Sunday, March 17, 2013

مآل المحاكم التجارية بعد انتهاء الحوار الشامل والعميق لإصلاح منظومة العدالة في المغرب


لقد أنبأتنا جريدة «أخبار اليوم» في عددها 977 الصادر يوم الاثنين 04 فبراير الجاري بأن الإصلاح في المجال القضائي قريب وسيتحقق إلى حد بعيد، معلنة فشل تجربة القضاء التجاري حاليا. وللأسف
الشديد، كان الدافع إلى إنشاء المحاكم التجارية في ما قبل استثماريا ذا بعد سياسي، بعدما اقتنع الجميع بضرورتها.
وهو ما يدفعنا إلى أن نطرح السؤال التالي: أين مكمن الخلل، إذن؟
وقبل الجواب، تطلعنا الندوة التاسعة، التي انعقدت في طنجة حول موضوع تأهيل قضاء الأعمال، حسب نفس الجريدة، على أن المحاكم التجارية المغربية بعد الحوار الوطني حول إصلاح العدالة حتما لن تبقى كما كانت قبله؛ مؤكدة، على لسان مبعوثها بطنجة، أنه قد حصل الإجماع على فشل تجربة القضاء التجاري، وأن الجميع أقر بضرورة الانتقال إلى وضع جديد لأسباب تعود إلى ضعف وتعقد وغموض ونقص النصوص القانونية.
ونحن نقول، بكل تواضع، إن ما وصلت إليه الندوة اليوم هو ما خلصنا إليه منذ نهاية التسعينيات وعبر سنوات متتالية في ما يفوق 20 مؤلفا ومقالات ومداخلات حاصلة على الحماية الفكرية والأدبية في المغرب والخارج. وطرحنا للمشاكل آنذاك كان مستندا إلى مبدأين: المبدأ الأول هو تقريب القضاء من المتقاضين، والمبدأ الثاني هو مبدأ تخصص القضاء التجاري. وقلنا إن ظهير 55 من اختصاص المحاكم التجارية لأسباب متعددة شرحناها بتفصيل في كتاب خاص، وعالجنا مشاكل الاختصاص في كتاب عنوناه «مجموعة القوانين المنظمة للمحاكم التجارية المغربية»، وأشرنا إلى ضرورة الرجوع إلى القضاء الفردي مع النهوض بالأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والاحتفاظ في المحاكم التجارية وزيادة محكمة استئناف تجارية في طنجة وإحداث غرف متخصصة بالمحاكم العادية في المناطق التي لا توجد فيها محاكم تجارية، لأننا نرى أن حذف المحاكم الآن هو حل سيحدث ضجة سياسية إن لم نقل مشاكل كثيرة ومتنوعة؛ كما طرحنا كل المشاكل التشريعية والتنظيمية والتقنية ونادينا بالتكوين والتأهيل في كل ما يتعلق بقوانين المال والأعمال، بدءا بالتقنيات البنكية، مرورا بالمحاسبة وتراكيبها المعقدة وقواعدها الدقيقة ووصولا إلى فهم أسرار المجال الجوي والبحري ومقتضيات صعوبات المقاولات التي تعتبر من النظام العام، وسلطنا الضوء على دور «السنديك» كجهاز متحكم في هذه المساطر الجماعية ووصفناه بـ«رأس الحربة والمحرك الأساسي» لمختلف هذه المساطر تحت إشراف ومراقبة القاضي المنتدب، هذا الأخير الذي أكدنا أنه قاض يجمع بين السياسة والاقتصاد والقانون وإلا فكيف يمكنه أن يضبط الاختصاصات المتعددة لـ»السنديك» والمتعلقة أساسا بالدراسة المدققة للمقاولة ومحيطها وإنجاز التقرير المتضمن لاقتراحاته داخل الأجل المحددة قانونيا، بناء على موازنة مالية واقتصادية واجتماعية حقيقية ومسؤوليته في المسطرة وتنفيذ مخططاتها ومتابعته لوضعية المقاولة بواسطة تقارير منتظمة تهم الجانب المحاسباتي والإداري والاقتصادي والجبائي والاجتماعي والمالي بمساعدة مراقب الحسابات قاضي الأرقام؛ ونبهنا إلى أن موضوع صعوبات المقاولات ذو حساسية، وكل خطأ في التقدير والحساب أو تعديل جزئي إلا ويعرض القانون -كمنظومة- للخلل والاقتصاد للخطر ويمس بأمن المعاملة التجارية وبمصالح الغير ويزعزع الثقة في الائتمان الذي يعتبر المحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي والاستثمار ومراقبة سير دواليبه؛ ونادينا بصوت مرتفع بإصدار قوانين تنظيمية وتطبيقية مكملة، لها تصميم دقيق ومصطلحات واضحة ومحددة، لا تثير أي مشكل في التفسير أو التأويل، ومتضمنة لمعايير وعناصر تحدد واقعة التوقف عن الأداء، وبإعداد قانون ينظم مؤسسة «السنديك» لتفادي المشاكل التي ستطرح على المحاكم التجارية بسبب سوء الفهم وتطبيق مساطر الصعوبات نظرا إلى انعدام وضعف تكوين القضاة في ميدان الاقتصاد والمالية والتدبير والمحاسبة، فهم مدعوون إلى أن يحللوا التراكيب المحاسبية المعقدة وقواعدها الدقيقة ويبنوا أحكامهم على أسس سليمة من حيث الواقع والقانون؛ وأيضا تكوين وتأهيل السنادكة في المجال القانوني مع ضبط وتحديد حقوقهم والتزاماتهم وإحداث جمعية تنظم عملهم وإعداد قسم للتسوية والتصفية القضائية مستقل عن كتابة الضبط في كل محكمة تجارية. وفي ما يتعلق بدور النيابة العامة في المحاكم التجارية، طرحنا كل المشاكل والحلول المتعلقة بهذا الجهاز، وقلنا إن المشكل لا يكمن في النصوص القانونية في هذا الباب وإنما في الجهاز نفسه والساهرين عليه، فمشكلتهم هي التكوين الجنائي الذي تلقوه بالممارسة، لذلك كانوا ولا يزالون متمسكين بممارسة الدعوى العمومية ومتابعتها وتكوين مكتب للبت في طلبات المساعدة القضائية ومتابعة الإجراءات في طلبات أخرى وممارسة سلطة تسخير القوة العمومية لتنفيذ أحكام وأوامر المحاكم التجارية، مع أنهم غير معنيين قانونيا، وبالنص الواضح، بمباشرة كل هذه التخصصات لأنهم يعملون في مؤسسة تعتبر من مكونات المحاكم التجارية ودورهم يرتبط بالمفهوم الجديد للسلطة وباختصاص المحاكم التجارية، وهدفهم الأساسي هو أن يكونوا فاعلين أساسيين في الأمن والتنمية بكل متطلباتها السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية والمالية عن طريق ضمان الحقوق والحريات وتشجيع الاستثمار وإشاعة الطمأنينة في نفوس المستثمرين والمقاولين وكل الفاعلين الاقتصاديين وترسيخ كلمة القانون في الأذهان والحفاظ على النظام الاقتصادي من المقاولين أنفسهم والأغيار الذين قد يسيئون إلى المقاولة منذ نشأتها وفي سائر مراحل نشاطها وتمديد المسطرة الجماعية أو تحريك الدعوى العمومية في حقهم دون متابعتها كلما استدعى الأمر واقتضت المصلحة العامة ذلك، اعتمادا على نتائج المراقبة المستمرة للقانون الأساسي للشركات وتتبع نشاط المقاولة عبر البيانات المدونة في السجل التجاري وفي مكتب الملكية ومصالح الخزينة العامة.
ولا يخفى على الجميع أن القانون التجاري يقوم على دعامتين أساسيتين، أولاهما السرعة وتبسيط الإجراءات، وثانيتهما تكريس الثقة والشفافية، وأن تنوير المحكمة بالبيانات والمعطيات المحاسبية والإلمام بالتنظيمات وقوانين الأبناك والمؤسسات المالية والبورصة والشركات والمجموعات ذات النفع الاقتصادي وقانون المستهلك والتأمينات بمختلف أنوعها، وحرية المنافسة والأسعار وقانون الملكية الصناعية وربط الاتصال معلوماتيا أو بطريقة مباشرة بكل المصالح المختصة والجهات الخصوصية والعمومية ومتابعة الملفات التجارية والاستعجالية والمساطر الجماعية ومراقبة السجل التجاري وممارسة الطعن بالاستئناف أو النقض إذا كانت طرفا رئيسيا (مدعية أو مدعى عليها)، كلها أعمال تتطلب من النيابة العامة بالمحاكم التجارية العناية والاهتمام البالغين، والهندسة في الاتجاه الذي يخدم المصلحة العامة بأكثر قدر من الجدية والمصداقية والعدالة القانونية والواقعية.
وتدعيما لدور غرفة المشورة في المساطر الجماعية، حددنا المهام التي يتعين القيام بها في الجلسة التي تعقدها وتوفر لها العناصر الكافية لمعرفة الوضعية الحقيقة لكل مقاولة ووضع حد لكل من يريد استعمال هذه المسطرة الإنقاذية والتصحيحية استعمالا لا يحقق غاية المشرع في المحافظة على بقاء المقاولة وتحقيق التوازن المنشود والمصلحة العامةّ. ولم نكتف بهذا بل ألفنا كتابا لأول مرة في المغرب تحت عنوان «المسؤولية المدنية والمهنية والجنائية لمسيري ومتصرفي المقاولات في حالة تعرضها للصعوبات»، وأعددنا دليلا تطبيقيا للقضاء الاستعجالي المغربي في المادة التجارية سنة 2001 و2007، وكان هدفنا من كل هذا هو وضع منهجية دقيقة ومعقلنة من أجل توحيد الإجراءات ورصد المشاكل لينخرط الجميع بكثافة في صلب معركة التنمية ويقتنعوا بضرورة المخاطرة، وخاصة الدائنين البنكيين والممولين، والانصهار في فلك التطور السريع والهادف وملاءمة العقلانية مع متطلبات العصر وتأسيس رؤساء المقاولات لمقاولاتهم على دعائم وأسس لا تقل أهمية عن مقاولات الدول المتقدمة، واعية بحقوقهم وواجباتهم، منضبطين في حضرة زمن القانون وسيادة العدل والمحاسبة، فالظرفية الاقتصادية العالمية الحالية قد يكون لها تأثير سلبي على الميزانيات العامة وعلى اقتصاديات الدول ومعدل النمو، وتساهم في تزايد عدد القضايا وتنوعها وتعقدها، وهو ما يجعل وعينا اليوم عميقا بأهمية العدالة كقاطرة تنموية على أكثر من صعيد وبنبل الرسالة وجسامة المسؤولية عن استتباب الأمن وتحقيق الإصلاح الذي هو توطيد الثقة والمصداقية في قضاء تجاري محترف وفعال يفهم جيدا ميكانيزمات العمل التجاري والتقنيات البنكية والمالية والتقنيات المرتبطة بها وأسرار وخصوصيات المجال الجوي والبحري والنقل والملكية الصناعية والمنافسة وقوانين الشركات، قضاء منصف بمثابة حصن منيع لدولة الحق وعماد للأمن القضائي والحكامة الجيدة، كما أكد ذلك النطق السامي لصاحب الجلالة محمد السادس نصره الله وأيده.
وبخصوص التبليغ والتنفيذ، أوضحنا منهجية تسريع مسطرة القيم وعدم اعتبار هذا التعيين بمثابة توصل وترتيب للآثار القانونية على المعني به. واليوم نؤكد أن التبليغ عموما وتطوير آلياته والحد من معوقاته، التي تحول دون تنفيذه، مطلب أساسي أمام حكماء الهيئة العليا للحوار الوطني، ولا تقل أهمية عن أهمية التنفيذ باعتباره غاية إصدار الحكم للطرف المحكوم له، فإنجازه في الوقت المناسب هو الذي يحفظ لهذا الحكم قدسيته وقوته. واقترحنا تبني مؤسسة المنتدب القضائي المثمن بشروط تضمن الحلول المناسبة لكل الإشكاليات المطروحة وتنظيم سوق رسمي دائم يحقق منفعة مالية للدولة وتعزز الثقة لكل من يريد الاستثمار في هذا البلد.

< < عبد العالي العضراوي > >
 النائب الاول للوكيل العام للملك
 لدى محكمة الاستئناف التجارية بفاس
الرأي

1 comment :

  1. تجربة المحاكم التجارية محكوم عليها بالفشل ،،،،
    وقبل إحدات هده المحاكم كانت هده الحقيقة واضحة وبارزة ففي دلك الوقت ارتفعت اصوات منادية بأننا في المغرب لسنا بحاجة الى احدات محاكم تجارية مستقلة وان المحاكم الموجودة قائمة بدورها على احسن وجه من خلال الاقسام الموجودة داخل المحاكم الابتدائبة العادية والمختصة بالبث في القضائية التجارية ,,,,لكن المشرع اعتقادا منه بان احداث هده المحاكم سيحل العديد من الاشكالات المطروحة وسيشجع الاستثمار لكن العكس هو الدي حصل حيث برزت إشكالات لم تكن موجودة واستحكمت الاشكالات التي كانت موجودة خاصة وان المشرع اكتفى يإحداث بعض المحاكم التجارية المعدودة بعدد الاصابع في بعض المدن الكبرى فقط مما وسع من شساعة النفود الترابي للمحاكم التجارية وهو ما نتج عنه الكتير من الاشكالات خاصة فيما يتعلق بالتبليغ والتنفيد ,,,,
    وفي فرنسا التي ننهل من تشريعها خاصة في مجال الاعمال يجمع الجميع على فشل المحاكم التجارية ووجدت عدة كتابات في هدا الاطار الى حد ان هناك من الكتاب من كتب عن هده المحاكم ناعثا اياها ب"مافيا المحاكم التجارية "
    فما هو الحل ادن ؟ لقد تفضل الاستاد الفاضل مشكورا في عرض مجموعة من الحلول التي من شأن وضعها في التطبيق ان تاتي بثمارها ونضيف بانه ليس المطلوب احداث محاكم تجارية مستقلة بل السهر على تطوير المحاكم الابتدائية واحداث اقسام فيها متخصصة في البث في القضايا التجارية مع التفكير في صيغ جديدة للتعامل مع قضايا صعوبات المقاولة على وجه خاص والاهتمام بجانب التكوين في ميدان الاعمال للسادة القضاة
    على اي شكرا للاستاد الفاضل على هده الاراء القيمة ونتمنى ان تأخدها هيئة الحوار الوطني في اعتبارها لتضح حدا للاشكالات المطروحة ,,,

    ReplyDelete

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا