Wednesday, September 19, 2012

الحكامة الحضرية


تقديم عام
أجمع جميع الفاعلون في ميدان التنمية الاجتماعية، أن نموذج اللاتوازن في العلاقة بين الإنسان والمجال هو نتيجة وترجمة فعلية لمقاربة التدبير الكلاسيكي، التي تقوم وتتأسس على اعتبار عمليات التنمية مجرد فعل وقرار سياسي يتخذه الفاعلون في ميدان التدبير للتحكم في حالة الخلل بهدف تحقيق التوازن بين مدخلات التنمية الاجتماعية، دون مراعاة لخصوصية المستهدف من هذه العلميات والذي يعرب في قاموسها التدبيري كمفعول به فاقد للأهلية ، لا مجال له للمشاركة والتشارك في السيرورة التنموية. مما أنتج لنا التراكم في الأزمات والمصاعب الاجتماعية الممثلة في الفقر بجميع متغيراته التابعة، التهميش والإقصاء والهشاشة...
إن دينامية من هذا القبيل، كفيلة بأن تهيئ الأرضية الملائمة للقيام بمجموعة من الإصلاحات السياسية، من شأنها أن تساهم في تعزيز اللامركزية، وتوسيع مشاركة السكان، من خلال تعزيز مبادئ المشاركة والتشارك والعدالة والشفافية والإدماج.
هذه المبادئ العامة للمنهج الحديث في التدبير، جاءت كعناصر أساسية لموضوعة الحكامة التي تعتبر كآلية للتدبير الرشيد والحكيم للموارد المكونة للمجال، بهدف تحقيق التوازن والاستدامة في التهيئة. وتتأسس على مجموعة من المتطلبات، أهمها الإشراك والمشاركة بين القطاعات المؤثث للمجال، من خلال مجموعة من القنوات المؤسساتية والقانونية، التي تمنح الفاعل والفرد الكفايات المناسبة للتوافق على أرضية مشتركة لعملية الإعداد يكون فيها للرأي والرأي الأخر حضور فعلي دون عمليات الحجر على رأي أي جهة.
من أجل التدقيق أكثر في موضوعة الحكامة وإبراز كيف يمكن أن تساهم في إنتاج وإعداد التراب الحضري من أجل تحقيق التوازن والاستدامة نطرح التساؤلين التالين كمفتتح للقول وتسهيل لعملية الفهم:
  • ماذا نعني بالحكامة الحضرية وما هي أهم الشروط اللازم توفرها لتحقيق أهداف هذه الآلية في التدبير؟
  • ما هي العراقيل التي تحول دون التطبيق الفعلي لآلية الحكامة في الإعداد والتهيئة؟
الإجابة على هذين التساؤلين ستمكن إلى جانب إبراز دور الحكامة الحضرية في إنجاح عمليات التدبير، من تحديد أهم الشروط الموضوعية والكفايات القانونية والمؤسساتية اللازم توفرها للتحقيق أهداف التدبير الرشيد.
الحكامة الحضرية
-  مفهوم الحكامة الحضرية
الحكامة في اللغة الانجليزية تفيد التدبير الرشيد والحكيم ، وتتأسس على مجموعة من المبادئ كالمشاركة والشفافية والمحاسبة، وهي مفهوم استعجالي تبناه المنتظم الدولي لتجاوز حالة الخلل القائم في نماذج التنمية التي لايجد فيها المجتمع الفرصة المناسبة للتعبير عن رأيه ومواقفه وحمولته الثقافية في المشاريع التنموية التي تهدف إلى تحسين مستواه المعيشي.
وهي دعامة ومدخل أساسي للوصول إلى حالة التنمية البشرية المستدامة ، وتتأسس على إلزامية إزالة الحدود بين القوى المؤثثة للمجال والمسئولة عن واقع حاله، والتي تتمثل في:
  • الدولة: الصانع الأول للقرار والمشرع للقوانين والمؤسسات التي تمكن أفراد المجتمع من الاستفادة من مخرجات التهيئة.
  • القطاع الخاص: المسئول الأول عن فعل النمو بمؤشراته الاقتصادية.
  • المجتمع المدني والسياسي: الممثل في الجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية التي تعتبر كميدان للممارسة الاستخلاف والمشاركة والتشارك وفق إستراتيجية اجتماعية واضحة الأهداف.
فالحكامة هي دعوة صريحة إلى تجاوز حالة اللاتوازن الناتج عن أحادية صنع القرار دون مراعاة المنطق العلمي المؤسس على عناصر المشاركة في مختلف مراحل إعداد المشروع من التشخيص على البرمجة والتنفيذ ثم التقييم والمحاسبة في إطار سيرورة تمتاز بالشفافية والعقلانية. من هذا نستخلص مفهوم الحكامة الحضرية التي تعتبر في قاموس التدبير الرشيد، كآلية تنموية تسهل عملية مشاركة السكان في تحقيق أهداف التهيئة وفق رؤية إستراتيجية مؤسسة على مقاربات التنمية البشرية المستدامة، وهي نتيجة حتمية لإعادة ترتيب علاقة المواطنين بالفاعلين المحليين والجهويين في ظل ديمقراطية تشاركية بدل الديمقراطية التمثيلية .
-  شروط تطبيق الحكامة الحضرية
بلوغ مستوى التدبير الرشيد التشاوري والتشاركي، رهين بتوفر مجموعة من الشروط المؤسساتية والقانونية التي تمنح الفاعل والمواطن الكفايات الضروري لتسهيل عملية مشاركته وتعبيره عن أرائه، وهي ترتكز على تغيير طبيعة العمل العمومي من خلال:
  • إعادة النظر في احتكار الحكومة لتدبير الشأن العام، بمنح القوى المحلية مجموعة من الصلاحيات في إطار تكريس مسلسل اللامركزية، واللاتركز صناعة القرار السياسي.
  • توفير الكفايات اللازمة القانونية والمؤسساتية التي تسهل عملية تواصل المجتمع مع الفاعلين المحليين السياسيين والاقتصاديين.
  • العلم على دعم انفجار قنوات التفاعل الأفقي كالمجتمع المدني.
  • توفير شروط المحاسبة والمسائلة وفق مؤشرات موضوعية قابلة للقياس.
-  عوائق تطبيق الحكامة الحضرية
ما سبق هزم لنا عسر فهم المفهوم، وصار بنا إلى ضرورة تحديد أهم الشروط الضروري توفرها لبلوغ تنظيم وتهيئة المجال على أساس آلية الحكامة.
فالحكامة المحلية الرشيدة هي نتيجة وترجمة مباشرة لتبني سياسة اللامركزية ووضع إطار قانوني يمنح الفاعل السياسي والاقتصادي والمدني الشروط المناسبة للتحقيق المشاركة والعدالة والشفافية والإدماج، وإذا المغرب قد تبنى إطارا قانونيا ومؤسساتيا متطور نسبيا لتفعيل اللامركزية واللاتركز، فإنه يعرف الوفرة في المعيقات التي تحول دون التواصل الفعال بين القمة والهرم ، والانتقال من الديمقراطية التمثيلية إلى الديمقراطية التشاركية، وما يعيق هذه العملية يمكن تلخيصه في:
  • عوائق مؤسساتية : أي ما يشوب المؤسسات الوطنية والجهوية والمحلية خاصة، من غموض بينها وبين المؤسسات المدنية والمجتمعات المحلية .
  • عوائق علائقية: تمس عدم التكافؤ وضعف فعاليات العلاقات بين إدارات الدولة والجماعات المحلية، والتي لازالت تتصف بأشكال الوصاية والمراقبة من طرف الفاعلين في مراقبة التراب الوطني.
  • عوائق اجتماعية وسياسية ممثلة في طريقة اختيار الموظفين السياسيين للجماعات المحلية والتي تعتبر الأحزاب السياسية المسئول الأول عنها.
  • عراقيل منهجية ممثلة في الانحرافات السياسية المسجلة لدى الهيئات الثمتيلية، الضعيفة التكوين.
وما يزيد من عرقلة آلية الحكامة لأداء دورها وتبنيها في منهج إعداد المجال الحضري، يمكن تلخيصه في الجانب التقني الممثل في عمليات التقطيع ذات البعد الأمني والتي أنتجت بهدف التمكن من المراقبة والتأطير عدد لا يبث للديمقراطية المحلية بصلة، الشيء الذي يحول دون تكيف اللاتمركز القراري، إضافة على ما ينتج عنه من تقلص في الموارد المالية للقوى المحلية، ويصعب عملية التواصل والتنسيق فيما بينها في إطار إستراتيجية التقائية.
استنتاج
فالإعداد والتنمية والتهيئة كلها مفاهيم تقنية تصب في ضرورة التنظيم النسبي للمجال حسب ما يعرفه من إمكانات ثقافية واجتماعية واقتصادية وايكولوجية، فهو التوفيق بين الشكل والمضمون والمحتوى المادي، يهدف إجرائيا وعمليا إلى إزالة الحدود بين مستويات المجال الوطني والمحلي وإلى العدالة بينهما في توزيع مدخلات ومخرجات التنمية المستدامة.
فتكون الحكامة الحضرية من خلال هذا دعوة صريحة وفعلية إلى ضرورة الحجر على الديمقراطية التمثيلية التي تحتكر سلطة الولاية على الشأن العام، وتدعو إلى ضرورة تطعيم هذا النهج اللامركزي الفاشل بجرعات وأشكال جديدة من الديمقراطية التشاركية تمكن من إشراك جميع أطراف معادلة الإعداد الفعال للمجال الحضري، المدافع عن المجموعات الهشة اقتصاديا واجتماعيا والمطالب بضرورة صيانة الوسط الثقافي واعتباره في عمليات التهيئة.
بناء عليه، الحكامة الحضرية هي الحد الفاصل بين الديمقراطية في شكليها التمثيلي والبرلماني الممركز ودعوة صريحة على ديمقراطية تشاركية مؤسسة على المساهمة والمشاركة والتوافق في صنع وتنفيد وتقييم برامج ومشاريع التنمية على أرض الواقع، وهي قناة أساسية تمكن من الاستفادة من نواتج ونتائج التنمية المستدامة.

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا