Saturday, January 12, 2013

دراسة في القانون: المراقبة القضائية والاعتقال الاحتياطي (1/2)


يرى عبد اللطيف بوحموش، عميد شرطة ممتاز أسبق وأستاذ متعاون بالمعهد الملكي للشرطة، أن قانون المسطرة الجنائية جاء بديلا للاعتقال الاحتياطي،
إذ تم إحداث إجراءات بديلة عن الاعتقال الذي جاءت ديباجة قانون المسطرة الجنائية لتعتبره تدبيرا
 استثنائيا محاطا بمراقبة صارمة من طرف السلطة القضائية. أثار انتباهي المقال المنشور في افتتاحية الصباح عدد 3912 بتاريخ 2012/11/12 بقلم الأستاذ خالد الحري تحت عنوان «بدائل الاعتقال». ونظرا لأني من المتخصصين في المجال الجنائي وبالأخص في ميدان الشرطة القضائية التي أزاول تدريسها حتى، بعد احالتي على التقاعد باعتباري عميدا سابقا للشرطة، فإني أرى من واجبي أن أدلي بدلوي في الموضوع عل ذلك ينفع عندما تناقش اللجن المحدثة لمراجعة القانوني الجنائي والمسطرة الجنائية والتي سجلت في الأيام الأخيرة بعض الاجراءات المرتجلة التي أدخلت على الميدان الجنائي منذ سنة 2003 إلى الآن.
لقد جاء قانون المسطرة الجنائية بديلا للاعتقال الاحتياطي، كما جاء على لسان الأخ الكريم صاحب الافتتاحية، إذ تم إحداث إجراءات بديلة عن الاعتقال الذي جاءت ديباجة قانون المسطرة الجنائية لتعتبره تدبيرا استثنائيا محاطا بمراقبة صارمة من طرف السلطة القضائية.
والواقع أن ما تم نقله عن القوانين الفرنسية بالنسبة إلى بلادنا يعتبر قفزة نوعية، كنا نعتقد أنها سوف تخفف من تكدس السجناء في أماكن الاعتقال، إذ انصب الفرع الأول من الباب التاسع المخصص للوضع تحت المراقبة القضائية والاعتقال الاحتياطي على المواد من 160 الى 174 من قانون المسطرة الجنائية لإحلال إجراء جديد أراد به المشرع استبدال الاعتقال الاحتياطي بتدابير المراقبة القضائية، التي من شأنها ضمان حضور المتهم عندما يستدعى أمام القضاء، وذلك لمدة شهرين قابلة للتجديد خمس مرات، أي ما يعادل سنة كاملة يكون الشخص، إما ملزما بعدم مغادرة الحدود الترابية للمملكة، وإما بعدم التغيب عن المنزل أو بعدم التردد على بعض الأمكنة أو بالتقدم بصفة دورية أمام المصالح أو السلطات المعنية وإما الاستجابة للاستدعاءات الموجهة إليه أو للحضور أو لتدابير المراقبة المتعلقة بالنشاط المهني أو بتقديم الوثائق المتعلقة بهويته سيما جواز السفر أو بالمنع من سياقة الناقلات أو بالمنع من الاتصال ببعض الأشخاص أو بالخضوع لتدابير الفحص أو العلاج، أو بإيداع كفالة مالية أو بعدم مزاولة بعض الأنشطة أو عدم إصدار الشيكات أو بعدم حيازة الأسلحة أو بتقديم ضمانات شخصية أو عينية أو إثبات مساهمة المتهم في التحملات العائلية.
وكل هذه التدابير جاءت لتحل محل الاعتقال الاحتياطي الذي يتسبب في كثير من الأحيان في تأزم وضعية المتهم خصوصا إذا تمت تبرئته عند المحاكمة.
لكن ما شاهدناه خلال السنوات الماضية تجلى في أن قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق لم يهتدوا الى توظيف هذه الصلاحيات التي خولها المشرع لهم حيث أصبحوا يحولونها الى الرتبة الثانية بعد الاعتقال الاحتياطي، وذلك بعدما يستهلكون المدة القانونية في وضعه لمدة شهر واحد قابل للتمديد لمرتين اثنتين في حالة الجنح (المادة 176 أي ما يعادل 3 أشهر)، ولمدة شهرين اثنين قابلة للتمديد 5 مرات في الجنايات (المادة 177 أي ما يعادل 12 شهرا)، إذا أضيفت إليها مدة الوضع تحت الحراسة القضائية لمدة سنة تكون المدة الكاملة بالنسبة للجنح 15 شهرا وللجنايات 24 شهرا.
وليتصور القارئ الكريم ما سوف يكون مصير المتهم عندما تقضي المحكمة ببراءته. وما قد يحدث له هذا الأمر من متاعب لا يمكن تداركها في كثير من الاحوال لا بالتعويض المادي ولا غيره ويظل شبح الاعتقال الذي وقع عليه يخيم عليه طوال حياته.
ولم يقف الوضع عند هذا الحد بل ازداد تعقدا عندما عرضت وزارة العدل في أواخر سنة 2011 مشروع القانون رقم 35.11 الصادر يوم 27 أكتوبر 2011 القاضي بتمتيع الشخص الذي يلقى عليه القبض أو يوضع تحت الحراسة النظرية بنوع جديد من الحقوق، إذ طوق المشرع عنق ضابط الشرطة القضائية بضرورة إخباره بحقه في التزام الصمت وبحقه في الاتصال بأحد المحامين أو في الحصول على المساعدة القضائية وأن يبلغ إليه ذلك فورا قبل البدء في استنطاقه، إذ يحق للمحامي المعين أن يجري معه اتصالا لمدة 30 دقيقة تحت مراقبة الشرطة القضائية التي لا يحق لها أن تطلع على ما يتداوله الشخص والمحامي.
فإن كان هذا القانون مفخرة لبلادنا في ترسيخ كرامة الانسان وتمتيعه بكل الحقوق، طالما أن الأصل هو براءة الذمة فإن هناك فراغا مهولا نلفت الانتباه اليه، حيث أنه لم يرد نص في القانون المذكور لما يتعين فعله عند التزام الصمت بصفة مطلقة أو عندما يستحيل الاتصال بالنقيب والمحامي أو عندما يخبر هذا الأخير ويتقاعس على الالتحاق بمكان وجود الشخص المقبوض عليه أو الموضوع تحت الحراسة النظرية التي لا يمكن أن تتعدى المدة القانونية المفروضة فيها بموجب المادة 66 وهي 48 ساعة التي يدخل فيها حتى وقت التقديم الى السلطة المختصة.
وفي هذا الشأن كذلك نضيف أن النيابة العامة تفرض على ضباط الشرطة القضائية أن يكون التقديم قبل الحادية عشرة من كل يوم. ومعناه أن على الباحث أن يختم المسطرة قبل الموعد المذكور ومعناه كذلك أنه لو ألقي القبض مثلا على فاعل جريمة ما في الساعة الحادية عشرة ليلا فيكون انتهاء مدة الحراسة النظرية في الساعة نفسها بعد 48 ساعة. وهذا أمر مستحيل لأن التقديم لا يكون إلا في الصباح بمعنى أنه يتعين انهاء البحث قبل مضي المدة القانونية بعشر ساعات، أي أن هذه المدة سوف تضيع على الشرطة القضائية وقتا هاما كان أحرى أن يستغل في استمرار البحث بدلا من الاكتفاء بما وصل اليه والتخلي عن الملف حتى وإن بقي كثير من النقط الغامضة التي من المحتمل الاجابة عليها، وبالتالي فإن البحث يكون ناقصا وتضيع بفعل ذلك حقوق الأطراف وينفض ضابط الشرطة يده من الملف متنازلا عنه وعرضه ناقصا إلى النيابة العامة.

بقلم: عبد اللطيف بوحموش, عميد شرطة ممتاز أسبق
أستاذ متعاون بالمعهد الملكي للشرطة

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا