Thursday, January 02, 2014

دراسة في القانون : قراءة لمشروع قانون بمثابة مدونة التعاضد 2

بقلم: طارق لكدالي, باحث جامعي في قانون الأعمال

رغم الجهود المبذولة في هذا المشروع، إلا أن هناك مجموعة من  الإشكالات القانونية التي تهدد المشروع الإصلاحي بكامله يمكن إيجازها في النقط التالية :
الانسجام بين المشروع وبين التشريعات الأخرى القريبة منه
قبل تبني مشروع مدونة التعاضد بصفة نهائية، يجب على المشروع التأكد من وجود تناسب وانسجام مع مختلف التشريعات التي يمكن أن تتعارض معه، بالخصوص عندما نريد أن نشرك التعاضديات في الخدمات الصحية للدولة: مثل القانون المتعلق بالصحة العمومية، والعمل الصحي، وقانون ممارسة الطب.. وأيضا عندما نعترف للتعاضديات بدورها الفعال في  المجال الاقتصادي، فعلى المشروع أن يسهر على انسجام مقتضيات المشروع مع التشريعات التي تنظم الميدان الاقتصادي : القانون الضريبي، قانون المنافسة، قانون الاستهلاك.
الانسجام بين مقتضيات المشروع في حد ذاته
التأكد من انسجـام المقتضيات القانونية داخـل المشـروع نفسه، إذ أن مشروعا بهذا الحجم الشمولي يتطلب انسجاما بين مقتضياته القانونية، ولكن للأسف هناك مقتضيات لا تنسجم مع بعضها البعض من قبيل:
المقتضيات المتعلقة بموارد التعاضديات، المادة الأولى»  تنص فقط على اشتراكات منخرطيها « والمادة 3 « اشتـراك وهبات الأعضـاء الشرفيين». المادة 83 تفسح بشكل واسع إمكانية « الهبات ووصايا  منقولة أوغير منقولة». المادة 81   «سائر المداخيل الاعتيادية».
في هذا الصدد يجب على المشروع أن يحدد بصورة صريحة الموارد والمداخيل سواء المادية أو العينية للتعاضديات أو يذكرها على سبيل الحصر مع جعل إمكانية وجود رقابة في تسييرها حتى لا نكون أمام مقتضيات قانونية قد تعرض نشاط التعاضدية إلى الضعف أو الشلل.
المقتضيات المتعلقة بعدد المنخرطين حدا أدنى 5000 منخرط « المادة 6 ولا يطبق هذا المقتضى إذا ألتزمت التعاضدية بالانخراط في اتحاد التعاضديات». في حين أن المادة 153 و 162 تنصان على» أن الاتحاد يجب أن يثبت توفره على عدد أدنى من المنخرطين في التعاضديات المكونة له والذي لايمكن أن يقل عن 5000 منخرط».
إذا كانت المادة 85 تمنع على كل تعاضدية منح سلف أو إعطاء كفالات أو ضمانات لفائدة إي كان»، فالمادة  74 «  ترخص للإدارة الجماعية بمنح كفالات أو ضمانات احتياطية أو ضمانات دون تحديد لمبلغها ، للإدارات الجبائية أو الجمركية».
 التأكـــد من ملاءمــة المعاييــر المعتمــدة
إن ملاءمة المعايير في النص القانوني يجب أن تقدرفي ذاتها – الارتباط بين الهدف المتوخى والمعيار المعتمد- في ما يتعلق بطبيعة النص، خصوصا مكانته على مستوى الضوابط القانونية، فالمدونة القانونية هي نص ذو طابع جدي خاص معمول أساسا ليطبق على فترة زمنية طويلة، هذه المقتضيات تتسم بالاستمرارية على خلاف النصوص التنظيمية بالخصوص النصوص الإدارية، إذا على هذا المستوى، فإن المدونة لا تخلو من انتقاد، لوجود مجموعة من المقتضيات الخاصة التي لا تتلاءم مع الأهداف العامة، بل تثير اهتمامات آنية منصوص عليها في مدونة قانونية تتسم بالاستمرارية ونذكر على سبيل المثال:
تحديد الحد الأدنى للمنخرطين ( المادة 6)، والمادة نفسها تنص على» أن لا يقل العدد عن 5000 «. وهذا ما سيحدده نص تنظيمي؟  ماذا يعني توفر حد أدنى للمنخرطين حتى نكون أمام  تعاضدية، خصوصا حسب مفهوم المشروع، أن الشخص المعنوي الموقع على الاتفاق الجماعي لكن لا يمكن احتسابه في السقف مادام لا يتوفر على صفة منخرط كعضو شرفي أليس من الملائم وضع سقف مالي كحد أدنى ؟ مثلا تستند على سلطة تنظيمية بعد استشارة المجلس الأعلى للتعاضدية؟.
هل يمكن للمدونة أن تحدد أجل أداء الخدمات؟ (المادة 8) .
بلا شك أن نصا بهذا الحجم يجب أن يضع المبادئ الأساسية التي تضمن حقوق الأشخاص وتعمل على حمايتها وأيضا حماية ذوي الحقوق.
إن الاهتمام بأدق التفاصيل يشوه المقتضيات الخاصة بالإدارة الجماعية سواء تعلق الأمر بتأليفها  ثلاثة أعضاء (المادة 65) وعلى مستوى تكوين أعضائها تطلب المشروع الحصول على دبلوم جامعي وعلى تجربة مهنية في ميادين التعاضد والتقاعد أو التأمين ( المادة 66) ويكون أعضاء الإدارة الجماعية من الأشخاص الذاتيين( تحت طائلة بطلان التعيين)، إن الشرط المتعلق بالشهادة المحصل عليها والتي نص عليها المشروع لا يمكن تصوره إلا من خلال فرضية انتداب التعاضدية الإدارة الجماعية إلى شخص معنوي التي تعين بدورها وكلاء إلى هذا الانتداب، وكيفما كان الحال هناك حيرة يجب إثارتها سواء تعلق الأمر لمدة انتداب أعضاء الإدارة الجماعية ( المادة 69 ). فإن عدم ملاءمة القواعد نفسها ضمن المادة نفسها بالنسبة لكل التعاضديات، كيفما كانت أهميتها واختلاف أنشطتها، فتحديد المعايير المعتمدة تكشف عقمها كما أنها لا توجد أي قاعدة بالمفهوم المخالف تتعلق بتدبير الاتحادات كما هو الشأن بالنسبة إلى التعاضديات حتى ولو حاولنا أن نستشفها من المادة 55، وهذا يؤدي إلى فرضية أن اتحاد تعاضديتين من 5000 منخرط لها 9 رؤساء بالنسبة إلى 10.000 منخرط.
الانتقاد نفسه يوجه إلى مقتضيات القسم السادس «المتعلق بالعقوبات «، فإذا كانت المدونة هي التي تحدد طبيعة المخالفات والعقوبات الملائمة لها، فإن هذه الأخيرة يجب أن تؤخذ من النصوص التطبيقية.
انطلاقا من هذه الانتقادات يجب إعادة الصياغة النصية لمشروع إصلاح مدونة التعاضد والابتعاد عن الانزلاقات والهفوات التي عرفتها بعض مقتضيات هذا المشروع، بالإضافة إلى كل هذا، فإذا أراد مشروع الإصلاح أن يظل متشبثا بأهدافه الاجتماعية والإنمائية، عليه أن يعيد النظر بشكل جوهري وعميق في بعض أقسام وتبويبات المشروع الإصلاحي.
مشــروع إصلاحــي يجب أن يعــــدل
إن أي مشروع إصلاحي رغم المزايا التي يتمتع بها من أنه طموح ويسعى إلى إصلاح شمولي، فإنه يحتوي بين طياته ثغرات وهفوات لا يمكن أن تظهر إلا بعد تطبيقه لفترة زمنية معينة، ولكن للأسف من سمات هذا المشروع الإصلاحي لمدونة التعاضد، أن عيوبه وأخطاءه الفادحة يتم كشفها في المرحلة الآنية من قبل أي رجل قانون له معرفة بسيطة بميدان التعاضد والمقاولات، وبالتالي يكون من الواجب عليه أن ينبه إلى خطر الفشل والشلل الذي يهدد بعض أحكام ومقتضيات هذا المشروع الإصلاحي الضخم وهذا يتعلق بالخصوص بالمقتضيات التالية:
أولا:  نطــاق نشــاط التعاضديات وشروط ممارستها:
 كما سبقت الإشارة إلى أن مشروع إصلاح مدونة التعاضد أعطى نطاقا واسعا لنشاط التعاضديات، نطاق يتوافق مع مهامها ) تأمين الشخص، حمايته من مخاطر المرض، الحوادث، الولادة، الشيخوخة، والوفاة وأيضا القيام بعمليات الإسعاف المرتبطة بهذه الخدمات، معونات، مساعدات، الأعمال الوقائية، إحداث وتدبير وحدات صحية واجتماعية(، ومثل كل الفعاليات الاقتصادية، فالتعاضديات في حاجة إلى الوسائل اللازمة لممارسة هذه الأنشطة، ومن بينها الوسائل القانونية المتوفرة التي يجب أن تلتزم بالمرونة الكافية لتمكين التعاضديات من مواجهة الحالات الأكثر تعقيدا وتنوعا ولتطوير الشراكات وفقا للقيم- غير الهادفة للربح- وهذا لا يعني عدم وجود نتائج إيجابية أو تحقيق مالي معين، بل الهدف الأسمى هو التضامن في المجتمع لتحقيق الحماية الاجتماعية والصحية للمنخرطين ولذوي حقوقهم، وهذا يعني حذف بعض العقبات المنصوص عليها في النص الحالي لمشروع مدونة التعاضد، وإضافة بعض المقتضيات والأحكام التكميلية التي تسعى إلى الهدف نفسه.
 بقلم: طارق لكدالي, باحث جامعي في قانون الأعمال

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا