Thursday, September 03, 2015

التعرض على حق في ظهير التحفيظ العقاري(3/2)

بقلم مبارك السباغي
 موثق بالدار البيضاء 

الإيداع المقرر في الفصل 84 ليس إيداعا بمفهوم التقييد بالرسم العقاري. لا مجال للمقارنة. هذا الإيداع ما هو بتعرض وما هو بتقييد احتياطي، بل مجرد إشارة على وجود حق محتمل ومعلق لا يرقى إلى ادعاء بتملك عقار كما هو الشأن بالنسبة إلى الفصل 83 الذي ينشر الحق بالجريدة الرسمية. إذن لا يعتد إلا بما نشر وأصبح معلوما عند كافة الناس، أو ما قيد بالسجلات العقارية بالنسبة إلى الرسوم العقارية. خلاصة مطلب التحفيظ معناها نشر كل ما يتعلق بالعقار وكل ما يتعلق بطالب التحفيظ وكل ما يتعلق بالمستندات.

عملية النشر مهمة جدا، ولولاها ما كان هناك تحفيظ إطلاقا. فالنشر الأول بالجريدة الرسمية يفتح الباب للحضور يوم التحديد من أجل الوقوف على العقار المراد تحفيظه وتقديم التعرضات المُحتملة، إن لم تكن وقعت من قبل، وتبيح التحديدَ الطبوغرافي في المكان عينه بطريقة علنية بامتياز.

أما النشر الثاني والأخير، فأهميته تتجلى في إنهاء أجل التعرضات ضد طالب التحفيظ. فكل شخص يدعي حقا على عقار في طور التحفيط إلا وله الحق في التعرض ابتداء من فتح مطلب التحفيظ أي قبل نشر خلاصة مطلب التحفيط وحتى قبل التحديد الطبوغرافي.

كل شخص معناه، كل من له حق ينصب على مطلب التحفيط، إما أن استمد حقه مباشرة من طالب التحفيظ، ويعتبر خلفه الخاص وإما بطريقة غير مباشرة تنقطع فيها الصِّلة بينهما، كأن يكون المشتري الثالث مثلا. هنا إن تعرض على مطلب التحفيظ يكفيه التعرض بعقد شرائه ولو في غياب العقدين الأولين للبيع. لأنه لا إلزامية في مسطرة التعرض الإدلاء بكل العقود بطريقة تسلسلية كما هو الحال بالنسبة إلى الرسم العقاري ( المادة 28 من القرار الوزاري المؤرخ في 03 - 06 - 1915 كما تم تتميمه وتعديله بالمرسوم رقم 18 . 13 . 2 المؤرخ في 14 يوليو 2014 ، دون نسخه خلافا لما ورد في المادة 35 منه). فالمشتري الأخير لا يمكنه أن يصبح مالكا مقيدا إلا بعد تقييد العقدين الأولين، وإلا تعذر على المحافظ قبول طلبه، خلافا لمطلب التحفيظ الذي يسمح لكل واحد من المشترين الثلاثة التعرض انفراديا.

لا يمكن إطلاقا التعرض على ما لا وجود له، فالحق الذي يحميه مؤقتا الفصل 84، غير موجود، ولا يوجد إلا إذا أصبح إيداعا يتمتع بالأثر القانوني والأثر المنشأ للحق.

لا يمكن أن يواجه الغير بمقتضيات الفصل 84، من حيث وجود الحق وجودا قانونيا.

لو قارنا بين الفصل 84 والفصلين 66  و 76 من (ظ ت ع)، نجد الفصل 84 ما هو بتعرض وما هو بتقييد احتياطي، وما هو بإيداع منشئ للحق. ليست له لا قوة ثبوتية ولا قوة قانونية ولا إمكانية مواجهة الغير به. لذا كيف بمكن التعرض عليه؟.

بالرجوع إلى هذه النازلة، هل سيتم قبول التعرض ضد الإيداع ( الفصل 84 )، ويرسل ملف مطلب التحفيظ من جديد إلى المحكمة الابتدائية المختصة للبت فيه؟. كيف يمكن البت فيه والمحافظ بين يديه أحكام قضائية نهائية وجب عليه تنفيذها؟. هل القضاء مؤهل ومختص في البت في نزاع بين مستفيد من الفصل 84 ، ومتعرض عليه، دون طالب التحفيط؟. لا ثم لا، لأن البت في التعرض يتم بقوة القانون في إطار الفصل 37 من (ظ ت ع)، الذي ينص على ما يلي:» عند افتتاح المناقشات يعرض القاضي المقرر القضية ويعين المسائل التي تتطلب حلا دون أن يبدي أي رأي ثم يقع الاستماع إلى الأطراف ويقدم ممثل النيابة العامة إن اقتضى الحال مستنتجاته، ثم يفصل في القضية إما في الحين وإما بعد المداولة.

تبت المحكمة في وجود الحق المدعى به من قبل المتعرضين وطبيعته ومشتملاته ونطاقه، وتحيل الأطراف للعمل بقرارها، بعد اكتساب الحكم قوة الشيء المقضي به، على المحافظ على الأملاك العقارية الذي له وحده النظر في قبول أو رفض مطلب التحفيظ كلا أو بعضا مع الاحتفاظ بحق الطعن المنصوص عليه في الفصل 37 مكرر. تبين المحكمة في حكمها حدود ومساحة الأجزاء المحكوم بها لفائدة المعترضين، وفي حالة الشياع نصيب كل واحد منهم...»

- 4 -  مفهوم الإيداع الوارد في الفصل 84 حسب القضاء.

هذا الإيداع لا يواجه به الغير إلا من تاريخ تأسيس الرسم العقاري، وقبل ذلك، ما هو إلا بيان بسجل التعرضات، لكي لا تشمله قاعدة التطهير التي تأتي على الأخضر واليابس، دون تمييز.

ففي هذا السياق، نجد اجتهاد القضاء على صواب عندما  كان يستثني من مبدأ التطهير (قبل دخول القانون 38 - 08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية حيز التطبيق)، حالة استحقاق الشفعة معتبرا أن الإيداعات طبقا للفصلين 83 و 84 لا يعتد بهما في ممارسة الشفعة وأن العبرة بالتقييد لا بالإيداع بمطلب التحفيظ. وهذا ما صدر عن محكمة النقض في قرارها الذي اعتبر أن « التضمين بمطلب التحفيظ هو مجرد بيان مرتبط بمصير مسطرة التحفيظ سلبا أو إيجابا و ليس تسجيلا أو تقييدا بمفهوم الفصلين 66 و 67 من ظهير التحفيظ العقاري، وأنه ما دام البيع قد وقع تضمينه في مطلب التحفيظ بعد ختم مسطرة التحديد و الإشهار فإنه يبقى مجرد بيان لا يمكن أن يرتب أية آثار قانونية في مواجهته بمفهوم الفصلين 2 (الفصل 1 حاليا ) و 62 من القانون المذكور نفسه، لأن صاحبه اختار ضمان رتبته من تاريخ إنشاء الرسم العقاري...، وبالتالي، فإن احتساب أجل ممارسة الشفعة لن يسري إلا من تاريخ إنشاء الرسم العقاري الذي قيد به المطلوب شراءه...ومورست في حقه الشفعة...، وأن القرار الاستئنافي المتبني للحكم الابتدائي لم يطبق القانون تطبيقا سليما وهو يبت في مسألتين دقيقتين وهما القوة الثبوتية التي تكتسيها الرسوم العقارية عن طريق مؤسسة التحفيظ التي تطهر العقارات، الفصلان 2 ( الفصل الأول حاليا ) و62 بشأن التحفيظ العقاري، ومؤسسة الشفعة التي تبقى حقا ثابتا (الفصل 25 من القانون المطبق على العقارات المحفظة قبل دخول مدونة الحقوق العينية حيز التطبيق)، فالطالب لم يتأت له العلم بوقوع البيع لا في إطار الفصل 83 ولا في إطار الفصل 84، أما التضمين في سجل الإيداع فهو لا يفترض العلم، والمحكمة التي بنت قرارها على هذه العلة تكون قد أساءت تطبيق القانون وعرضت قرارها للنقض...، والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه عندما استندت في ما قضت به إلى ما ورد في تعليله المشار إليه أعلاه دون أن تناقش ما استدل به الطاعن ولم ترد عليه فإنها تكون قد عللت قرارها تعليلا ناقصا ينزل منزلة انعدامه وعرضته للنقض. لهذه الأسباب: قضى المجلس الأعلى بنقض القرار المطعون فيه و إحالة القضية على المحكمة نفسها للبت فيها من جديد طبقا للقانون...»

قرار عدد 1540 مؤرخ في 6/4/2008 في الملف المدني عدد 2489/1/4/2008

* موثق بالدار البيضاء


No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا