يعد الحكم القضائي الإداري كالقاعدة القانونية الملزمة والمترتب عنه الامتناع عن تنفيذها حيادا على القانون مسؤولية الإدارة عن الأضرار الناتجة عن هذا الامتناع اعتمادا على نظرية الخطأ المفترض الناشئ من مجرد عدم التنفيذ وقد أكد المجلس الأعلى: «أن الإدارة ملزمة قانونا بالعمل على تنفيذ القرارات القضائية بأدائها مبالغ مالية للغير بمجرد إشعارها بتلك المقررات بقصد التنفيذ تحت طائلة تعويض المحكوم عليه عن الضرر المترتب عن كل تأخير في التنفيذ «. كما اعتبرت: «أن عدم تنفيذ حكم نهائي من طرف الصندوق الوطني للتأمين هو نشاط سلبي للإدارة موجب للتعويض» .
المبحث الثاني: مقاربة قضائية متطورة وفاعلة في مجال تنفيذ الأحكام الإدارية:
يتبين مما تقدم أن القاضي الإداري تتوقف سلطاته عند حد إلغاء القرارات المخالفة للتنفيذ، أو يحكم بمسؤوليته الإدارة بالتعويض دون أن يرد في منطوق حكمه أية صبغة تحمل معنى الأمر أو الحلول محل الإدارة في التنفيذ وبالتالي تبيانه للآثار التنفيذية لحكمه مع أن القاضي الإداري نفسه استطاع توجيه أوامر إلى الإدارة من أجل وقف اعتدائها المادي على عقار الخواص أو حتى طردها من هذا العقار. كما أن الواضح من المواقف القضائية الإدارية المتقدمة والتي تجسد إلى حد بعيد محدودية سلط القاضي الإداري المغربي في مجال تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة بحكم فصل السلط مع أن القاضي نفسه لم يتقيد بهذا المبدأ في مجال الاعتداء المادي وأمر بوضع الحد لهذا الاعتداء كما أكد عليه المجلس الأعلى حينما علل قضاءه: «أن المشرع عندما نقل اختصاص النظر يف دعاوى التعويض عن الأضرار الناشئة عند الاعتداء المادي الممارس من طرف الإدارة إلى المحاكم الإدارية، يكون قد نقل إلى هذه المحاكم وإلى رؤسائها اختصاص النظر في طلبات رفع الاعتداء المادي الصادر عن الإدارة»، وذلك تكريسا لدور القاضي الإداري في حماية الملكية الخاصة في مواجهة الإدارة من خلال حلول تراعي الواقع المغربي وتستبعد الاعتبارات التاريخية التي كانت وراء إقرار اختصاص القضاء العادي للنظر في مادة الاعتداء من طرف مجلس الدولة بفرنسا.
وعلاقة بالنموذج الفرنسي، فإن المشرع الفرنسي الذي كان له السبق في تقنين الغرامة التهديدية في مواجهة الإدارة بمقتضى القانون رقم 539 – 80 الصادر بتاريخ 16/07/1980 والذي اعتبره الفقه من القوانين الجريئة التي أطاحت بالنظرية القديمة المتمثلة في تفادي توجيه الأوامر للإدارة معتبرا أن قوة الشيء المقضي به فوق كل اعتبار ثم التغيير الجذري فإنه من خلال القانون رقم 95-125 الصادر بتاريخ 08/02/1995 وتم من خلاله تدوين وجمع قواعد المسطرة الإدارية ودمج مقتضيات قانوني 1980 و 1995 في المادة L 911 في مدونة القضاء الإداري الصادرة سنة 2001 والتي تنص فقرتها الأولى: «يمكن للقاضي الإداري أن يصدر أمرا لكل شخص اعتباري من أشخاص القانون العام أو شخص من أشخاص القانون الخاص مكلف بتدبير مرفق عمومي يجبره على اتخاذ إجراءات معينة كفيلة بتنفيذ حكم صادر عن المحكمة الإدارية، كما يمكنه في الوقت نفسه تحديد أجل للتنفيذ.
وهكذا أضحى بالإمكان تحريك آلية توجيه الأوامر للإدارة لتنفيذ حكم قضائي من طرف القاضي الإداري مع إشفاع أمره بتعليق من طرف القاضي الإداري بلائحة التزامات مؤقتة تجبر الإدارة على الامتثال لها إلى حين البت في الموضوع، فضلا عن صيرورة القاضي الإداري متوفرا على سلطة تقديرية لتقييم الوضعية القانونية والواقعية للملف في تاريخ النطق بالحكم، وقد أقر مجلس الدولة سلطة قاضي الموضوع التقديرية، مراعاة للظروف القانونية والواقعية للملف في إصدار أوامر للإدارة باتخاذ إجراءات معينة تمكن من تنفيذ الحكم القضائي بناء على بحث بأمر منه إن اقتضى الحال ذلك».
وفي المغرب، ونتيجة لمحدودية الحلول القضائية المجسدة في إلغاء القرارات المخالفة للتنفيذ أو تعويض المتضرر نتيجة لعدم التنفيذ والتي لا تؤثر على مسار التنفيذ، بل وقد تصادف مآل الحكم الأصلي غير المنفذ، فإن القاضي الإداري لم يكن بمعزل عن التحولات العميقة التي عرفها محيط القضاء الإداري وعزز هو الآخر دوره في مجال تنفيذ الأحكام الإدارية بناء على نظام وحدة القانون التي تقتضي تطبيق قواعد قانون المسطرة المدنية على الدعوى الإدارية شأنها في ذلك شأن الدعوى المدنية أو التجارية وبالتالي اعتمد على مقاربة جديدة تروم بالأساس البحث في قواعد قانون المسطرة المدنية وخاصة ما تعلق منها بالقواعد العامة المتعلقة بالتنفيذ الجبري عند الآليات القانونية التي تسعف في إجبار الإدارة على التنفيذ وهكذا وعن طريق التفسير والقياس والاستنتاج توصل إلى إصدار أوامر تفرض الغرامة التهديدية ضد الإدارة (المطلب الأول) كما اهتدى إلى وسيلة الحجز (المطلب الثاني).
بقلم الأستاذ محمد صقلي حسيني ,رئيس المحكمة الإدارية بالرباط
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى