تبليغ المحافظ بالمقال الاستئنافي أو بعريضة النقض يمنعه من مواصلة إجراءات التقييد (2/2)
4 - إشكالية النظام المالي للزوجين وأثره على تقييد التصرفات المبرمة من أحد الزوجين بدون إذن الزوج الآخر.
إن الاتفاق على نظام الأموال المشتركة من قبل الزوجين لا يعني بالضرورة الحصول على الإذن من الزوج الآخر بالتفويت، بل يجب أن يكون العقار المبيع قد اكتسب أثناء العلاقة الزوجية. ومعنى ذلك أن هناك أموالا حرة (Les biens propres) تبقى في ذمة كل واحد منهما حين إبرام عقد الزواج أو قد يكتسبانها بعد ذلك، ولا تدخل في الذمة المالية المشتركة كالأموال العقارية المكتسبة عن طريق الإرث أو الهبة مثلا.لذلك فإن البيع الذي ينصب على هذه الأموال لا يستلزم إطلاقا الحصول على إذن من الزوج الآخر حتى يتأتى تقييده من قبل المحافظ طالما أنه يتصرف في مال مملوك له وحده.
وقد أكدت محكمة النقض هذا الاتجاه من خلال أحد قراراتها الذي جاء فيه ما يلي :»حيث إن الحكم المطعون فيه لم يكن على صواب في ما قضى به وذلك عندما طبق على العلاقة بين الزوجين الفرنسي الجنسية قانون الأحوال الشخصية المغربي واعتبر أن الزوج ذو أهلية تامة لبيع العقار المتنازع فيه، مع أنه من جهة فإن العلاقة الزوجية بين الطالبة وزوجها تحكمها قواعد القانون المدني الفرنسي الواجب التطبيق في هذه الحالة طبقا للفصل الأول من ظهير التحفيظ العقاري المتعلق بوضعية الأجانب في المغرب لأنهما متزوجان في إطار نظام الأموال المشتركة ودون أي عقد ينظم أموالهما ومع أنه، من جهة أخرى، فإن أهلية الزوج المتزوج طبقا لنظام الأموال المشتركة المعمول به في القانون المدني الفرنسي لبيع العقار في حالة اعتباره من الأموال المشتركة لا تكون تامة إلا إذا أذنت الزوجة بالبيع وذلك طبقا للفصل 1424 من القانون المدني الفرنسي وللفصل الثالث من قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي يعتبر أن كل شخص أهل للإلزام والالتزام ما لم يصرح قانون أحواله الشخصية بغير ذلك... «.
وفي السياق نفسه، فإن مسؤولية الموثق يمكن أن تثار في هذا الشأن إذا قام بتحرير عقد البيع دون إدلاء الزوج البائع بإذن الطرف الآخر، أو دون تأكده من مصدر اكتساب العقار المبيع، وتحديد ما إذا كان التملك قد تم في إطار تنمية الأموال المكتسبة أثناء الزوجية وفق نظام الأموال المشتركة المنصوص عليه في المادة 49 من مدونة الأسرة، أو بناء على سبب آخر كالإرث أو التبرع. بل يمكن تصور مسؤولية المحافظ العقاري بالتبعية في حالة تقييده لعقد البيع بالرسم العقاري دون إدلاء البائع بالإذن المشار إليه أعلاه. وهذا ما يجعل القضاء يبسط رقابته على التفويتات التي تبرم في هذا الصدد، والقول تبعا لذلك بعدم صحتها استنادا للنظام المالي للزوجين.
5 - مدى صلاحية المحافظ في تقييد حكم قضائي مرفق بشهادة عدم الطعن مع تبليغه بمقال للطعن خارج الأجل؟
يدق الإشكال في الحالة التي يدلى فيها للمحافظ بالحكم القضائي المطلوب تقييده وبشهادة بعدم الطعن بالاستئناف أو بشهادة بعدم الطعن بالنقض حسب الأحوال، ثم يبلغ المحافظ بمقال الاستئناف أو بعريضة النقض قبل إجرائه لعملية التقييد. فهل يواصل المحافظ تحت مسؤوليته تقييد الحكم القضائي؟ أم أن من حقه التمسك بالأثر الموقف للتنفيذ من خلال الطعن بالاستئناف أو الطعن بالنقض؟
نعتقد أن تبليغ المحافظ قبل عملية التقييد بالمقال الاستئنافي أو بعريضة النقض يمنعه من مواصلة إجراءات التقييد، بدليل أنه غير مختص في تقدير نتيجة الطعن والقول بأنه بوشر خارج الأجل القانوني، لأن الجهة المؤهلة قانونا لمراقبة نظامية مقال الطعن والبت في المنازعة في صحة تبليغ الحكم المطعون فيه هي المحكمة المعروض عليها المقال الاستئنافي أو عريضة النقض. ومن ثم فإن المحافظ ملزم بانتظار نتيجة الطعن الذي تم تبليغه به حتى يمكن أن يقرر الإجراء المناسب بشأن طلب تقييد الحكم المودع لديه، على اعتبار أن الطعن بالاستئناف والنقض يوقفان معا التنفيذ بمجرد وضعهما بكتابة ضبط المحكمة سواء تلك المصدرة للحكم أو القرار، أو المحكمة غير المصدرة للحكم أو القرار، مع ضرورة تسجيل مقال الطعن أمام كتابة ضبط المحكمة غير المصدرة للحكم المطعون فيه داخل أجل الطعن المنصوص عليه قانونا تحت طائلة عدم القبول حسبما أكده قرار لمحكمة النقض جاء فيه ما يلي:
« بحسب صريح مقتضيات الفصل 141 من قانون المسطرة المدنية، فإن مقال الطعن بالاستئناف يودع بكتابة ضبط المحكمة المصدرة للحكم المطعون فيه، غير أنه إذا اختار الطاعن أداء الرسوم القضائية عن مقاله الاستئنافي أمام محكمة غير المحكمة المصدرة للحكم المطعون فيه فإنه يتعين أن يسجل هذا المقال أمام كتابة ضبط هذه المحكمة الأخيرة داخل أجل الطعن المنصوص عليه قانونا تحت طائلة عدم القبول «.
6 - أثر التنازل عن مقال الدعوى المقيد احتياطيا على الاستفادة من مفعول التقييد الاحتياطي
يطرح التساؤل حول أثر الحكم القاضي بالإشهاد على التنازل عن الدعوى التي وقع تقييد مقالها احتياطيا، ومدى اعتباره نهائيا بمجرد النطق به، أم يجب تبليغه للأطراف المعنية به وعدم الطعن فيه داخل الأجل القانوني؟
بالرجوع إلى الفصل 121من ق م م نجده ينص على أن المحكمة تسجل على الأطراف اتفاقهم على التنازل، ولا يقبل ذلك أي طعن. وأنجميع الأحكام الصادرة بشأن قضايا التحفيظ العقاري حسبما أشير إليه أعلاه لا تقيد من طرف المحافظ إلا بعد صيرورتها مكتسبة لقوة الشيء المقضي به. فكيف يمكن التوفيق بين النصوص الإجرائية العامة الواردة بقانون المسطرة المدنية والنصوص الإجرائية الخاصة الواردة بقانون التحفيظ العقاري؟
وجوابا على ذلك، فإن العمل القضائي اعتبر أن الحكم بالإشهاد على تنازل المدعي عن دعواه لا يقبل أي طعن بمقتضى الفقرة الأولى من الفصل 121 من ق م م من جهة، ولا يمكن سلوك إجراءات التبليغ والتنفيذ بشأنه طالما أن منطوقه غير قابل للتنفيذ في حد ذاته من جهة أخرى، على اعتبار أن الغاية من إجراء التبليغ إما أن تكون من أجل الطعن في الحكم موضوع التبليغ، وإما من أجل التنفيذ وفقا لمقتضيات الفصول 428 وما يليه من ق م م. وأن تنازل المدعين عن الدعوى يضع حدا لمفعول التقييد الاحتياطي المتعلق بالمقال موضوع التنازل دون حاجة إلى تبليغ الحكم القاضي بالإشهاد على التنازل عملا بالوصف النهائي الذي أضفاه المشرع المغربي على هذا النوع من الأحكام.
غير أن موقف المحافظين على الأملاك العقارية والرهون ينقسم إلى اتجاهين، أحدهما يرتب عن التنازل عن الدعوى المقيدة احتياطيا استفادة المدعي المتنازل من رتبة التقييد الاحتياطي، وثانيهما يعتبر أن التنازل عن الدعوى ينهي مفعول التقييد الاحتياطي ولا يترتب عليه الأثر الرجعي المقرر في الفصلين 85 و 86 من ظهير التحفيظ العقاري في حالة صدور حكم في الموضوع لصالح المدعي.
بقلم: د. حسن فتوخ *
*رئيس قسم التوثيق والدراسات والبحث العلمي بمحكمة النقض
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى