Monday, November 05, 2012

الأسس القانونية لإجراء الاقتطاع من أجور موظفي الدولة والجماعات الترابية المضربين عن العمل


مذكرة

حول

الأسس القانونية لإجراء الاقتطاع

من أجور موظفي الدولة والجماعات الترابية المضربين عن العمل



أولا: المرجعية الدستورية

يتعين التذكير بأن اللجوء إلى الإضراب هو حق من الحقوق التي كفلها الدستور، حيث نص في الفصل 29 منه (الفقرة الثانية) على أن "حق الإضراب مضمون. ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته"، وذلك انسجاما مع ما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي نص في مادته (8) على تعهد الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، بأن "تكفل جملة من الحقوق، بما فيها الحق في الإضراب، على أن يمارس طبقا لقوانين الدولة المعنية".

وإذا كان هذا الإقرار الدستوري قد ضمن ممارسة هذا الحق، فإن هذه الممارسة يجب أن تراعي ضرورة احترام جملة من الحقوق والمبادئ التي نص عليها الدستور، بصفة صريحة، في فصول أخرى منه، من أهمها:

1 – ضرورة تقيد جميع المواطنات والمواطنين بروح المسؤولية والمواطنة الملتزمة، عند ممارستهم للحقوق والحريات التي يكفلها الدستور، بما يفرضه ذلك من تلازم بين ممارسة الحق وأداء الواجب (الفصل 37 من الدستور)؛

2- مبدأ استمرارية الخدمات التي تقدمها المرافق العمومية للمواطنين، والذي يعتبر مبدأ دستوريا أساسيا من المبادئ التي يتم على أساسها تنظيم المرافق العمومية (الفصل 154)؛

3- ضرورة مراعات جميع أعوان المرافق العمومية، من موظفين وغيرهم، عند ممارستهم لوظائفهم، للمبادئ التي نص عليها الدستور، ومن بينها مبدأ حماية المصلحة العامة (الفصل 155).

ويستنتج من ذلك، أنه، لئن كان الدستور قد كفل حق الإضراب للعاملين بمختلف فئاتهم، فإن ممارسته مقيدة بضرورة عدم الإخلال بأي مبدا من المبادئ المذكورة، حفظا لحقوق المرتفقين، وضمانا لاستمرارية المرافق العمومية في تقديم خدماتها لهم.

ثانيا: المرجعية الدولية

العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
بالرجوع إلى أحكام المادة (8) من العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي سبقت الإشارة إليها، يستخلص أن الحق في الإضراب ليس حقا مطلقا، بل يشترط أن تتم ممارسته وفقا لقوانين الدولة المعنية.

ب – وثائق لجنة الحريات النقابية بمنظمة العمل الدولية

يستنتج من المبادئ والتوصيات والقرارات الصادرة عن لجنة الحريات النقابية بمنظمة العمل الدولية، أن هذه اللجنة تعتبر:

أن حق الإضراب هو حق مكفول للمنظمات النقابية؛

أن أصناف العاملين الممكن حرمانهم من هذا الحق وكذا القيود الممكن فرضها على ممارسته بموجب القانون، يجب أن تكون محدودة؛

أن الغاية من الإضراب يجب أن تكون هي الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية للعمال، وبذلك يستثني هذا المبدأ الإضرابات التي تكتسي طابعا سياسيا صرفا.

كما أقرت اللجنة المذكورة جواز حظر الحق في الإضراب في حالتين هما:

إضراب الموظفين الحكوميين الذين يمارسون السلطة باسم الدولة؛
الإضراب في القطاعات التي تقدم خدمات أساسية.
ومن جهة أخرى، فقد اعتمدت منظمة العمل الدولية في الموضوع جملة من المبادئ والقرارات، نذكر من بينها:

القرار رقم 531 الذي يعتبر أن الاعتراف بمبادئ الحريات النقابية لمستخدمي القطاع العام لا يعني بالضرورة حق الإضراب؛
القرار رقم 534 الذي يحظر حق الإضراب فقط على مستخدمي الدولة الذين يمارسون السلطة باسم الدولة.
القرار538 الذي يعتبر أن موظفي القطاع القضائي كمستخدمي قطاع عام يمارسون السلطة باسم الدولة. ونتيجة لذلك قد تجرد السلطات هؤلاء المستخدمين من حقهم في الإضراب.
القرار رقم 588 الذي يعتبر أن اقتطاع أيام الإضراب من الأجور لا يشكل خرقا لمبادئ الحريات النقابية.
ثالثا: التشريعات الأجنبية

إن موقف التشريعات الأجنبية، فيما يخص تقنين حق الإضراب وشروط ممارسته، والقيود المفروضة عليه، يختلف من دولة إلى أخرى.

وفي هذا الإطار، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن عددا من الدول التي صادقت على الاتفاقية رقم 87 المتعلقة بالحريات النقابية، لا تعترف بحق الإضراب في الوظيفة العمومية (بما في ذلك الموظفين الذين لا يمارسون السلطة باسم الدولة)، كما أن عددا آخر من هذه الدول بفرص قيودا على هذا الحق بكيفية تجعل ممارسته شبه مستحيلة، في حين جعلته دول أخرى ممنوعا في قطاعات محددة أو تفرض اللجوء الإلزامي إلى التحكيم في حالة إعلان الإضرار ولو من جانب واحد، أو تفرض ضرورة الحصول على موافقة نسبة معينة من العمال من أجل اتخاذ قرار اللجوء إلى إعلان الإضراب، تصل في بعض الدول إلى أغلبية ثلثي هؤلاء العمال.

كما أن عددا من الدول المشار إليها قد ضمنت تشريعاتها الوطنية مقتضيات تهدف إلى إقرار عقوبات حبسية في حق المضربين في الحالات التي يمنع فيها الإضراب.

رابعا: الأسس القانونية التي يمكن اعتمادها لإجراء الاقتطاع من أجور الموظفين المضربين عن العمل

في انتظار صدور القانون التنظيمي المنصوص عليه في الفصل 29 من الدستور، والذي يجب أن يحدد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، تفرض المقتضيات القانونية الجارية حاليا، التمييز بين حالة التغيب لأسباب غير مشروعة، وحالة عدم أداء العمل لأسباب أخرى.

حالة التغيب لأسباب غير مشروعة:
لقد اعتبر المشرع، بكيفية صريحة، كل تغيب عن العمل دون ترخيص من الإدارة، تغيبا غير مشروع يستوجب الاقتطاع من الأجر، وذلك بموجب القانون رقم 81-12 الصادر بشأن الاقتطاعات من رواتب موظفي وأعوان الدولة والجماعات المحلية المتغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة.

وقد حدد المرسوم 1216-99-2 الصادر في 10 ماي 2000، شروط وكيفيات تطبيق أحكام القانون السالف الذكر.

حالة عدم أداء العمل لأسباب أخرى:
من بين المبادئ الأساسية التي أقرها المشرع في مجال المحاسبة العمومية، مبدأ أداء الأجرة مقابل أداء العمل، وهو المبدأ الذي نص عليه الفصل (41) من المرسوم الملكي رقم 60-330 الصادر في 21 أبريل 1967 بسن نظام عام للمحاسبة العمومية، حيث لا يتم أداء الأجرة إلا بعد تنفيذ العمل.

وينطبق هذا المبدأ على الحالات التي يتم فيها الانقطاع عن العمل لأسباب أخرى غير حالة التغيب لأسباب غير مشروعة، بما فيها حالة اللجوء إلى الإضراب، ويترتب عن ذلك أن للإدارة الحق في أن تقتطع مدة التغيب من الأجرة لكل موظف لم يقم فعليا بمزاولة عمله وانقطع عنه بكيفية إرادية.

كما ينطبق هذا المبدأ، بصفة خاصة، على حالات الموظفين الذين يلجؤون إلى ممارسة حق الإضراب بكيفية تعسفية، دون مراعاة المبادئ الدستورية المشار إليها سلفا، وفي مقدمتها مراعاة حقوق المواطنات والمواطنين في الحصول على الخدمات العمومية، ومبدأ استمرارية المرافق العمومية، ومبدأ رعاية المصلحة العامة وحمايتها، ومبدأ التلازم بين ممارسة الحق والقيام بالواجب، ومبدأ ممارسة الحقوق بروح المسؤولية والمواطنة الملتزمة.

وتجدر الإشارة، في هذا الصدد، إلى أن المادة 32 من مدونة الشغل قد أدرجت "مدة الإضراب" ضمن الحالات التي يتوقف فيها عقد الشغل مؤقتا.

خامسا: موقف القضاء الإداري في الموضوع

انطلاقا من جملة من الأحكام الصادرة عن بعض المحاكم الإدارية بالمملكة، يستنتج أن القضاء المغربي يعتبر أن الإضراب ليس حقا مطلقا، بل يخضع، كغيره من الحقوق، لقيود تضمن ممارسته بشكل سليم، وتحفظ السير العادي للمرفق العام، مع ضمان حرية التعبير عن المطالب المهنية.

وهكذا نص حكم المحكمة الإدارية بأكادير عدد 183.2005 الصادر بتاريخ 20 أبريل 2001:

"إن الحالات التي يتقاضى فيها الموظف أجره كاملا أو مخفضا وهو مزاول فعليا للمهام أو معتبر في حالة القيام بالعمل الإداري منصوص عليه حصرا، ولا تدخل ضمنها حالة الإضراب عن العمل.

كما نص حكم المحكمة الإدارية بالرباط ملف عدد 208/07/5 بتاريخ 17/10/2007 على ما يلي:

"إن عدم إدلاء الطاعن بما يثبت أنه تقدم بطلب الإذن بالتغيب جعل الإدارة لم تتمكن من اتخاذ التدابير الكفيلة بحسن سير مرفق الصحة العمومية، مما يجعل قرار الاقتطاع في محله وغير مشوب بتجاوز السلطة"

سادسا: الخلاصات الأساسية

يستنتج مما سبق، أن:

ممارسة حق الإضراب الذي كفله الدستور، ينبغي أن تتم في ظل الاحترام التام للمبادئ الدستورية، وفي مقدمتها مبدأ استمرارية المرفق العام، وكذا عدم المساس بحقوق المواطنات والمواطنين ؛

عدم القيام بالعمل بصورة فعلية، يستوجب الاقتطاع من الأجر عن مدة التغيب بكيفية إرادية، وأن هذا الاقتطاع لا يشكل خرقا لمبادئ الحريات النقابية كما أقر ذلك القرار رقم 588 الصادر عن لجنة الحريات النقابية بمنظمة العمل الدولية في الموضوع.

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا