البيع بشرط المذاق للمشتري فيه أن يقبل المبيع إن شاء ، و لكن عليه أن يعلن هذا القبول في المدة المحددة في الإتفاق أو التي حددها العرف ، و لا ينعقد البيع إلا من وقت إعلان القبول به .
و يلاحظ أن القانون المدني المصري – القديم – لم يتعرض لهذه المسألة ، و لكن تطرق إليها في القانون الجديد في المادة 422 . و هناك خلاف بين فقهاء القانون في هذه المسألة في زمن التقنين السابق ،
و سبب الخلاف انعدام النص .
فذهب فريق منهم : إلى أن للمشتري حق مذاق الأشياء التي أعتاد الناس تذوقها قبل الشراء ، وفقاً للعرف .
و ذهب فريق ثانٍ : إلى أن هذا النوع من البيع اندمج حكمه في أحكام العلم بالمبيع ؛ لأن العلم بالمبيع علماً كافياً قد لا يتحقق إلا بالمذاق .
و ذهب ثالثٌ : إلى أن بيع المذاق مندمج فيبيع التجربة المنصوص عليه
في التقنين السابق .
إلا أن الرأيين الثاني و الثالث ، لا يمكن الأخذ بهما ؛ لأن عدم العلم بالمبيع لا يمنع من انعقاد البيع أما شرط المذاق فيحول دون انعقاده . و لأن بيع التجربة ينعقد و يكون معلقاً على شرط ، و بيع المذاق لا ينعقد قبل تحقق الذوق .
تعليق البيع على شرط المذاق :
يكون ذلك عادة بأن يشترط المشتري على البائع تذوق الشيء المبيع قبل انعقاد البيع و شرط المذاق قد يكون صريحاً ، و قد يكون ضمنياً يعرف من واقع حالهما و حال المبيع ، و من أهم ما يعرف به ذلك طبيعة المبيع ، فمن الأشياء ما لا يعرف كنهه معرفة تامة إلا بعد تذوقه ، كالزيتون و المكسرات ... و نحوها من المأكولات و المشروبات ، التي تختلف فيها أذواق الناس . فإذا بيع شيء من ذلك ، و لم يكن هناك ما يدل على أن المتبايعين اتفقا على إغفال شرط المذاق ، فلا ينعقد البيع إلا بشرط المذاق و قبول المشتري له .
و قد يؤخذ من حال تابيعهما أنهما يريدان إغفال جانب شرط المذاق ، فلو كان المشتري تاجراً ، و أراد شراء كمية من المكسرات من النوع الفاخر أو المتوسط ، و هو بعيد عن مكان البائع ، فعلى البائع أن يوفر له النوعية المطلوبة و التي تعاقدا عليها ، و ينعقد البيع حينها ، لأن الواضح من حالهما أنهما يريدان تلافي هذا الشرط ، و لأن المشتري هنا يشتري ليبيع على عملائه ، و لا يشتري لذوقه الشخصي .
و يتم تذوق الشيء المبيع في الزمان و المكان اللذين يتفق عليهما المتعاقدان ، فإذا لم يكن بينهما اتفاق
لا صريح و لا ضمني في ذلك ، رجع إلى العرف ، فإذا لم يكن هناك عرف يحكم ذلك ، يكون المذاق قبل تسلم المشتري للمبيع من البائع ، و يكون في مكان التسليم ، و يسبق التسليم فوراً ، فإذا استلم المشتري المبيع من البائع أعتبر ذلك رضاء من المشتري و قبولاً بالمبيع ، فيقع البيع .
و يتولى المشتري تذوق المبيع شخصياً ، و قبول المبيع أو رده يرجع لذوق المشتري الشخصي .
حتى لو كان تاجراً فالعبرة بذوقه الشخصي . و على البائع أن يلتزم بتمكين المشتري من تذوق المبيع.
و لا بد أن يعلن المشتري قبوله للمبيع بعد تذوقه ، و سكوته لا يكفي إذا لم يظهر من وقائع الحال ما يدل على الرضا ، فالقبول قد يكون صريحاً و قد يكون ضمنياً ، و يعرف الضمني من تسلم المشتري للمبيع ،
أو من توقيع العقد ، أو من تسليم الثمن للبائع ، فهذا نحوه دليل على أنه أرتضى المبيع بعد أن تذوقه .
التكييف القانوني للبيع بالمذاق : البيع بالمذاق ليس بيعاً معلقاً على شرط واقف ، و لا على شرط فاسخ ،
و ذلك لأنه ليس بيعاً أصلاً ، بل هو مجرد وعد بالبيع . و هذا الوعد صادر من البائع ، و قبل المشتري الوعد ، و لم يقبل البيع ذاته ، إلا بعد تذوق المبيع و رضائه به ، و ينعقد البيع بذلك ، فليس للقبول أثر رجعي ، كما له هذا الأثر في بيع التجربة .
و إذا قبل المشتري الوعد بالبيع و حوله من وعد إلى بيع قبل المذاق ، فإن ملكية المبيع تنتقل إليه قبل زمن المذاق ، و يترتب على ذلك أمور :
إذا كان دائن البائع قد أوقع حجزاً على المبيع قبل قبول المشتري للبيع ، كان الحجز صحيحاً ، لأنه وقع على شيء مملوك للبائع ، و يجوز الإحتجاج على المشتري بذلك .
إذا أفلس البائع قبل قبول المشتري للبيع ، فإنه لا يستأثر بالمبيع دون سائر الدائنين .
في حالة هلاك الشيء قبل المذاق ، يكون هلاكه على البائع .
الفرق بين بيع المذاق و بيع التجربة :
أن بيع المذاق يقصد به التحقق من مناسبة المبيع لذوق المشتري ، فلا يجوز فيه أن يترك الأمر لتقدير الخبراء . بخلاف بيع التجربة فيقصد به التحقق من صلاحية الشيء في ذاته .
أن بيع المذاق يكون قبل تسلم المشتري للمبيع ، و أما التجربة فتكون عادة بعد التسليم.
أن بيع المذاق لابد فيه من إعلان المشتري قبول المبيع ، و لا يكفي السكوت ، بخلاف التجربة ، فيكفي فيه السكوت و يكون معناه القبول .
بيع المذاق قبل زمن التذوق يعتبر وعداً بالبيع ، أما التجربة فهو بيع كامل معلق على شرط واقف أو على شرط فاسخ .
في حالة إيقاع دائن البائع الحجز على الشيء المبيع ، ففي بيع المذاق ينفذ في حق المشتري ،
أما في التجربة لا ينفذ في حق المشتري .
إذا أفلس البائع قبل قبول المشتري للبيع ، ففي المذاق لا يستأثر المشتري بالمبيع دون بقية الدائنين ،
و في التجربة يستأثر بالمبيع .
إذا هلك المبيع قبل قبول المشتري للبيع ، ففي المذاق يكون هلاكه على البائع ، و في التجربة يكون هلاكه على البائع إذا كان البيع معلق على شرط واقف ، و على المشتري إذا كان البيع معلق على شرط فاسخ .
********************
الوسيط في شرح القانون المدني ، أ د / عبدالرزاق السنهوري 4/ 137—143
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى