التفعيل الحقيقي للدستور والديمقراطية التشاركية
تتجه أنظار المتتبعين للشأن السياسي في المغرب، حاليا، إلى أهم قضية بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وهي منهجية تفعيل الدستور، هل ستتم كما لو أن الأمر يتعلق بقوانين و إجراءات عادية في حياة أي جهاز تنفيذي، من حقه أن يمرر وجهة نظره وبرنامجه بطريقة أوتوماتيكية، اعتمادا على الأغلبية التي يملكها، أم أن أهمية الملف، تتطلب مقاربة مغايرة، لأن ما هو مطروح، يتجاوز مسألة برنامج حكومي.
إن الوضع الحالي يبرر طرح هذا التساؤل، لأنه ولأول مرة في المغرب، تجد حكومة نفسها مسؤولة عن تفعيل دستور جديد، تم الاتفاق حوله من طرف الأغلبية الساحقة من مكونات المشهد السياسي، وهذا ما يعقد الوضعية، حيث أن المعارضة، اتفقت معها على نفس النص الدستوري، بل إن المفارقة تكمن في أن مكونات من الجهاز التنفيذي كانت تتقاسم مع مكونات من المعارضة نفس التوجه السياسي العام. فهل تبرر مسألة المشاركة في الحكومة من عدمها، حصول اختلافات كبيرة، مثلا، بين أحزاب الكتلة الديمقراطية على تفعيل الدستور؟ وهل يحق للحكومة أن تتصرف في الأمر كما لو كان مشروع تفعيل الدستور في قوانين وغيرها من الهياكل والإجراءات، محل نزاع سياسي وإيديولوجي، يتطلب منها التكتل في جبهة لمواجهة المعارضة، سواء داخل البرلمان أو خارجه؟ الأمر يتجاوز هذا البعد، حيث إن مسالة تفعيل الدستور تتطلب كذلك معالجة تداخل السلط والصلاحيات ومناطق النفوذ بين الحكومة والمؤسسة الملكية، فهناك العديد من الإشكالات التي تطرح على هذا الصعيد. وبالإضافة الى كل هذا، فإن الأهم هو تبني مقاربة تشاركية حقيقية، لأن مفهوم الديمقراطية تطور واخذت العديد من القوى السياسية والمجتمعية، تراجع هذا المفهوم، لتطرح بدائل جديدة، تسير في اتجاه نقد الهيمنة المطلقة للمؤسسات القائمة، على التصويت بالأغلبية، سواء في البرلمان أو الحكومة أو في المجالس المنتخبة جهويا و محليا. فقد أكدت أزمة الرأسمالية حاليا، أن النظام القائم على التناوب بين حزبين أو بين تكتلين كبيرين قد أنتج نفس التوجهات الليبرالية، القائمة على اقتصاد السوق والنموذج الاستهلاكي، الذي تتحكم فيه الاحتكارات الكبرى والمؤسسات التمويلية وقطاعات الأبناك والشركات العالمية... وأدى هذا النموذج الى زيادة الفوارق الاجتماعية داخل نفس البلد والى تعميق الهوة بين الدول الفقيرة والغنية. ولم يتضرر من الأزمة سوى الكادحين والفئات العاملة، التي وجدت نفسها أمام شبح الفقر و البطالة وإجراءات التقشف، بينما خرج الأغنياء سالمين، خاصة بعد أن اتخذت الأبناك احتياطاتها ورفعت من معدلات الفائدة وضخت الدول في رأسمالها، الأموال العمومية... وغيرها من الإجراءات. وبموازاة كل هذا استمرت نفس الأغلبيات في الحكم، تتداول السلطة والنفوذ بينها، وتضمن مصالح الأغنياء، لذلك اخذت العديد من الأصوات تنادي بمراجعة هذا النموذج الفاسد، وظهرت بعض ملامح خلخلته في نتائج انتخابية بأوربا، غير أن المراجعة الجذرية هي تلك التي يطرحها المناضلون في التظاهرات والاعتصامات المنظمة في كبرى عواصم العالم، والتي تسائل النموذج الرأسمالي حول نظامه الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي. ولعل من أهم الأفكار الكبرى المطروحة، هو مفهوم «الديمقراطية التشاركية» التي تعتبر أن الآلية الانتخابية، وما ينتج عنها من برلمان وحكومة ومجالس، ليست سوى جزءا من البناء الديمقراطي، ينبغي تكميله بآليات أخرى، نابعة من الحوار الدائم مع التنظيمات السياسية، سواء تلك التي تعترف باللعبة الانتخابية أم لا، ومع النقابات والمنظمات المختلفة في المجتمع. تعتبر هذه النظرية أن وصول أغلبية معينة الى الحكم، لا يعني استفرادها واحتكارها لكل شيء، بل عليها إدارة التشاور والمشاركة الديمقراطية في المجتمع، لأن هذه العملية هي التي تؤدي الى التفاعل الجدي مع مختلف التيارات والتوجهات والمطالب والمصالح. وإذا كان هذا البعد الجديد للديمقراطية، يعني الخروج من هيمنة النموذج الانتخابي، السائد في الديمقراطيات الغربية الرأسمالية، فإنه مطروح بقوة في بلدان مازالت تتلمس طريقها نحو الديمقراطية، ومازال العزوف فيها عن المشاركة في الانتخابات قويا، ومازالت فيها توجهات التصويت تخضع، في جزء هام منها لتأثير الدين والمال، لذلك لا يمكن لأية قوة أن تدعي أنها صوت الشعب. وهذا المعطى أيضا يعزز مطلب الديمقراطية التشاركية في تفعيل الدستور الجديد، الذي لا يمكن التعامل معه كما لو كان برنامجا انتخابيا لحزب معين وأغلبية برلمانية، بل هو نتاج لحوار وطني شامل، وإرادة سياسية تمثل أغلبية الأمة، وقانون أسمى يتعالى فوق الحسابات الضيقة. | ||
Saturday, September 15, 2012
التفعيل الحقيقي للدستور والديمقراطية التشاركية
Subscribe to:
Post Comments
(
Atom
)
تابعنا على الفيسبوك
المشاركات الشائعة
- الحكامة الجيدة و الجهوية
- سلسلة محاضرات في قانون الالتزامات والعقود المغربي
- القانون رقم (98-23) المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية.
- إجتهاد قضائي: المفوض القضائي غير مطالب بالتحقق من هوية المبلغ إليه مادام قد صرح له بأنه هو المعني بالتبليغ.
- قانون المسطرة المدنية-المغرب
- المسؤولية المدنية:La responsabilité civile
- اجتهادات قضائية:حكم المحكمة الادارية بالرباط:اذا كان من حق رجال الشرطة في اطار الضبط الاداري رفع سيارة تعرقل حركة السير وايداعها بالمستودع البلدي، الا ان الدولة تبقى مسؤولة عما يمكن أن يسبب من جراء عدم العناية في طريقة الرفع من أضرار
- الاستقـالـة: شروطها وآثارها
- الميثاق الجماعي (18 فبراير 2009)
- الإكراه البدني
التسميات
أرشيف المدونة
-
▼
2012
(460)
-
▼
September
(96)
- عولمة القضاء
- التنظيم القضائي للمملكة :محكمة النقض التأليف والتنظيم
- التنظيم القضائي للمملكة :محاكم الاستيناف التأليف و...
- التنظيم القضائي للمملكة :المحاكم الابتدائية التألي...
- محاكم الاستئناف المحدثة بها أقسام الجرائم المالية ...
- المحاكم الإدارية المغربية: التألبف والاختصاصات وال...
- الصفقات العمومية بين الابرام واليات الرقابة
- ضمان العيب في المبيع في القانون المغربي والقانون ا...
- بداية احكام جنائية جد قاسية لردع مغتصبي القاصرات
- جمعيات المجتمع المدني ودستور 2011
- رهانات التنزيل الحقيقي للدستور
- مشروع قانون لتنظيم الصحافة الالكترونية في المغرب
- ندوة بالرباط تؤكد على أهمية الاجتهاد القضائي في تح...
- مؤسسة قاضي التحقيق المملكة المغربية
- التمييز بين المفاهيم:التمييز الرابع عشر:بين الحادث...
- صندوق للمقاصة
- الصفقات العمومية بين الابرام واليات الرقابة
- حقوق وواجبات الموظف العمومي
- الرقابة الادارية في مجال التعمير
- المواطنة: المفهوم والمسارالتاريخي
- أدوات الرقابة البرلمانية فى النظم السياسية
- كتيب:حقوق الإنسان ، مفاهيم أساسية
- السنهوري والقانون المدني العربي المعاصر
- مبدأ حكم القانون في إطار الحقل الدستوري
- العرف والتشريع في النظام القانوني الروماني اللاتين...
- Définition de la Citoyenneté
- الحكامة و إعداد التراب
- الإتجاهات الفقهية الكبرى للقانون الإداري
- تأملات في التعاون الامركزي
- دور الحكامة المحلية الرشيدة في تدبير الشأن المحلي ...
- الميثاق الجماعي الجديد - النسخة الكاملة
- التنظيم القضائي للمملكة مع آخر التعديلات
- دراسة:النظام القضائي في الإسلام
- اصدارات: القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان
- العولمة والعلاقات الدولية الراهنة
- المغرب: قانون شركات أعمال الحراسة ونقل الأموال يدخ...
- الخبير القضائي في المغرب بين الواقع وغياب اعتراف ا...
- نادي قضاة المغرب يصدر وثيقة المطالبة بالكرامة والا...
- التطور التاريخي لقرينة البراءة
- التمييز بين المفاهيم:التمييز الثالث عشر:بين فسخ ال...
- مسطرة وقف تنفيذ الأحكام المشمولة
- الإكراه البدني
- رسالة :الجهوية بالمغرب بين حدود التجربة الراهنة وآ...
- الدستور الجديد واستقلال السلطة القضائية
- القضاء في مفهوم دستور 2011
- مفهوم رأس المال
- L'arret de Blanco
- الأحكـام و القـرارات الإداريـة الكبـرى فـي القضـاء...
- الشرطة الادارية
- مرفق الاعلام السمعي البصري بين التفويت والاحتكار
- دراسة: مفهوم السلطة السياسية -2-
- دراسة: مفهوم السلطة السياسية -1-
- الرميد عن الاختلالات بمحاكم النّاظور
- الشرطة القضائية: فئات ومهام
- مشروع قانون الاضراب
- التمييز بين المفاهيم:التمييز الثاني عشر:بين العقد ...
- المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية
- النيابة العامة في ضوء قانون المسطرة الجنائية المغر...
- في مفهوم الدولة
- تقرير بحث عن الدّيمقراطيّة التّشارُكيّة في التّنظي...
- مفهوم الحكامة الجيدة: السياق والرهانات
- تعريف الحكامة وتطور مفهومها
- نداء من أجل إصلاح للمنظومة الجنائية ينسجم مع الدست...
- أقوى من الدستور/ أضعف من الدستور
- مذكرة تخرج: الصفقات العمومية و الجرائم المتعلقة به...
- التمييز بين المفاهيم:التمييز الحادي عشر:بين الفاعل...
- الجريدة الرسمية عدد 5983 - 03/10/2011
- دراسة: إشكالية الإحالة بعد النقض
- حق الإضراب وإشكالية الاقتطاع من الأجر قراءة قانونية
- الحكامة الجيدة و دورها في تحسين أداء المؤسسات الاج...
- الدليل الضريبي بالنسبة للسكن والاستثمار والمداخيل ...
- قراءة في أهـم مستجدات ظهير التنظيم القضائي الجديــد
- التمييز بين المفاهيم:التمييز العاشر: بين الحادث ال...
- الخطأ الجسيم في ضوء الإجتهاد القضائي
- الحكامة الحضرية
- اجنهاد قضائي:الكمبيالة التي لم تتضمن تاريخا لانشائ...
- مفهوم لغة القانون
- مفهوم الشرعية بين القانون والتطبيق
- التطور التاريخي لقاعدة ان المتهم بريء حتى تثبت إدانته
- التمييز بين المفاهيم:التمييز التاسع: بين جرائم الض...
- التمييز بين المفاهيم:التمييز الثامن: بين جرائم الض...
- التمييز بين المفاهيم:التمييز السابع: بين السفيه وا...
- الرأي الاستشاري لمحكمة لاهاي حول ما يعرف "بقضية ال...
- التمييز بين المفاهيم:التمييز السادس: بين أهلية الو...
- الملكية الدستورية
- كتاب: حول طرق الخصخصة
- التفعيل الحقيقي للدستور والديمقراطية التشاركية
- التمييز بين المفاهيم:التمييز الخامس: بين المفقود و...
- التمييز بين المفاهيم: التمييز الرابع: طرق التفسير ...
- ندوة حول تأهيل المهن القضائية بالناظور
- التمييز بين المفاهيم:التمييز الثالث: التمييز بين أ...
- الحكم الراشد والتنمية المستدامة
- التمييز بين المفاهيم:التمييز الثاني : مقارنة الأنظ...
- التمييز بين المفاهيم:التمييز الأول : مقارنة الدستو...
- إيكوإيكو : رخص البناء... مسطرة في حاجة إلى تحسين.mp4
- الأملاك العقارية بالمغرب
-
▼
September
(96)
أقسام المدونة
- droit francais (9)
- اجتهادات قضائية (33)
- اصدارات (10)
- الجريدة الرسمية (3)
- القانون الإداري الغرامة التهديدية (1)
- دراسات و أبحاث قانونية (675)
- رسائل وأطروحات (25)
- قاضي التحقيق (1)
- قانون المسطرة الجنائية (1)
- مؤلفات قانونية (43)
- محاضرات ودروس (325)
- مستجدات (109)
- مصطلحات قانونية (8)
- مقالات (9)
- مكتبة (53)
- مواثيق دولية (13)
- نصوص قانونية وتنظيمية (148)
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى