Saturday, September 22, 2012

في مفهوم الدولة


في مفهوم الدولة

فى الحقيقة ان مفهوم الدولة العصرية -- كما نراها اليوم – هو مفهوم جديد نسبيا. وان الكثير من علماء السياسة والاجتماع فى الغرب يرجع هذا المفهوم الى نهاية الحرب التى عرفت فى التاريخ الاوروبى بحرب الثلاثين عام (1618 – 1648). تلك الحرب التى كانت بين الكاثوليك والبروثوستنت فيما يعرف الان بالمانيا.
هذة الحرب التى كانت اّخر حرب دينية فى اوروبا وكان من اهم نتائجها عقد ما عرف باثفاقية "سلام وستفيليا."1 ولعله من المهم والمناسب فى هذه العجالة وبغض النظر عن اصل وتاريخ هذه الفكرة ان نحاول فهم هذا النمودج العصرى الجديد لكيفية تعائش شعوب وجماعات مختلفة معى بعضها البعض فى اطار قانونى وسياسى يقبله ويحترمه الجميع. وفى اعتقادى يمكن تحقيق ذلك بالاجابة على مجموعة من الاسئلة لعل من أهمها الاتى:

1. ماذا نعنى بالدولة؟
2. ما هى أهم أركان او خصائص الدولة؟
3. ما هى أهم وظائف الدولة؟
4. ما هى أهم الاشكاليات التى تواجه الدولة؟

أولا: ماذا نعنى بالدولة؟
فى هذه العجالة يمكن تعريف الدولة على انها كل المؤسسات السياسية والقانونية المنبتقة عن ارادة شعب (او شعوب) يعيش على قطعة جغرافية معينة ذات حدود معترف بها ولها حكومة مستقلة ذات سيادة كاملة.
بمعنى هى مجموع المؤسسات التى تمتلك السلطة لصنع القوانين والسياسات لتنظيم حياة الناس فى مجتمع ما. وبمعنى اّخر توجد الدولة عندما يقرر شعب (او شعوب) ان يكون له نظام سياسى معين على ارض ذات حدود معترف بها وسيادة كاملة واعتراف من المجتمع الدولى. وباختصار شديد جدا يمكن القول بان الدولة هى عبارة عن: شعب (او مجموعة من الشعوب) يعيش على ارضه وله حكومة ذات سيادة كاملة على كل ارجاء الوطن.

ثانيا: أهم أركان اوخصائص الدولة
لكى يتحقق مفهوم الدولة لابد من توفر الشروط اوالخضائص الاربعة التالية:
الدولة = شعب + ارض + حكومة + سيادة.
هذه هى الاركان الاربعة التى لابد من توافرها لقيام اى دولة. بمعنى ان غياب اى مكون من هذه المكونات يلغى وجود الدولة ويفقدها فاعليتها ودورها فى المجتمع الدولى. ولعل القضية الفسطينية اليوم لخير مثال على ما نقول. والذى اعنيه بهذه المكونات هو الاتى: (1) الشعب: وما اعنيه بمفهوم الشعب هنا هو كل الافراد الذين جمعت بينهم روابط الجنس واللغة والعادات والتقاليد والتاريخ المشترك والحقوق والواجبات التى اتفقوا عليها. وهنا يمكن القول بان كل دولة هى عبارة عن مجموع مواطنيها الذين يعيشون تحت سيادتها ويعتبرون انفسهم أعضاء لها. وقد تتكون الدولة من شعب واحد ( وقد اطلق علي هذا النوع من الدول اصطلاح: الدولة القومية). وقد تتكون من عدد من الشعوب كما هو الحال اليوم فى الولايات المتحدة الامريكية. والحقيق التى لا جدال فيها هى انه لا يمكن تصور وجود دولة بدون شعب. وعليه فالشعب هو الركن الاول والاساسى من أركان تأسيس الدولة. (2) الارض: اما الخاصية الثانية لتكوين الدولة فهى المنطقة اوالاقليم الجغرافي الذى يعيش عليها ذلك الشعب اوالشعوب الراغبين فى قيام الدولة. بمعنى لابد لكل دولة من ارض تقام عليها ولابد ان يكون لهذه الارض حدود واضحة ومعترف بها. (3) الحكومة اوالسلطة الحاكمة: اما الخاصية الثالتة لتكوين الدولة فهى قيام حكومة اوسلطة تحكم ذلك الشعب اوالشعوب. وما اعنيه بالحكومة اوالسلطة الحاكمة هو كل المؤسسات التى من مهمتها تسيير امور الشعب وكل الافراد الذين يديرون هذه المؤسسات. وهذا يعنى باختصار لابد من وجود مجموعة من الافراد لهم حق سن القوانين, وتدبير شؤون الدولة, وتطبيق العدل بين الناس, وحفظ الامن, ووضع السياسات العامة للدولة. وهنا لابد من التاكيد على ان الدولة فى حد ذاتها هى مجرد كيان أفتراضى وشخصية قانونية فى المجتمع الدولى. وان هذا الكيان لا يمكن رؤيته ولا سماعه ولا لمسه على ارض الواقع, ولكن يمكن ادراكه والاعتراف به (أو رفضه) من خلال تصرفات وسلوكيات اعضاءه وأعمال وتصريحات قيادته. وعليه فلابد ان يتحمل المسؤولية كل من يتحدت باسم هذه الولة ويتخد قرارات نيابة عنها. وعليه فليس من الحكمة ولا من التحضر ان يترك هذا الامر لكل من لا يتحمل المسؤولية ولا الى افراد ليسوا جزء من السلطة الحاكمة التى يمكن محاسبتها واستبدالها اذا فشلت فى تحقيق واجباتها. و(4) السيادة: اما الخاصية الرابعة لتكوين الدولة فهى تحقيق السيادة الكاملة على ارض الوطن. وهذا يعنى ان للدولة كامل السيطرة والاستقلال على كل مقدرات الوطن, وان سلطات الدولة لا حدود لها الا فيما نص عليه دستورها.

ثالثا: أهم وظائف الدولة
فى الحقيقة ان للدولة وظائف عديدة من الواجب ان تقوم بها ولعل من اهم هذه الوظائف الاتى:

(1) نشر الامن والامان فى فى كل ارجاء المجتمع. لقد اصبح من المسلم به ان وظيفة نشر الامن والامان فى كل المجتمعات المتحضرة هى من مهام الدولة. اذ لايمكن اعطاء هذه المهمة الى اى مؤسسة اخرى فى المجتمع مهما كانت هذه المؤسسة. فالدولة هى التى لها وحدها حق امتلاك السلطة التى خولها لها الشعب. بمعنى الدولة هى التى لها حق أحتكار السلطة فى الوطن, أو كما يقول عالم الاجتماع والسياسة الالمانى ماكس فيبر "الدولة هى التى لها حق احتكار العنف المشروع." والحقيقة ان اهم -- بل يمكن القول اقدم -- وظيفة لوجود الدولة هو حماية الانسان ( بل وقد اقول كل المخلوقات) فى المجتمع. ومن هذا المنطلق فقد أصطلح حديتا على تسميتها الدولة التى تفشل فى تحقيق هذه الوظيفة "بالدولة الفاشلة" كما هو الحال فى الصومال مند سقوط حكومة زياد برى عام 1991 وحتى يومنا هذا. او ما حدت فى لبنان خلال الحرب الاهلية ما بين اكتوبر 1975 الى اكتوبر 1990.

(2) حماية وتطوير المصادر البشرية والطبيعية فى الوطن. بمعنى ان الدولة هى الآلية الاساسية التى من خلالها يستطيع كل ابناء الشعب ان يتحدوا ويتعاونوا ويعملوا على جمع كل مصادرهم الطبيعية والبشرية لتحقيق الاهذاف المنشودة وتعبئة الجماهير ضدّ كل التهديدات والاخطارالمشتركة.

(3) توفير الحاجات الضرورية: لقد اصبح من اهم وظائف الدول الحدية والمتحضرة هو توفير الحاجات الضرورية للحياة. فالدولة الناجحة هى التى تقدم لمواطنيها كل ما يحتاجوه من الحاجات الضرورية لتحقيق الحياة الكريمة. ولعل من اهم هذه الحاجات على سبيل المثال التعليم والصحة والسكن. بمعنى ان الغرض الاساسى من تأسيس اى الدولة هو تحقيق الرفاهية لكل ابناء الوطن.

(4) حماية الوطن: بمعنى ان وظيفة حماية الوطن من كل الاعداء فى الداخل والخارج هى من اهم وظائف الدولة. وان ترك هذه الوظيفة لغير الدولة هوفى الحقيقة بداية لنهايتها وخيانة لشعبها.

رابعا: أهم الاشكاليات التى تواجه الدولة
لعل من اهم التحديات التى تواجه الدول المتحضرة اليوم هو كيف يمكن تحقيق التوازن بين القيم التى يتفق كل الشعب على انها ضرورية ومهمة ولكنها فى نفس الوقت متناقضة مع بعضها البعض وليس من السهل الجمع بينها. ولعل من اهمها القيم الاربعة التالية: (أ) كيف يمكن الجمع بين قيمتى: النظام والحرية. (ب)كيف يمكن الجمع بين قيمتى: المساواة والحرية. (ج) كيف يمكن الجمع بين قيمتى: الامن والحرية. و(د)كيف يمكن الجمع بين قيمتى: الجدارة والثمتيل. هذه بعض الاشكاليات المهمة التى تواجة فن الحكم فى كل المجتمعات المتحضرة والتى لابد من التعامل معها بحكمة ومعرفة والا فسوف يكون مصير الدولة الفشل والانهيار مهم كان العاملون فيها صادقون وذلك لان الصدق وحدة لا يكفى فى هذه الامور. والحقيقة ان الدول التى نجحت فى الجمع بين هذه القيم المتناقضة هى التى استخدمت اسلوب التوازن والوسطية فى الجمع بين هذه القيم المتناقضات.

خامسا: الخاتمة

دعونى اختم هذا المقال بالتاكيد على ان مفهوم الدولة هو اخر ما اخترعته الشعوب المتحضرة فى كيفية حكم انفسهم والتعائش مع بعض البعض بالرغم من كل الاختلافات والتناقضات. وقد نتفق معى الذين لا يؤمنون بفكرة الدولة كحل نموذجى لكيفية تعائش الشعوب مع بعضها البعض فى شىء واحد الا وهو ان الدولة ان كانت شر – كما يدعون – فهى فى الحقيقة شر لابد منه. وذلك لانها نتاج لضعف الانسان ومحاولة لمعالجة الجوانب السالبة والناقصة فى حياته. والحقيقة ان الذين ينتقدون هذا الكيان السياسى الحديت لم ياتوا بشى بديل يمكن تطبيقة وثبت نجاحه فى هذا العالم الذى يزداد اندماجا وتعقيدا. وعليه ففى اعتقدى ان الدولة هى الحل الوحيد حتى الان فى هذا العصر لادارة المجتمعات المتحضرة والتى تريد ان تحقق التقدم والعدل. وهى الآلية الوحيدة التى تستطيع ان تستجيب بفاعلية لكل التحديات والمشاكل التى تواجه الانسان. ويمكن اعتبارها ايضا الآلية الوحيدة الموجودة اليوم التى يمكن عن طريقها ادارة العلاقات الدولية وتحقيق السلام العالمى ...
وعليه فلا بديل عن الدولة عند كل العقلاء فى كل المجتمعات المتحضره. وهى أحسن الخيارات الموجودة حتى الان خصوصا فى هذا العصر الذى تواجه فيه الشعوب وخصوصا الصغيرة والضعيفة تحديات العولمة بكل انواعها واشكالها ... وعليه فلابد من تدكير كل العقلاء فى بلادى الحبيب ليبيا بان البديل الوحيد عن الدولة (اوالاستغنى عن اى ركن من أركانها) هو الرجوع الى الخلف والسير نحو الجهوية والقبلية والطائفية وسوف تكون النتيجة النهائية لكل ذلك هو المزيد من التخلف ... والتشردم ... والفوضى ...
فهل انتم مدركون لمسئوليتكم امام الله وامام التاريخ؟ ... ادعو الله ان تكونوا كذلك. 

والله المستعان. 

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا