Sunday, September 23, 2012

المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية


المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية

المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية
إن تطور السياسات العمومية المحلية والتحولات التي تعرفها، خصوصا بالبلدان المتقدمة، أدَّى إلى ظهور ما يسمّى بالديمقراطية التشاركية ؛ والتي يمكن تعريفها بأنها: "شكل من أشكال التدبير المشترك للشأن العام بناءًا على تقوية مشاركة المواطنين في اتخاذ القرار السياسي"1.
وأظهرت التجارب محدودية نتائج البرامج التنموية الموجهة إلى الأفراد المستهدفين دون إشراكهم في مسلسل صياغة القرار العمومي، مما يؤكد فشل نظرية "من الأعلى إلى الأسفل" ( (Top downفي مجال السياسات العمومية، بمعنى أن الدولة تتواجد على هرم صياغة القرار العمومي و أن التنفيذ يتم عبر إشراك المواطن المستهدف أو جمعيات المجتمع المدني.
ومع تزايد النداءات الرامية إلى ضرورة فتح مجال أوسع أمام مكونات المجتمع المدني من أجل المشاركة في صياغة القرار العمومي، يبقى التساؤل مرتبطا بالكيفية التي تتم من خلالها هذه المشاركة. مما يدفعنا إلى طرح السؤال المحوري التالي: أيُّ دورٍ للمجتمع المدني في تفعيل آليات الديمقراطية التشاركية؟
حدّد Noberto Bobbio الديمقراطية في ثلاثة مبادئ ؛ أولا، أنها مجموعة من القواعد (règles) محدَّدة من طرف السلطات وذلك من أجل اتخاذ القرارات التي تهم الحياة الجماعية ؛ ثانيا، إشراك الأفراد بشكل مباشر أو غير مباشر في اتخاذ هذه القرارات ؛ ثالثا، يجب أن تكون القرارات واقعية(réels) 2. يستنتج مما تقدم أن مشاركة الأفراد في اتخاذ القرارات التي تعنيهم هي جوهر الديمقراطية، وهذا يتأتى عبر المشاركة المباشرة أو غير المباشرة. والمقصود بذلك، أن الديمقراطية تنقسم إلى قسمين: تمثيلية وتشاركية.
فالديمقراطية التمثيلية، كما هو متعارف عليها دوليا، تنحو منحى اختيار المواطنين لممثليهم عن طريق انتخابات مباشرة، كما هو الشأن في الانتخابات الجماعية. أما الديمقراطية التشاركية، فهي مرتبطة باستدعاء الأفراد من طرف السلطات للقيام باستشارات واسعة تهم مشاريع محلية تعنيهم بشكل مباشر، و بالتالي إشراكهم في اتخاذ القرارات مع التحمل الجماعي للعواقب المترتبة عن ذلك.
من خلال الجمع بين الديمقراطيتين التمثيلية و التشاركية، يمكن القول بأنَّ الأفراد يساهمون في تدبير الشأن العام. فالمواطنون يختارون ممثليهم لتمثيلهم والسهر على تدبير شؤونهم العامة، وفي الوقت نفسه يشاركون في صنع القرار من خلال المشاركة في النقاشات المحلية المتعلقة بالبرامج التي تهدف إلى تحسين جودة حياتهم.
و يمكن اعتبار الديمقراطية ناقصةً عندما تقتصر على النموذج التمثيلي فحسب ؛ بعبارة أخرى، لكي تصبح الديمقراطية كاملة يلزم إضافة مشاركة المواطن في تدبير الشأن العام عبر استشارات واسعة قبل البدء في صياغة وتنفيذ المشاريع، وكذا القيام باجتماعات عمومية مع الأفراد المدنيين المعنيين بتلك المشاريع3.
من خلال ما تقدم، يمكن طرح مجموعة من الأسئلة لها ارتباط وثيق بدرجة مشاركة المواطنين في تدبير الشأن المحلي: إذا كانت مشاركة المجتمع المدني (جمعيات، سكان...) في تدبير الشأن المحلي هي أساس الديمقراطية التشاركية، فكيف تتم هذه المشاركة؟ هل يكفي فقط القيام باستشارات كبرى مع المواطنين قبل صياغة القرارات للقول بأن الديمقراطية التشاركية تحققت؟ نفس التساؤل يهم الاجتماعات الدورية مع السكان ومع ممثليهم المدنيين. وعلى فرض أن هناك فعلا استشارات واجتماعات تنظم مع السكان بصفة منتظمة ودورية، هل مطالب الساكنة المعنية بمشروعٍ ما تُأخذ بعين الاعتبار؟ وكيف يَنظر ممثلو المواطنون الذين اختيروا عن طريق الاقتراع العام المباشر إلى مطالب المواطنين والجمعيات المدنية خلال الاستشارات والاجتماعات التي تُنظم معهم؟ ألا يتخوفون من تنامي المطالب المنادية بضرورة توسيع مشاركة المواطنين في تدبير الشأن العام المحلي؟ باعتبار أن ذلك يمثل تهديدا لمواقعهم.
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تختلف باختلاف مستوى تطبيق آليات الديمقراطية بالبلد ؛ كما أن الإجابة عن ذلك بالنسبة للباحث- كما هو معلوم لا تكون إلا بعد القيام ببحث ميداني (الملاحظة التشاركية والمقابلة نصف المباشرة –entretien semi-directif ?) حتى تعطي قيمة علمية لتلك الإجابات.
إلا أن ذلك، لن يمنع من القول، اعتمادا على بعض الدراسات التي أنجزت، إن درجة مشاركة المواطنين والجمعيات في تدبير الشأن المحلي تبقى إما مشاركة شكلية أثناء صياغة السياسات أو مشاركة تقتصر فقط على مساعدة السلطات في تنفيذ البرامج.
ونقدم كنموذج للمشاركة الشكلية، الاستشارات التي تنظم في إطار برامج "سياسة المدينة" بفرنسا، إذ يشارك السكان المستهدفون في اجتماعات واستشارات تخص برامج تنموية على المستوى الحضري و تأخذ لهم صور فوتوغرافية مع المسؤولين السياسيين لنشرها في "مجلة المدينة" (هذه الأخيرة تَصدر بدعم من مجلس المدينة) وذلك لإظهار أن استشارات فعلية نظمت مع السكان قبل البدء في انجاز المشاريع؛ إلا أن طريقة تدبير تلك الاستشارات توضح عكس ذلك. ففي أغلب الاستشارات الكبرى لا تُأخذ مطالب المواطنين مأخذ الجِدّ، ورأيهم في المشاريع التنموية التي تعنيهم يهمش، وتبقى سلطتهم في اتخاذ القرار ضعيفة4.
وفيما يخص النوع الثاني من المشاركة -المشاركة في التنفيذ-، نقدم نموذج البرامج التنموية بالدول السائرة في طريق النمو إذ يساهم المجتمع المدني، من خلال الجمعيات التي تمثل السكان، في تفعيل الخطوط العريضة للبرامج على المستوى الميداني دون أن يشارك أو على الأقل أن يُستشار في مسلسل صياغتها ؛ كمثال على ذلك ؛ برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في المغرب، حيث إن فكرة و فلسفة هذه الأخيرة لم يشارك في صياغتهما المواطن المستهدَف، غير أن هذا الأخير تُوجه له الدعوة من أجل الإسهام في تنفيذ المشاريع التي تدخل في إطار برامج المبادرة.
ومن خلال النموذجين السالفين الذكر، يتضح أن مشاركة المجتمع المدني في صنع القرار العمومي قد تكون أثناء صياغة القرار أو عند تنفيذ هذا الأخير. إلا أن التفعيل الحقيقي للديمقراطية التشاركية رهين، في نظرنا، بضرورة إشراك المواطن المستهدف بالسياسات العمومية أثناء الصياغة و التنفيذ معا، شريطة أن توضع آليات تشاركية فعالة تُمنح من خلالها للمواطن مشاركة عملية وليست شكلية في صياغة وتنفيذ البرامج العمومية.
و يمكن القول، إن المجتمع المدني بالدول المتقدمة (فرنسا مثلا) يشارك في تدبير الشأن العام المحلي، إلا أن تلك المشاركة تبقى محدودة، و هذا راجع إلى تخوف المنتخبين من تراجع دورهم في الحكم المحلي. أما بالنسبة للدول السائرة في طريق النمو، فمشاركة المجتمع المدني تتحقق في مرحلة تنفيذ البرامج، فيما يهمش هذا الأخير أثناء مرحلة الصياغة ، مما يدل على أن التخوف من المجتمع المدني لازال قائما بهذه الدول، رغم أن التجارب أثبتت أن الثقة بين الدولة و هذا الأخير تعد مسألة حاسمة في تحقيق التنمية المنشودة.
ومن جهة أخرى، يعتبر القاسم المشترك بين الدول المتقدمة و نظيرتها النامية، من خلال مشاركة المجتمع المدني في تدبير الشأن العام المحلي، هو "الخطوط الحمراء" القائمة بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية، إذ التخوف نابع من التأثير الذي قد تلعبه هذه الأخيرة على مستقبل الأولى.
ومجمل القول، إن دور المجتمع المدني في تفعيل الديمقراطية التشاركية يختلف باختلاف المجتمع، وكذا مدى استعداد السلطات للرقي بمستوى عيش الأفراد. و تبقى أهم بوابة من أجل الوصول إلى مستوى فعال للديمقراطية التشاركية هي تطوير النظام الديمقراطي بالبلد، و ذلك عبر منح مشاركة أوسع للمجتمع المدني في تدبير الشأن العام، خصوصا على المستوى المحلي.
الهوامش
« La démocratie participative » أنظر موسوعة ويكبيديا : 1
A. TOURAINE, in La démocratie, Paris : Fayard, 1994, p. 19. 2
M. RASERA, La démocratie locale, Paris : Ed. L. G. D. J., 2002. 3
M. RASERA, La démocratie locale, Paris : Ed. L. G. D. J., 2002.4
*مركز جاك بيرك للدراسات و الأبحاث في العلوم الاجتماعية (الرباط - المغرب)

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا