لقد عقدت ليلة 8 نونبر 2012 مائدة مستديرة بمقر القناة الثانية ناقش أثناءها السادة المتدخلون أوضاع السجون بالمغرب كل واحد من موقع مسؤوليته واتفق الجميع على أن معاناة السجناء تأتي من ظاهرة الاكتظاظ وأنا أشاطرهم الرأي. الجدير بالملاحظة أن مسألة الازدحام داخل السجون معادلة جد صعبة ومعقدة لأننا نعتقد كلما زرنا السجون ولاحظنا وتأثرنا بقساوة وسوء العيش فيها أن السبب يرجع إلى الإفراط في الاعتقال الاحتياطي، دون أن نقوم بجرد ميداني من أجل فرز الفئة التي لا تستحق الاعتقال منذ الساعة الأولى، وإنما نكتفي بإحصاء المعتقلين الذين لم يصدر في حقهم حكم قطعي ومن جهة أخرى كلما انزعج وتبرم الشارع من كثرة وفظاعة الجرائم لاسيما التي ترتكب بالسيوف –الموضة الجديدة- ومن احساسه بالانفلات الأمني اتهمنا القضاء بالتقصير والتهاون والتراخي والتساهل مع المجرمين، ونتأسف عن غياب الحزم والقساوة لدى المسؤولين فنردد المقولة: « الظلم خير من الفوضى».
إن السياسة الجنائية في مجال الاعتقال والعقاب تساير تطور الانسان ودرجة وعيه وظروف عيشه وانعكاس سلوكه على الرأي العام ويحاول القاضي من خلالها تطبيق ما يسمى بتفريد العقاب لكل حالة على حدة والحيلولة دون اللجوء إلى الانتقام الفردي أو الجماعي. وكم من حالة تكون فيها الضحية السبب الرئيسي في حدوث الحادثة كحوادث السير مثلا، فيكون من الأنسب ومن مصلحة مرتكب الحادثة في انتظار تهدئة الأوضاع والنفوس أن يعتقل أو أن يلجأ إلى أقرب مقر للضابطة القضائية ويترك سيارته في مكان الحادثة حتى لا يتعرض للانتقام. وأحيانا يجد القاضي نفسه أمام امرأة أم لأولاد ألفت الاعتداء على جارتها بالضرب والجرح لأنها تعودت الحكم عليها بغرامة فقط، فيضطر إلى اعتقالها علها تعود إلى رشدها. والأمثلة كثيرة بسبب سوء الأخلاق وسوء التربية وظروف العيش القاسية، ولكل حالة لباسها كما يقال. كما أن العقاب يختلف من مكان إلى مكان ومن بيئة إلى بيئة. فالخيانة الزوجية مثلا في مدينة الدار البيضاء لا ينظر إليها نظرة قرية من قرى المغرب والزجر في الحالتين يختلف. وبكلمة جامعة فإن الزجر يقدر بأثر ووطأة الجريمة على الضحية، وعلى من ينتسب إليها وعلى الرأي العام.
إنني لا أنفي محاسن مسطرة الصلح وأثرها المحمود في إبعاد فكرة الانتقام وفي تجنب الاعتقال وفي تبرير العدول عن المتابعة، سيما في الخلافات التي تنشأ بين الجيران في السكن أو في الأرض وبين أفراد العائلة الواحدة وكذا بالنسبة للجرائم التي يبدي فيها الجاني الندم والاستعداد لإصلاح ما أفسد أو لأداء ما هو مدين به للضحية وذلك لنزع فتيل حدوث ما هو أسوأ، لكن هل لقاضي النيابة العامة من الوقت ومن الوسائل ما يسمح له بنهج هذه المسطرة وخاصة بطريقتها التقليدية كالانتقال إلى مكان الجريمة والاستعانة بأهل الفضل من الجيران المشهود لهم بالمروءة وحسن الخلق.
إنني من الذين ينادون بحرمة الحرية الفردية للأشخاص الذين يزج بهم في السجن لمدة غير يسيرة ثم في النهاية يحكم ببراءتهم لهشاشة المتابعة ولضآلة وضعف الأدلة المعتمدة وبسبب الخروقات القانونية التي ترتكب بالرغم من توفرهم على ضمانات كافية للحضور أمام العدالة، وذلك بسبب الضغوط التي تمارسها وسائل الإعلام والرأي العام وبالرغم من وجوب احترام مبدءين أساسيين ألا وهما البراءة هي الأصل والاعتقال الاحتياطي ما هو إلا تدبير استثنائي.
وأريد أن أشير إلا أن هيبة المسؤول وما يتمتع به من صدى طيب ونفوذ أدبي لدى الجماهير هما ما يؤثر بشكل كبير في الناس غير أن القاضي يعيش اليوم في عزلة عن المجتمع، وهو طبيب اجتماعي بامتياز خوفا من ان يتهم بأشياء كثيرة بدل ان يخالط ذوي الفضل والخلق الحسن من أجل أن يستعين بهم في فض كثير من القضايا المعروضة عليه عن طريق الصلح.
إن الحالة سواء في الشارع أو في السجون تقلق من له قلب سليم. ما هو المعمول إذن؟. فالحل كالتالي : إذا نحن وقفنا على موطن الداء وعلى درجة استفحاله مع مرور الأيام والأعوام لا مفر لنا من عملية جراحية تكون في مستوى حدة المرض وحجم الرقعة التي يحتلها، وبالتالي فنحن في حاجة إلى إرادة سياسية قوية يكون نبراسها وفلاحها الأسوة الحسنة، فضيلة الإيثار، التآزر والدعوة إلى التحلي بالمعروف ونبذ المنكر وإعادة الثقة بين الحاكم والمحكوم وإلا أضحينا نجاهد في غير جهاد وننتقل من مائدة مستديرة إلى أخرى كحمار الناعورة يدور ولا يقطع المسافة والاكتظاظ داخل السجون يزداد حدة وجسامة من جراء ارتفاع عدد السجناء باستمرار، إننا لا ننكر المجهودات المبذولة سواء من قبل الدولة أو الخواص ولكنها تبقى بعيدة دون تأثير جوهري ملحوظ.
« إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يوتكم خيرا» «قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون». صدق الله العظيم.
بقلم: حمو مستور, قاض شرفي
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى