الأموال العامة
الأموال العامة public wealth هي ما تملكه الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة من عقارات ومنقولات، وقد تملك هذه الجهات أيضاً أموالاً خاصة، وتسمى أموال الدولة الخاصة، ولكل من الأموال العامة والخاصة العائدة للدولة أحكام تنفرد بها.
فالأموال العامة المشار إليها، تعني العقارات والمنقولات التي تملكها الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة والمخصصة للنفع العام. وقد تطابق القانون المدني السوري في المادة /90/ منه، مع القانون المدني المصري المادة /87/ في تحديد مفهوم الأموال العامة كما يلي: «تُعَدُّ أموالاً عامة العقارات والمنقولات التي للدولة، أو الأشخاص الاعتبارية العامة، والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة، بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم».
وكلما ازداد تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، اتسع مفهوم الأموال العامة، من خلال ما تستحدثه من مؤسسات وهيئات عامة تعدها من أشخاص القانون العام. وتعد أموالها أموالاً عامة، وما تصدره من قوانين تؤدي إلى توسيع الملكية العامة[ر] على حساب الملكية الخاصة[ر] للأفراد. في حين يتقلص ويضيق نطاق الأموال العامة في دول الاقتصاد الحر.
وانسجاماً مع هذا التوجه، جاءت قوانين الدول الاشتراكية السابقة، والقانون المدني الجزائري الصادر عام 1975م، لتبرز تنامي دور الدولة والملكية العامة. وقد حدد القانون الجزائري في المادة /688/ الأموال العامة بأنها «الأموال التي تعود إلى المؤسسات العمومية والهيئات ذات الطابع الإداري أو المؤسسات الاشتراكية، أو لوحدات التسيير الذاتي أو التعاونيات الزراعية». وعلى غرار ذلك، أخذ قانون العقوبات الاقتصادية السوري، بالمفهوم الموسع للأموال العامة، حين حدد في المادة /1/ فقرة /ب/ المقصود بالأموال العامة «يقصد بالأموال العامة، في معرض تطبيق أحكام هذا المرسوم التشريعي. الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة للدولة، وللجمعيات التعاونية والمنظمات الشعبية، والنقابية والأموال المودعة في المرافئ والمطارات والمناطق الحرة والمستودعات الجمركية، على اختلاف أنواعها، وكافة الأموال الأخرى المودعة لدى الدولة ...».
وكانت الفقرة آ من المادة /1/ المشار إليها، قد حددت المقصود بالدولة وهي «الوزارات والإدارات والهيئات العامة، والبلديات والمؤسسات البلدية والوحدات الإدارية والمؤسسات والشركات والمنشآت العامة، وجميع جهات القطاع العام والمشترك والمصالح العامة، وإدارتها سواء كان طابعها إدارياً أو اقتصادياً ...».
غير أن فقه القانون العام، يعد جميع الأموال المخصصة للمنفعة العامة أموالاً عامة، ومع أن الجمعيات التعاونية والمنظمات الشعبية والمؤسسات العامة والشركات التي تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة، لها ذمتها المالية الخاصة، وأغراضها وأهدافها الخاصة فإن عدّ أموالها عامة في معرض تطبيق أحكام قانون العقوبات الاقتصادية، جاء بهدف إحاطتها بحماية كبيرة.
وحيثما ترد عبارة الأموال العامة، فإنها تتضمن معنى الأملاك العامة، التي تشمل العقارات الثابتة العائدة للدولة والمخصصة للمنفعة العامة، وكانت المادة /1/ من القرار 144 لعام 1925م، بخصوص الأملاك العمومية في سورية، قد حددت هذه الأملاك بأنها «تشمل الأشياء المعدَّة بسبب طبيعتها لاستعمال الجميع، أو لاستعمال المصلحة العمومية».
وجنح الفقه في حينه إلى تحديد معنى الأملاك العامة، بأنها العقارات الثابتة المخصصة للمنافع العامة، التي في يد الحكومة بصفتها حارساً لا بصفتها مالكة لها، كالطرق والجسور، والسكك الحديدية، والمتاحف.
أما أموال الدولة الخاصة، فهي الأشياء المملوكة ملكية خاصة للدولة. أو للأشخاص الاعتبارية العامة، وهي غير مخصصة للمنفعة العامة، وقد تكون تحت تصرف الإدارة فعلاً كما قد تكون تحت تصرف أشخاص آخرين.
وتعد الأملاك الأميرية، من أملاك الدولة الخاصة. وهي الأملاك التي كسبت اسمها نسبة لحاكم الإمارة (الأمير) في نظام المِلكية القديم، حين كان الحاكم يمثل الدولة ولمّا زال هذا النظام آلت جميعها إلى ملكية الدولة. و لذلك فحين ترد عبارة الأملاك الأميرية، فإنها تعني أملاك الدولة الخاصة، أي العقارات التي تكون رقبتها للدولة، ويجوز أن يجري عليها حق تصرف، وتشمل العقارات خارج نطاق الأماكن المحددة إدارياً.
إن تركيز المفهوم القانوني، لكل من أموال الدولة العامة والخاصة. يثير عدداً من التساؤلات التي أثارت جدلاً فقهياً، وقضائياً، تتعلق بمعيار التفريق بينهما، وطبيعة حق الدولة على أموالها العامة والخاصة، وخصائص كل منها.
معيار التمييز بين أموال الدولة العامة والخاصة
تعددت اجتهادات الفقهاء، حول اعتماد معيار للتفريق بين أموال الدولة العامة والخاصة. غير أن الرأي الذي استقر في الفقه الإداري، وأخذ به القانون السوري والمصري، هو معيار تخصيص الشيء للمنفعة العامة. وهذا التخصيص لا يقصد به استعمال عموم الناس فحسب، بل يعني التخصيص لمرفق عام أيضاً. وعلى هذا فالمباني العامة «دار الحكومة - قصر العدل» تُعد من الأملاك العامة العقارية. كما أن أسلحة الجيش وأثاث المباني العامة، تُعد من الأموال العامة المنقولة. وبذلك فإن الشيء، إذا كان مخصصاً للمنفعة العامة فإنه يعد من أموال الدولة العامة، وإن لم يكن قد حدث هذا التخصيص فإنه يعد من أملاك الدولة الخاصة.
ويتم هذا التخصيص، إما رسمياً باستصدار مرسوم أو قانون. مثل قانون المناجم أو قانون الآثار، وعدُّها من أملاك الدولة العامة. أو بفعل الطبيعة كأن يغير النهر مجراه، فيصبح المجرى الجديد ملكاً عاماً من دون صدور قانون، أو بفعل الشخص الاعتباري العام، أو بتخصيص الشيء المملوك للأفراد للمنفعة العامة. كأن يخصص طريق خاص بمزرعة للمنفعة العامة من قبل الدولة.
وتفقد الأموال الصفة العامة، بزوال تخصيصها، وذلك لانتهاء الغرض الذي خصصت من أجله للمنفعة العامة، سواء بطريق رسمي أو فعلي.
تكييف حق الدولة على الأموال العامة
تبلورت الاجتهادات الفقهية حول طبيعة حق الدولة على الأموال العامة في رأيين:
1ـ إن حق الدولة هو الإشراف والولاية الإدارية، ولا يتعداهما إلى حق الملكية. ويسوق أنصار هذا الرأي على حجية رأيهم، أن عناصر الملكية لا تتوافر للدولة، إذ إن حق الاستعمال يعود للناس كافة وليس للدولة. وكذلك الاستثمار، لأن أملاك الدولة غير معدة للاستغلال بل للمنفعة العامة، ولا محل لحق التصرف، لأن الأملاك العامة لا تباع ولا ينشأ عنها حقوق لمصلحة الأفراد.
2ـ حق الدولة على الأموال العامة هو حق ملكية من نوع خاص، أي من نوع الملكية الإدارية المقيدة؛ إذ لا يمكن بيعها بسبب تخصيصها للمنفعة العامة، ولا ينشأ عليها حق عيني لمصلحة الأفراد. غير أن هذه الملكية تُمكِّن الدولة من إقامة دعوى الاستحقاق لاستردادها، وإقامة دعوى نزع اليد، ومنح الرخص والامتيازات لإشغال الأملاك العامة.
وقد كانت التشريعات السورية، الصادرة بهذا الخصوص، قبل الدستور السوري لعام 1973م، متباينة وغير واضحة. فالقانون المدني لم يتعرض صراحة لطبيعة حق الدولة على الأموال العامة، هل هو إشراف وولاية إدارية أو حق ملكية؟ وقد رجح الفقه أن نص المادة /90/ التي تشير إلى الأموال العامة التي للدولة تفيد معنى الملكية. كذلك فإن تشريعات أملاك الدولة العامة، ولاسيما القرار /144/ لعام 1925م، عدّ الحكومة حارساً عليها لا مالكة لها. في حين عُدَّتْ المناجم والآثار مملوكة للدولة في قانون المناجم والآثار.
أما الدستور السوري الصادر عام 1973م، فقد حدد بوضوح وصراحة في المادة /14/ تنظيم الملكية. وميز منها ثلاثة أنواع هي:
1 ًـ ملكية الشعب: وتشمل الثروات الطبيعة والمرافق العامة والمنشآت والمؤسسات المؤممة أو التي تقيمها الدولة. وتتولى الدولة استثمارها والإشراف على إدارتها لمصلحة مجموع الشعب، وواجب المواطنين حمايتها.
2 ًـ ملكية جماعية.
3 ًـ ملكية فردية.
من الواضح أن الدستور، قد حدد ملكية الشعب للأموال العامة، وأعطى الدولة حق الإشراف والإدارة والولاية. وقد ترتب على هذا النوع من الملكية، عدُّ الإضرار بها إضراراً بمصالح الاقتصاد القومي والمجتمع، ومن ثم جريمة اقتصادية ينظم عقوباتها قانون العقوبات الاقتصادية، خارج نطاق قانون العقوبات العام.
أما حق الدولة على أموالها الخاصة فهو حق ملكية عادية، تخضع لأحكام الملكية الخاصة للأفراد، وليس حق ملكية إدارية مقيدة، كما هو الحال في الأموال العامة.
خصائص أموال الدولة العامة
يترتب على تصنيف حق الدولة على الأموال العامة بأنه حق ملكية إدارية الخصائص التالية:
1 ـ عدم جواز التصرف بأموال الدولة العامة، لأنها من متعلقات النظام العام. وكل تصرف (بيع، رهن، هبة وغير ذلك) يقع باطلاً بطلاناً مطلقاً ولكل ذي مصلحة أن يدفع ويتمسك به.
2 ـ عدم جواز اكتساب ملكية الأموال العامة بالتقادم. وهي قاعدة قانونية مطلقة، فلا يجوز اكتساب حق ملكية أو تصرف أو انتفاع عن طريق التقادم.
3 ـ عدم جواز الحجز على الأموال العامة، وهو مبدأ يتعلق بالنظام العام، وكل مخالفة تؤول إلى عد الإجراءات التنفيذية باطلة بطلاناً مطلقاً.
وتحظى أملاك الدولة الخاصة، استثناءً بالحصانة ذاتها، التي تحظى بها الأموال العامة من حيث عدم قابليتها للحجز، غير أن أموال المؤسسات العامة والاتحادات الصناعية النوعية، أو المنشآت التابعة لها وشركات القطاع العام يجوز الحجز عليها، إذا كانت أنظمتها الخاصة تنص على اعتبارها تاجراً في علاقاتها مع الغير، ولاسيما المؤسسات والشركات ذات الطابع الاقتصادي المشمولة بالمرسوم 18 لعام 1974م والمعدل بالمرسوم التشريعي رقم 20 لعام 1994.
أنواع أموال الدولة العامة والخاصة
1 ـ تتعدد أنواع الأموال العامة، وفقاً لموقعها وطبيعتها والشخص الذي تعود إليه:
أ - من حيث الموقع: تقسم الأموال العامة إلى ثلاثة أصناف:
ـ أموال عامة برية: مثل الطرق والسكك الحديدية وإنشاءات المراكز العسكرية والآثار.
ـ أموال عامة نهرية: كالأنهار والبحيرات والسدود.
ـ أموال عامة بحرية: مثل المرافئ والشواطئ والمياه الإقليمية في البحار وقاع البحر في الجرف القاري والثروات الطبيعية في المنطقة الاقتصادية الخاصة [ر. البحار (قانون ـ)].
ب - من حيث طبيعة الأموال العامة:
ـ أموال عامة عقارية: كالساحات والمباني المخصصة للمرافق العامة.
ـ أموال عامة منقولة: كالأسلحة والآثار والمخطوطات.
ج - من حيث الشخص الذي يملكها:
ـ أموال عامة للدولة: كالطرق وشواطئ البحار والقلاع.
ـ أموال عامة للمحافظة: كالحدائق والأبنية الحكومية.
ـ أموال عامة بلدية: كالحدائق والأبنية المملوكة للبلديات.
2 ـ أملاك الدولة تنقسم إلى نوعين:
آ - أملاك تعود رقبتها إلى الدولة: الأراضي الأميرية والأراضي المتروكة المرفقة.
ب - أملاك تعود رقبتها والتصرف فيها معاً إلى الدولة. وتؤول إلى الدولة بوساطة الاستيلاء - أو الالتصاق - أو بالتصرف القانوني كالعقد والوصية والتقادم.
وقد تتملك الدولة أموالاً معينة ملكية خاصة بالوسائل القانونية، مثل قانون الحراج الذي يقضي بأن جميع الأراضي العائدة للدولة، النابت فيها أي نوع من الأنواع الحراجية تعد من حراج الدولة، أو قانون الإصلاح الزراعي الذي يقضي بتملك الدولة الأراضي الزائدة عن الحد الأعلى للملكية الزراعية.
حماية الأموال العامة
ينبغي التفريق بين أموال الدولة العامة، التي يعد الاعتداء عليها من جرائم القانون العام وأموال الشعب، التي يعد الاعتداء عليها جريمة اقتصادية، ينظم حمايتها قانون العقوبات الاقتصادية، وتنصرف إلى معنى الأموال الاقتصادية[ر].
وقد نظَّم المشرع السوري وسائل حماية الأموال العامة، وأملاك الدولة، في نطاق القانون العام، بالمرسوم التشريعي 135 لعام 1952م الذي ارتكز على المبادئ التالية:
1 ـ حظر سريان التقادم على الأراضي الموات، ولو لم تكن مسجلة في السجلات العقارية.
2 ـ الحد من اكتساب حق التصرف بأملاك الدولة عن طريق الحيازة.
3 ـ معاقبة من شغل عقاراً، بعد صدور المرسوم المذكور، من دون ترخيص مسبق، بالغرامة والحبس من 3 أشهر إلى سنة واحدة.
4 ـ العبرة في أسناد التمليك للمساحات المدرجة فيها.
5 ـ ردّ الأراضي التي تزيد على الحد الأقصى للملكية إلى الدولة.
6 ـ عدم سماع دعوى التصرف، إلا من شخص يتمتع بالجنسية السورية، ومولود من أب سوري. (قانون صيانة أملاك الدولة 84 لعام 1955م).
7 ـ منع إشغال أملاك الدولة من دون ترخيص مسبق من مؤسسة الإصلاح الزراعي (قانون أملاك الدولة 252 لعام 1959م).
وفي ضوء تطور مفهوم الأموال العامة وتوسعه، ولاسيما بعد صدور الدستور السوري لعام 1973م. عُدَّت الأموال العامة، ملكية للشعب، ونظم حمايتها قانون العقوبات الاقتصادي، رقم 37 لعام 1966م وتعديلاته، الذي تشمل نصوصه جميع الأعمال، التي من شأنها إلحاق الضرر بالأموال العامة، وبعمليات إنتاج السلع والخدمات وتوزيعها وتداولها واستهلاكها، وتهدف إلى حماية الأموال العامة والاقتصاد القومي، والسياسة الاقتصادية، وكذلك عُدَّت من الأموال العامة التي يشملها قانون العقوبات الاقتصادية، الأموال العائدة للجمعيات واتحاداتها وأموال الهيئات الإدارية والمؤسسات التجارية العامة، وشركات القطاع العام والمشترك والجمعيات التعاونية.
وقد عدت هذه الأموال أموالاً عامة مملوكة من الشعب، وعدّ الإضرار بها إضراراً بالاقتصاد القومي والسياسة الاقتصادية. وهو جريمة اقتصادية ينبغي معاقبة مرتكبها، وينص القانون على الحبس بمدد مختلفة، تصل حتى الأشغال الشاقة المؤبدة. تبعاً لطبيعة الفعل الجرمي المرتكب.
سامي هابيل
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى