Saturday, September 29, 2012

صندوق للمقاصة


د. يحيى اليحياوي
كنا نعلم علم اليقين بأن الدعم الذي تقدمه الدولة, من خلال صندوق المقاصة, إنما يذهب في معظمه للأسر والمقاولات الميسورة, وأن ما تتحصل عليه الشرائح المتوسطة والصغيرة, أسرا ومؤسسات إنتاج, لا يمثل إلا نسبة ضئيلة من هذا الدعم.

وكنا نعلم علم اليقين أيضا, بأن توزيع هذا الدعم إنما يكتنفه خلل عظيم, ويطبعه لاتوازن كبير, في مبدئه وفي فلسلفته وفي آليات الاشتغال الثاوية خلفه.

وكنا, فضلا عن كل هذا وذاك, نعلم بما لا يدع مجالا للمزايدة يذكر, بأن الغاية التي من أجلها أنشئ هذا الصندوق انحرفت عن مسارها, فغدا الصندوق إياه مرتع لوبيات قوية, وملتقى مصالح خفية وظاهرة, حولت أهداف المقاصة لفائدتها, واستنزفت مداخيله حتى أفلس أو أوشك على الإفلاس.

قد يكون كل هذا معروفا ومتداولا على نطاق واسع, وفي بعض الأدبيات السياسية أيضا, لكن الذي لم يكن معروفا بدقة إنما حجم هذه الاختلالات, والسر خلف إفقار موارد الصندوق لدرجة مشارفته على الإفلاس التام, ثم التوقف شبه المؤكد.

تقول دراسة عن صندوق المقاصة بالمغرب, أشرف على إنجازها مجلس المنافسة, تقول التالي:

+ إن أكثر من 13 بالمائة من الساكنة التي تعيش تحت خط الفقر, لا تستفيد إلا بنسبة 257 درهما للفرد سنويا, من دعم الغاز المستهلك بالمنازل, في حين أن الطبقات الميسورة, التي تمثل حوالي 30 بالمائة, تستفيد سنويا بما مقداره 585 درهما.

+ بالنسبة للسكر, لا تستفيد ال 13 بالمائة المذكورة, إلا من 106 درهما للفرد في السنة, مقابل 229 درهما ل 30 بالمائة من الشريحة الميسورة.

+ أما الدقيق, فإن ال 11 بالمائة من الطبقة الفقيرة, لا تفيد من دعمه إلا ب 59 درهما للفرد وبالسنة, مقابل 166 درهما ل 31 بالمائة من الطبقة الميسورة.

لو تسنى لنا أن نقرأ المعطيات أعلاه بطريقة أخرى, لقلنا بأن 95 بالمائة من الدعم المقدم للسكر, و 96 بالمائة من الذي يقدم للدقيق و 95 بالمائة من الذي يقدم للمواد البترولية, إنما يذهب, بهذا الشكل أو ذاك, للفاعلين الصناعيين الذين يشتغلون في هذه القطاعات.

ولو علمنا أن ما يقدمه الصندوق لدعم هذه المواد (حوالي 52 مليار درهما سنة 2011, أو ما نسبته 2 بالمائة من الناتج الداخلي الخام), لتبين لنا بجلاء حجم ما يقدم, ومستوى الخلل الذي يطبع توزيعه بين الفئات الاجتماعية, والقطاعات التي تشتغل في الصناعات المرتبطة به.

أما عن الجهات "الصناعية" المستفيدة من هذا الدعم, فتلاحظ دراسة مجلس المنافسة أن شركة كوزيمار (وهي فرع لمجموعة الشركة الوطنية للاستثمار التابعة لهولدينغ أونا الملكي) قد حصلت سنة 2011, على ما يناهز المليار ونصف المليار من الدراهم.

بالتالي, فإن 5 بالمائة فقط من هذا الدعم يذهب للفئات الضعيفة, فيما تذهب ال 95 بالمائة للفاعل الأساسي في مجال السكر, وبعض الشركات الأخرى ككوكاكولا المحتكرة ل 95 بالمائة من السوق المغربي للمشروبات الغازية, أو بعض شركات الحلويات الأخرى.

أما 85 بالمائة من الدعم المقدم للمواد النفطية, فإن معظمها يذهب لشركة لاسمير التابعة لمؤسسة كورال السعودية. بما معناه أن 98 بالمائة من الدعم المقدم للمحروقات والمشتقات النفطية, يذهب لغير الضعفاء والفقراء.

ليس ثمة إذن ما يدفع المرء إلى الاندهاش عندما يسمع أو يقرأ بأن صندوق المقاصة قد زاغ حقا وحقيقة عن سكته, وأن باب الإصلاح إنما بات الحل الوحيد لإنقاذه.

لا يقترح مجلس المنافسة, بهذا الخصوص, كثيرا من الحلول, بل يرى بأن المسلك الوحيد لإنقاذ هذه المؤسسة, وتوجيهها بجهة المحافظة على القدرة الشرائية للمواطنين المعوزين, وضمان التنافسية للنسيج الاقتصادي, إنما سبيل التحرير وإلغاء الدعم مع استحضار ضرورة الحفاظ عليه بالنسبة للطبقات المسحوقة والقطاعات الإنتاجية الهشة... لكن على شكل دعم جزافي مباشر: من 500 إلى 600 درهما كل شهر بالنسبة للفئات الاجتماعية التي أحصتها وزارة الصحة في إطار مشروعها لتعميم التغطية الصحية.

هل حل من هذا القبيل قابل للتنفيذ؟ هل هو الحل الوحيد.

لا نحتكم لحد كتابة هذه السطور, على الحل المفضل. إننا بانتظار ما ستسفر عنه مقترحات وزارة الشؤون العامة والحكامة... وإلا فإعلان إفلاس الصندوق جملة وتفصيلا.

موقع الكاتب على الإنترنيت
www.elyahyaoui.org

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا