Friday, September 20, 2013

دراسة في القانون: الفحص الطبي المضاد في مدونة الشغل (1/3)

إذا كانت الاعتبارات والتوازنات المالية تشكل الوازع الأساسي في سن المراقبة الطبية بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بخصوص المرض غير المهني، 
وبالنسبة إلى شركات التأمين بخصوص المرض المهني، فإنه من دواعي الاستغراب أن يتقرر إخضاع الأجير المريض للفحص الطبي المضاد في إطار المرض 
غير المهني من طرف المشغل لأنه لا يتكفل مباشرة بدفع تعويضات يومية.

قرن المشرع الفرنسي فقد قرن وعلى صواب، حق المشغل في المراقبة بدفعه للتعويضات التكميلية وذلك طبقا لاتفاق بيمهني لسنة 1978 يعرف بـ accord de mensualisation   الذي يفرض على كل من انضم إليه من المشغلين أن يدفع تعويضات تكميلية للأجير المتغيب بسبب مرض غير مهني، وفقا لشروط تتعلق بمدة المرض سن الأجير أقدميته....
بما أن النظام  الحمائي الذي توفره مؤسسة المرض غير المهني لعقد شغل الأجير قد يكون عرضة للتعسف والغش من طرف الأجراء، وذلك  بالإدلاء بشهادات طبية تثبت عجزا  مزعوما يثير شكوك المشغل حول حقيقته، وبما أن  هذه الممارسات  تفضي الى انعكاسات سلبية  متعددة المظاهر، حيث أنها كما تؤثر على  الأسس المالية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تخل بسير ونظام المقاولات وتضعف إنتاجيتها  واقتصاديتها، بالإضافة  إلى أنها تضعف من حماس وتحفيز الأجراء ذوي الضمائر الحية، فقد عمد المشرع إلى إحاطة الحماية التي توفرها مؤسسة المرض غير  المهني، بعدة ضمانات تحد من التحايل.
وتعتبر المراقبة الطبية للمشغل إحدى أسسها، غير أنه رغم أهمية هذا التدبير لم يكلف مشرع مدونة الشغل نفسه عناء تنظيم الإجراءات المتعلقة بالفحص الطبي  المضاد، بل اقتصر في  المادة 271 على التنصيص عليه، وعلى تخويل الحق للمشغل في اختيار الطبيب المراقب، تاركا بذلك الحقل خصبا للاجتهاد القضائي للتكفل بذلك، كلما عرضت عليه منازعات ستسفر عنها الممارسة، مع العلم أن احتمال تعدد أطرافها من مشغل وطبيب معالج وطبيب مراقب وأجير سيزيد من تعقيد التطبيق العملي .مما يجرنا للحديث عن الأطراف المتدخلة في حقل الفحص الطبي المضاد من خلال علاقة المشغل بالطبيب الذي سيختاره لإجراء الفحص المضاد (أولا) وعن إجراءات  المراقبة، وما يمكن أن يسفر عنها من نتائج (ثانيا)

أولا :اختيار المشغل للطبيب المراقب
 
لما كان منطوق الفقرة الثالثة من المادة 271 قد خول للمشغل الحق في استعمال حق المراقبة الطبية على نفقته وحق اختيار الطبيب الذي سيعهد إليه بذلك « يمكن للمشغل أن يعهد على نفقته، إلى طبيب يختاره بنفسه، بأن يجري على الأجير فحصا طبيا مضادا»، فإن المشرع لم يقيد اختيار المشغل للطبيب المراقب بأي قيد من القيود.  
لكن بالرجوع إلى القوانين المنظمة لمهنة الطب ومدونة أخلاقياته، يتضح أن حرية  اختيار الطبيب، ليست على إطلاقها كما يستفاد من منطوق المادة المذكورة، بل  تعتريها  عدة  موانع. 
وفي هذا الصدد،  ومن بين حالات التنافي التي حددتها المادة 54 من قانون ممارسة الطب، والمادة 48 من مدونة أخلاقيات المهنة هي اختيار الطبيب المعالج للأجير لإجراء فحص مضاد عليه، كما أن ذلك الاختيار مقيد بعدم إمكان الطبيب من مزاولة مهنته خارج الجهة التي يوجد بها المجلس الجهوي لهيئة الأطباء المقيد بجدوله إلا استثناء، بل أكثر من هذا فإن الطبيب ملزم بالتقيد بالمجال الترابي للجماعة الحضرية أو القروية أو المجموعة الحضرية التي اختارها، ما يعني أن اختيار المشغل لطبيب خارج الجماعة التي يقطن بها الأجير غير مستساغ .
وتثار عدة تساؤلات فيما يخص صفة الطبيب الذي يختاره المشغل لإنجاز المراقبة، هل يمكن لطبيب الطب العام أن يقوم بفحص طبي مضاد على أجير أدلى بشهادة طبية صادرة عن طبيب متخصص؟ وهل يليق أن  يكون الطبيب المعالج والمراقب ذا تخصصين مختلفين ؟هل يجوز أن يعهد لطبيب حديث العهد بالمهنة بمراقبة أجير أدلى بشهادة طبية صادرة عن طبيب معالج  أقدم منه ممارسة ؟ 
نظن بخصوص التساؤلين الأول والثاني أن الجواب سيكون نفيا، حين نعلم أن الطبيب الذي يقوم بالمراقبة هو طبيب كباقي الأطباء تسري عليه قوانين مهنة الطب وقانون أخلاقيتها و طالما نصت المادة 42 من القانون 10/94 على أنه «ﻻ يجوز ﻟﻠﻄﺒﻴﺐ المتخصص ﺃﻥ ﻳﺰﺍﻭﻝ ﺇﻻ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﺔ في ﻧﻄﺎﻕ ﺍﻟﺘﺨﺼﺺ المعترف له به....». وكذا المادة  35 من نفس القانون التي جاءت لتنظم الإنابة بين الأطباء حين نصت على: «يجب ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻠﻄﺒﻴﺐ ﺍﻟﻨﺎﺋﺐ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﺘﺨﺼﺺ ﺍﻟﺬﻱ يمارسه  ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺎﻟﻨﻴﺎﺑﺔ ﻋﻨﻪ. ﻭﻻ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻄﺒﻴﺐ ﻋﺎﻡ ﺑﺎﻟﻨﻴﺎﺑﺔ ﺇﻻ ﻋﻦ ﻃﺒﻴﺐ ﻋﺎﻡ ﺁﺧﺮ....» .
وفي شأن التساؤل الثالث، فلا أحد ينكر أن عامل السن والتجربة يلعبان دورا أساسيا في تراكم المهارات والمؤهلات وفي هذا الصدد ألم ينص القانون المنظم للخبراء القضائيين على شرط أقدمية 15 سنة من الممارسة لمن يرغب في  التسجيل في لوائح الأطباء الخبراء  
وفي خضم التساؤلات يمكن أن يطرح التساؤل حول مدى حرية المشغل في اختيار الطبيب المراقب من أطباء القطاعين الخاص والعام. فبتقيده بأحكام و مقتضيات القانون 10/94  السالفة الذكر لا مانع يمنع طبيب القطاع الخاص من القيام بفحوصات مضادة إن وقع  عليه الاختيار  أما الطبيب الممارس بأسلاك الوظيفة العمومية فيمنعه الفصل 15 من قانون الوظيفة العمومية من ذلك.   

بقلم: د. مولاي هاشم مرتجي, طبيب متخصص في طب الشغل
باحث في قانون الشغل
جريدة الصباح الخميس, 19 سبتمبر 2013

1 comment :

  1. موضوع يستحق الاهتمام، هل يمكنني الاضطلاع على تكملة الموضوع، إن كان بالامكان ؟
    طالب باحث تخصص قانون الأعمال، بكلية محمد الخامس أكدال

    ReplyDelete

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا