Thursday, September 27, 2012

دراسة:النظام القضائي في الإسلام

                                        النظام القضائي في الإسلام

المقدمة :
في هذا المبحث البسيط حول تطور النظام القضائي في الإسلام والمراحل التاريخية التي مر بها أحاول إن أقدم نبذة بسيطة عن التغيرات التي حدثت في النظام القضائي في الأسلام ، ابتداء من العصر النبوي والراشدي انتهاء بالعصر العباسي . معتمداً على المصادر والمراجعة التاريخية ذات العلاقة بالنظام القضائية لتتبع التطور الذي طرأ على القضاء في الأسلام في شكله ومضمونه والمستجدات التي طرأت علي القضاء من عصره النبوية إلى العصر العباسي مركزاَ على بعض القضايا كالأجراءت التنظيمية ومكان التقاضي وملابس القضاة خاصة في العصر العباسي , متمنياً إن أوفق في إلقاء الضوء على هذه القضايا 
مفهوم القضاء هو :
القيام بالأحكام الشرعية وتنفيذها على أوامر الشرع وقطع المنازعات [1] . وقد ورد ذكر القضاء في القرآن الكريم ((وقضى ربك أن لا تعبدو الا ياه ))[2] ومعنى الآية الكريمة أمر [3] وردت كلمة القضاء في عدة سور منها سورة الرعد ألأيه 33 ((الله يقضي بالحق )) ويختلف الناس في أطلاق صفة كلمة قاضي أو حاكم فمنهم من قال إن أسم القاضي أشرف في اللغة ومنهم من قال بالعكس من هذا إلا بعض من القضاة من لايحبذا مناداته بغير القاضي ويذكر صاحب كتاب روضة القاضي بما نصه (ورأيت كثيراً من القضاة يكره أن يخاطب بالحاكم ويأنس في القاضي )
القضاء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم:
وردت الكثير من الآيات القرآنية التي تؤكد على تشريع القضاء . باعتبار أحد المبادئ التي جاء بها الإسلام هي إقامة الـعدل على الأرض.وحفظ الحقوق وصون كـرامة الإنسان في ماله وعرضه ودمه . لذلك كثرة الآيات القرآنية التي تحدث على العدل بين الناس على مختلف الطبقات والأجناس والنسب.((وإذا حكمت بين الناس أن تحكموا بالعدل ))[4]
(( إن أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك تركوه،ولا تكن للخائنين خصيماً))[5] ورد عن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام((تعدل بين أثنين صدقة)) وعمل رسولنا الكريم على ترسيخ مبدأ العدل بدون انحياز سوى للعدل ورد عنه عن أمر المرأة المخزومية التي طلب رجال قريش من أسامة بن زيد إن يتوسط للبنى في إلغاء عقوبة السرقة عن المرأة فما كان من الرسول إلا يقول (( أتشفع في حد من حدود الله .إنما أهلك الذين من قبلكم إنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وأي الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )) ومن هنا يصبح العدل من التزام المؤمن قبل القاضي.والقضاء 

[1]مآثر الأناقة في معالم الخلافة :القلقشندى :تحقيق عبد الستار أحمد فراج : عالم الكتب
[2] سورة بني أسرائيل 
[3]روضة القضاة وطريق النجاة صـ 50 \ العلامة أبي القاسم السمناني \تحقيق :د صلاح الناهي \ مؤسسة الرسالة بيروت 
[4]سورة النساء: الآية 58
[5] سورة النساء: الآية 107
تطبيق الأحكام على الوقائع الجزئية وقد قررتها الشريعة [1] وعلى هذا المنهج التشريعي للقضاء أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم في تطبيقه .وأخذ المسلمون الإذعان إلى التقاضي ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ((إنما أنا بشر وأنه يأتيني الخصم ولعله بعضهم أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق ، فأقضى له بما قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحلهما أو يذرها)) ومن هنا كان الرسول صلى الله عليه وسلم حرص على إقامة العدل وتطبيق أحكامه . في بداية الدعوة الإسلامية إلى وفاته تولى الفصل في الخصومات والمنازعات التي تقوم بين المسلمين وكان يقوم بذلك نفسه [2] إلا أن بعد فتح مكة ودخول الكثير من المناطق في الإسلام . وقد بعث الرسول إلى معاذ إلى اليمن فقال" كيف تقضى .. الحديث " وبعث علي بن أبي طالب إلى اليمن أيضاً...وقد ولى الرسول عليه الصلاة والسلام عتاب بن أسيد أمر مكة وقضاءها بعد فتحها [3] إذا نلاحظ إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يحتكر القضاء في نفسه . ومع أتساع نطاق الإسلام خارج المدينة المنورة عمل على إرسال الولاة والقضاة, وأمرهم بإقامة العدل بين الناس. ومن خلال حديثه مع معاذ عندما أرسله قاضياً إلى اليمن . يتضح لنا إن حريص على اختيار القاضي النزيه الذي يضع الحق نصب عينه.ويمكن إن تستشف من ذلك شروط تعين القاضي الذي لابد له إن يحكم بالكتاب والسنة وإذا لم يجد فعن طريق الاجتهاد,
وللقضاة مرتبة شريفه وقد تولاها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه . لذلك وضع لتولي القضاء شروط واسعة ومحكمة وقد ذكر الماوردي في الأحكام السلطانية لايجوز تولي القضاء إلا من تتكاملت فيه شروطه وهي : سبعة البلوغ والذكورة والعقل والحرية والشرط الرابع الإسلام .[4]
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحرص على اختيار وإخضاع القاضي للامتحان قبل إرساله ليقضي بين الناس ولنا في حادثة معاذا بن جبل مثال ، وعندما جاء عصر الخلفاء الراشدين حرص أبوكر على تولية القضاء عمر بن الخطاب وبعد وفاة سيدنا أبوكر وتولى عمر الخلافة أصبح علي بن أبي طالب قاضياً . وفي عهد معاوية بن أبي سفيان أشترك قاضي مصر في تأليبالقضاة.لى عثمان بن عفان فلما رأت ذلك شيعة عثمان اعتزلوه الكثير من العلماء وأرسلوا إلى عثمان ليخبروه بأمر القاضي [5] وجميع قضاة الخلافة الراشدة تتوافر فيهم الشروط التي وضعها الفقهاء فيما بعد.وفي خلافـة أبو بكر قال له عمر أبن الخطاب أنا أكفيك القضاة. ولا توجد رواية تدل على إن أبو بكر ولى القضاء [6] وكان القاضي في عهد الخلفاء الراشدين يأخذ أجر مقابل توليه القضاء ويدل على ذلك إن سيدنا عمر بن الخطاب كتب إلى أبي عبيدة الجراح .ومعاذ بن جبل : أن أنظروا رجالا من أهل العلم الصالحين من قبلكم . فاستعملوهم على القضاء وأوسعوا عليهم من الرزق [7] وظل الخليفة في العهد الراشدي هو الذي يعين القضاة إلى الأمصار وأما القضاء خارج المدينة المنورة .ومع أتساع الدولة الإسلامية. فقد أستقضى سيدنا عمر بن الخطاب أبي الدراداء على دمشق وهو أول قاضي ومات فيها. فكان أول من أستحدث منصب القضاء في الإسلام [8] وعين شريح بن الحارث على الكوفة. الذي ظل في القضاء إلى خلافة الوليد بن عبد الملك [9]
القضاء في عــهد الدولة الأموية :
بعد انتهاء عصر الخلافة الراشدة , ومجيء الدولة الأموية على يد معاوية بن أبي سفيان عام 40هـ لم يحدث في نظام القضاء أي تطور يذكر رغم ظهور منصب القضاة كمنصب . ولا توجد أية مراسم لتقليد منصب القاضي في الدولة الأموية . وظل على بساطته التي كان عليها في عهد الخلافة الراشدة [10] إلا هناك تطور مهم حدث في الدولة الأموية فيما يخص القضاء وهو تسجيل الأحكام بسبب تناكر الخصوم وقد ذكر الشيخ محمد الخضري بك واقعة نقلاً من كتاب "قضاة مصر وولاتها" صـ 10 اختصم إلى سليم بن عدي قاضي مصر من قبل معاوية بن أبي سفيان في ميراث فقضى بين الورثة ثم تناكروا فعادوا إليه فقضى بينهم وكتب كتاباً بقضائه . وأشهد فيه شيوخ الجند . قال: فكان أول القضاة بمصر سجل سجلاً بقضائه. ومع ذلك ظل القضاء في العهد الأموي بسيط من حيث التنظيم إذا " لم يكن القضاة يتقيدون برأي في أحكامهم إذا لم تدون أحكام فقهية يقر عليها الخلفاء ويحتمون العمل على مقتضاها فكان الأمر راجعاً إلى القضاة أنفسهم أو مايشير به المفتون من كبار المجتهدين في أمصارهم [11] وخلال عهد الدولة الأموية لم يكن هناك مكان محدد للتقاضي إنما في كثير من الأحيان يكون المسجد أو بيت القاضي . . وفي عهد الخليفة عبد الملك بن مروان أستحدث ديوان المظالم للنظر في أحوال المتخاصمين في المشاكل العويصة التي يعجز عن حلها القاضي [12] وكان الخليفة يعزل القاضي في حال ثبت عدم عدله , كما حدث في عهد هشام بن عبد الملك .فقد ذكر صاحب كتاب السلطة القضائية ونظام القضاء في الإسلام نقلاً عن الكندي إن عزل القاضي ميمون الحضرمي حينما بلغه إنه غير منصف.وهذا يدل دلالة واضحة شمول سلطة الخليفة حتى على القاضي ومراقبة الخليفة لسير عمل القضاة.
القضاء في عهد الدولة العباسية
تطور القضاء في الدولة العباسية تطوراً ملحوظ ويقول الأستاذ إبراهيم الكروي في كتاب "المرجع في الحضارة العربية الإسلامية (فقد تعقد القضاء لتعقد الحياة الاجتماعية وما طرأ على المجتمع من أساليب جديدة شملت النواحي الاجتماعية والثقافية والاقتصادية . الأمر الذي أدى إلى ظهور الكثير من المشاكل المحتاجة إلى قضاة يفصلون وفقاً للشريعة الإسلامية ) وفي العصر العباسي ظهرت المذاهب ومما أدى إلى تأثيرها في أحكام القضاة فكان قاضي العراق وفق مذهب أبي حنيفة وساد المذهب الشافعي في مصر والمذهب المالكي في الشام والمغرب [13]
ولأهمية القضاء ولإعطاء القاضي صفة استقلالية عن سلطة الأمير في الأقاليم كان تعين القضاة في العصر العباسي من اختصاص الخليفة وكان القاضي مستقلاً في أحكامه وغير خاضع لأهواء السياسة لذلك أمتنع الكثير من الفقهاء من تولى القضاء أمثال الإمام أبو حنيفة الذي رفض تولى القضاء في عهد الخليفة العباسي المنصور وأبن إدريس في عهد زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد .
[1]القضاء ونظامه في الكتاب والسنة :عبدالرحمن الحميضي :الناشر جامعة أم القرى الطبعة الأولى
[2]المرجع في الحضارة العربية الإسلامية: إبراهيم الكروي: مركز الإسكندرية للكتاب 
[3]القضاء ونظامه في الكتاب والسنة : نقلاً عن المستدرك الجزء 3ص 594
[4] الأحكام السلطانية 
[5] قضاة مصر وولاتها \ محمد بن يوسف الكندي 
[6] السلطة القضائية ونظام القضاء في الإسلام :د نصر فريد محمد 
[7] شرح أدب القاضي :برهان الأئمة حسام الدين عمر بن عبد العزيز البخاري :الجزء الثاني تحقيق ميحي هلال السرحان
[8] قاضي القضاة في الإسلام :الدكتور عصام محمد شبارو :دار النهضة العربية للطباعة والنشر بيروت
[9]مآثر الأناقة في معالم الخلافة :القلقشندى :تحقيق عبد الستار أحمد فراج : عالم الكتب
[10] محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية \الدولة الأموية\ تأليف المرحوم الشيخ محمد الخضري بك \تحقيق محمد العثماني 
دار القلم 
[11]المصدر السابق 
[12] قاضي القضاة في الإسلام :الدكتور عصام محمد شبارو نقلاً عن كتاب عيون الأخبار لأبن قتيبة جـ1 صـ61
[13] إبراهيم الكروي \ المرجع في الحضارة العربية الإسلامية
شروط تولي القضاء :
وضعت شروط أساسية لتولي القضاء ويذكر الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية (ولايجوزأنيقلدالقضاءإلامنتكاملتفيهشروطهالتييصحمعهاتقليدهوينفذاحكمهوهيسبعة(
هي:
الذكورة 
البلوغ 
والعقل 
والحرية 
والإسلام 
والعدالة
والسلامة في السمع 
وإضافة إلى هذه الشروط هناك شروط أخرى ربما تكون أقل أهميه ونستطيع نستنتجها من خلال القصة التالية ، فقد ذكرت الروايات إن هارون الرشيد أحضر رجلاً ليوليه القضاء فقال الرجل "إني لا أحسن القضاء ولا أنا فقيه " فقال هارون الرشيد فيك ثلاث خصال لك شرف والشرف يمنع صاحبه من الدناءة ولك حلم يمنعك من العجلة ومن لم يعجل قل خطؤه وأنت رجل تشاور في أمرك ومن شاور كثر صوابه وأما الفقه فسينضم إليك من تتفقه به "
وفي كتاب الأحكام السلطانية للماوردي ذكر تولية أبو موسى الأشعري للقضاء من قبل الخليفة
عمر بن الخطاب مستوفياً شروط تولي القضاء (إما بعد إن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة.
فأهم أذا أدلى إليك فإنه لاينفع تكلم بحق لا نفاذ له ،وأس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك حتى لايطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك .البينة على من أدعى واليمن على من أنكر .والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حرام أو حرم حلالاً ، ولا يمنعك قضاء قضيته أمس فراجعت اليوم فيه عقلك وهديت فيه إلى رشدك أن ترجع الحق فإن الحق قديم لايبطله شي)
صــلاحيات القضاة ونزاهته :
تميز القضاء خاصة في العصر العباسي بمزايا وصلاحيات واسعة فكان يجمع مع الفصل بين الخصوم ، إسيتفاء بعض الحقوق العامة والنظر في أموال المحجور عليهم من المجانيين واليتامى والمفلسين وأهل السفه وفي وصايا المسلمين والنظر في مصالح الطرقات والأبنية [1]ويحق للقاضي إن ينظر في قضايا البلد وما يجاوره والغرباء في البلد ويقول الماوردي (يقلد النظر في جميع الأحكام في أحدى جانبي البلد أو في محله منه ،فينفذ أحكامه في الجانب الذي قلده والمحلة التي عينت له وينظر بين ساكنيه وبين الطارئين )[2] وكان القضاة لا يقبلون الهدايا لا من خصم ولا من أحد امتثالا لقول الرسول الكريم ( الهدايا غلول الأمراء ) ولا الرشاوى امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (الراشي والمرتشي في النار) إضافة إلى ذلك في الدولة العباسية عهد بعض الخلفاء إلى القضاة بقيادة الجيوش ، في عهد الخليفة العباسي المأمون خرج يحيى بن أكثم بالجيش إلى أرض الروم وأرسل زيادة الله بن الأغلب القاضي أسد بن الفرات قائدا على الحملة الأغلبية على صقلية في سنة 213هـ [3] وقد تميز القضاة في العصر العباسي بالنزاهة والعدالة والموضوعية في إحقاق الحق وعدم التحيز والقصة التالية توضح نزاهة القضاة والتي وردت في كتاب الولاة والقضاة للكندي (حدثنا محمد بن يوسف قال : حدثنا يحيي بن أبي معاوية عن خلف بن ربيعة عن أبيه قال : أقام غوث بن سليمان بمصر ثلاثا وعشرين سنة صرف عن القضاء سنة أربع وأربعين ومائة وذلك أن أم المهدي أم موسى بنت يزيد بن منصور بن عبدالله الحميرية وقع بينها وبين أبي جعفر خصومة فقالت : لا أرضى إلا بحكم غوث بن سليمان فحمل إلى العراق حتى حكم بينه وبينها ورجع إلى مصر )[4] وفي العصر العباسي الثاني ورغم سلطة الخلفاء إلا إن ظل تعين القضاء من حق الخليفة ، ولكي يظل القاضي بعيداً عن تأثير الأمراء رفض قاضي مصر محمد بن مسروق الكندي من قبل هارون الرشيد عام حضور مجلس الوالي عبدالله بن المسيب (حدثنا محمد بن يوسف قال :حدثني أبو سلمه عن يحيى بن عثمان عن أبيه قال : قدم محمد بن مسروق الكندي والياً على القضاء وكان أعور فأظهر تجبراً عظيما وباعد الخصوم .وكانت ولاة مصر يحضرون القضاة إلى مجالسهم كما يحضر الفقهاء اليوم ، فلما قد أبن مسروق أرسل إليه الأمير عبدالله بن المسيب يأمره بحضور مجلسه فقال : لو كنت تقدمت إليك في هذا لفعلت بك وفعلت ياكذا وكذا ، فانقطع ذلك عن القضاة من يومئذ )[5]
والكثير من الروايات التي تؤكد نزاهة القضاة واستقلاليته في الحضارة الإسلامية ، وكان الخلفاء والأمراء يبتعدون عن التدخل في شؤون القضاة فكان موسى أمير الكوفة فكان يتجنب إن يكون بينه وبين القاضي خلاف .
مكان التقاضي :
لم يكن للقاضي في زمن الخلافة الراشدة والخلافة الأموية مكان معلوم للتقاضي ، إذا كان القاضي يحكم بين المتخاصمين في بيته وفي كثير من الأحيان في منزله ، ومع مجئ الدولة العباسية وتوافقاً مع التطور التنظيمي والإداري الذي حدث في الدولة العباسية وبعد إن تتعددت المساجد الجامعة في المدينة الواحدة ،أصبح يعقد في دار القاضي ، وفي بعض الأحيان كان القاضي يعقد جلسته في قصر الخلافة[6] وكان القاضي يجلس مستندا إلى عمود من أعمدة المسجد وفي عهد الخليفة المعتضد أمر إلا يجلس القضاة في المسجد ويروى إن قاضي القضاة في بغداد حوالي 320هــ كان يجلس للقضاء في داره ويذكر الكندي أن من أسباب التحول للدور أن القضاة كانوا أحياناً يباشرون القضاة بين النصارى فكانوا يقضون لهم على باب المسجد أو يعقدون الجلسات في الدور [7] وكانت جلسات القضاء علنية وتدلنا القصة التالية على اهتمام القضاة بان تكون الجلسات علنية فقد روى أن رجلا جاء قصر الخلافة في عهد المأمون وخاصم الخليفة وكان القاضي يحيى بن أكثم ، فطلب المأمون من القاضي أن ينظر هذا الادعاء فقال يحيى : لا أنظر القضايا في قصر الخليفة إلا أذا أعلنه الخليفة مكاناً للتقاضي . فقال الخليفة قد فعلت قال القاضي إذن نفتح الباب وندعو كل المتخاصمين للحضور هنا وأبدأ بالعامة فقال الخليفة أفعل وأذن يحيى للعامة في الدخول ونادى المنادى وأخذ الرقاع ودعا الناس وقضى بين الخليفة وخصمه . وإضافة إلى التطور في مكان التقاضي وتعقد الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية.عمل القضاة على تسجيل الأحكام القضائية وبدأ تسجيل الأحكام ليلتزم المتخاصمون بالحكم.وأصبح تسجيل الأحكام تقليد يتبع بعد ذلك في كثير من الأحيان أبتداء من عهد الدولة الأموية في عهد قاضي مصر سليم بن عتر قاضي معاوية [8] ويقول الأستاذ حسن إبراهيم في كتاب تاريخ الإسلام السياسي فقد أدخل بعض قضاة العصر العباسي في مصر ضروباً من الإصلاح القاضي غوث بن سليمان إنه ساوى بين الرجل الذي وكله المهدي وبين الخصم في مجلس القضاء[9]
أجر القــضاة :
يذكر أدم متز في كتابه الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري الجزء الأول ( وقد أختلف هل يأخذ القضاة عن القضاء رزقاً ؟ ويقال إن عمر بن الخطاب منع من ذلك ) ورد في كتاب أدب القاضي إن عمر بن الخطاب كتب إلى أبو عبيدة الخراج ومعاذ بن جبل بالشام " أن أنظرو رجالاً من أهل العلم الصالحين من قبلكم فاستعملوهم على القضاء وأسعوا عليهم من الرزق[10] ) وفيه دليل على إن القاضي يأخذ رزقه وفي نفس المصدر ذكر إن نافع بن زيد رضي الله يأخذ على القضاء رزقاً ) ولما ولى القضاء بمصر ابن حجيرة سنة 70هـ كان رزقه في السنة مائتي دينار وكان رزق قاضي مصر عبدالرحمن بن سالم عشرين دينار في الشهر . ورزق والي ابوجعفر المنصور على مصر عام 155هــ ثلاثين دينارا في كل شهر وقاضي المهدي الفضل بن فضالة قاضي مصر ثلاثين ديناراً في كل شهر ويذكر أدم متز إن العباسيين جعلوا للقاضي منصباً رفيعا ومستقلا فإنهم رفعوا رزقه أيضاً [11]
[1]إبراهيم الكروي \ المرجع في الحضارة العربية الإسلامية 
[2]الأحكام السلطانية \ الماوردي 
[3]إبراهيم الكروي \ المرجع في الحضارة العربية الإسلامية 
[4] الولاة والقضاة \ الكندي \ دار الكتب العلمية \ صـ 270 \ 271 
[5] المصدر السابق 
[6] إبراهيم الكروي \ المرجع في الحضارة العربية الإسلامية 
[7] بحوث عن القضاء من كتاب موسوعة النظم والحضارة الإسلامية \ تاريخ التشريع الإسلامي وتاريخ النظم القضائية في الإسلام 
الدكتور أحمد شلبي 
[8] المصدر السابق 
[9] تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي \حسن إبراهيم حسن 
[10] كتاب شرح أدب القاضي \ الخصاف \ الجزء الثاني \ تحقيق :محي هلال السرحان 
[11] الحضارة الأسلامية في القرن الرابع الهجري أو عصر النهضة في الإسلام \ الجزء الأول \ أدم متز \ترجمة محمد عبدالهادي أبو ريدة \ الطبعة الثالثة
ملابس القضاة :


في العصر العباسي نتيجة إلى التحول الذي طرأ على الحياة الاجتماعية ودخول الكثير من النظم من الحضارات الأخرى إلى المجتمع العربي الإسلامي ، فكان الخليفة أبو جعفر المنصور أول من أختار للرأس زياً فارسياً وقلده العلماء والقضاة ورد في كتاب موسوعة النظم والحضارة الأسلامية نقلاً عن ابن خلكان قوله (كان أبو يوسف أول من غير لبس العلماء إلى هذه الهيئة التي هم عليها في هذا الزمن ، وكان ما أقترحه أبو يوسف لتمييز طبقة العلماء والقضاة هو عمامة سوداء وطيلسان ويقول أدم متز كان القاضي في العصر العباسي يلبس السواد على هيئة عمال بني العباس وكان المفضل بن قاضي مصر من قبل الخليفة العباسي المهدي يعتم بعمامة سوداء على قلنسوة طويلة . ولما ولى الحارث بن مسكين عام 237هــ طلب إليه أن يلبس السواد. وفي القرن الثالث الهجري كانت القلنسوة هي لباس القضاة الذي يميزهم وكانت تلبس مع الطيلسان [1]


تنظيم عمل القضاة:


وقد ذكر سابقاً إن تنظيم عمل القضاة بدأ في عهد الدولة الأموية، وذلك يعود إلى ظهور الحوادث التي يستوجب التنظيم كتسجيل الأحكام وتنفيذها والمساواة بين المتخاصمين في مجلس الحكم إضافة إلى أجراء المحاكمة والشهود. وقد ظهر التنظيم جلياً في عهد الدولة العباسية ،فكانت من عادة المتحاكمين أن يتقدموا لكاتب القاضي برقاع في كل رقعة اسم المدعى واسم خصمه وأبيه .وكان الكاتب يأخذ هذه الرقاع من الناس عند باب المسجد قبل مجئ القاضي . وكان التقاضي عادة يكون وقوف إلا إذا كان هناك ما يستدعى الجلوس وفي شكل متساوي ففي عهد الدولة الأموية. الشهود على يمين ويسار القاضي ورد في كتاب الولاة والقضاة للكندي إن عبدالملك بن مروان أتى القاضي خير بن نعيم يخاصم أبن عم له فقعد على مفرشه فقال : قم مع أبن عمك فقام ولم يخاصم .ويقول أدم متز ثم صار الرسم أن يجلس المختصون بين يدي القاضي صفا متساوين . . وفي القرن الرابع الهجري أي في العصر العباسي الثاني يقول أدم متز نجد الشهود قد أصبحوا نوعا من العمال الثابتين .[2]وما يخص تنفيذ الأحكام في عهد الرسول والخلفاء الراشدين يشرفون بأنفسهم على تنفيذ الأحكام وفي عهد الدولة الأموية والعباسية كان القضاة يصدرون الأحكام وعلى الولاة والأمراء أن ينفذوا حكم القضاة [3]
النظر في المظالم :
يوضح لنا الدكتور حسين الحاج إبراهيم في كتاب النظم الأسلاميه سبب ظهور ديوان النظر بالمظالم وهو من الدواوين المرتبطة بالقضاة بهدف تحقيق العدالة في مجتمع الدولة الإسلامية
( بعد إن اتسعت رقعة الدولة الأسلامية وتشعبت أمورها ، وضعف الوازع الديني وانحرفت بعض النفوس عن مسيرة الخير ،نشأت ظلامات تعدت طبيعة خطرها حدود القاضي ) لهذه الأسباب ظهر ديوان النظر في المظالم في عصر الدولة الأموية ، وتعريف النظر في المظالم بناءٍ ما ورد في كتاب الأحكام السلطانية للماوردي "قود المتظالمين إلى التناصف بالرهبة وزجر المتنازعين بالهيبة "
وضعت شروط وإحكام لمن يتولى النظر في المظالم وتذكر الروايات إن أول من جلس للنظر في المظالم هو الخليفة الأموية عبد الملك بن مروان ويقف بجانبه القاضي أبو إدريس . وفي عهد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز الذي تعهد برد المظالم إلى أهلها بعد إن تولى الخلافة ويقول الماوردي " رد مظالم بني أميه إلى أهلها "وكان الخليفة عمر بن عبد العزيز حريصاً على سرعة البت في المظالم فكتب إلي عامله في اليمين : أما بعد فأني أكتب إليك آمرك إن ترد على المسلمين مظالمهم فتراجعني ولاتعرف مسافة ما بيني وبينك ولاتعرف أحداث الموت – حتى لو كتبت إليك أن أردد على مسلم مظلمة شاه لكتبت أردها عفراء أو سوداء – فأنظر أن ترد على المسلمين مظالمهم ولتراجعني [4]
وفي العصر العباسي أهتم الخلفاء أهتماماً بالغاً بالنظر في المظالم ، إذا نجد إن الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور يقول " ما أحوجني إن يكون على بابي أربعة لايكون على بابي أعف منهم . قيل من هم يا أمير المؤمنين قال هم أركان الملك ولايصلح الملك إلا بهم " منهم قاضي لا تأخذه في الله لومة لائم ،[5] وكان الخليفة المهدي أول من جلس للمظالم من بني العباس وجلس الخليفة من بعده الهادي وهارون الرشيد ، وفي عصر الخليفة المأمون كان خصص يوماً للنظر في المظالم وهو يوم الأحد [6]وكذلك كان المعتصم حازماً في رد المظالم إلى أهلها ، وعندما جاء الخليفة المهتدي كان يقول "على إن أقرر حقاً وأزيل ظلما وأجحف بيت المال [7] والمهتدي أخر من جلس للنظر في المظالم ،وكان ينظر فيما يرفعه إليه العام والخاص وقد بنى قبة كان يجلس فيها وسماها قبة المظالم [8] وبعد عصر المهتدي ، كان الوزير هو من يقوم بالنظر في المظالم .ففي عهد الخليفة المعتضد جلس الوزير عبيدالله بن سليمان وكان الوزير في القرن الرابع يجلس الوزير للنظر في المظالم يوم الثلاثاء وكان أكثر الكتاب يحضر مجلسه [9] وكان سلطة من يجلس للمظالم أقوى وأكثر حرية من القاضي وينقل أدم متز نقلاً عن الماوردي "من فضل الهيبة وقوة اليد ما ليس للقضاة بكف الخصوم عن التجاحد ومنع الظلمة من التغالب والتجاحد " 
والنظر في المظالم لا يكتمل إلا بوجود خمسة أركان وهي كما ذكرها الماوردي في الأحكام السلطانية :
1- الحماة والأعوان : وقد أختير للمساهمة في ضبط مجلس النظر في المظالم ، والتغلب لمن يسعى الفرار أو استخدام العنف 
2- القضاة والحكام :مهمتهم الإشارة إلى صاحب المظالم بأقوم الطرق لرد الحقوق إلى أصحابها 
3- الفقهاء:يرجع إليهم القاضي فيما أشكل عليه من المسائل الشرعية 
4- الكتاب : يقومون بتدوين مايجري بين الخصوم واثبات ما لهم وما عليهم 
5- الشهود: ومهمتهم الشهادة على ما أصدره القاضي [10]
وفي العصر العباسي ظهر منصب قاضي القضاة وخاصة في عهد هارون الرشيد وكان مقر إقامته في بغداد وسندت إليه وظائف من أهمها تعين القضاة والإنابة في الخليفة في إدارة شؤون القضاء , ومراقبة سير عمل القاضي في الأقاليم الإسلامية ويقول أبن خلدون واصفاً منصب قاضي القضاة نقلاً عن مذكرة الدكتور فاروق فوزي نظام القضاء وتوابعه " إن شؤون القضاء والقضاة من مهمات الخليفة مارسها العباسيون بأنفسهم ثم استخلفوا من ينوب عنهم لقيامهم بالسياسة العامة وكثرة اشكالها من الجهاد والفتوحات وسد الثعور.... واستخلفوا فيه من يقوم به تخفيفا على أنفسهم " وأشهر من تولي هذا المنصب القاضي أبو يوسف في عهد هارون الرشيد عام 170هــ 
الخاتمة :
ومن خلال هذا المبحث البسيط وجدت أن القضاء في الإسلام مر بمراحل تاريخية. تطور تبعاً للظروف السياسية والاجتماعية التي مرت بها الخلافة الإسلامية ، ابتداء من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان القضاء فيه يتسم بالبسطاء متماشياً مع بساطة المجتمع الإسلامي ، وعدم تعقد الحياة الاجتماعية والسياسية حتى الثقافية ورغم بساطة ذلك العهد إلا أننا نرى إن الرسول والخلفاء الراشدين من بعده كانوا حريصين على تطبيق العدالة الاجتماعية والدينية . لذلك وضعوا شروطاً وإحكام ومواصفات لمن يتولى منصب القضاء، إضافة إلى إعطاء النصائح والوصايا بإقامة العدل والأنصاف. ومع مجئ الخلافة الأموية ورغم إن القضاء لم سار على نفس النهج الذي كان عليه القضاء في العهد الراشدي إلا إن الخلفاء مثل عبدالملك بن مروان وعمر بن العزيز أدركوا تعقد الحياة لذلك أعطوا القضاء أهمية بالغه تمثل في ظهور ديوان النظر في المظالم . بل خصصوا أيام معينه للنظر فيما يرد إليهم من مظالم وإرجاعها إلى أصاحبها. وفي العصر العباسي الأول ونتيجة ما طرأ على الحياة السياسية والإدارية من تغيرات أنسحب ذلك على القضاء فتبدل مكان القضاء من المسجد إلى دار القاضي في كثير من الأحيان وأصبح القضاء أكثر تنظيماً وأدخل عليه تغيرات مثل تسجيل الأحكام وإجراءات المحاكمة والشهود بل أصبح للقضاة ملابس خاصة . واهتمام الخلفاء بالقضاة نابع من وظيفة الخلافة الدينية وهي أقامة العدل وتطبيق حدود الشريعة الإسلامية وإنصاف المظلوم. لذلك أقتصر تولية القضاة في العصر العباسي الأول على الخليفة . لما له من أهمية دينية ودنيوية .,
[1] المرجع السابق 
[2] المرجع السابق 
[3] موسوعة النظم والحضارة الأسلامية \ الدكتور إبراهيم شلبي 
[4] ديوان المظالم نشأته وتطوره واختصاصاته مقارناً بالنظم القضائية الحديثة:الدكتور حمدي عبد الغني 
[5] المصدر السابق 
[6] المصدر السابق 
[7] المصدر السابق 
[8] الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري أو عصر النهضة في الإسلامية : أدم متز 
[9] المصدر السابق 
[10] ديوان المظالم نشأته وتطوره :الدكتور حمدي عبدالغني

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا