات لدى المحاكم الابتدائية متى كانت قيمة الدين لا تتجاوز هذا المبلغ. وهذا هو الموقف الذي يبدو مؤيدا في الظاهر ومبررا. لكن مقتضيات المادة 24 (ق م م) وفق صياغتها الجديدة قد تطرح موقفا آخر مغايرا وإن كنا لا نرى له من مبرر مسبقا، كيف ذلك؟
أ: مقتضيات الفصل 24 من (ق م م) قد تؤيد الموقف القائل بعدم اختصاص غرفة الاستئنافات بالمحكمة الابتدائية للبت في استئناف أوامر الأداء.
عند مطالعة أحكام الفصل 24 من (ق م م) التي تقضي بما يلي: "... تختص محاكم الاستئناف، عدا إذا كانت هناك مقتضيات قانونية مخالفة بالنظر في استئناف أحكام المحاكم الابتدائية وكذا في استئناف الأوامر الصادرة عن رؤسائها.
استثناء من أحكام الفقرة السابقة تختص غرفة الاستئنافات بالمحكمة الابتدائية بالنظر في الاستئنافات المرفوعة ضد الأحكام الصادرة ابتدائيا عن المحاكم الابتدائية في إطار البند الأول من الفصل 19 أعلاه».
يتضح بأن التعديل الذي أتى به القانون (10-35) قد طال الفقرة الثانية التي هي استثناء للفقرة الأولى طبعا، بمعنى أن الفصل في الاستئنافات هو من حيث الأصل، من اختصاص محاكم الدرجة الثانية والاستثناء هو أن تختص غرفة الاستئنافات بالبت في الطعون المرفوعة ضد الأحكام الابتدائية، والمعيار الفاصل بين الاختصاصين هو معيار قيمة الدعوى أخذا بما هو منصوص عليه في الفصل 19.
غير أن الالتباس الذي قد يعتري قراءة هذه المقتضيات، يظهر من خلال المقارنة بين الصياغة في كلتا الفقرتين، ذلك أن الفقرة الأولى وهي تحدد مجال اختصاص محكمة الاستئناف، ميزت بين الأحكام وبين الأوامر الصادرة عن رئيس المحكمة، في حين أن الفقرة الثانية تحدثت عن الأحكام دون الأوامر، بما يؤدي إلى التساؤل عن المغزى وراء هذه الصياغة، فهل القصد من ذلك يروم استثناء الأوامر من مجال اختصاص الغرفة المذكورة؟ بحيث أن الطعن في هذه الأوامر يرفع في جميع الأحوال أمام محكمة الاستئناف قياسا على الأوامر الاستعجالية والأوامر المبنية على طلب، أم أن الأمر لا يعدو مجرد سهو سرعان ما تداركه عند تعديل الفقرة الأخيرة من المادة 162 مكرر.
ب) مقتضيات الفصل 162 مكرر تؤيد الموقف القائل باختصاص غرفة الاستئنافات بالمحكمة الابتدائية للبت في استئناف اوامر الأداء.
إن الذي يبرر القول بوجوب استئناف أوامر الأداء أمام غرفة الاستئنافات بالمحكمة الابتدائية، هو عبارة الإحالة على الفصل 19 الواردة في الفقرة الأخيرة من الفصل 162 مكرر، وهي الإحالة التي تفضي إلى اعتماد معيار القيمة المالية للطلب في إطار مسطرة الأمر بالأداء.
فمدلول الإحالة في التعديل، يسوي بين غرفة الاستئنافات ومحكمة الاستئناف في صلاحية البت في نظر طلبات وقف التنفيذ الجزئي أو الكلي للأمر بالأداء المبنى على الأوراق التجارية وكذا السندات الرسمية، وهذه الصلاحية بالتأكيد موكولة إلى الجهتين باعتبارهما المرجع الاستئنافي ولا أرى من تفسير آخر.
فمن منطلق هذه الصورة، أي صورة تمييز الفصل بين طلبات الأمر بالأداء المبنية على الأوراق التجارية والسندات الرسمية وبين الأوامر المبنية على مجرد سندات عرفية أو تعهدات مكتوبة، فالأولى تنفذ نفاذا معجلا بغض النظر عن الطعن فيها بالاستئناف، بخلاف الثانية فهي لا تنفذ إلا بعد مرور أجل الاستئناف أو انتهاء مسطرة الطعن، ولا شك في أن إمكانية إيقاف تنفيذ الأوامر الصادرة في الصورة الأولى تبقى قائمة، شريطة تقديم طلب بذلك أمام المرجع الاستئنافي وقبول هذا الطلب. والمرجع الاستئنافي المستفاد من النص يستوي أن يكون محاكم الاستئناف أو غرفة الاستئنافات لدى المحاكم الابتدائية.
وفي المحصلة، نرى ترتيبا على ما ذكر أن مساطر الأمر بالأداء، بما أنها منظمة في المسطرة المدنية بنصوص خاصة، فإن المقتضيات الأخيرة للمادة 162 مكرر، يفهم منها مباشرة على أن معيار الاختصاص القيمي للطلب حاضر في تعيين الجهة المختصة للبت في الاستئنافات المرفوعة ضد أوامر الأداء، بحيث متى كان الدين يتجاوز مبلغ عشرين ألف درهم، فإن محاكم الاستئناف هي المختصة، وفي المقابل ينعقد الاختصاص لغرفة الاستئنافات بالمحاكم الابتدائية متى كان مبلغ الدين إلى غاية عشرين ألف درهم، ولا يمكن لمقتضيات الفصل 24 أن تشوش على هذا الرأي، ما دام أن هذه المقتضيات وردت في إطار تنظيم المسطرة العادية للطعن، ونرى أن المقصود بالأوامر الصادرة عن رؤساء المحاكم الابتدائية في هذا الفصل، هي فقط الأوامر الصادرة عن رؤساء المحاكم الابتدائية في هذا الفصل، هي فقط الأوامر الاستعجالية والأوامر المبنية على طلب، ما دام أن المشرع قد بين صراحة الجهة التي ينبغي رفع الطعن إليها وهي محاكم الاستئناف بدليل الأحكام الواردة في الفصلين 153 و148 (ق م م)، ولا أعتقد أن مدلول الأوامر هنا ينسحب على الأوامر الصادرة بالأداء، تأسيسا على الإطار الخاص والاستثنائي للمسطرة. ولا نستسيغ إمكانية استثناء المعيار القيمي في إطار هذه المسطرة عند ممارسة الطعن وإلا لترك المشرع الأحكام على النحو الذي كانت عليه سابقا، أي تفادي الإحالة على الفصل 19 ما دام أن هذه الإحالة هي مستجدة في الفصل 162 مكرر، لم تكن واردة قبل التعديل على اعتبار أن الأوامر بالأداء قبل التعديل كانت تقبل الاستئناف حتى في الحالة التي يكون فيها الدين يقل عن مبلغ (3000) درهم، ما يؤكد أيضا الطابع الاستثنائي لهذه المسطرة الموكولة لرئيس المحكمة.
ثم لا نرى من حرج في استئناف أوامر رئيس المحكمة الصادرة بالأداء أمام غرفة الاستئنافات داخل المحكمة التي يديرها ويشرف على قضاتها وتتبع مسارهم المهني. فمثل هذا الاعتبار المعنوي لا أثر له على الوظيفة القضائية التي ترتفع عن مثل هذه الاعتبارات قياسا على مقتضيات الفصول 5.6.7.8 من القانون رقم: 64.99 المتعلق باستيفاء الوجيبة الكرائية هذا من جانب ومن جانب آخر لا نعتقد أن المشرع لم يستحضر هذه المسطرة ومميزاتها عند استحداثه لغرفة الاستئنافات.
فنحن نجزم أخذا دائما بالفقرة الأخيرة للمادة 162 مكرر أن المشرع عند استحداثه لغرفة الاستئنافات قد استحضر مساطر الأمر بالأداء ولم يستثنيها من مزية السرعة واختصار الوقت التي تخولها إجراءات الطعن أمام هذه الغرفة وداخل المحكمة نفسها.
بقلم: ذ. نجيب شوقي ,رئيس غرفة بمحكمة الاستئناف بالناظور
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى