دراسة في القانون : قراءة أولية حول التوصيتين 167 و174 من ميثاق إصلاح منظومة العدالة(1/2)
إن بداية الحديث عن ميثاق إصلاح منظومة العدالة كان قد تم التأسيس له مع الخطاب الملكي المؤرخ في 9 مارس 2011 والذي تحدث فيه الملك عن إصلاح دستوري شامل ومتكامل من بين مداخله الأساسية الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري، وسياة القانون، ومساواة الجميع أمامه¡ والتأسيس لمفهوم جديد لإصلاح العدالة قائم على أن القضاء هو في خدمة المواطن ، والتنصيص على حق المواطن في مقاضاة الإدارة، والحق لكل من تضرر من خطأ قضائي في الحصول على تعويض تؤديه الدولة.
لأجل تنزيل هاته المبادئ العامة التي أرساها دستور المملكة الجديد الذي تم إقراره في 2011-7-29، تم تنصيب الهيأة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة بتاريخ 8 ماي 2012، وكانت مهمتها الإشراف على حوار وطني شامل ومتكامل، هدفه البحث في مشاريع توصيات في شأن إصلاح العدالة، في أفق بلورة ميثاق وطني يوضح مكامن الخلل والضعف والنقص الذي تعانيه العدالة في بلادنا، وطرح البديل الموضوعي لترميم الإخلال والنقائص وذلك على شكل توصيات، فكان أن تم تنظيم ندوات جهوية للحوار وتمت دعوة الهيآت المهنية والجمعوية والنقابية، لتقديم تصوراتها لإصلاح منظومة العدالة.
وقد انصب مشروع التوصيات التي رفعتها الهيأة العليا لإصلاح منظومة العدالة على ركيزتين أساسيتين:
الأولى:
تشخيص الوضع الراهن والحقيقي للعدالة ببلادنا حاليا لأجل معرفة النقائص والاختلالات.
والثانية:
وضع الأهداف الإستراتيجية الكبرى لإصلاح منظومة العدالة، مع تبيان الأهداف الفرعية، وما تقتضيه من آليات التنفيذ، وتم إرفاق المشروع المذكور بمخطط إجرائي يفصل الإجراءات اللازمة لتطبيق بنوده.
وعموما، وبتصفحنا للتوصيات التي حملها مشروع إصلاح منظومة العدالة، سنجد أن أهم الكوابح التي تمنع تقدم العدالة في بلادنا، تتمثل أساسا في البطء وتعقيد المساطر القضائية أولا، وثانيا النقص الكبير في الشفافية، وثالثا القصور في التدبير الحديث لمرفق العدالة.
ومن ثم، بعد ملامسة مكمن الداء، وتحديد النقائص والاختلالات البنيوية التي تعانيها عدالتنا، تم وضع وتحديد الأهداف الإستراتيجية الرئيسية للإصلاح.
وحددت في ستة أهداف وهي:
1- توطيد استقلال السلطة القضائية.
2- تخليق منظومة العدالة.
3- تعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات.
4- الارتقاء بفعالية ونجاعة القضاء.
5- إنماء القدرات المؤسسية لمنظومة العدالة.
6- تحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها.
ويتفرع عن هاته الأهداف الستة الكبرى، 36 هدفا فرعيا، يستلزم 200 آلية تنفيذ، مع العلم أن المخطط الإجرائي المرافق لمشروع هاته التوصيات يتضمن بدوره 353 إجراء تطبيقا.
بعد هذا التقديم الذي كان ضروريا لمعرفة المسار الذي قطعته الهيأة العليا لإصلاح منظومة العدالة في المغرب، نتطرق إلى الجوانب التي مست مهنة المحاماة كأحد المهن القضائية الرئيسية المساعدة في حسن تطبيق العدالة، ونختص في ذلك بمعالجة توصيتين رئيسيتين وردت في ميثاق إصلاح منظومة العدالة، وهي التوصية رقم 167 المتعلقة بمراجعة شروط قبول ترافع المحامي أمام محكمة النقض، والتوصية رقم 174، والمتعلقة بتخويل المشتكي حق الطعن في قرارات المجالس التأديبية للمهن القضائية، وهو ما سيكون موضوع مبحثين رئيسيتين في هذا العرض:
المبحث الأول:
التوصية 167 وتخص: مراجعة شروط قبول ترافع المحامي أمام محكمة النقض:
تنص المادة 33 من قانون مهنة المحاماة رقم 28.08 الصادر في 20 أكتوبر 2008 على أنه:
“لا يقبل لمؤازرة الأطراف وتمثيلهم أمام المجلس الأعلى، مع مراعاة الحقوق المكتسبة إلا:
- المحامون المسجلون بالجدول منذ 15 سنة كاملة على الأقل.
- المحامون الذين كانوا مستشارين أو محامين عامين بصفة نظامية في المجلس الأعلى.
قدماء القضاء وقدماء أساتذة التعليم العالي، المعفون من شهادة الأهلية ومن التمرين بعد خمس سنوات من تاريخ تسجيلهم بالجدول”
كما تنص المادة 34 من قانون المحاماة على: تهيئ مجلس الهيأة في شهر أكتوبر من كل سنة قائمة بأسماء المحامين المقبولين للترافع أمام المجلس الأعلى.
ويتولى النقيب تبليغ القائمة خلال شهر نونبر الموالي إلى الرئيس الأول للمجلس الأعلى.
تنشر القائمة الكاملة للمحامين المقبولين للترافع أمام المجلس الأعلى بالجريدة الرسمية”.
وحيث إنه، مادام أن التوصية 167 من ميثاق إصلاح منظومة العدالة، نصت على ضرورة مراجعة شروط قبول ترافع المحامي أمام محكمة النقض، فإنها بذلك لم تكن راضية على محتوى هاتين المادتين من قانون المحاماة.
وقد يتبادر إلى الذهن، لأول وهلة، أن الأمر يتعلق ربما بالزيادة في المدة المطلوبة لقبول الترافع أمام المجلس الأعلى، في 10 سنوات كاملة على الأقل منذ التسجيل في الجدول، وجاء القانون الحالي لسنة 2008 ليرفعها إلى 15 سنة كاملة من الأقدمية.
وبغض النظر عن رغبة الهيأة العليا لإصلاح منظومة العدالة، أو متمنياتها، أو اقتراحاتها حول الشروط الجديدة الواجبة التبني لأجل مراجعة شروط قبول الترافع أمام محكمة النقض، فإنه لا الزيادة في المدة المطلوبة، ولا الإنقاص من تلك المدة، ولا الإبقاء على المدة نفسها، السبيل الأصلح لأجل ترشيد شروط قبول الترافع أمام محكمة النقض، بل إن مراجعة شروط القبول في نظرنا تتم بالوسائل والطرق التالية:
الرفع من مستوى الشهادة المطلوبة لولوج مهنة المحاماة : لأن الطالب الآن أصبح بعد ثلاثة سنوات من الإجازة، بإمكانه بعد امتحان الأهلية، الولوج إلى مهنة المحاماة، وهي مدة قصيرة جدا، لأن التجارب الدولية في الميدان نفسه تتطلب 6 أو 7 سنوات من التكوين حتى يمكن للطالب أن يتحول إلى محامي.
وهكذا، فإن الرفع من مستوى الشهادة المطلوبة لاجتياز الأهلية، لا يمكن أن يقل بأي حال من الأحوال عن شهادة الماستر وفي القانون الخاص، وليس في العلوم القانونية كما ورد في الفقرة الثالثة من المادة 5 من قانون المحاماة الحالي، والذي يحدد شروط الانخراط في المهنة، وشهادة الماستر المطلوبة لولوج مهنة المحاماة، إذا ما تم إقرارها، ستنسجم مع التوصية عدد 149 من الميثاق، والتي تطالب :”بمراجعة مستوى المؤهل العلمي لولوج سلك القضاء، مع الانفتاح على مختلف التخصصات العلمية”.
وتنسجم كذلك مع التوصية عدد 150 من الميثاق والتي تطالب :”بمراجعة نظام الامتحان، للولوج إلى مهنة المحاماة، ومدة التمرين فيها، وكذا امتحان التخرج للحصول على شهادة الكفاءة لممارسة المهنة”.
2) إخراج المعهد العالي للمحاماة إلى الوجود على غرار المعهد العالي للقضاء، والذي سيتكلف بالتكوين الأساسي للمحامي على الأقل في حدود نصف مدة التمرين، على أن يقضي المحامي المتمرن النصف الآخر بأحد المكاتب، لتعلم كيفية الترافع والقيام بالإجراءات المصاحبة لإقامة الدعاوى إلى غير ذلك..
وهنا تحضرنا مؤسسة التكوين الخاصة بالمحامين والتي نصت عليها المادة 6 من القانون الحالي لسنة 2008، والتي تقول :”تمنح شهادة لمزاولة مهنة المحاماة من قبل مؤسسة للتكوين، وتحدث، وتسير وفق الشروط التي ستحددها بنص تنظيمي”.
بقلم: عبد الرحيم سعودي ,محام بهيأة آسفي
جريدة الصباح المغربية الاثنين, 06 يناير 2014
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى