القانون و العولمــــة
مقدمة
الفصل الأول :ماهية العولمة و مفهومها القانوني و الاسلامي
المبحث الاول : مفهوم العولمة و الاهمية المعرفية .
المطلب الاول : تاريخ مفهوم وظاهرة العولمة
المطلب الثاني : التعريف الاصطلاحي للعولمة
المبحث الثاني : العولمة بين الاسلام و القانون الدولي
المطلب الاول : الإسلام و العولمة
المطلب الثاني : العولمة و القانون الدولي
الفصل الثاني : معطيات العولمة التشريعية و مواجهتها .
المبحث الأول : المعطيات القانونية للعولمة على الصعيدين العربي و الدولي
المطلب الاول : التشريع الوطني و القانون الدولي في ظل العولمة
المطلب الثاني : المعطيات القانونية للعولمة
المبحث الثاني : التشريعات العربية في مواجهة العولمة
المطلب الاول : مواجهة التغييرات القانونية المصاحبة للعولمة
المطلب الثاني :التشريع المغربي و العولمة
خاتمة
القانون و العولمة
مقدمة
باعتبار العلاقات الدولية المعاصرة مجالا و(نظاما) كليا، شاملا يتميز بالاعتماد المتبادل (التبعية) بين وحداته وجهاته وشعوبه وثقافاته… وباعتبار تميز ظواهر العلاقات الدولية بالتعقيد والتشابك والتناقض في نفس الوقت؛ فإن عدة مفاهيم جديدة تتداول بين الدارسين تسعى للتعبير والإحاطة بها، من زاوية شمولية أو عالمية في توجهاتها أو تدفقاتها في “الوسط” الدولي.
فهناك من يستخدم مفهوم (النظام الدولي) و(النظام العالمي) و(الوضع أو الترتيب العالمي أو الدولي) و(علاقات دولية) و(علاقات أممية) و(علاقات بين الأمم) و(التدويل) و(العولمة) و(العالمية) و(الكونية) و(الكوكبية) و(الأممية) و(المجتمع الدولي) و(المجتمع العالمي) و(الاعتماد الدولي المتبادل) و(التكامل أو الاندماج الدولي) و(الوحدة لإنسانية).
وهناك من يستخدم مفاهيم تدل على انتقال الظواهر الدولية من حال إلى آخر، باستخدام (ما بعد /post) مثل: ما بعد الصناعي ، ما بعد الحداثة، ما بعد القومية، ما بعد المجتمع العلماني، ما بعد الحرب الباردة، ما بعد المادية، ما بعد الأيدولوجيا، ما بعد التاريـخ، ما بعـد الكوكبية، للدلالة على أن المجتمعات والنظم والمفاهيم والتقنيات والبشرية، والكوكب الأرضي يمر بمرحلة انتقالية كبيرة تمتاز بعدم الاستقرار وبأنها غير مسبوقة في التاريخ الإنساني كله.
ومن مستخدم لبادئة (ما بين /inter)؛ كالقول بتحول العلاقات الدولية من مرحلة (ما بين الدول/inter-states) إلى مرحلة (ما بين الأمم/inter-nations) بسبب “تراخي-وليس انتهاء-قبضة الدولة القومية” .
وهناك من يستخدم بادئة: (عبر أو عابر أو متعدية/trans) أو (فوق/supra) للتدليل عى التداخل والتشابك في الفضاء العالمي بين وحداته وعلى تجاوز بعضها لمجالات أخرى مثل القول: (عابر للقوميات)، (عبر القارات)، (عابر للإقليمية)، (فوق القوميات) و(متعدية الجنسيات)…
وهناك أيضا، من يستخدم العبارات البادئة التالية: (متعددة/pluri أو multi) للدلالة على تعدد الفاعلين الدوليين والظواهر الدولية مثل: (تعدد الأعراق، القوميات، الأديان، الثقافات، اللغات، الجنسيات).
والجديد في عصر العولمة الجديدة، الاستخدام المتنامي لمفاهيم مركبة تدل على الاتجاه العالمي والكوني المعبر عن الترابط المتناقض والتعقد والكثافة والتسارع في العلاقات بين المجتمعات والدول والأقاليم والمؤسسات والنظم والأنساق.. مفاهيم تعبر عن التقاء بعدين لظاهرتين أو لمفهومين ظلا عقودا بل ربما قرونا طويلة متباعدين، متمايزين، مجزأين، أو متصادمين، ولكنهما منذ العقود القليلة الأخيرة أصبحا متداخلين، متقلصين، متكاملين، مندمجين: ففي ميدان الجيو-سياسية مثلا:
أ)-بدأ الحديث عن نزاعات (كوكبية-محلية/global-local) بسبب التفاعل المتبادل تحت تأثير (الكوكبي/global) و(المحلي/local)؛ أو بسبب التناقض بينهما.
ب)-وكذا ظهور كلمة (الغرب شرق/weast) كتعبير عن تحول العلاقات الدولية من الثنائية القطبية (شرق-غرب) إلى القطبية الأحادية.
كما يرى بعض الكتاب أن تعبير (الاقتصاد العالمي) و(النظام العالمي) و(العولمة) مضلل يوحي بمشاركة جميع العاملين فيه. لذلك وضع فرناند برودل مفهوم: (اقتصاد-عالم/monde-économie) و(اتصال-عالم/communication-monde) و(نظام-عالم/systéme-monde) أي اقتصاد واتصال مسيطر على العالم. وهو ما يتعارض كليا مع المفهوم الغربي للعولمة التي تعتبر العالم أداة لا أهمية لها تنمو فيها الرأسمالية وتنتصر في كل مكان بالطريقة نفسها .
هذا العرض يتكون من فصلين الفصل الأول يتحدث عن ماهية العولمة و مفهومها القانوني و الإسلامي من خلال مبحثين الأول يختص بمفهوم العولمة و الأهمية المعرفية, فالمطلب الأول يأرخ مفهوم و ظاهرة العولمة و المطلب الثاني يعرف العولمة اصطلاحيا, و المبحث الثاني يناقش قضية العولمة إسلاميا و قانونيا في مطلبين الأول الإسلام و العولمة و الثاني العولمة و القانون الدولي.
و الفصل الثاني يغوص في خضم معطيات العولمة التشريعية من خلال مبحثين الأول يسير في المعطيات القانونية للعولمة على الصعيدين العربي و الدولي و و ينقسم المبحث في سيره الى مطلبين, الأول: التشريع الوطني و القانون الدولي في ظل العولمة و الثاني: المعطيات القانونية للعولمة, أما المبحث الثاني فهو نظرة الى التشريعات العربية في مواجهة العولمة و يتكون المبحث من مطلبين الأول : مواجهة التغيرات القانونية المصاحبة للعولمة و الثاني . التشريع المغربي و العولمة .
الفصل الأول : ماهية العولمة و مفهومها القانوني و الإسلامي
أثارت العولمة كمصطلح جدلا واسعا و انتشرت تعريفاتها شرقا و غربا, و من المهم بيان ماهية العولمة المقصودة في هذا العرض قبل دراسة علاقتها بالتشريع و هذا ما سيتم التطرق له في المبحثين الأول و الثاني .
المبحث الأول: مفهوم العولمة و الأهمية المعرفية .
من المفاهيم الجديدة في دراسات العلاقات الدولية المعاصرة، مفهوم “العولمة”: فبعد تشريح محتوى مفهوم “العالمية”، ينبغي زيادته إيضاحا من خلال مفهوم “العولمة”، الذي يرتبط ارتباطا وثيقا –حسب بيرترون بادي- بمفهوم العالمية.
وسأستخدم المنهاج: التاريخي والتحليلي والوصفي للتعرف على محتوى مفهوم العولمة والظواهر التي يعبر عنها.
المطلب الاول : تاريخ مفهوم وظاهرة العولمة.
تُجمع المراجع على أن مفهوم “العولمة/Globalisation/Mondialisation” حديث الظهور جدا، في جميع اللغات، ولا ترجع بداية استعماله إلى أبعد من الثمانينيات من هذا القرن.
وحسب ناعوم تشومسكي، فإن “عدوى “العولمة” (Globalisation)، قد انتشرت في كل ما يتصل من تفكير في العلاقات الدولية منذ نهاية حرب الخليج الثانية التي أعلنت ولادة النظام العالمي الجديد”
ويعتبر سيار الجمل, أن سمير أمين أول من أذاع هذا “المصطلح” وتنبأ به وبمضامينه السياسية المستقبلية، ثم بدأ وجهات نظر مختلفة حول ظاهرة العولمة من خلال “فلسفة (العولمة) السياسية، أي علم النظام العالمي (Globology) .
ويفرق معظم الكتاب منهم: زكي العايدي وسمير أمين وصادق جلال العظم وجورج طرابشي وأندري غارسيا ورولاند روبرتسون وآخرون بين “عولمة قديمة” و”عولمة جديدة” وذلك عند محاولتهم البحث عن الجذور التاريخية لحركية العولمة المتسارعة الجارية في نهاية القرن العشرين الميلادي.
فهم يقولون بأن العولمة واقع أو مسار وصيرورة دولية قديمة في التاريخ الإنساني العام؛ ولكن لا يقولون بقدم المفهوم أو المصطلح. وهو ما تشهد به القواميس والمعاجم والدراسات السياسية المعاصرة؛ إذ هي خالية من ذكر هذا المصطلح.
وما هو مؤكد أن التوجه الحضاري الإنساني في العلاقات الدولية الحديثة والمعاصرة، كان يعرف قبل ظهور مفهوم “العولمة” بمسميات أخرى مثل: “الدولية” و”التدويل” و”الإمبريالية” و”العالمية” و”الكونية” و”نظام الاستعمار المباشر” (القديم) ( و”نظام الاستعمار غير المباشر” (الجديد)..
فقد وصفت العلاقات الدولية بأنها “دولية” (Inter-étatique) أي علاقات بين الدول، حيث ساد هذا المصطلح خلال القرون الثامن عشر إلى القرن العشرين الحالي، إثر ظهور “الدولة- الأمة” أي (l’état nation) كمفهوم وظاهرة أوروبية بالأساس. ونظرا لأن “الدولة” كمفهوم مستخدم عالميا إلى جوار مفهومي “الأمة” و”القومية” (La nation)، إلا أنهما لا يمكنهما وحدهما –تفسير ووصف حقيقة العلاقات الدولية بمجالاتها وفاعليها. لذلك فإنه قد نحتت مفاهيم وعبارات تشير إلى مستويات ومعاني التفاعل بين المجتمعات والدول والثقافات والمنظمات… ومنها:
أ)-مفهوم “علاقات بين الحكومات” (R. gouvernementales): أي علاقات بين القادة الرسميين (العموميين). مثال ذلك، اللقاءات بين أعضاء حكومات دول المغرب العربي في إطار اتفاقية اتحاد المغرب العربي.
ب)-مفهوم “علاقات بين القوميات أو بين الأمم” (R.Inter-Internationales): وهو ما نترجمه بالعربية بـ”العلاقات الدولية”، لأن الأمم والقوميات الحديثة تتفاعل بينها -سلما وحربا- عبر الدول القومية، التي تعكس عقدا اجتماعيا بين السلطة أو الحكومة وبين الأمة أو الشعب. فالمصطلح يعبر عن علاقات بين المؤسسات الوطنية لمختلف الدول الوطنية، ولكن مرورا بهذه الأخيرة عبر: النشاط الدبلوماسي، الحروب، سعر صرف العملات الوطنية.
جـ)-مفهوم “علاقات عابرة للقوميات” (R.transnationales): يعبر عن علاقات تتم بين إقليمين وطنيين أو أكثر، بدون المرور بالضرورة بواسطة الدولة: كالديانات، اللغات الأم، الموسيقى، الموضة، الآراء والأفكار، الأمراض والأوبئة المعدية…
د)مفهوم “علاقات متعددة القوميات”: (R.Multinationales) أو (R.plurinationales): وهو تعبير عن ظاهرة لها جذور في عدة أقاليم وطنية، ولكن يفترض فيها أن تكون محل قبول وتشاور مسبق. مثال: الاتفاقية المنشئة لصندوق النقد الدولي (FMI) أو البنك الدولي للإنشاء والتعمير (B.M) أو منظمة التجارة العالمية (O.M.C).. أو أيضا استراتيجيات التموقع والتحالف والاندماج بين الشركات الكبرى.. وهي علاقات تتطلب التفكير كوكبيا، والتحرك محليا (Think global, Act local).
هـ)-مفهوم “علاقات متعددة الأطراف” (R.Multilatérales): تعني أساسا تعدد المتعاقدين أو المتفاوضين من أجل الاتفاق حول موضوع مصلحة مشتركة، بغض النظر عن الأقاليم التي ينتمون إليها. مثال: التفاوض الجاري حاليا من أجل إعداد الاتفاقية العالمية حول الاستثمار (AMI).
عموما، مفهوم “العلاقات الدولية” يعني التدفق من كل نوع ومن كل المصادر، عبر الحدود، تدفقات تجسد وجود مجموعات أو هويات سياسية مستقلة، بدون أن تصبح التبادلات المذكورة فاقدة لصفة “الدولية”.
وعبارة “العلاقات بين الأمم أو القوميات” تعاني من مشكلتين: الأولى إنها تصف مجموعة من الظواهر، وفي نفس الوقت، العلم الذي يسعى للتعرف عليها. والثانية غموض مفرداتها, “الدولة” و”الأمة” وعدم الاتفاق على تعريفها. وهنا تفرض كلمة “التدويل” نفسها: فمثلا يعتبر س. الماند وأ.وينبرغر أن التجارة الدولية وصلت إلى درجة “التدويل” بعد الحرب العالمية الثانية وبدأ التبادل ينتقل من مرحلة “العالمية” (بين بعض الشركات أو الدول) إلى “التدويل” (يشمل جميع الدول) (..) جاعلة من العالم مجرد قرية واحدة لجميع سكان الكوكب الأرضي. فالعناصر وقطع الغيار… تغدو وتروح، في كل بقع الأرض هازئة بالحدود.
فـ”عملية تدويل رأس المال –مثلا- قد تسارعت منذ أن قامت إدارة نيكسون (1969-1974م) بتفكيك نظام بروتن وودز التي غيرت الأدوار إلى حد ما بالنسبة للمنافسة بين الدول المختلفة، ويكفي أن نذكر مؤشرا واحدا، وهو أنه بينما هبط نصيب الولايات المتحدة من مجموع الصادرات الصناعية العالمية من عام 1966م إلى عام 1984م، فإن نصيبها من الشركات المتعددة الجنسيات قد زاد. وتزداد هذه العوامل قيمة في النظام العالمي الجديد”.
إذا، فعملية التدويل للاقتصاديات جعلت وجود أنظمة تنموية متمركزة على ذاتها أمرا غير ذي جدوى، حيث كان دور الدولة بارزا وترابها الوطني مجالا طبيعيا لعملية تراكم الثروة.
هذه الديناميكية التدويلية تفرض على كل اقتصاد متطور أو في طور النمو أن يعيد تحديد مكانته ووظيفته في الاقتصاد العالمي. أو بعبارة أخرى، يعدل كل اقتصاد في العمق نمط اندماجه دوليا.. وهذه الضرورة تتمظهر حاليا بمحاولات إنشاء تكتلات جهوية .
فمفهوم التدويل (internationalisation) والعابر للدول القومية (Transnational) يظلان منذ السبعينيات يعبران عن التدفقات العابرة للقوميات بمختلف أشكالها ،اقتصادية، مالية، إعلامية بفضل التكنولوجيات الاتصالية، التي تحدَّت السيادة الوطنية للفاعلين الدوليين، بعدة طرق جعلت الدبلوماسية الحكومية غير عملية بشكل مستقل… بل أن “فيليب غوميت” (Philip Gummet) ومحمد الأطرش, يعتبران أنه، بالرغم من أن عملية العولمة قد ضربت بجذورها في الأعماق في بعض الميادين، وتخطت السيادة القومية للدول في بعض القطاعات، كالمال، والإعلام، والثقافة(20)، إلا أن هذه المرحلة تمثل تطورا جديدا للنظام الرأسمالي العالمي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وليس نظاما للعولمة؛ إذ أن أمريكا والدول الرأسمالية الكبرى، هي الدول القومية الأكثر نفوذا، وتأثيرا في هذا النظام(..) من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية (..) وأن الدولة القومية (National State)، مازال لها كلمة الفصل في مسائل أخرى كالدفاع وحتى التجارة الخارجية. ويعتبران أن ما يجري هو تدويل واختراق للدول (Internationalisation).
إن العولمة –في نظر غوميت- مازالت غير واضحة “المعالم” لا من حيث تحديد المفهوم (Conceptually) ولا من حيث اختبارها على الواقع (Empirically) لذا يحذر من المبالغة بأهمية هذه الظاهرة، كظاهرة تلغي التمايز القومي إلغاء تاما. لصالح الشركات المتعدية الجنسيات التي تقف خلف القوى الكبرى والمنظمات الدولية كمنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي..
كما تشارك المنظمات غير الحكومية والحركات الدينية في عملية التدويل هذه، وتوسع أعمالها على حساب المنظمات الحكومية مع عودة التوترات المرافقة لتدفقات المهاجرين (..)
ومهما تكن العمليات الجارية في مسرح العلاقات الدولية المعاصرة والمفاهيم التي تحاول الإطاحة بها فإنه لا فرق –حسب أستاذ علم الاجتماع الكندي “شارل هالاري” (Charles Halary)-بين تسميتها بمصطلحات “العولمة” (La Mondialisation) أو “علاقات ما بين القوميات” (R.Internationales) أو الكوكبية” (La Globalisation) لأنها مصطلحات تفسر نفس الظاهرة .
وكذلك وصفت العلاقات الدولية المتجهة نحو التوحد أو العولمة بالأساليب القسرية، القهرية بمفهوم “الإمبريالية” و”الاستعمار الجديد”، بأشكالها “المرنة” المختلفة: التجارية، الثقافية، المعلوماتية..
يرى “مسعود ضاهر” أن “نظرية العولمة ليست سوى الوجه الآخر للهيمنة الإمبريالية على العالم تحت الزعامة المنفردة [للولايات المتحدة الأمريكية] (..)” “فقد تغير وجه الرأسمالية..”، “إنه منطق العلاقات اللامتكافئة بين المجتمعات الصناعية (مهما كانت الإيديولوجيا التي تعتنقها) والمجتمعات غير الصناعية (..) فالوقائع تؤكد أن القوى الاقتصادية تسرف بطريقة أو بأخرى في استخدام سلطتها التفاوضية عندما تتعامل مع الأمم الأقل قوة.. ويأتي الدور المهيمن للشركات الأجنبية على جزء كبير من إنتاج الدول السائرة في طريق النمو، بينما مركز قرارها يتواجد في بلدانها الأصلية، وهي نادرا ما تأخذ في اعتبارها مصلحة الدولة المضيفة، مع الإبقاء على حالة التخصص ضمن قواعد التقسيم الدولي للعمل في منتوجات وحيدة نقدية تتحكم في أسعارها الدول الاستعمارية سابقا” .
ورغم التراجع الواسع لاستخدام مفهوم “الإمبريالية” بعد نهاية الحرب الباردة، حيث كان يعبر عن ممارسة أوروبية قبل الحرب العالمية الأولى، وتحول إلى التعبير عن ممارسة سوفياتية وأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية… إلا أن المفهوم أخذ في الظهور من جديد، في الأدبيات السياسية الغربية في ظل العولمة والسباق للهيمنة على الطرق السريعة للمعلومات وعلى أسواقها في أفق بناء مجتمع المعلومات القادم خلال القرن الجديد. وهو ما يجعل الإمبريالية تجدد أثوابها من جديد: فالمفكر الأمريكي “دافيد روتكوف” (David Rothkopf) يستخدم في دراسة صدرت له بمجلة “سياسة خارجية” بعنوان: “في مديح الإمبريالية الثقافية” –دون حرج- الكلمة الطابوه: “الإمبريالية”… قائلا: “إن الهدف الرئيسي لأمريكا من سياسة خارجية في عصر المعلومات، أن تربح معركة التدفقات العالمية للمعلومات بالسيطرة على الموجات، كما سيطرت بريطانيا العظمى على عرش البحار في الماضي.”
وبنفس المنطق والتعبير يقول: “إرفينغ كريستول” (Irving Kristol): “سوف يعي الشعب الأمريكي [أنه قد أصبح] أمة إمبريالية كواقع”.. “إن هذا قد حصل –يقول- لأن العالم أراد حصول ذلك”. (!!!) وهو ما يسميه البعض بالأمركة أو عولمة أمريكا.
ومن ذلك أن الغرب؛ غرب إمبريالي، مهيمن؛ غرب استعماري، قديما وحديثا، كما يذكر الجابري. وإن “إمبرياليته” و”استعماريته” نتاج طبيعي، أو مكون عضوي، من مكونات التكوين الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي، الثقافي للعالم الغربي عبر التاريخيين الحديث والمعاصر.
(..) إن الإمبريالية ليست مجرد “نزوع” للغرب، نزوع عارض، منفصل عن بنية حياته في التاريخ، وإنما هو تمثيل متبلور و”تام” للرأسمالية في الداخل والخارج (..)”، إنه نزوع مستمر نحو الشمولية والاستبداد العالمي أو الدولي.
وأخيرا، إن القاسم المشترك بين مفاهيم: الإمبريالية، ما فوق القوميات، العولمة، الكوكبية، هو “السوق الحرة” أو كما سماها سمير أمين بـ: “عهد السوق”؛ أو ما يسميه روجي غارودي بـ: “وحدانية السوق”.. أما الأسماء والمصطلحات التي تسوقها الأوساط الأكاديمية والسياسية والإعلامية الغربية، فهي –في بعض معانيها- محض تمويه وخداع وتضليل وأدلة وتوظيف دعائي، سياسي، تكتيكي للمفهوم.
خلاصة القول؛ هناك شبه إجماع معرفي على ان مفهوم “العولمة” حديث الظهور تاريخيا، ولكن في واقع سيرورة التاريخ الإنساني، مسار العولمة يرجع إلى العصر الحجري، الزراعي، وصولا إلى هذا العصر عصر الثورة الصناعية الثالثة . على اعتبار الظاهرة تطورا طبيعيا للحضارة، حسب برهان غليون. وإنما تختلف العولمة الجديدة عن القديمة بتقنياتها ووتائر حركيتها في مختلف الفضاءات المحلية والإقليمية والعالمية.. إنها –حسب “زكي العايدي”- حركة مطردة، تتخللها فظائع مثل الحرب العالمية الأولى والأزمة الاقتصادية لسنة 1929م والحرب العالمية الثانية…، مع “استثناء مجتمعات محدودة العدد، تركها العالم (الرأسمالي) في عزلة، أو فضلت هي أن تعزل نفسها عن العالم لسبب أو لآخر، كما حدث للاتحاد السوفياتي مثلا في العقود الثلاثة الأولى لثورة تشرين الأول/أكتوبر، أو الصين في الخمسينيات والستينيات أو اليمن حتى منتصف هذا القرن”. وقد عرفت العولمة الحديثة أوج توسعها منذ منتصف الثمانينيات والتسعينيات بعد ظهور الدول الصناعية الجديدة في جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية وإفريقيا، إثر تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية (أزمة المديونية، انهيار أسعار المواد الأولية..) وانهيار المنظومة الاشتراكية وتنامي دور الشركات المتعددة الجنسيات وبداية انتشار استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال الجديدة.
إن الجديد في العولمة أيضا –حسب “زكي العايدي”- هو ظواهر: الاستعجالية (l’urgence) والتسارع (l’accélération) والآنية (l’instantanité).. إذ، لأول مرة في تاريخ العالم، يعاد النظر في العلاقة بالزمان والمكان بهذه الجذرية، بحيث لا توجد نظرة محددة عن المستقبل، مع انقطاع المجتمعات البشرية عن الماضي وانحصار اهتمامها بالوقت العالمي الحقيقي (الحاضر/الآني). وكذا تقلص الفضاء العالمي أدى إلى تقلص آفاقنا.
و هنالك ما يسمى بالمنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) الذي يعتبره البعض “حكومة عالمية” غير معلنة رسميا، أنشئ سنة 1971م بسويسرا. يضم حوالي ألفين مشارك (ة). مكون من رجال أعمال وعلماء وسياسيين وصحافيين كبار. تحت تأثير النفوذ الأمريكي بالخصوص. وبمناسبة مؤتمر جانفي 1997م أنشأ شبكة (welcom) الإلكترونية الخاصة بهم، وهي محظورة على غير الأعضاء فلا يزورها زوار الأنترنت وهي بمثابة الهياكل القاعدية لحكومة عالمية –يقول برينو قيوساني- للتحرك في الوقت الحقيقي. السيد هانس جورج شوارب من مسؤولي المنتدى يقول: “تصوروا تغيرا في الأغلبية الحاكمة في تركيا فجأة، نستطيع التحرك في الزمن الحقيقي بتنظيم اجتماعات افتراضية عبر (welcom) بين الوزير الأول وإدارته الجديدة والمستثمرين الأجانب (..) إننا نتهم بأننا نريد إنشاء حكومة عالمية ولكننا لسنا سوى مسهلين للحوار بين السياسيين والعلميين ورجال الأعمال
المطلب الثاني : التعريف الاصطلاحي للعولمة.
يرى “جيمس روزناو” عالم السياسة الأمريكي أنه “من المبكر وضع تعريف كامل وجاهز يلائم التنوع الضخم لهذه الظواهر المتعددة. فعلى سبيل المثال، يقيم مفهوم العولمة علاقة بين مستويات متعددة للتحليل: الاقتصاد، السياسة، الثقافة، الإيديولوجيا، وتشمل إعادة تنظيم الإنتاج، تداخل الصناعات عبر الحدود، انتشار أسواق التمويل، تماثل السلع المستهلكة لمختلف الدول، نتائج الصراع بين المجموعات المهاجرة والمجموعات المقيمة”. ويعقب قائلا: “في ظل ذلك كله، فإن مهمة إيجاد صيغة مفردة تصف كل هذه الأنشطة تبدو عملية صعبة، وحتى ولو تم تطوير هذا المفهوم، فمن المشكوك فيه أن يتم قبوله واستعماله بشكل واسع” لذلك تعددت تعاريف مفهوم “العولمة”.
التعريف الأول
يعرف المفكر الفرنسي: برترون بادي “العولمة” قائلا: هي عملية “إقامة نظام دولي يتجه نحو التوحد في القواعد والقيم والأهداف، مع ادعاء إدماج مجموع الإنسانية ضمن إطاره (..)
(..) والمسار يعود إلى تاريخ طويل، رغم أنه يبدو جديدا، يفترض أنه لا تستطيع أية مجموعة ولا أي أرض ولا أي مجتمع الإفلات من الانخراط في النظام العالمي الذي يهيمن على الكرة الأرضية. وقد أعوزت الاسكندر ونابليون الوسائل التقنية لتحقيق هذا الإنجاز.
إلا أن هذا المسار قفز تدريجيا في فجر القرن الحالي، بواسطة الفتوحات الاستعمارية، كما مهدت لهذه الحركية ثلاثة قرون من الاكتشافات والاتصالات المحتشمة بين الغرب والإمبراطوريات الشرقية. ولم يتحقق هذا المسار إلا عندما استفاد من توسع مؤسساتي: بإنشاء الأمم المتحدة غداة الحرب العالمية الثانية والتي أعلنت عن إرادة العمل على إقامة نظام عالمي من خلال توحيد القواعد والممارسات وتقنين وتنظيم كل حلقات التبادل الإنساني والثقافي والاقتصادي التي ينبغي تطويرها.”
التعريف الثاني
وفي نفس الاتجاه تقريبا، يعرف الدكتور برهان غليون العولمة بأنها: “ديناميكية جديدة تبرز دائرة العلاقات الدولية من خلال تحقيق درجة عالية من الكثافة والسرعة في عملية انتشار المعلومات والمكتسبات التقنية والعلمية للحضارة [...] يتزايد فيها دور العامل الخارجي في تحديد مصير الأطراف الوطنية المكونة لهذه الدائرة المندمجة وبالتالي لهوامشها أيضا (..)”
(..) إنها تعني: “الدخول بسبب تطور الثورة المعلوماتية والتقنية والاقتصادية معا في طور من التطور الحضاري يصبح فيه مصير الإنسانية موحدا أو نازعا للتوحد؛ الذي لا يعني هنا، التجانس والتساوي بين جميع أجزاء العالم والمجتمع البشري، ولكنه يعني درجة عالية من التفاعل بين مناطق ومجتمعات بشرية مختلفة ومتباينة وبالتالي ازدياد درجة التأثير والتأثر المتبادلين، ولذلك ارتبط مفهوم العولمة بمفهوم الاعتماد المتبادل (L’interdépendance)”.
تحليل محتوى التعريف
إذا كانت “العولمة هي العملية الهادفة إلى التعميم الكوكبي لشيء ما، فإن هذا يفترض إرادة فاعلة وموضوعا للفعل أو مستهدفا به.
وبعيدا عن الأحكام القيمة، فإن التعريفين يتسمان بنوع من “التعمية” على من يعولم؟ رغم اتصافها بالموضوعية فيما يتعلق بالعمليات الجارية ضمن مسار العولمة، أي ماذا يعولم وكيف؟ مع بيانهما لبعض آثار ذلك المسار على العلاقات الدولية. إلا أن ذلك يحتاج إلى مزيد من التوضيح: فمن يعولم؟ ماذا؟ وكيف؟ وما علاقة العولمة بالعالمية؟
وقبل الإجابة على هذه التساؤلات المهمة، لابد من التعرف على أهمية مفهوم العولمة معرفيا و هذا ما سيعالجه المبحث الثاني .
المبحث الثاني : العولمة بين الاسلام و القانون الدولي .
يتفق الأساتذة: برترون بادي، وبرهان غليون، والسيد يسين، وزكي العايدي، وأندري غارسيا على اعتبار مفهوم العولمة “أداة تحليلية لوصف عملية التغيير الاجتماعي في مجالات مختلفة” وأنه “عنصر أساسي في هيكل نظرية التغيير الاجتماعي العالمي” ذلك أن العولمة “لا يمكن أن تتحقق دون حصول حد أدنى من التقاطع بين مختلف الأوضاع الاجتماعية –السياسية” في العالم. إنها “ليست سوى نموذج ممكن للتغيير: إنها التوسع الإقليمي (بالمعنى اللفظي للعولمة) والتعميم لكل الأنشطة الإنسانية (كوكبة أو شمولية) لنمط من التغيير قد يؤدي إلى نوع من الوحدة العالمية للسلوكات”. لذلك فإن مفهوم العولمة ذو قيمة في تحليل البيئة الدولية إذ “يجمع المراقبون للحياة الدولية على أن العمليات السياسية والأحداث والأنشطة في عالم اليوم لها بعد كوني متزايد”
وتأتي الأهمية العلمية للمفهوم، نظرا للحاجة إلى مفاهيم تحيط بمسار وظاهرة التوحد والاندماج المتزايد للمجموعة البشرية عبر التاريخ. وكمثال على ذلك العلاقة بين المجتمعين الأمريكي والصيني (شركات وعمال وأسر..) المترابطين، في علاقة تأثير وتأثر أو اعتماد متبادل حقيقي… وكلما كان المجتمع الصيني في علاقات أفضل (تبادلا للمصالح والمنافع…) مع المجتمع الأمريكي من خلال حكومتي البلدين، كلما كان ذلك مفيدا للطرفين. “فكمُّ جماعات المصالح، ووكالات ومؤسسات أمريكية الفاعلة في جبهة علاقاتنا مع الصين –يقول ميشيل كلوغ- والمعنية بتنمية الموقف الصيني في كل جوانبه كمٌّ كبير، ويمكن لانكماش السوق أو حدوث أزمة سياسية في الصين، على سبيل المثال، أن يتسبب في خسارتهم للعمالة التي يوفرونها لعدد كبير من العاملين الأمريكيين. وهذا يدل على أن كل مبادرة لحكومة كلينتون في مجال حقوق الإنسان أو في العلاقات التجارية مع الصين تثير رد فعل حاد في الولايات المتحدة الأمريكية (..)
وكمثال آخر وفي نفس السياق تعد هايتي أكثر أهمية بكثير لفلوريدا أو نيويورك منها لأوهايو أو واشنطن، والمكسيك تهم تكساس وكاليفورنيا ولكن لا تهم كثيرا أيوا أو نيوهامبشاير (..) أما عن الأمريكيين الأفارقة فيحتشدون من أجل إفريقيا الجنوبية أكثر من احتشادهم من أجل البوسنة (..) فأمريكا هي البلد الأكثر انفتاحا على القوميات. فكل بلد في العالم تقريبا له رأس جسر بها، تكون عبر الزمن بفضل الهجرة (..) إذ تمثل واشنطن أكبر مدينة إثيوبية خارج إثيوبيا، ولوس أنجلس أكبر مدينة إيرانية خارج إيران، وحضور العالم في أمريكا يحظى بانتشار كبير بفضل وسائل الإعلام التي استفادت منها الجماعات الإثنية أو القوميات.” ومن هنا تظهر الأهمية السوسيولجية لمفهوم “العولمة”.
ويتفق العديد من علماء السياسة وعلم الاجتماع والإعلام.. على وصف العولمة بأنها مسار وديناميكية كوكبية، تاريخية، تحديثية.. إنها ليست محض مفهوم مجرد، فهي عملية مستمرة، يمكن ملاحظتها باستخدام مؤشرات كمية وكيفية في مجالات السياسة، الاقتصاد، الثقافة والاتصال”.
ويمكن قياس الظواهر والعمليات داخل مسار العولمة بواسطة:
1)-جمع المعطيات الإحصائية المتعلقة بـ: تكرر ظواهر في عدة أقاليم أو أقطار (مثال: استهلاك مشروب الكوكاكولا، التحدث بالإنجليزية…).
2)-مؤشرات تعكس عملية الانتشار كـ: عدد السواح الأجانب، الاتصالات الهاتفية عبر القوميات، مشاهدة أفلام الكاوبوي في التلفزيون، حجم المبادلات الخارجية في الاقتصاديات الوطنية.
3)-تحليل المسارات مثل: مسار تذبذب أسعار الفائدة في البورصات وتأثير ذلك على النشاط الاقتصادي عبر العالم، تأثير قناة (CNN) على الحياة السياسية للدول.
4)-دراسة اتجاهات الرأي العام ومواقف الجمهور نحو الظواهر والأحداث العالمية من جهة التعبير عن المواقف: الحذر، التأييد، الدعم، الانفتاح، العداء..
إذا، العولمة مفهوم سوسيولوجي. له أهميته في العلم الناشئ: علم الاجتماع العالمي.. أو علم العولمة (Globologie) بتعبير سمير أمين… فإذا تناولنا “العولمة الإعلامية” من زاوية تكنولوجيات الاتصال والإعلام والمعلومات الجديدة، فإننا نجدها تغير مضامين ومفاهيم عديدة كانت تحكم الرؤية العلمية للظواهر السياسية الدولية مثل تغيير مفاهيم: الدول القومية، السيادة، الحدود، السلطة، الديمقراطية، الحزب، المؤسسة، المواطنة، القانون، الصراع، النظام، القوة، توازن القوة، الهوية.. وهي مفاهيم طالما اعتمدت عليها دراسة العلاقات الدولية في العقود السابقة قبل نهاية الحرب الباردة كوحدات مفاهيمية مركزية للتحليل والدراسة للقضايا الدولية.
ومن المفاهيم التي تستدعيها العولمة مفهوم “الحكومة العالمية” كإمكانية لمواجهة المخاطر على المصير البشري من كل جانب “في عالم مواطني الشبكات (Netoyens) التابعين لشبكة الأنترنت والذين يجهلون علامات التعريف العادية والمتمثلة في الجنسية والانتماء العرقي والديني والجنس والتأصل الجغرافي والذين مع ذلك قادرين على أن يرتبطوا فيما بينهم..”
ولقد نشر السيد جون بيري بارلو (John Perry Barlow) العالم في المستقبليات –الذي شارك في تأسيس مؤسسة الحدود الإلكترونية لـ دافوس “Davos“- “تصريح استقلال الفضاء الموجه” ويبتدئ بالعبارات التالية:
“يا حكومات العالم المصنع، يا أيها العمالقة المصنعون من اللحم والحديد، إنني قادم من الفضاء الموجه، المسكن الجديد للعقل (..) ولا نرغب أن تكونوا ضمننا”
ويتحدى علانية كل مراقبة إقليمية؛ قائلا: “إن مفاهيمكم القانونية حول الملكية والتعبير والهوية والحركة والمضمون لا تنطبق علينا. إنها مبنية على المادة. ولا وجود لمادة هنا”.
محمد نبهان ماستر العلوم القانونية
جامعة محمد الخامس
كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية
بحث بعنوان القانون و العولمة
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى