في ظل النقاش الدائر حاليا داخل المجتمع المغربي حول إصلاح منظومة العدالة بالمغرب، ارتأيت أن أبدي رأيي المتواضع حول تأهيل مهنة المحاماة، على اعتبار أن هذه المهنة النبيلة كانت و لازالت تلعب دورا طلائعيا في إرساء دولة المؤسسات و ضمان و توفير المحاكمة العدالة. إلا أنه و دون الحديث عن أوضاع مهنة المحاماة و المحامين و ما تتخبط فيه من مشاكل لا داعي للتفصيل في تشريحها، مادام الجميع يقربها، فإنه بات من الضروري و بشكل ملح التفكير في خلق آليات جديدة تضمن الأداء الفعال و الايجابي لمهنة المحاماة داخل منظومة العدالة بشكل يؤهلها- أي مهنة المحاماة- لكي تكون قاطرة هذه المنظومة.
و إلا فإن مهنة المحاماة سوف تخلف موعدها مع التاريخ، و تظل- كما أريد لها من طرف البعض- على هامش منظومة العدالة، وهذا الموقف السلبي لن يرضاه بكل تأكيد أي محام حقيقي يحب هذه المهنة و يذود عنها بكل ما اوتي من قوة و جهد.
لا شك أن المشاكل التي تتخبط فيها مهنة المحاماة يمكن معالجتها من عدة مداخل أو مقاربات. إلا أنني أعتبر أن أهم مدخل لإصلاح و تأهيل مهنة المحاماة يكمن في إعادة النظر و بشكل شمولي في القانون المنظم لمهنة المحاماة. و هنا لا بد من التساؤل: هل القانون المنظم لمهنة المحاماة و الساري المفعول حاليا من شأنه ان يرقى بمهنة المحاماة إلى الرتبة التي يتمناها و يسعى لبلوغها كل محام ينتمي لهذه المهنة؟ و الجواب في نظري سيكون لا و ألف لا. و سأحاول في هده الورقة المختصرة أن ألامس مكامن ضعف قانون مهنة المحاماة مع طرح بعض المقترحات التي أراها ضرورية و عاجلة للرقي بهده المهنة النبيلة.
أولا: على مستوى إحداث هيآت المحامين:
تنص المادة 83 من قانون مهنة المحاماة على مايلي: لا تؤسس أي هيأة للمحامين لدى محكمة الاستئناف، إلا إذا بلغ عدد المحامين المستقرين بدائرتها، مائة على الأقل، بغض النظر، عن عدد المحامين المتمرنين.
إذا كان عدد المحامين أقل من مائة ، التحقوا بالهيأة المحدثة بدائرة أقرب محكمة الاستئناف إليها.
وهكذا سوف نلاحظ بأن المشرع المغربي، قد اشترط لتأسيس هيأة للمحامين، ومهما كان عدد هؤلاء ضرورة توفر محكمة للاستئناف، وبمعنى آخر فإن المشرع المغربي لم يسمح للمحامين أن يؤسسوا هيأتهم داخل نفوذ المحكمة الابتدائية، واعترف بأنني بحثت وسألت عن الهدف الذي توخاه المشرع المغربي في اشتراطه ضرورة توفر محكمة الاستئناف حتى يتمكن المحامون من تأسيس هيأتهم و فشلت في الوصول إلى مبتغى المشرع من هذا الشرط، كما أنني لم أتمكن من الاطلاع على المناقشات التي سبقت إقرار هذا النص من طرف المشرع. و سأكون مسرورا، في حالة توصلي أو اطلاعي على الرأي المخالف لوجهة نظري في هذه المسألة.
من جهتي، أعتبر المشرع المغربي لم يكن موفقا حينما اشترط ضرورة إحداث هيأة المحامين داخل نفوذ محكمة الاستئناف، في حين أن التشريعات المقارنة، و منها التشريع الفرنسي مثلا الذي نأخذ منه جميع قوانيننا، تسمح لثمانية محامين يمارسون مهنتهم في دائرة محكمة ابتدائية بتشكيل مجلسها.
وأرى شخصيا أن السماح للمحامين الرسميين بتأسيس هيأتهم داخل نفوذ المحكمة الابتدائية على عكس ما هو سائد حاليا من اشتراط عدد المائة محام و ضرورة توفرهم على محكمة استئناف، من شأن ذلك أن يسهل ممارسة المهنة على المحامين من جهة، إذ أن كل محكمة ابتدائية سوف تتوفر على نقيب للهيأة و مجلس تابع لها، كما أن كل مسؤول قضائي في المحكمة الابتدائية ( رئيس محكمة، وكيل الملك) سوف يكون إلى جانبه نقيب للهيأة و أعضاء مجلس هذه الهيأة.
كما أن تأسيس الهيآت داخل نفوذ المحاكم الابتدائية سوف يسمح بخلق دينامية جديدة في جسم مهنة المحاماة، إذ أن خلق هذه الهيآت سوف يمكن العديد من المحامين الشباب من تولي مهمة نقباء و أعضاء مجالس الهيآت، كما أنه سوف يعطي فرصة للزميلات المحاميات للمشاركة في تدبير شؤون المهنة على عكس ما يتعرضن له حاليا من تهميش و إقصاء.
لهذا، فإنني أقترح، على المشرع المغربي أن يحذو حذو التشريعات التي سبقتنا في هذا المجال و أن يسمح للمحامين الممارسين للمهنة داخل نفوذ المحكمة الابتدائية أن يؤسسوا هيآتهم متى تجاوز عددهم عشرين محاميا مثلا.
ثانيا: على مستوى أجهزة الهيأة:
تنص المادة 86 من القانون المنظم لمهنة المحاماة 28.08 على مايلي:
لا ينتخب نقيبا، إلا المحامي الذي تتوفر فيه الشروط التالية:
أن يكون مسجلا في الجدول منذ 15 سنة على الأقل، وأن يكون قد مارس، من قبل، مهام العضوية بمجلس الهيأة.
كما أن المادة 88 من نفس القانون تتحدث عن تشكيلة مجلس الهيأة و تحددها في ثلات فئات وهي: فئة النقباء السابقين، وفئة المسجلين بالجدول لمدة تتراوح بين عشر و عشرين سنة
وأشارت الفقرة الأخيرة من المادة أعلاه إلى مايلي:
يعتبر النقيب السابق عضوا بحكم القانون في المجلس الموالي.
ان المقتضيات القانونية المتعلقة بالأجهزة المسيرة لهيآت المحامين تعتبر من وجهة نظري منتقدة على أكثر من مستوى، يسبب مايلي:
أولا: فيما يتعلق بنقيب الهيأة:
الملاحظ أن المشرع المغربي في قانون المحاماة قد تفنن في إقامة أعلى المتاريس و أصعب العقبات أمام المحامين الشباب، فالمحامي الممارس في المغرب لا يمكنه أن يكون نقيبا للهيأة التي ينتمي إليها الا بعد تسجيله في الجدول و ممارسته الفعلية للمهنة، لمدة 15 سنة على الأقل، و أن يكون قد سبق له أن مارس مهام العضوية بالمجلس.
و لا زلت أتذكر بأنه عند صدور هذا القانون المنظم للمهنة، علق أحد المحامين الشباب بالقول: هذا ليس بقانون مهنة المحاماة بل انه قانون نقباء الهيآت وأعتقد بأن هذا المحامي الشاب كان مصيبا و إلى حد كبير فيما ذهب إليه.
كما أن محايام شابا آخر قد أشار في معرض تعليقه على قانون المهنة و خاصة المقتضيات المتعلقة بالأجهزة المسيرة للهيآت، فيما يشبه الكوميديا السوداء، على أن المحامي المغربي يمكنه أن يكون رئيسا لأكبر جماعة حضرية أو رئيسا لمجلس إقليمي، أو برلماني. كما ان المحامي نفسه يمكنه أن يكون وزيرا أو رئيس حكومة. و يمكنه ان يتبوأ هذه المناصب السامية وهو في بداية مشواره المهني، غير أنه لا يمكن أن يكون عضوا بمجلس الهيأة التي ينتمي إليها إلا بعد مرور عشرة أعوام على تسجيله، و مرور خمس عشرة سنة إذا كان يرغب في تولي منصب نقيب الهيأة وهاكم العلم !
بقلم: ابراهيم حصالــــة, محام بهيأة المحامين بني ملال
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى