2 - 3 - 2) كيفية تطبيق الضريبة على الثروة في المغرب: إن تطبيق الضريبة على الثروة في المغرب سيعتمد على
نوعين من الضرائب: النوع الأول هو الضريبة على الثروات الكبرى، وهي الضريبة التي تهم ملكية الرأسمال؛ والثاني هو الضريبة على التركات والتي تـُفرض عند انتقال هذه الملكية في حالة الوفاة. ويمكن اعتبار الضريبتين متكاملتين وتشكلان مظهرا من مظاهر التوجه الاجتماعي للنظام الجبائي. وقد أكد أحد المختصين ذلك بقوله: «إذا اعتبرنا أنه ضروري تشجيع الغنى في المستقبل وتفادي انتقال اللامساواة على صعيد الملكية، فإن ذلك سيبرر أكثر جباية الرأسمال -مثلا- عن طريق الضريبة على الثروة والضريبة على التركات».
وسنحاول في ما يلي إبراز بعض الخطوط العريضة لكيفية تطبيق هاتين الضريبتين:
أ- الضريبة على الثروات الكبرى: يتضح الهدف الاجتماعي لهذه الضريبة من خلال تسميتها، فهي لن تهم سوى الثروات الكبرى. وقد عرف التشريع الفرنسي هذا النوع من الضريبة سنة 1982، وتم تقديمها آنذاك على أنها «عادلة من الناحية الاجتماعية، منطقية اقتصاديا، وبسيطة من الناحية التقنية». وكأي ضريبة جديدة، تحتاج هذه الضريبة إلى الإجابة عن ثلاثة أسئلة: الوعاء الذي ستعتمده والمستوى الذي تبدأ منه، ثم معدلات أسعارها، وهذا ما سنحاول تحديده.
- وعاء الضريبة على الثروات الكبرى: يرى العديد من المختصين في مجال الجباية أن الضريبة على الثروة يجب أن تتميز بالشمولية، بحيث لا يخرج عن وعائها أي عنصر من عناصر الثروة. لذلك، فعادة ما يشمل وعاء هذه الضريبة الثروةَ في مجموعها وحسب مختلف أوجهها، سواء كانت قيما غير منقولة (عقارات مبنية وغير مبنية، حضرية أو قروية،...) أو قيما منقولة (أسهم، أرصدة بنكية،...) وبعض المواد المختلفة التي تعتبر ثراء (ذهب، تحف فنية، مراكب ترفيهية، سيارات فاخرة،...).
وبالنسبة إلى بلادنا، فإن عملية تحديد وعاء هذه الضريبة تتطلب نوعا من الواقعية والحذر، فالاهتمام يجب أن يقتصر فقط على العناصر الأكثر أهمية والتي لن تلاقيَ اعتراضات كبيرة؛ فبعض المواد، ولاعتبارات ترتبط بالعادات والتقاليد، تدخل في إطار الخصوصيات التي لا يمكن المساس بها أو التدخل فيها، بل إن جبايتها ستفشل المشروع بأكمله. وعلى هذا الأساس، فإن وعاء الضريبة على الثروات الكبرى في المغرب يمكن أن يشمل: الأملاك العقارية المبنية وغير المبنية (أراضي فلاحية، عمارات، أراضي عقارية، فيلات...)، بعض الأصول غير الثابتة (أسهم، أرصدة مصرفية، قروض رهنية،...)، ثم بعض العناصر الأخرى التي تعتبر من مظاهر الثروة (سيارات فاخرة، مراكب ترفيهية،...).
وتحتسب الضريبة بناء على القيمة التجارية لعناصر الثروة، وذلك بعد خصم كافة الديون المستحقة، أي أن «الثروة الصافية» هي الخاضعة للضريبة؛
- مستوى الثراء الذي تبدأ منه الضريبة: يتميز فرض الضريبة على الثروات في أغلب الدول المتقدمة بانخفاض مستوى الحد الأدنى الذي تبدأ منه الضريبة. وفي المغرب يجب أن يأخذ تحديد هذا المستوى بعين الاعتبار عنصرا أساسيا، هو عدم جباية الممتلكات الصغرى والمتوسطة؛ فلكي تكون الضريبة مقبولة لا بد من أن تركز فقط على الثروات الكبرى. وبناء على بعض المعطيات حول توزيع الثروات، فإن أحد الخبراء المغاربة يرى أن مبلغ (مليوني درهم) كحد أدنى للضريبة يعد أكثر ملاءمة.
ويمكن اعتبار هذا الحد مرتفعا مقارنة بتجارب بعض الأنظمة الجبائية الأخرى، لكن تطبيقه، في الحقيقة، سيجعل الضريبة تتفادى أصحاب الثروات المتوسطة والذين ترجع أسباب ثروتهم إلى ممتلكات عقارية، ثم التضحية بقيمة مهمة من مداخيلهم لسنوات عديدة من أجل تحقيقها.
- أسعار الضريبة على الثروات العليا: نظرا إلى تمركز ملكية الثروات في المغرب، فإن اعتماد تقنية معدلات ضريبية تصاعدية يعد ملائما حتى يتم أخذ هذا التفاوت بعين الاعتبار. لكن غياب الإحصاءات الدقيقة حول توزيع هذه الثروات يجعل عملية تحديد معدلات الضريبة مسألة تقريبية، إن لم نقل صعبة.
وقد قام نفس الخبير الاقتصادي بهذه المهمة في بداية التسعينيات، حيث عمل على تحديد معدلات تصاعدية للضريبة على الثروات العليا، نرى أنها لازالت مطابقة للوضعية الاقتصادية الراهنة. وركز الباحث على عدم تجاوز نسبة 2 في المائة كسعر أعلى، لأن هدف هذه الضريبة هو تشجيع أصحاب الثروات الكبرى على تطوير إنتاجية رأسمالهم للمساهمة في التنمية المنشودة، وأي تجاوز لهذا المعدل سيجعلهم يحسون بأنهم يعملون أكثر لصالح خزينة الدولة. وتجدر الإشارة إلى أن أغلب الدول المتقدمة تعتمد معدلات ضعيفة في جبايتها للثروات؛ فمعدلات ضريبة التضامن على الثروة الفرنسية، مثلا، لا تتجاوز نسبة 1.8 في المائة كسعر أعلى (يفرض على الثروات التي تتجاوز قيمتها15 مليونا و810 آلاف أورو)، وتمت إضافته بموجب القانون المالي لسنة 1999، بعدما كان أعلى سعر لا يتجاوز 1.5 في المائة.
فبدافع تحقيق عدالة أكبر، تمت الزيادة في معدلات الضريبة بنسبة 10 في المائة، كما تمت إضافة مستوى جديد يخضع لنسبة 1.8 في المائة. وقد خص هذا الإجراء آنذاك حوالي 800 شخص من مالكي الثروات الكبرى ومكن الخزينة من ربح حوالي 200 مليون فرنك زائدة.
وبصفة عامة، فرغم صعوبة تقييم الانعكاسات المرتقبة لتطبيق الضريبة على الثروات الكبرى، بسبب غياب المعطيات الإحصائية حول عدد أصحاب هذه الثروات (المكلفين)، فإن المؤكد هو أن هذه الضريبة ستساهم في إضفاء نوع من العقلنة على النظام الجبائي المغربي.
ب- الضريبة على التركات: إن تطبيق الضريبة على التركات، في بلد إسلامي غالبا ما يتعرض للانتقاد من طرف الملاكين الكبار، بدعوى تعارض هذه الضريبة مع تعاليم الدين الإسلامي. وهذا التبرير الأخير هو الذي كان وراء إقبار محاولة تطبيق هذا النوع من الضريبة في المغرب سنة 1968، حيث استطاعت بعض الطبقات آنذاك التأثير على العلماء الدينيين، ودفعهم إلى تبني فكرة معارضة هذه الضريبة مع الإسلام. ودون الدخول في هذا النقاش الذي عرفته مختلف الدول الإسلامية، تجدر الإشارة إلى نقطتين أساسيتين:
- فهذه الدول تعمل على تطبيق ضرائب يمكن اعتبارها أكثر مخالفة للإسلام من الضريبة على التركات، كتلك التي تفرض على المشروبات الكحولية، المراهنات، الأرباح المالية،...
- ثم إن الدول الإسلامية سابقا، حتى على عهد الخلفاء، طبقت ضرائب غير معروفة في الشريعة الإسلامية لمواجهة بعض الأعباء.
وحاليا، فإن العديد من الدول الإسلامية استطاعت تجاوز هذا النقاش وعملت على تطبيق الضريبة على التركات منذ مدة (مصر، الجزائر، سوريا...)؛ وبالنسبة إلى المغرب، فإن أي إصلاح وعقلنة للنظام الجبائي الحالي يقتضيان تطبيق هذا النوع من الضريبة، وسنحاول هنا تحديد بعض الخطوط العريضة لكيفية تطبيقها:
أ- وعاء الضريبة على التركات: تقتضي عملية تحديد وعاء الضريبة على التركات في المغرب الأخذ بعين الاعتبار عوامل الفعالية، العدالة، والتبسيط، حتى تكون مقبولة. ومن خلال تجارب أغلب الأنظمة الجبائية التي تفرض هذه الضريبة، يلاحظ وجود نظامين شائعين في تطبيقها:
- الأول يتميز بسريان الضريبة على التركة، قبل توزيعها وانتقالها إلى الورثة، وهو مطبق في (الولايات المتحدة الأمريكية، إنجلترا،...).
- والنظام الثاني يقضي بأن تفرض الضريبة حسب كل حصة من حصص الانتقال، أي بعد توزيع التركة، وهو مطبق في (فرنسا، ألمانيا،...).
ومن الناحية الاجتماعية، يعتبر النظام الأول متعارضا مع مبادئ العدالة، حيث إن الضريبة تـُفرض دون تمييز بين المكلفين، الشيء الذي يجعل المكلف الميسور والذي سيزيده الإرث غنى أكثر، يتحمل نفس العبء الضريبي الذي يتحمله الوارث متوسط الحال. لذلك فاعتماد نظام جباية حصة كل وارث على حدة يعد أكثر ملاءمة لتطبيق الضريبة على التركات بالنسبة إلى النظام الجبائي المغربي.
وهكذا سيتألف وعاء هذه الضريبة من مجموع العناصر المكونة للتركة (سواء عقارات، أموال منقولة، أو غيرها...)، وذلك بعد خصم كافة الديون المستحقة عليها. وتقرر إعفاءات شخصية لصالح بعض عناصر الثروة (مثلا، محل سكنى المتوفى)، إذ لا يعقل تخلي زوج أو زوجة عن محل الإقامة بسبب تطبيق الضريبة، لكن يجب تحديد سقف أقصى لا يمكن تجاوزه، كما هو معمول به في بعض التشريعات.
وتقتضي أيضا الطبيعة الاقتصادية لبعض عناصر التركة (شركة، معمل، مقاولة تجارية أو فلاحية...) تعاملا ضريبيا مميزا، بهدف مساهمة الضريبة في استمرارية هذه الأنشطة وتفادي كل تأثير سلبي يمكن أن يوقف عملها؛ فالضريبة على التركات هنا، ستشكل أداة تدخلية بيد الدولة لتوجيه استغلال أفضل لهذه الأنشطة، حتى لا تتأثر بفعل عملية التوريث، كأن يمنح المشرع، مثلا، حوافز جبائية (لصالح أحد الورثة أو لشكل معين، لاتفاق بين الورثة...) من أجل المحافظة على وحدة هذه الأنشطة الاقتصادية وعدم تعرضها للتفتيت.
ب- تصاعدية أسعار الضريبة على التركات: يقتضي مبدأ العدالة الضريبية أخذ وضعية المكلف الوارث بعين الاعتبار، خصوصا المادية منها، لذلك فجدول أسعار الضريبة يجب أن يكون أكثر تصاعدية بشكل يؤدي إلى تحمل العبء الجبائي أكثر من طرف الثروات الكبرى. وهكذا نجد أن العديد من التشريعات تعتمد أسعار ضريبية تبدأ من نسبة 5 في المائة كمستوى أدنى، لتصل إلى 40 أو 50 في المائة كمستوى أعلى. ونفس الملاحظة يمكن تسجيلها من خلال دراسة تجارب بعض الدول الإسلامية التي تطبق هذا النوع من الضريبة. وبالنسبة إلى المغرب، فقد خلصت أغلب البحوث التي ناقشت كيفية تطبيق الضريبة على التركات إلى عدم تجاوز نسبة 20 في المائة، نظرا إلى وضعية هذه الضريبة وما ستحدثه من نقاشات وردات فعل معارضة.
4 - 2) إعادة توزان بنيات النظام الجبائي:
إن وضعية بنيات النظام الجبائي الحالية لم تعد مقبولة، ولا تساعد على تنفيذ استراتيجية تنموية، لذلك فأي إصلاح يجب أن ينطلق من إعادة التوازن بين مختلف مكوناته، فالمكانة التي تحتلها الجباية غير المباشرة في النظام الجبائي مقارنة بالجباية المباشرة تعد لوحدها كافية لإبراز
لاعدالة هذا النظام، بل حقيقة الوضعية الاجتماعية ككل؛ فالنظام الجبائي المغربي ولأسباب اقتصادية، وأخرى سوسيو-سياسية، حافظ منذ الاستقلال على نفس البنيات مع الارتكاز بالأساس على الضرائب غير المباشرة، خصوصا التي تهم الاستهلاك، وتهميش الدور الذي يمكن أن تلعبه جباية بعض القطاعات على صعيد الضريبة المباشرة. لذلك فالاستراتيجية الجديدة تتطلب تجاوز المبادئ التقليدية للمالية العامة، والتي اعتمدتها أغلب الأنظمة الجبائية للدول النامية؛ فالاتجاه الذي لازال يرى أن جباية مواد الاستهلاك تمكن من الحصول على أكبر مردودية لم يعد مقبولا، لأن الهدف الأساسي للجباية هو تقليص تأثيرها على المداخيل الضعيفة.
حميد النهري
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى