Wednesday, January 01, 2014

دراسة في القانون : قراءة لمشروع قانون بمثابة مدونة التعاضد

بقلم: طارق لكدالي, باحث جامعي في قانون الأعمال

صادق المجلس الحكومي على مشروع قانون رقم 12-109 بمثابة مدونة التعاضد الذي صادق عليه المجلس الحكومي، وكان موضوع مناقشة ورأي من قبل اللجنة الدائمة المكلفة بالشؤون الاجتماعية والتضامن  بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بعدما تلقى طلبا بذلك من قبل رئيس مجلس المستشارين بتاريخ 18 شتنبر 2013 ، 
إذ استمعت اللجنة خلال إعدادها لتقريرها إلى 34 من القطاعات الحكومية والمؤسسات والهيآت (4 وزارات و19 تعاضدية 
و5 نقابات و3 هيآت تدبير التأمين الإجباري الأساسي عن المرض وثلاث جمعيات). (1/4)

تبنى الجمع العام للمجلس بالإجماع ما خلصت إليه هذه اللجنة خلال دورته العادية الثالثة والثلاثين والمنعقدة بتاريخ 28 نونبر 2013، إذ أجمع التقرير على ضرورة تمكين التعاضديات من الإسهام في السياسة الصحية للدولة، وضرورة إعادة النظر في مقــتضيات القــانون رقــم 12- 84 المتعلق بالآليات الطبية والقانون رقم 09-34 المتعلق بالمنظومة الصحية وتقديم العلاجات، وذلك لتمكين التعاضديات بنظامها القانوني الخاص من ممارسة الأنشطة ذات الطابع الصحي، كما دعا المجلس إلى إقامة تعاقد بين الدولة وقطاع التعاضد على غرار التعاقدات المبرمة مع قطاعات أخرى ) قطاع التأمينات مثلا( ومساعدة قطاع التعاضد على إنشاء هيأة قادرة على تمثيله والدفاع عن مصالحه ، كما أوصى المجلس بتعيين هيأة عليا للتقنين تضم ممثلين عن السلطات العمومية والمشغلين والنقابات والتعاضديات ، تتكلف بالسهر على الانسجام بين مكونات القطاع والنهوض به ومراجعة المعايير التقنية والاحترازية المطبقة تحت تسمية )المجلس الأعلى للتعاضد(.
وعلى غرار نتائج هذا التقرير كان لزاما الخوض في دراسة قانونية لمقتضيات مشروع القانون رقم 12109- لتبيان خصائص هذا المشروع ومكوناته وانعكاساته الواقعية والقانونية، لكن قبل ذلك ارتأيت التطرق إلى الاعتبارات الداخلية والخارجية التي ساعدت وساهمت في إعداد هذا المشروع.
الاعتبـــارات الداخلـيـــة 
 يندرج هذا المشروع ضمن حركة إصلاحية يعرفها نظام التأمين الصحي المغربي والذي يقوم على سياسة التنمية الاجتماعية وتحسين المستوى الصحي الذي يعتبر أحد المكونات الأساسية لهذه السياسة التي تهدف إلى ضمان مشاركة المواطنين والقطاعات الخاصة في التنمية، وهذه الأولوية تشكل موضوع توافق وطني يتماشى مع المتغيرات الدولية، وذلك باعتبارها أداة فعالة من أدوات تحقيق العدالة الاجتماعية، لذا جاء مشروع مدونة التعاضد الذي يركز على دور التعاضديات شريكا رئيسيا للدولة في تسيير أنشطتها الصحية ومسايرا للقانون رقم 65-00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية، حيث تعمل الدولة على اتخاذ التدابير اللازمة لتحمل علاج الأشخاص.
الاعتبــارات الخـارجيــة 
 التزم المغرب بإصلاح نظام التعاضد الخاص به عندما واجه الاتحاد الأوربي الأزمة الاقتصادية وأيضا عند مراجعة بعض عناصر الأنظمة الاجتماعية لحماية الدول الأعضاء فيها، وهذا ينعكس على بناء نموذج اجتماعي جديد، ودور التعاضديات في هذا النموذج،وفي هذا الإطار قدم البرلمان الأوربي في يوليوز 2011، تقريرا عن «دور التعاضديات في القرن الحادي والعشرين»،  حيث قدمت اللجنة الأوربية بناء على طلب من البرلمان الأوربي جدول الأعمال للعمل على النظام الأساسي للتعاضد الأوربي.
لماذا هذا الاهتمام المتجدد بالنموذج التعاضدي؟
هناك عدة عوامل أبرزها تقرير البرلمان الأوروبي الذي يقر بأن التعاضديات استطاعت عموما تجاوز الأزمة المالية مقارنة مع القطاعات الأخرى المنافسة لها والتي تقوم على الربح ( اقل طلب في السوق المالي، سياسة مالية جد حذرة وطويلة الأمد، وهذا ما بينه تقرير الوكالة مودي Agence Moody سنة 2009). « فوجود التعاضديات يؤسس عاملا تنافسيا منفعيا بالنسبة للمؤمنين»، فالتعاضديات موجهة لفئات اجتماعية خاصة يمكن أن تعزز قدرتهم على العمل الاجتماعي والاقتصادي، ليؤكد تقرير يوليوز 2011 للبرلمان الأوربي ما يلي :
« لا يزال للتعاضدية سبب لوجودها، فهي تمثل قيمة مضافة للاقتصاد الأوربي والمجتمع ككل، هناك حجج اقتصادية قوية لتشجيع التعاضد، وهذا مجال هام من مجالات التنمية ، بالإضافة إلى أن عددا كبيرا من المواطنين الأوربيين اختاروا الدخول إلى خدمات الرعاية الصحية، الخدمات الاجتماعية ذات جودة عالية، وأيضا هناك حاجة متزايدة للفاعلين الاقتصاديين بوجود مسؤولية اجتماعية متجذرة في مؤسساتهم».
لكن السؤال المطروح الآن ، هو هل استطاع مشروع قانون بمثابة مدونة التعاضد أن يساير التوجهات العامة الدولية لنموذج التعاضد الأوربي؟
للجواب على هذا السؤال، لابد بدوري وعلى غرار العديد من الدارسين والباحثين والعاملين بقطاع التعاضد التساؤل حول مدى الحاجة في التخلي عن ظهير 1963 وتعويضه بنص قانوني جديد ؟ إذ أن الأخير لم يعرف منذ صدوره سوى تعديلين اثنين الأول سنة 1979 والثاني سنة 2010 تعديلات لم تمس الجوانب المتعلقة بتدبير وتسيير هذه التعاضديات، ناهيك عن غياب المجلس الأعلى للتعاضد عن المشهد لسنوات طويلة حيث لم يجتمع سوى ثلاث مرات فقط 1967 و 2007 و2010، وبالتالي لا يمكن تحميل القطاع التعاضدي تبعات عدم التأهيل التشريعي للقطاع، كما أن ظهير 1963 لا يزال مادة خام قابلة للتطوير والتعديل والاستمرار.   
 فمن خلال القراءة المتأنية لمشروع مدونة التعاضد، يصطدم رجل القانون بين الأهداف المتوخاة لجعل التعاضديات كشريك في النشاط الصحي للدولة مع ملاءمتها مع السياسة الوطنية للصحة ( المادة 2) وتحدي الفاعلين في القطاع التعاضدي بالوسائل المتاحة لهم لتحقيق هذه الأهداف تحت خطر ليس فقط  في عدم إمكانية تحقيقها بل تؤدي إلى شلل النظام التعاضدي ككل.
مشــروع قانـــون طموح تضمن مقتضيات عامة تتعلق بحياة التعاضدية إلى انتهائها من حيث التعريف والتأسيس وتحديد أجهزة القرار والمهام المنوطة بها ونطاق أنشطتها والمقتضيات المتعلقة بالتسيير الإداري سواء تعلق الأمر بعلاقاتها الخارجية أو بعلاقاتها مع الإدارة، فهذه الرؤية الشمولية للمشروع والذي ميزه عن النظام الحالي أسس مبدئيا نظاما متناسقا، كما حاول المشروع تحديد مسؤوليات التعاضديات في إطار قانوني يوجهها في ممارسة مهامها اليومية ومسؤولياتها.
كما أن المشروع أعطى للتعاضديات نطاقا واسعا لممارسة أنشطتها مادام شمولية تأمين الشخص على عموم المخاطر المرتبطة بالصحة ، الولادة والشيخوخة والوفاة وأيضا في مجموع الخدمات، أعمال الوقاية، العمل الاجتماعي، الوحدات الصحية والاجتماعية، فالتعاضديات يمكنها أيضا أن تكون مجموعة من الاتحادات لممارسة أنشطتها، وهذا يعني أن المشروع حاول تحديث القطاع التعاضدي ليلعب الدور المنوط به في تناسق وتناسب مع القطاع الأساسي الذي يتطلب وضع القواعد الأساسية للتسيير ويحسن جودة الخدمات لفائدة المنخرطين.
 وبالتالي فالمشروع يقر بالدور الفعال للتعاضديات كآليات فعالة في القطاع الاقتصادي ويندرج في حراك إصلاحي، والتحديث وذلك بوضع قواعد محاسباتية مثلها مثل الشركات التجارية، وهذا يميزها عن الجمعيات، والمشرع المغربي مثل نظيره الأوربي وضع مقتضيات خاصة بالاحترافية  والمهنية بالنسبة إلى مسيري التعاضديات، وإن كان هذا يقتصر فقط على أعضاء الإدارة الجماعية كما يحمل المشروع هاجس التسيير الحكيم أو الإدارة الحكيمة.
  بقلم: طارق لكدالي, باحث جامعي في قانون الأعمال

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا