Saturday, January 12, 2013

دراسة في القانون: المراقبة القضائية والاعتقال الاحتياطي (2/2)


يرى عبد اللطيف بوحموش، عميد شرطة ممتاز أسبق وأستاذ متعاون بالمعهد الملكي للشرطة، أن قانون المسطرة الجنائية جاء بديلا للاعتقال الاحتياطي،
إذ تم إحداث إجراءات بديلة عن الاعتقال الذي جاءت ديباجة قانون المسطرة الجنائية لتعتبره تدبيرا
 استثنائيا محاطا بمراقبة صارمة من طرف السلطة القضائية.

عندما لا يكون ضابط الشرطة في حاجة إلى إبقاء الشخص رهن الحراسة النظرية إما لتوفر أسباب تحتم الإفراج عنه أو لأن البحث لم يستغرق كل المدة القانونية، فيضطر إلى الإبقاء عنه محتجزا إلى غاية حلول وقت التقديم الذي تصر النيابة العامة على ألا يكون إلا في الصباح، ويصبح تبعا لذلك اعتقال الشخص تعسفا يمكن الاستغناء عنه.
وعندما يعرض الملف مختوما على حالته، تكون النيابة العامة بدورها ملزمة بنفض يدها من الملف إما بعرضه على المحكمة في أقرب جلسة، أو بالتماس إجراء تحقيق إعدادي، حيث لا يجد قاضي التحقيق بين يديه سوى اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي، إما ليتسنى له لاحقا بحث النازلة أو انتظار أي تطور ممكن أو مبادرة من الأطراف تسمح له باتخاذ القرار اللازم. في حين أنه لو سمح للشرطة القضائية بالوقت الكافي لمواصلة البحث تحت رقابة مشددة من طرف النيابة العامة أو قضاء التحقيق، لكان مصير الملف أجود مما يمارس اليوم. ونحن نعلم أن للشرطة القضائية من الوسائل البشرية والمادية ما من شأنه أن يساعد القضاء على الحكم متوفرا على ملف مكتمل الجوانب وشاملا كل الحجج والقرائن لهذا الطرف أو ذلك.
هذه إذن واحدة من العقبات التي تعترض عمل الشرطة القضائية التي جاء بها قانون 2003 وما تبعته من تعديلات أخرى لتضييق الخناق عليها درءا لكل تجاوز ممكن، لكن أن نقلص سلطة الشرطة القضائية في حدود 48 ساعة ونعطي صلاحيات واسعة تعد بالشهور ولا نجعل لها وسيلة للمراقبة المشددة بالنسبة للقضاء، فهذا أمر فيه كثير من عدم التوازن لأن قانون 2003 والتعديلات اللاحقة التي أدخلت عليه، جاءت على مقاس السلطة القضائية على حساب مصلحة المتقاضين، بل إن وزارة العدل هي التي وحدها اقترحت مشروعات التعديلات الأخرى، والتي لا تخلو بدورها من انتقادات تصب كلها في إطلاق يد النيابة العامة وقضاء التحقيق، في حين يبقى عمل الشرطة القضائية محدودا في 48 ساعة بالنسبة للحراسة النظرية سواء تعلق الأمر بالجنح أو الجنايات، مهما كانت خطورة الفعل الجنائي لا تمييز بين جرائم الاعتداء على الأرواح أو الأعراض أو الأموال، وحتى جنح السكر وغيره. وهذا غير واقعي، إذا علمنا أن جنايات القتل والاغتصاب والسرقات المشددة، تتطلب وقتا أطول لا تكفي فيه المدة الواردة في المادة 66 لإتمام المهام، حيث ينفض ضباط الشرطة القضائية يدهم عن الملف وتعجز السلطة القضائية عن متابعة البحث أو التحقيق لعدم توفرها على الموارد البشرية والمادية الكافية لذلك.
هذا عن جانب واحد من جوانب المسطرة الجنائية، وهناك مؤخذات كثيرة لا يسعنا الوقت هنا للتطرق إليها برمتها زيادة على ما أحدث كذلك في شأن بعض التعديلات التي مست مدونة القانون الجنائي ومدونة التجارة في موضوع إصدار الشيكات بدون مؤونة.
لذلك إذا أردنا أن نساهم في إحداث إصلاحات هادفة للمنظومة الجنائية لابد أن تكون لجنة تجمع كل المتخصصين في جميع المجالات والاستماع إلى آرائهم دون إخضاعهم لأية سلطة كي يقدموا ملاحظاتهم دون خشية أية مؤاخذة أو اعتراض لعرض ما لديهم وبسط رأيهم المتعلق بالصعوبات التي تعوق عملهم في أرض الواقع.
ولا نرى أن تتولى وحدها وزارة العدل (وهي طرف في الموضوع) إعداد المشاريع على حسب ما يمليه عليها الوضع في المحاكم دون الالتفات إلى المتدخلين الآخرين، والذين لابد من إقحامهم في إعداد المشاريع. وكلما تعددت المشارب كلما كان ذلك أفيدا، حيث يساهم كل ذي تخصص في تنوير اللجنة أو اللجان بما لديه لتحقيق ما نصبو إليه تكريسا لعدالة نزيهة تكون الأدوار موزعة بين كل المتدخلين دون أن تكون هناك هيمنة لسلطة على أخرى مثلما هو وارد في المادة 39 من ق. م. ج: «يمارس وكيل الملك سلطته على نوابه...» (ف2).
وأفضل حل نقترحه هو القيام باستطلاعات رأي كل المتدخلين في ميدان محاربة الجريمة والانتقال إلى مفوضيات الشرطة ومراكز الدرك والنيابة العامة وقضاء التحقيق والسجون للاطلاع عن كثب عن كل ما يجري في أرض الواقع لمعرفة ما يتعين القيام به لمعالجة الظاهرة الخطيرة التي أصبحت الجريمة تكونها على المجتمع لدرجة أننا نعيش اليوم حالة من لا أمن في كل الأماكن والأوقات. ولو مضينا في النظر إلى المسألة بمنظار واحد، فإن ذلك لن يجدي نفعا وسوف يقود لا محالة إلى وضعية خطيرة يستحيل معها الحد من وطأة هذه الظاهرة الخطيرة لا في المدن، فحسب، بل حتى في القرى والبوادي.
وفي هذا المجال، فأنا لا أطرح أي حل مسبق، بل أقترح أن تكون عدة لجن مختلطة من رتباء في القضاء والشرطة والدرك والمحامين والنواب البرلمانيين للانتقال إلى عدة مفوضيات للشرطة ومراكز الدرك والسجون للوقوف على أرض الواقع وجرد كل الصعوبات ليتسنى إيجاد حل لكل الحالات عن طريق تدارسها بموضوعية لا تقبل أي ارتجال أو انفراد بالرأي الذي لا ينتج عنه إلا ما شاهدناه وما نشاهده من اختلالات لا يمكن بتاتا أن نبقي عليها إذا أردنا الخير لبلادنا.
وعلى كل حال، فإن الموضوع معروض للنقاش وإني مستعد للمساهمة في أية مناظرة تخص الميدان الجنائي برمته سواء منظومة القانون الجنائي والمسطرة الجنائية.

بقلم: عبد اللطيف بوحموش, عميد شرطة ممتاز أسبق
أستاذ متعاون بالمعهد الملكي للشرطة

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا