ما أحوجنا اليوم للحديث على الحكامة في كل شيء، لأن الحكامة الجيدة لها امتدادات ايجابية تنعكس على الأمة بالخير، والمردودية النافعة والمؤثرة . خاصة عندما يتعلق الأمر بالمؤسسات الدستورية التي تنوب عن الشعب في ممارسة السيادة. ومن أهم هذه المؤسسات البرلمان. ومن أجل مقاربة هذا الموضوع سأعتمد المحاور التالية:
أولا:الحكامة الدلالة والامتداد:
الحكامة مقاربة تشاركية لممارسة السلطة، وتدبير الشأن العام،اعتمادا على الدينامية للفاعلين السياسيين في أفق تحسين الأدوار البرلمانية.
ومن أهم أعمدتها: الانخراط والاندماج ، والشفافية، والمسؤولية، والتكامل.
ومن أجل تطويرها يلزم تجديد المقاربات، وعقلنة التخطيط،وإدارة فاعلة، والفاعلية واللامركزية وتخليق البيئة البرلمانية، وتطوير المراقبة السياسية، وتعزيز التنسيق.
ثانيا: الواجب الدستوري للبرلمان:
لقد وضح دستور 2011 مجموعة من الاختصاصات للبرلمان نوجزها فيما يلي:
1/ إذا كان الدستور قد ركز في الفصل الأول بأن نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية واجتماعية. فإن البرلمان له دور فعال في تفعيل هذه الطبيعة اعتمادا على الدستور والقانون، والابتعاد عن التأويلات المشاغبة على الدستور والتي تحن إلى أمة قد خلت لها ما كسبت .
2/ إعطاء القيمة الدستورية للديمقراطية باعتبارها ثابتا من الثوابت الجامعة.(ف1)
3/ تقدير سيادة الأمة التي تمارسها بواسطة ممثليها.(ف2)
4/ المساهمة في تأطير المواطنات والمواطنين بناء على دور الأحزاب السياسية الواردة في الفصل 7.
5/ إعطاء المعارضة ما تستحق بناء على الدستور مما يعزز منظومة التنوع داخل الشأن البرلماني.(ف10)
6 / إذا كان التزام دولي مخالفا للدستور فمن حق البرلمان إحالته على المحكمة الدستورية ولا تتم المصادقة إلا إذا عدل الدستور(ف55).
7/ إن الارتقاء بالبرلمان إلى سلطة تشريعية وتخصيص الباب الرابع لها يرمز إلى دلالة مهمة. مشيرا في الفصل 60 على أن البرلمانيين يستمدون نيابتهم من الأمة. لذلك لايتابعون على إبداء آرائهم إلا في حالات لها علاقة بالثوابت.(ف64).
8/ كما يتوفر المجلس على لجان دائمة يمكن تصريف كل ما يهم المغرب داخليا أو خارجيا من خلالها. كما يمكن تشكيل لجن لتقصي الحقائق التي تعد تقارير تعرض على الجلسة العامة من أجل المناقشة وقد يعرض على القضاء عند الاقتضاء.(ف67).
9/ وضع نظام داخلي حيث يقوم بتوضيح وتحديد الوظائف البرلمانية والتي تركز على التصويت على القانون ومراقبة عمل الحكومة وتقويم السياسات العمومية.(ف70).
10/ من الواجب استثمار ميادين التشريع التي حددت في 30 مجالا حسب الفصل 71. إضافة إلى مقتضيات دستورية أخرى. ومن أهم المحطات السنوية قانون المالية وكذا قانون التصفية(ف75 ف76).
11/ اقتراح القوانين التي أجاز الدستور مدارستها مرة كل شهر خاصة مقترحات المعارضة. (ف82). والقوانين التنظيمية التي من المفروض أن تعرف النور خلال هذه الولاية.(ف86). وتنصب الحكومة بناء على ثقة مجلس النواب (ف88). ويلزم الدستور حضور رئيس الحكومة مرة في كل شهر للإجابة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة.(ف100). إضافة إلى الأسئلة العادية الأسبوعية والأسئلة الكتابية.
12/ إمكانية البرلمان مطالبة رئيس الحكومة بالحصيلة . كما تخصص جلسة سنوية للسياسات العمومية.(ف101). ومن حق البرلمان السماع لمسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية(ف102).
13/ انتخاب البرلمان 6 أعضاء يضافون إلى تشكيلة المحكمة الدستورية.(ف129).
14/ ضرورة تفعيل العلاقة مع المجلس الأعلى للحسابات في مجال مراقبة المالية العامة والمساءلة والاستشارة، ثم الاهتمام بمناقشة التقرير السنوي الذي يقدمه رئيسه أمام البرلمان.(ف148).
15/ تفعيل الاستشارة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.(ف152).
16/ إعطاء أهمية كبيرة للتقارير المقدمة للبرلمان من قبل المؤسسات والهيآت المشار إليها في الفصول 161 إلى 170 من هذا الدستور(ف60).
17/ لمجلس النواب الحق في اتخاذ المبادرة قصد المراجعة الدستورية.
18/ وكون الدستور أجاز للملك مراجعة بعض مقتضيات الدستور، فإنها مرتبطة بموافقة ثلثي أعضاء البرلمان. ويوضح هذا الإجراء في النظام الداخلي لمجلس النواب.(174).
ثالثا: الواجبات العامة:
إننا من خلال رصد الواجبات الدستورية العامة للبرلمان يتبين أن للبرلماني مهاما ثقيلة ومنها الوفاء للاختيارات التي التزم بها أمام المواطنين والهيأة التي يمثلها. والمساهمة في البناء الديمقراطي داخليا وخارجيا ، تمثيليا وتشاركيا. واحترام الدستور والقانون.والإيمان بالتعددية،والتضامن وتكافؤ الفرص، والدفاع على مقومات الهوية الوطنية، واستحضار هموم المغاربة المقيمين بالخارج. والاعتدال والتسامح والحوار، والفاعلية والأخوة والتعاون والاتحاد، ونسج العلاقات الإنسانية، وتعزيز حرية التعبير، والالتزام بالواجبات المالية، والانخراط الكلي في مهام الوظيفة البرلمانية تشريعيا ورقابيا ودبلوماسيا للدفاع عن القضايا العادلة، وتفعيل مبدأ الحق في المعلومة، وتنمية الإعلام داخل البنية وخارجها، وضمان حماية الطاقم الإداري بما يضمن الوحدة والاستقرار والعطاء والاستمرارية. ومواجهة كل أشكال الشطط واستغلال النفوذ والاحتكار والهيمنة.
رابعا: المرجعية وثقل المسؤولية:
إن من أهم خصال المسؤولية القوة والأمانة: القوة في العلم، والحجة والبرهان، ولجم الفساد، وعدم التهيب أمامه، والتعبير عن انتظارات الشعب..
والأمانة باستحضار العهود والمواثيق والأقوال والشعارات، والأمانة على المال العام وجودة مراقبة صرفه. لأن ولاة الأموال ليس لهم أن يقسموها بحسب أهوائهم كما يقسم المالك ملكه، فإنهم أمناء ونواب ووكلاء وليسوا ملاكا كما أكد على ذلك ابن تيمية في كتابه القيم ( السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية).
إذن الشعب أولا ، والنيابة عن الأمة وتعزيز الديمقراطية والانتماء للوطن والأمة، تلك أهم معالم المسؤولية.
لذلك اهتمت البرلمانات الديمقراطية بالجانب الأخلاقي داخل بنية البرلمان، لأن تخليق الحياة البرلمانية تصنع الثقة. وهو مبدأ لايتنافى مع الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ودولة الحق والقانون.
وقد ركز البرلمان الأوربي في مبادئه الموجهة على :احترام المبادئ والثوابت، والانخراط، والمسؤولية والشفافية والهمة في العمل والنزاهة واحترام مكانة البرلمان.
واعتمادا على هذه المبادئ الموجهة دعا إلى التفاني في خدمة المصلحة العامة بدل البحث على الامتيازات غير المشروعة.
خلاصات:
نخلص مما سبق أن الحكامة البرلمانية ضرورة دستورية وأخلاقية من أجل تجويد وظائف العمل البرلماني. ومن تم فهي في حاجة إلى مزيد من المساواة والإنصاف والجودة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة والنزاهة والتقويم والإبداع والإنتاج والمثابرة وخدمة الصالح العام. والفعالية وتأهيل البنية المؤسساتية للبرلمان وتمكين الإطار البشري من آليات العمل. والشعور الدائم بأن البرلمان نبض الشارع، والعمل على الاستمرار في التخليق وتنمية المعرفة والتكوين المستمر. لأن الحكامة البرلمانية في عمقها حكامة للدولة والمجتمع وللمنظومة الحقوقية عامة.
وهذا كله متوقف على برامج عملية متضمنة جوانب التشريع والرقابة والدبلوماسية وحسن تقويم السياسات العمومية وهياكل منظمة وشفافة وموارد بشرية مؤهلة..
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى