أثار المشاركون في ندوة بمراكش نهاية الأسبوع الماضي بعنوان " الحق في الإضراب،كيف نمارسه؟ كيف نحميه؟" إشكالية غياب قانون تنظيمي للإضراب بالمغرب، بالرغم من مرور خمسين سنة من الانتظار، إذ يعد دستور1962 أول من اعترف بهذا الحق، وأحال على القانون التنظيمي بيان كيفية ممارسته. كما كرست الدساتير اللاحقة الصيغة نفسها، ومنها دستور فاتح يوليوز2011.
و أوضحت لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان بمراكش في ورقة تقديمية للندوة أن " ممارسة الحق في الإضراب يعد من المكاسب التي تحققت بفضل نضالات الطبقة العاملة، والمثقفين، والقوى الديمقراطية، والمجتمع المدني، والجميع ملتزم على الأقل أدبيا وأخلاقيا بإخضاع ممارسة حق الإضراب لضوابط قانونية ومسطرية، وفي غيابها يتدخل القضاء الذي يبقى له دور التحكيم في جميع الأحوال ".
ودعا الأستاذ ميلود لغدش، محامي بمراكش في مداخلة بعنوان " رقابة القضاء على مشروعية الإضراب"، إلى عدم التعسف في استعمال حق الإضراب خاصة في القطاعات الحيوية، وإبعاده عن أي مساومات سياسية، مقترحا " اللجوء إلى وسائل بديلة للإضراب من قبيل التحكيم أي الوساطة وفض النزاعات ".
في حين أكد الأستاذ عبد الله لفناتسة، أن النقابات تلجأ للإضراب من باب أبغض الحلال، وأن هذا الحق اليوم مستهدف لخلفيات سياسية، لأن المتحكمين في الثروة غير مستعدين للتنازل عنها، وإلا كيف نفهم تهافت الباطرونا للإسراع بإصدار قانون الإضراب دون التفكير في تطبيق مدونة الشغل.
وأضاف في مداخلة بعنوان:" الإضراب حق مكتسب وأفقه المنظور" ، أنه يجب أن يخضع قانون الإضراب لنقاش مجتمعي، ولا يبقى حكرا على وزارة التشغيل.
كما قدم الأستاذ لفناتسة ملاحظاته حول المشروع الجديد لقانون الإضراب (مارس2011) مشيرا إلى استهدافه في الصميم لما هو نقابي، إذ يراد حصر مفهوم الإضراب في أنه حق جماعي، وفي ما هو مهني صرف، بينما هو ليس بالضرورة " توقف جماعي" بل حق للأفراد أيضا، وليس "من أجل مطالب مهنية "فقط ، وإنما يمكن أن تكون هناك إضرابات ضد السياسة الضريبية، أو ضد نهب المال العام، أو في مواجهة الحرب.
وتساءل عبد المجيد أبوغازي أستاذ بكلية الحقوق بمراكش، في مداخلة بعنوان " تنظيم الإضراب في القانون المقارن" من خلال مقارنة دساتير المغرب مع القوانين الفرنسية في اعترافها بهذا الحق، لماذا منحت الدولة حق الإضراب، ولم تصدر قانونا تنظيميا له منذ سنة 1962 ؟، وعزا ذلك إلى خلفية سياسية في العمق. وانتقد انتهاج الحكومة أسلوب الاقتطاع في ظل غياب سند قانون تنظيمي يبين الشروط والإجراءات التي يمكن معها ممارسة هذا الحق الدستوري.
وأشار الأستاذ أحمد أبادرين محام وعضو سكرتارية لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان، إلى " أدبيات منظمة العمل الدولية والمواثيق الدولية في شأن ممارسة الإضراب ".
من جهته، تحدث الأستاذ الهادي أبوبكر القاسم محام بالدار البيضاء، عن " السند القانوني لتطبيقات مبدأ الأجر مقابل العمل" .
وانصب النقاش على أن الإضراب في القطاع العام يستأثر بالاهتمام أكثر منه في القطاع الخاص لارتباط خدماته بالمرفق العام، ولإضفاء الصبغة السياسية عليه لمساندته من قوى المعارضة، في حين أصر البعض عن عدم التفريق بين الإضراب في القطاعين الاقتصادي والإداري، بينما دعا آخرون إلى تجاوز معضلة الموقع السياسي الذي أصبح يملي الموقف من الإضراب، حتى غدت الأغلبية لاتجرؤ على عرض مشروع القانون التنظيمي مخافة تأثير ذلك على شعبيتها الانتخابية.
وأجمع الحاضرون على التنويه بمبادرة لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان وجرأتها في طرق هذا الموضوع، في غفلة من الهيآت النقابية والسياسية، مؤكدين على ضرورة تحمل الجميع مسؤوليته من أجل اتخاذ القرار وسد الفراغ التشريعي لتحقيق أكبر قدر من التوازن في علاقة الشغل من خلال تحديد شروط وشكليات ممارسة حق الإضراب وحمايته، بما يضمن حق الأجير المضرب، وحرية العمل بالنسبة إلى الأجير غير المضرب، ويحافظ على المصلحة العامة، وسلامة المؤسسات وممتلكاتها.
محمد السريدي (مراكش)
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى