Wednesday, June 24, 2015

حدود مسؤولية المؤاجر في تعويض الأجير عن المصاريف الطبية

للأجير كامل الحرية في اختيار الطبيب أو المستشفى العمومي أو الخصوصي الذي سيباشر فيه العلاج(2/1) 

يلتزم المؤاجر بأداء التعويضات المستحقة للمصاب في حالة العجز المؤقت والدائم، أو لذوي حقوقه في حالة وفاته. وقد حدد القانون 18-12  المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل، هذه التعويضات بشكل دقيق  من أجل الموازنة بين مصالح المصاب وذويه من جهة، والمشغل من جهة أخرى، لاعتبارات تفرضها العدالة، وفي حدود لا يمكن تجاوزها، وضمن هذه التعويضات فإن للأجير المصاب في حادثة شغل  أو في حادثة طريق أو بمرض مهني،  الحق في استرجاع كل ما أنفقه من مصروفات طبية وصيدلية طبقا للقانون المذكور، فسواء توقف عن الشغل، أم لا.

يبقى الأجير مستحقا لعلاج طبي من أجل شفائه واستقرار حالته الصحية، من مساعدات طبية وصوائر صيدلانية ونفقات التحاليل الطبية والمخبرية وصوائر الإقامة في المستشفى إذا كانت حالته تدعو إلى ذلك، وعموما كل النفقات التي يتطلبها علاج الأجير المصاب، بما في ذلك أجهزة تقويم أعضاء جسمه واستبدالها.
فقد لا ينتج عن الحادثة أي عجز، لكن الوصول إلى هذه النتيجة يقتضي علاجات وتحاليل وصوائر طبية وصيدلية، وقد يضطر المصاب من خلالها إلى التوقف عن العمل مدة زمنية قصد مواصلة العلاج، وفي هذا الإطار، فإننا سنبحث في نطاق وحدود التزام المؤاجر بأداء التعويضات المقررة للأجير المصاب أو لذوي حقوقه بموجب القانون 18-12 ، نقف فيها عند النقط الإيجابية التي جاء بها المشرع المغربي في القانون الجديد مقارنة بالتشريعات الأجنبية، ونتناول الاشكاليات التي يطرحها الواقع حول حدود مسؤولية المؤاجر في أداء المصروفات الطبية والجراحية والصيدلية للأجير، وكذلك في الحصول على الأجهزة الطبية، لنقف عند موقف القضاء الحديث منها. 
الفقرة الأولى: مسؤولية المؤاجر عن أداء المصروفات الطبية والجراحية والصيدلية
حسب مقتضيات المادة 37 من قانون 18-12، فإن المؤاجر يتحمل النفقات التالية سواء انقطع الأجير عن العمل، أم لا:
-  مصاريف التشخيص والعلاجات الطبية والجراحية والصيدلية ومصاريف الاستشفاء ومصاريف التحليلات والفحوصات والمصاريف الواجب أداؤها للأطباء وللمساعدين الطبيين، وبوجه عام جميع المصاريف التي يستوجبها علاج المصاب.
- مصاريف المستلزمات الطبية التي تفرضها الحادثة، بما فيها المصاريف التي تفرضها الحادثة والمتعلقة بنيل أجهزة استبدال، أو تقويم الأعضاء، أو بإصلاحها أو بتجديدها. 
-  مصاريف نقل المصاب إلى محل إقامته الاعتيادي، أو إلى مؤسسة عمومية أو خصوصية للاستشفاء والعلاج الأقرب من مكان وقوع الحادثة. 
-  في حالة الوفاة، مصاريف الجنازة ومصاريف نقل الجثمان إلى مكان الدفن.
كما  أضاف المشرع في المادة 193 من القانون المذكور،  بأن المشغل أو مؤمنه يتحمل جميع المصاريف غير المنصوص عليها في هذا القانون، والتي يتطلبها تنقل المصاب من أجل تلقي العلاج أو إجراء الفحوصات والخبرة الطبية .
ويشمل الحق في العلاج مختلف أوجه الرعاية الطبية، وتتعلق بجميع حوادث الشغل، وسواء استمر الأجير في مزاولة عمله، أم اضطر إلى التوقف عنه، كما أن هذا الحق في العلاج والرعاية الطبية موحد بين جميع الأجراء، بدون مراعاة لاختلاف قيمة الأجر المتقاضى، أو الحالة المرضية أو نسبة العجز. فغرض المشرع هو منح الأجير المصاب، في حادثة شغل العلاج الطبي اللازم والكامل عن إصابته ومرضه المهني.
والمشرع خول للأجير المصاب من جراء حادثة شغل، أو مرض مهني كامل الحرية في اختيار الطبيب المعالج، أو المستشفى العمومي، أو الخصوصي الذي سيباشر فيه العلاج ، فقط يجب أن لا  تتجاوز مصاريف التطبيب ونقل المصاب للاستشفاء والعلاج الأقرب إلى مكان وقوع الحادثة  التعريفة  المحددة بقرار مشترك للسلطتين الحكوميتين المكلفتين بالتشغيل وبالصحة المشار إليها في مقتضيات المادة 38 من القانون18-12، ولا يمكن للطبيب المعالج للمصاب أن يطالبه بأداء المصاريف المنصوص عليها في المادة 37 أعلاه إلا في الحالتين  التاليتين: 
-  إذا لم يقدم المصاب الشهادة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة  14من القانون المذكور .
-  إذا قدم المصاب هذه الشهادة ووافق قبل تلقيه العلاج الأولي على تحمل مصاريف إضافية تتجاوز تعريفة المصاريف المحددة في القرار المشترك المشار إليه في الفقرة الأولى من المادة 38  أعلاه. وفي هذه الحالة يجب أن تتضمن الشهادة الطبية الأولية موافقة المصاب على تحمل هذه المصاريف الإضافية.
أما في غير هذه الحالات فلا يمكن لأي جهة كانت أن تطالب الأجير المصاب بأداء مصاريف مسبقة أيا كان نوعها، وذلك تحت طائلة غرامة حددها المشرع بين  2000درهم 10000درهم حسب مقتضيات المادة 191 من قانون 18-12 . 
أما المشرع الفرنسي، فقد منح للمصاب الحق في اختيار جهة العلاج، والطبيب الذي يقع عليه اختيار الضحية، ولا يطالب هذا الأخير بدفع أي أتعاب مقابل الرعاية التي بذلها له، إلا في الحدود التي يتجاوز فيها الأجر المستحق له الأجور التي تتعامل على أساسها صناديق الضمان الاجتماعي، وإذا اقتضت حالة المصاب الإقامة في المستشفى فإن المشرع الفرنسي أورد قيدين على إرادته في اختيارها، وذلك متى كانت غير تابعة لصناديق الضمان الاجتماعي، أو ليست مستشفى عموميا، إذ يتعين أن يكون مرخصا لها في رعاية المصابين بحادثة شغل، ومنح هذا الترخيص يرتبط بإمكانياتها الفنية في مجال العلاج والرعاية الطبية. ولا تلتزم صناديق الضمان الاجتماعي من ناحية أخرى بتحمل نفقات الإقامة والعلاج والرعاية الطبية بالمستشفى الخاص، إلا في الحدود التي تتجاوز فيها مستوى التكلفة بالمستشفى العمومي الأقرب للمصاب .
أما المشرع المصري، فإنه لا يمنح للعامل حرية اختيار جهة العلاج، وإنما يفرض عليه الجهة التي تتولى ذلك، فالأصل أن يقع الالتزام بالعلاج والرعاية الطبية على عاتق جهة التأمين الاجتماعي، حسب مقتضيات المادة 47 من قانون التأمين الاجتماعي، لكن المادة نفسها تجيز لصاحب العمل علاج المصاب ورعايته مقابل تخفيض نسبة الاشتراك عن تأمين حادثة شغل، وذلك شريطة أن تصرح الهيأة العامة للتأمين الصحي له بذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يصدر بها قرار من وزير الصحة . لكنه وأمام الحماية الخاصة والمطلقة للأجير في حرية اختياره لجهة العلاج في التشريع المغربي، ورغم توالي أصوات أرباب العمل ومؤمنيهم شركات التأمين حول مقتضيات  ظهير 6 فبراير1963 التي أعطت للأجير حرية اختياره جهة العلاج، فحسب رأيهم أن ذلك يمس بمصالحهم وبالموازنة بين الأطراف التي يحكمها الظهير المنظم لحوادث الشغل، لأن الاختيار المطلق لجهة العلاج فتح مجالا كبيرا لتضخيم نسبة عجز العامل وتضخيم مصاريف العلاج، كما رأوا أن مصلحة الأجير المصاب تكمن في أن يتم العلاج في أقرب الأوقات والأماكن لتفادي المضاعفات التي تنعكس سلبا على المؤاجر أو المؤمن، وترفع من قيمة التعويضات التي يؤدونها، لأن استفحال الجروح التي أصيب بها العامل قد يؤدي غالبا إلى عجز دائم .
لكن بعض الفقه ومنهم الأستاذ آمال جلال، فرأى خلاف ذلك، أن مبدأ اختيار الطبيب المعالج من طرف العامل المصاب بحادثة شغل لا يمكن أن يسيء إلى العامل أو المؤمن، لأن الطبيب الذي يختاره الأجير في حالة وقوع حادثة شغل، هو حتما أحد الأطباء المسموح لهم بمزاولة مهنة الطب الغير مشكوك في قدراتهم المهنية، كما رأى أن المشرع أعطى الحق للمؤاجر ومؤمنه طبقا للفصل 50 من ظهير 6 فبراير 1963، الحق في أن يعين لقاضي الصلح طبيبا واحدا أو عدة أطباء يطلعونه أثناء المعالجة على حالة المصاب بحادثة شغل. لذلك رأى الأستاذ آمال جلال أنه لا مجال للتخوف من حرية اختيار الطبيب، بناء على أن هذا الأخير قد يسيء معالجة العامل المصاب، أو على العكس من ذلك قد يطيل مدة علاجه، أو يزيد في تقدير نسبة عجزه. وفي رأيه فإن مبدأ حرية الاختيار هو أحسن بكثير من فرض الطبيب المعالج على الأجير المصاب من طرف المؤاجر، أو شركة تأمينه، حسب ما يطالبون به، لأنه يخشى ألا يراعي هذا الطبيب إلا المصالح الاقتصادية للمؤسسة، أو المصالح التجارية لشركة التأمين، وذلك على حساب الأجير المصاب الذي يكون أشد الناس حاجة إلى المساعدة المادية والمعنوية.
بقلم:  فتيحة التوزاني *

* أستاذة بالكلية متعددة التخصصات بتازة

1 comment :

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا