للعمل أو الشغل مفهوم راسخ لا جدال حوله، فهو حقيقة ثابتة في الماضي والحاضر والمستقبل، وهو مصدر كل إنتاج وثروة وحضارة وخير ، وهو ما يميز الإنسان عن باقي الكائنات ويفضله عنها. فبالعمل وحده انتقل الإنسان من حالة الهمجية إلى حالة التحضر والمدنية، وعن طريق العمل تحرر الإنسان من قسوة الطبيعة،
محولا مواردها إلى خيرات ينتفع بها ويشبع حاجاته منها باستمرار، وبفضل العمل، أقام الإنسان علاقات اجتماعية ونمت المجتمعات وازدهرت الحضارات وظهرت علاقات العمل التي تطورت من فردية إلى جماعية.
1/ مشروع قانون النقابات المهنية.
لقد أضحت النقابات المهنية اليوم تقوم بدور أساسي في مختلف الهيئات الاستشارية، بل وأصبحت قوة اقتراحية في إنعاش الحقوق الاقتصادية والاجتماعية باعتبارها شريكا اجتماعيا، سواء على صعيد المقاولة أو على الصعيد الوطني.
ومن هذا المنطلق وتماشيا مع معايير العمل الدولية وقرارات لجنة تطبيق اتفاقيات الشغل الدولية ولجنة الحرية النقابية، وتكريسا لحقوق الإنسان لاسيما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتماشيا مع مبادئ الدستور المغربي الجديد وما تضمنته جولات الحوار الاجتماعي من التزامات، أصبح وضع إطار قانوني ملائم للمنظمات النقابية أمرا ملحا.
ولتحقيق هذه الغاية، تمت صياغة مشروع قانون خاص بالنقابات المهنية موحد يتضمن 87 مادة، موزعة على إحدى عشر بابا يسد ثغرات القانون الحالي، ويضع حدا للثنائية كما يرتكز على مقومات مشتركة بالنسبة إلى الموظفين والمستخدمين والأجراء.
إن مشروع النقابات المهنية يجب إعادة النظر في بعض مقتضياته حتى ينسجم مع مقتضيات الدستور الجديد، سيما أن الإطار العام للحرية النقابية أصبح اليوم هو الفصلين 8 و9 من الدستور وليس الفصلين 3 و9 من الدستور القديم، فما هي أبرز سمات مشروع قانون النقابات المهنية؟
لقد تضمن الباب الأول من المشروع أحكاما عامة تضم 8 مواد خصصت للتعاريف والمفاهيم والمبادئ العامة للحق النقابي.
وشمل الباب الثاني 7 مواد عنت بالشخصية المعنوية للنقابة المهنية لما لهذه الأخيرة من دور في أداء المهام المنوطة بها.
وخصص الباب الثالث لتأسيس النقابات المهنية على مختلف المستويات المركزية والقطاعية والجهوية، فيما ركز الباب الرابع والخامس على التوالي لاتحادات النقابات المهنية، ومعايير التمثيل النقابي، التي تم اعتمادها لتحديد النقابات المهنية الأكثر تمثيلا، ومختلف مستويات هذا التمثيل (على الصعيد الوطني والقطاع الخاص والقطاع العام والجهات ...)، وذلك لسد الثغرات التي يتسم بها التشريع الحالي في هذا الباب .
وتضمن الباب السادس موضوع تمويل النقابات ومصادر هذا التمويل ومسألة الدعم النقابي، والذي عهد بمراقبته حسب المشروع للمجلس الأعلى للحسابات بدل اللجنة المشار إليها في مدونة الشغل.
ويتمحور الباب السابع حول حماية الحق النقابي، بحيث تم تضمين كل المبادئ التي تجرم المس بالحرية النقابية وعرقلتها، ومختلف القواعد التي ترمي إلى حماية هذا الحق مع إقرار جملة من التسهيلات لممارسة العمل النقابي.
واكتفى الباب الثامن بسرد مختلف الأعمال الاجتماعية التي يمكن للنقابات المهنية القيام بها لفائدة منخرطيها، في ما خصص الباب التاسع والعاشر على التوالي لحل النقابات المهنية إما رضاء أو قضاء، وللمقتضيات الزجرية التي يمكن الحكم بها في حالة خرق مقتضيات هذا المشروع بعد أن يصبح قانونا واجب التطبيق.
ومن الطبيعي أن يتضمن المشروع أحكاما ختامية اقتصرت على مادتين فقط الأولى تخص تاريخ دخول المشروع - بعد أن يصبح قانونا واجب التطبيق- بعد سنة من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية، ونسخ ظهير 16 يوليوز 1957 وقانون 15 فبراير 2000 وبعض أحكام مدونة الشغل المنظمة للحق النقابي.
2/ مشروع القانون التنظيمي الإضراب.
بناء على الفصل 29 من الدستور المغربي الجديد الذي ينص «حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة، ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات.
حق الإضراب حق مضمون. ويحدد قانون تنظمي شروط وكيفيات ممارسته.»
وطبقا لروح هذا الفصل يرمي هذا المشروع الذي جاء عاما يهم القطاع العام والخاص بالإضافة إلى تحديد المبادئ العامة التي يرتكز عليها حق الإضراب إلى تحديد شروط وإجراءات ممارسته هذا الحق.
ويشمل هذا المشروع - الذي يعتبر أقدم مشروع نص تنظيمي في تاريخ التشريع المغربي، والذي لم ير النور رغم تعاقب الدساتير - على حوالي 48 فصلا موزعة على 7 أبواب. فما هي سمات الأساسية لهذا المشروع؟ وهل روعي فيه مبدأ استقرار علاقات الشغل؟
لقد ركز مشروع القانون التنظيمي للإضراب، والذي تمت صياغته قبل صدور الدستور الجديد على احترام مجموعة من المبادئ نذكر منها :
Π منع إنهاء عقد الشغل في حالة الإضراب؛
Π منع كل جزاء تمييزي في الشغل والتشغيل بسبب ممارسة حق الإضراب؛
Π منع إحلال المضربين أجراء أو موظفين لا تربطهم بالمؤسسة أية علاقة شغل؛
Π منع عرقلة ممارسة حق الإضراب وحرية العمل؛
Πبطلان كل شرط تعاقدي فردي أو جماعي يقضي بالتنازل عن ممارسة حق الإضراب
Π إمكانية تعليق حق الإضراب خلال سريان اتفاقية شغل جماعية.
وفي ما يخص تحديد شروط وإجراءات ممارسة حق الإضراب، فقد حدد المشروع مختلف الجهات التي يمكن أن تدعو إلى الإضراب ومستوياته، بحيث يمكن أن يشن قرار الإضراب من طرف النقابات الأكثر تمثيلا أو المكاتب النقابية أو من طرف لجنة الإضراب في حالة عدم وجود تمثيلية نقابية.
ولقد حدد المشروع مهلة الإخطار للقيام بإضراب في 10 أيام وتخفض هذه المدة إلى 48 ساعة في حالة وجود خطر حال أو تأخر في أداء الأجور، وموازاة مع ذلك قنن المشروع مساطر تبليغ قرار شن الإضراب إلى مختلف الجهات، وذلك تبعا لمستويات الإضراب.
وعليه يمكن أن يشن الإضراب على الصعيد الوطني والقطاعي والجهوي، أو على صعيد المرفق العمومي أو المقاولات أو نشاط مهني.
وحفاظا على حقوق ومصالح الأطراف خلال مدة الإضراب، خصص المشروع بابه الرابع لسير الإضراب ومعاينته، وذلك بتمكين الأطراف المعنية من اللجوء إلى قاضي المستعجلات لمعاينة بعض الوقائع التي تعرقل حرية العمل، كاحتلال أماكن العمل أو العنف، أو تلك التي تضر بممارسة حق الإضراب أو تحد من فعاليته ،كقيام المشغل خلال مدة الإضراب بمناولة أو ترحيل خدمات المقاولة أو اللجوء إلى الإغلاق الكلي أو الجزئي أو إحلال أجراء أو موظفين محل المضربين، الأمر الذي قد يهدد استقرار علاقات الشغل.
وعلى غرار التشريعات المقارنة، يمنع المشروع من جهة بعض الفئات من القيام بإضراب في بعض المرافق الحيوية العامة والخاصة التي تستوجب ضمان استمرارية حد أدنى من الخدمات بها، من أجل تقديم خدمات ضرورية لفائدة مرتفقيها أو لفائدة المصلحة العامة، ومن جهة ثانية يمنع على بغض الفئات من موظفي الدولة، الذين يعهد إليهم بالسهر على ضمان النظام العام بتوفير الطمأنينة والسكينة لفائدة المواطنين من ممارسة هذا الحق.
وأخذا بعين الاعتبار لبعض الظروف الصعبة أو الطارئة، كحدوث أزمة وطنية ناتجة عن كوارث طبيعية أو حالة حرب، أجاز المشروع لرئيس الحكومة صلاحية منع الإضراب مؤقتا أو وقفه في قطاع ما بموجب قرار قابل للطعن .
وقد خصص المشروع بابه الأخير للعقوبات التي يمكن تطبيقها في حالة مخالفة أحكامه، والتي تشمل غرامات مالية وعقوبات حبسية، وذلك حسب طبيعة الأحكام التي تتم مخالفتها.
والحقيقة أن مشروع القانون التنظيمي للإضراب، قد استلهم جل أحكامه من العمل القضائي الذي كان سباقا في إبراز شروط ممارسة الحق في الإضراب - لا فرق في أن يكون الإضراب في القطاع العام أو الخاص –، آخذا بعين الاعتبار ما جاء في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الثقافية المعتمد بتاريخ 16 دجنبر 1966، والذي أكد في ماده الثامنة «على وجوب ضمان حق الإضراب وممارسته طبقا للقانون الوطني».
كانت هذه بغض سمات مشروع القانون التنظيمي للإضراب ومشروع قانون النقابات المهنية ، تماما كما زودتنا بها وزارة التشغيل والتكوين المهني، والذي يشكل إحدى آفاق الحوار الاجتماعي التي لم يقع حتى الآن التوافق حولها من قبل الأطراف الثلاثة للحوار الاجتماعي، والحسم في أمرهما وإخراجهما إلى النور لا سيما وأنها ستجيب على مجموعة من الإشكالات القانونية من قبيل مشروعية الإضراب من عدمه ، أثر الإضراب على الدخل ....
يجب الإشارة في نهاية هذه الدراسة التي حصصناها لموضوع الإضراب إلى أن الحكومة التزمت بإخراج كل النصوص التنظيمية قبل نهاية الولاية التشريعية الحالية أي في أفق سنة 2015 ، فهل سيفرج قريبا على أقدم نص تنظيمي في تاريخ التشريع المغربي ؟
بقلم: يونس العياشي, قاض ملحق بوزارة العدل والحريات
دكتور في الحقوق
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى