تعتبر المحاكمة العادلة من أهم مواضيع حقوق الإنسان، وهي مؤشر على مدى احترام الدولة لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، ومقياس أصيل
في بناء دولة القانون. وقد يعتقد البعض عن خطأ أن المحاكمة العادلة ضماناتها تخص القضاء الجنائي وحده، بيد أن المحاكمة العادلة
تصورها وضرورتها وتجلياتها تمتد لتشمل القضاء المدني وغيره من شعب القضاء الأخرى.
دخلت الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لسنة 1969 والمعروفة باسم حلف «سان خوسيه كوستاريكا»، لأنها اعتمدت في تلك العاصمة، حيز التنفيذ في يوليو 1978. وبلغ عدد الدول الأطراف فيها 24 دولة، حتى أبريل 2002 بعد انسحاب ترينداد وتوباغو من المعاهدة سنة 1998.
وفي عام 1988 اعتمدت الجمعية العامة لمنظمة البلدان الأمريكية، بالإضافة إلى ذلك البرتوكول الإضافي الملحق بالاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية و يسمى كذلك برتوكول «سان سالفادور.»
وفي سنة 1990 اعتمدت الجمعية العامة البرتوكول الملحق بالاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان القاضي بإلغاء عقوبة الإعدام، الذي بدأ العمل به في غشت 1991، وتتعهد الدول الأطراف في هذا البرتوكول بعدم تطبيق عقوبة الإعدام في إقليمها على أي شخص يخضع لولايتها (المادة1) كما تتعهد الدول الأطراف في الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان باحترام الحقوق والحريات المعترف بها في هذه الاتفاقية، وأن تكفل لجميع الأشخاص الخاضعين لولايتها حرية الممارسة الكاملة لتلك الحقوق والحريات دون تمييز.
فسرت هذه التعهدات من قبل محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان خاصة في قضية» فاليزكير» التي تتعلق باختفاء واحتمال وفاة هذا الأخير، وترى المحكمة أن الالتزام باحترام الحقوق والحريات المعترف بها في هذه الاتفاقية تعني ممارسة السلطة العامة لها حدودا منبثقة من حقيقة أن حقوق الإنسان خاصية متأصلة في الكرامة الإنسانية، وبذلك فهي تعلو عن سلطة الدولة.
كما أن الالتزام القانوني بتأمين الحقوق والحريات المتضمنة في الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، يعني أنه من واجب الدول الأطراف أن تمنع وتعاقب انتهاكات حقوق الإنسان، وأن عليها إن أمكن أن تعيد الحقوق المنتهكة إلى أصحابها وتوفر التعويض على نحو ما تبرره الأضرار المتكبدة».
ومن الحقوق المعترف بها بمقتضى هذه الاتفاقية والمرتبطة بموضوع الدراسة:
الحق في المعاملة الإنسانية بما فيها عدم التعرض للتعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو للا إنسانية أو المهينة ( المادة 8).
الحق في محاكمة عادلة ( المادة 8).
الحق في التعويض في حالة إساءة تصريف شؤون العدالة ( المادة 10).
الحق في المساواة أمام القانون والحماية المتساوية التي يوفرها (المادة24).
الحق في الحماية القضائية ( المادة 25).
وفضلا عن الاعتراف بالحقوق المدنية والسياسية، تتضمن الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان حقوقا اقتصادية واجتماعية وتربوية...
أما ممارسة قيود على هذه الحقوق، فلا يمكن أن يتم إلا إذا نص القانون عليها صراحة وفي حالات معينة، علما أن هناك بعض الحقوق تخرج من دائرة التقييد كالحق في الشخصية القانونية والحق في الحياة والحق في المعاملة الإنسانية وعدم تطبيق القوانين الجنائية على الشخص بأثر رجعي.
وبخصوص آليات تنفيذ هذه الاتفاقية، فإن نظام البلدان الأمريكية لحماية حقوق الإنسان يتألف من لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان، ومن محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان بالنسبة للدول الأطراف التي قبلت ولايتها القضائية.
ومحكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان حتى أبريل 2001، بلغ عدد الدول التي قبلت ولايتها الإلزامية 21 دولة، وتتألف من سبعة قضاة ينتخبون بصفتهم الشخصية ولها أمانة موجودة في سان خوسيه بكوستاريكا.
وقبل أن يتسنى للمحكمة النظر في قضية من القضايا، يجب إتمام الدعوى المعروضة على اللجنة والأحكام الصادرة عن المحكمة هي نهائية، وتتعهد الدول الأطراف بالامتثال لتلك الأحكام في أي قضية تكون الدولة طرفا فيها ( المادتان 67-68).
وقد تناولت كل من اللجنة والمحكمة عددا لابأس به من القضايا التي يمكن الوقوف عليها في التقارير السنوية المتقدمة من كل منهما.
الفقرة الثالثة: الاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب والمعاملة أو العقوبة اللا إنسانية أو المهينة لسنة 1987.
اعتمدت الاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب والمعاملة أو العقوبة اللا إنسانية أو المهينة، وبدأ العمل بها في 1 فبراير 1989، وحتى أبريل 2002 بلغ عدد الدول المتعاقدة الأطراف فيها 42 دولة.
ورغم أن الاتفاقية الأوروبية تتصل اتصالا وثيقا باتفاقية مناهضة التعذيب التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1984، إلا أن لها سمة مميزة من حيث أنها أنشأت لجنة أوروبية لمنع التعذيب والمعاملة أو العقوبة اللا إنسانية أو المهينة تتمتع كما سيتبين لاحقا بسلطة زيارة أي مكان للاحتجاز مشمول بالولاية القضائية للدول الأطراف.
وتتعهد الدول الأطراف في الاتفاقية التي لا تتضمن أي تعريف للفعل غير المشروع أو الممارسة غير الشرعية للتعذيب، ولكنها تشير في ديباجتها وتحيل على المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تنص على « وجوب عدم تعريض أي شخص للتعذيب والمعاملة أو العقوبة اللا إنسانية أو المهينة».
وحسب المادة 2 من الاتفاقية تتولى اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب أو العقوبة الإنسانية المهينة من خلال زيارات بدراسة معاملة الأشخاص المحرومين من حريتهم، بغية حمايتهم عند الضرورة.
بقلم: يونس العياشي, قاض ملحق بوزارة العدل والحريات
دكتور في الحقوق.
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى