المحافظ لا يعتبر طرفا في العقود التي يطلب منه تقييدها بالسجلات العقارية(2/1)
لاشك أن عملية إشهار التقييدات المؤقتة بالرسم العقاري تخضع لمجموعة من الإجراءات المسطرية التي يتعين مراعاتها من قبل أصحاب الحقوق المدعى على عقار محفظ تحت طائلة عدم الاستفادة من الحماية المخولة إياه تشريعيا، بل يمكن أن يضيع حقه نهائيا نتيجة خطأ إجرائي في طلب التقييد المؤقت. ومن ثم فإن الجهة المناط بها مهمة تقييد جميع العمليات المتعلقة بالرسوم العقاري، مقيدة بنصوص قانونية تلزمها بمراقبة مدى توفر الشروط اللازمة للقيام بالتقييد تحت طائلة مسؤوليته. كما أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل يتجاوزه ليمتد إلى عمليات التشطيب التي يطلب من المحافظ القيام بها بعد إدلاء المعني بالأمر بحكم أو عقد وفقا لمقتضيات الفصل 91 من ظهير التحفيظ العقاري، أو بمآل المقال الافتتاحي موضوع التقييد الاحتياطي.
إن هناك أنواعا من التقييدات المؤقتة يسري مفعولها الزمني في أجل محدد تشريعيا، إذ يجب لزاما على المستفيدين منها إنجاز التقييد النهائي للحق داخل الأجل القانوني، وإلا أصبحت التقييدات المذكورة هي والعدم وسواء، رغم بقائها مضمنة بالرسم العقاري.
ومن جهة أخرى، فإن الأحكام القضائية متى كان موضوعها إنشاء حق عيني أو تعديله أو إسقاطه أو إنهائه، تكون واجبة التقييد من قبل المحافظ العقاري إذا كانت مكتسبة لقوة الشيء المقضي به.
ولعل دراسة موضوع صلاحيات المحافظ بشأن التقييد والتشطيب، وأثر ذلك على المراكز القانونية للأطراف المتعاملة بشأن الرسم العقاري، والوقوف على أهم الإشكالات العملية المطروحة في هذا المجال، ورصد موقف المحافظ المتعلق بتعامله مع الأحكام والأوامر القضائية، يقتضي تقسيم هذا الموضوع إلى مجموعة من النقط على الشكل التالي:
-1 حول الإشكالية المتعلقة بالاقتصار على تبليغ عزل الوكيل إلى المحافظ العقاري دون الوكيل
من المسلم أن الوكيل يفقد هذه الصفة ابتداء من تاريخ تسلمه المكتوب أو البرقية المتضمنة إلغاء الوكالة طبقا للفصل 932 من (ق.ل.ع)، وأن الاقتصار على إيداع الإشهاد بالإلغاء بالرسم العقاري المعني بالنزاع لا يتحقق معه علم الوكيل بالإلغاء، بدليل أن مجرد الإيداع لا يعني التقييد بالرسم العقاري الذي يفترض معه العلم به من طرف الكافة عملا بالقرينة التشريعية المنصوص عليها في القانون العقاري. ومن ثم فإن محكمة النقض قد أكدت بدورها على أن زوال صفة الوكيل يستلزم تحقق واقعة تسليمه مكتوب إلغاء الوكالة من قبل الموكل، معتبرة أن التصرفات التي يجريها الوكيل قبل علمه بعزله تكون صحيحة طالما أن المتعاقد معه يجهل بدوره انتهاء مهمة الوكيل.
ونشير إلى أن العمل الإداري بالمحافظات العقارية يرتب عن إيداع الإشهاد بإلغاء الوكالة لدى المحافظ العقاري، امتناع الأخير عن تسجيل العقود المبرمة من قبل الوكيل والمتعلقة بالرسم العقاري، وذلك حماية لمصالح الطرف الموكل من تعسف الوكيل المعزول وقيامه بإبرام تصرفات قانونية نيابة عنه قصد الإضرار به، الشيء الذي يطرح التساؤل حول الطبيعة القانونية لهذا الإيداع لدى المحافظة العقارية، وماهية المسوغ القانوني لهذا الإجراء، وأساس رفض المحافظ لتسجيل عقد مبرم في تاريخ سابق على تاريخ إلغاء الوكالة ومدى قيام مسؤوليته الشخصية.
2 - إشكالية تقييد مقال الطعن في قرار المحافظ العقاري تقييدا احتياطيا
إذا كان تقييد مقال الدعوى احتياطيا يتعلق بالنزاعات الناشئة بين أطراف الحق، فإن الإشكال يطرح بالنسبة إلى الدعاوى التي تقام ضد المحافظ العقاري في إطار الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري، فهل يجوز قانونا طلب تقييد مقالات الطعن بشأنها تقييدا احتياطيا؟
من البديهي أن المحافظ لا يعتبر طرفا في العقود التي يطلب منه تقييدها بالسجلات العقارية، وإنما يراقب تحت مسؤوليته صحتها شكلا وموضوعا تحت طائلة رفض تقييدها بقرار يبين فيه أسباب عدم التقييد. وأنه يحق للطرف المتضرر أن يلتجئ إلى القضاء للطعن في قرار المحافظ لعدم قانونيته والمطالبة بإلغائه وأمره بتقييد العقد بالرسم العقاري. فهل يحق للمحافظ رفض طلب تقييد مقال الدعوى احتياطيا طالما أنه خصم في الدعوى وحكم في استعمال سلطته التقديرية في تقرير قبوله لإجراء التقييد من عدمه؟
بالرجوع إلى مقتضيات قانون 07/14 نجدها لم تنظم هذه المسألة، لذلك نعتقد أنه إذا كان من صلاحيات المحافظ رفض تقييد العقد بالرسم العقاري لعلة من العلل القانونية حسب وجهة نظره، فإنه لا يمكنه قانونا رفض طلب تقييد مقال الدعوى تقييدا احتياطيا، على أساس أنه طرف في الخصومة المقامة ضده الرامية إلى إلغاء قراره وأمره من طرف القضاء بتقييد العقد بالرسم العقاري محل النزاع، ومن ثم فإنه ليس هناك ما يمنع من تقييد مقال الدعوى المقامة ضد المحافظ تقييدا احتياطيا، طالما أن المعيار المعتمد من قبل المشرع في المادة 13 من مدونة الحقوق العينية لإجراء تقييد احتياطي لمقال الدعوى هو معيار موضوعي يتعلق بمحل النزاع، وليس معيارا ذاتيا يتعلق بأطراف الدعوى.
3 - إشكالية تمسك الدائن المرتهن بشرط المنع من التفويت
من المعلوم أن المشرع خول للغير الحائز للعقار المرهون عن طريق التفويت إمكانية مقاضاة المدين الأصلي (البائع) بتطهير العقار المرهون عن طريق المطالبة برفع الرهن الذي يثقله، كما قرر في الوقت نفسه الحماية للدائن المرتهن في استيفاء الدين المضمون بضمان عيني ولو انتقل العقار ا لمرهون إلى الغير عن طريق التفويت، الشيء الذي يفيد عدم أحقية الدائن المرتهن في التمسك في مواجهة المشتري للمرهون بشرط منع المدين من التصرف في عقاره المرهون، لأن ذلك يتنافى مع خصائص الرهن الرسمي المتمثلة في حق الأولوية والتتبع من جهة، والمقتضيات التشريعية المنصوص عليها في الفصل 1077 من (ق.ل.ع) من جهة أخرى. وهو الأمر الذي أكدته محكمة الاستئناف بمراكش في قرارها الذي جاء فيه ما يلي :
«حيث إن المشرع أعطى الحق للمرتهن في تتبع العقار المرهون في أي يد انتقل إليها ..، ومن ثم فإنه لا يمكن أن يكون لحق التتبع أي معنى إذا لم يكن من حق الراهن بيع الشيء المرهون.
وحيث إن هذا التأويل يزكيه القانون العام وهو قانون الالتزامات والعقود الذي يعتبر نصا عاما يلجأ إلى تطبيقه عند عدم وجود النص الخاص في الظهير المذكور، الذي لم ينظم سوى الرهن الرسمي الذي يعتبر تقييده وسيلة تقوم مقام قبض المرهون في الرهن الحيازي، فالغاية منهما واحدة وهي حفظ المرهون ضمانا للدائن وتأمينا لمصلحته.
وحيث بناء على أن الغاية واحدة من الرهنين معا، فإن المشرع المغربي إذا كان قد سمح للراهن بتفويت العقارات المرهونة رهنا حيازيا طبقا للفصل 1177 من (ق.ل.ع)، فإنه بالمقابل لم يمنع تفويت ما رهن رسميا ضمن القيود الواردة في هذا الفصل، والفصل 1178 من القانون نفسه، اللذين لا تتعارض مقتضياتهما مع ما ورد في الفصل 185 من ظهير 2 يونيو 1915، ولا مذهب الجمهور في الفقه المالكي... إنه بناء على ذلك، فإنه يتعين إلغاء الحكم المستأنف والحكم تصديا بإصدار أمر للسيد المحافظ المختص بتقييد رسم السيد (...) بالرسم العقاري مع الإبقاء على الرسمين المذكورين مثقلين بحقوق المرتهنين جميعا».
وبذلك نخلص إلى القول إن الدائن المرتهن رهنا مؤجلا الذي تحول حقه العيني التبعي إلى تقييد بات قبل انقضاء أجل 90 يوما، لا يمكنه أن يتمسك في مواجهة من انتقل إليه العقار المرهون بشرط منع المدين الأصلي من التفويت، ومن ثم فإنه يجب تقييد هذا الشراء بالرسم العقاري من قبل المحافظ على الأملاك العقارية حسبما أشير إليه في القرار أعلاه، ويكون بالتالي حق الملكية مثقلا بحق الدائن المرتهن الذي يتتبع العقار موضوع الضمان العيني في أي يد انتقل إليها.
بقلم: د. حسن فتوخ *
*رئيس قسم التوثيق والدراسات والبحث العلمي بمحكمة النقض
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى