Thursday, September 26, 2013

دراسة في القانون: ولوج المرأة مهنة التوثيق العدلي (2/2)

لا يجوز تجـــــــاهل الدور الرائد للمرأة في المجتمع، ويجب إنزالها مكانتهــــــــا اللائقة بها، والنساء شقائق الرجال في الأحكام، والمرأة والرجل هما جناحا المجتمع يحلق بهما في أجواء وآفـــــاق الحياة كيف شـاء، في مناخ تسوده الطمأنينة والاستقـــرار، يؤديــــــان معا رسالتهما النبيلة التي تكفل للمجتمع تقدمه، ونمـــــــاءه و ازدهاره.

وتســـــــاءل الدكتور رضوان بنصابر: هل عدم اشتراط الفقهاء لشرط الذكورة جاء من باب أنه لم تكن مطروحة إشكالية ولوج المرأة لمهنة الموثق العدل، وأن الفقهاء اعتبروا شرط الذكورة أمرا بديهيــــــــا لا ضرورة للتنصيص عليه، تبعا للواقع الاجتماعي الذي كان يعيشه المسلمون ؟ أم أن سردهم لدقائق الشروط في العدل الموثق، وإغفــــــالهم لشرط الذكورة أمر مقصود غايته الإباحة ؟ ( من أشغال الندوة العلمية المنظمة من قبل مسلك القانون الخاص بالكلية متعددة التخصصـــــــات بتـــــازة يومي : 24 و25 أبريـــــل 2008 ) .
ومنهم من جعل اقتصـــــار هذه المهنة على الرجال وحدهم مرتبطا بظروف اجتمــــــاعية وذاتية، وبالمحيط الاجتماعي والثقـــــافي الموروث، لأن هذه المهنة وعبر التــاريخ، كانت تمــــــارس من قبل الرجـــال فقط ! ومنهم من حصره في الجــــــانب الفقهــي، وأن شهــــــادة النســـاء لا تقبل إلا فـــي ميـــــــــادين خــــــاصة.
وهذا التوجه الفقهي هو الآخر لم يسلم من كثرة الآراء والتوجهــــات بين الفقهـــــــاء، فمنهم من ذهب إلى قبـــــــــول شهــــــــادة المرأة في الطـــــلاق والزواج والمـــــــال، وعدم قبولهـــــا في الحدود والقصاص( الإمام أبو حنيفة)، ومنهم من اعتبر شهادتهـــــا لا تجوز مع الرجـــــال في غير الأموال (الشــافعية)،
ومنهم من قبل شهادتهـــــــا في كل الحقــــــوق (علمـــــاء الظــاهرية)،
ومنهم من قبل شهادتهـــــــا في المــــــال وما يؤول إليه فقط (المـــالكية).
واختلف كذلك في شهادة المرأة هل تصح مع الرجل، أو منفردات، واختلف في العدد، وهل يشترط في قبول الشهادة العدد أم لا – رجل وامرأتان -، إلى غير ذلك من الخلافات والاجتهادات التي لم يحصل بشأنها إجماع، أو نص صريح كاف وشاف، «....نذكر أن فقهاء الشريعة عامة، وفقهاء المذهب المالكي خاصة، لم يفرقوا في شهادة المرأة بين أن تكون شهادتها مكتوبة في وثيقة مع أدائها، وبين أن تكون مؤداة بلسانهــــــــا أمام القاضي دون كتاب، كما أنهم لم يفرقــــوا في ذلك بين أن تكــون المرأة منتصبة للإشهــــــاد، وبين أن تكون غير ذلك، وجاءت مواقفهم من شهادة المرأة مختلفة على أكثر من صعيــــــــد»، من كتــــاب (الوجيز في شرح القـــــــانون المتعلق بخطة العدالة ص : 20 للدكتـــــــور العلمي الحـــراق).
وعلى كل حال فاختلاف أمتي رحمة كما قال صلى الله عليه وسلم، والشريعة صـــالحة لكل زمان ومكان، وليس هناك ما يمنع الآن من قبــــــول المرأة المغربية ولوج وممـــارسة التوثيق العدلي، ونطالب بقبول إدماجها في هذه المؤسسة إلى جانب الرجل، وأن تقتحم هذا الميدان، لتساهم فيه بعطائها وجهدها ومهارتها، بالرغم من إشفاقنـــا عليها منه – فالمهنة مهنة المشـــــاق بامتياز – ، إذ أن الســـــــادة العدول يقدمون في عملهم ثلاث وســـائل إثباتية وهي : الشهـــــادة والكتــــــابة واليمين فـــــــي آن واحــــــد، ومـن الأكيد أن يكون وجود المرأة بهذه المؤسسة قيمة مضافة لهــــــا، وأن تســــاهم بقوة في الارتقـــــــاء بها نحو الأفضل وفي الرفع من مستواها، إلى تلك المكــــانة الســـامية المتألقة، التـي نتطلع إليها، ويرتضيهــــــا الجميع، تحقيقـــا للغايات النبيلة المتوخــاة منهـــــا باعتبارهــــــا من المهن الحــرة القضــــــائية، والفـــــاعلة في النسيــــــج القضـــــائي .
وعلينا مواكبة المستجدات وكل تغيير يعــايشه المجتمع، وهو حق من حقوقهــــــا يندرج في إطار النهوض بأوضاعها، والقفز على المنظور التقليدي القديم في حق المــــرأة، الذي لم يبق له مكــــــان ولم يعد يســــــاير الركب الحضـــــاري الحالي وبعض مظاهر التمييز فــــي حق المرأة، كانت سببـــــــــا في إقصائها وتهميشهــــــا .
وعلى هذا الأساس وبما أن المشرع سكت عن تحديـــــــد جنــس المترشح ذكرا أو أنثى لممارسة هذه المهنة، ولم يعرض إلى ذلك لا في الظهير الســـــــابق المؤرخ بتاريخ : 06 ماي 1982 المنظم للمهنة، ولا في المرسوم الصادر بتـــــــاريخ : 18 أبريل 1983 المتعلق بتعيين العدول والمراقبة ولا في القــــــانون الحالي، فليس هنـــــاك ما يمنع من ولـــــوج المـــرأة المغربية المتوفـــــرة على الشــــــروط المطلوبـــــة أن تمـــــــارس مهنة التوثيق العدلـــــــي، اعتمادا في ذلك كمــا سبق القول على تفعيل الفصل 19 من الدستور الذي ينص على أن جميع المغــــــــاربة سواسيـة أمام القــانون، وهو تأكيـد صريح كذلك لمقتضيـات الفصل الخــامس من الدستور الســــابق .
إن الكفـــــــاءة المتميزة للمرأة وتفوقها الواضح في كل المهن التي تمــارسها لا ينكرها أحد، وقد مـــارست مهامهـــــا بمسؤولية كبيرة وكفــــــــاءة واقتــــدار، وأعطت النتـــــائج المرجوة، وأدت رســالتها بنجــــــاح ومهــــــارة ومسؤوليــــة .
وإن فسح المجـــــال لها لولــــوج مؤسسة التوثيق العدلي والممـــــارسة الفعلية لهذه المهنة، هو توجه منطقي وسليم، يمكن اعتباره استكمــــالا للورش الهـــام المتعلق بإصلاح منظومة العدالة،  وفي إطار تحديث المهنة وتطويرها حتى تكون مواكبة لكل التطلعات، مواكبة للعصر، ومسايرة لتحديات المستقبل. وهذا من شأنه كذلك أن يكون إنصافا جوهريا لها، سيما أنها تعد من المهن التي تجسد رمزا حضاريا أساسيا بالبلاد، وينسجم هذا التوجه والانخراط الصريــح والصحيح فـي الميثـــــاق الوطنــي الاجتمـــــاعي الرائــد في المنـــاصفة والمســـاواة وتكريــــــم المرأة، الذي دعـــــــــا إليه الملك محمد السادس، وتجسيــدا لإرادته في العنـاية بالمــرأة والسمو بمكانتهــــــا داخل المجتمع.

بقلم: مـحمد ساسيوي, رئيس المجلس الجهوي لعدول
النـائب الأول لرئيس الهيأة الوطنيـة للعدول
جريدة الصباح  الأربعاء, 18 سبتمبر 2013

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا