Monday, November 05, 2012

موقع العدالة الجبائية في ثقافة حقوق الإنسان


موقع العدالة الجبائية في ثقافة حقوق الإنسان

إنجاز : الدكتور مولاي الحسن تمازي
          أستاذ التعليم العالي مؤهل
                                                               منسق مسلك الدراسات الدولية
                                                               شعبة القانون العام
                                                               كلية الحقوق  – سطات

مقدمة :
لم تعد حقوق الإنسان مجرد شعار يردد في الألسن يرمي بها مخاطبوها، التعبير عن تلبية حاجيات معنوية كحرية التعبير، الرأي، الصحافة...الخ وإنما أصبحت حاجة مادية مرتبطة بالدخل الفردي للإنسان.
فلا يمكن لنا التمتع بأي حق من الحقوق رغم الاعتراف بها في الدساتير الوطنية والمواثيق الدولية متى كانت الظروف المادية مزرية.
فكيف يتسنى للمرء ممارسة حرية التجول أو السفر، أو ضمان حقه في التعليم، أو التوفر على سكن لائق إذا كانت مداخيله لا تساعده على ذلك ؟
وقد يزداد الأمر استفحالا كلما ازدادت نفقات الفرد سواء كانت هذه الأخيرة عادية، يتطلبها السير العادي للمعيشة، سيما على مستوى توفير الحاجيات الضرورية كالأكل، اللباس، الشرب التطبيب...الخ، أو نفقات مفروضة جبرا عن طريق الضرائب والرسوم.
 وفعلا، فإن المهتم بالحقل الضريبي، يكتشف بأن بعض المقاولات تضطر إلى إقفال محلاتها التجارية نتيجة لتراكم العبء الضريبي عليها. بمعنى أنها تضطر إلى الاستغناء عن حقها في ممارسة التجارة، وتتسبب في تسريح العديد من العمال الذين سيحرمون من حقهم في الشغل.
لكن مقابل ذلك، تحاول النخب الحاكمة، التلطيف من هذا الواقع عن طريق إيجاد صيغة قانونية لقبول الضرائب.
وعلى هذا الأساس انبثقت فكرة العدالة الجبائية التي عرفت تطورا عبر التاريخ على مستوى مفهومها، ونطاق سريانها.
ففي مرحلة الدولة المحايدة، كانت العدالة الجبائية تعني حسب آدام سميث، المساواة في المقدرة التكليفية، بحيث ينبغي أن يكون هناك تناسب بين ما يساهم فيه الفرد في النفقات العامة مع مقدار ما يحصل عليه من دخل.
أما في العصر الحديث، فنجد عدة اتجاهات نذكر منها ثلاثة :
فهناك من اعتبر أن العدالة الجبائية تعني توزيع العبء الضريبي وفق نصيب كل فرد من خدمات الانفاق العام، في حين ذهب اتجاه آخر إلى التمييز بين العدالة الأفقية التي تعني توزيع العبء الضريبي بالتساوي على أشخاص يوجدون في نفس الوضعية الاقتصادية، والعدالة العمودية التي تعني فرض الضرائب بنسب مختلفة حسب اختلاف الظروف الاقتصادية للأفراد.
أما الاتجاه الأخير فقد ربط بين العدالة الجبائية وحق المساواة أمام الضريبة والتي تكون إما حسابية إذا أداها الشخص حسب دخله، وإما شخصية إذا ما تم فرض الضريبة عن طريق مراعاة الوضعية الشخصية للخاضع لها.
نحاول رغم كون أن هذه الآراء تبدو غير مستقرة، وأن العدالة الجبائية ماهي في الحقيقة سوى مسحة أخلاقية أضفتها القيادات السياسية،لإثبات شرعية الضريبة – أن نبحث في موقعها في ثقافة حقوق الإنسان. وسنتخذ كنموذج، ضرائب الدولة الرئيسية الثلاث (الضريبة على الدخل، الضريبة على الشركات، والضريبة على القيمة المضافة) وذلك في المبحث الأول، أما المبحث الثاني فسنخصصه لضرائب الدولة المحولة كرسوم لفائدة الجماعات المحلية بمقتضى قانون 47.06 (الرسم المهني، رسم السكن،و رسم الخدمات الجماعية) .













المبحث الأول :
وضعية حقوق الخاضعين للضريبة وفق الضرائب الرئيسية الثلاث

لقد توخى المشرع المغربي من خلال تحديده لفلسفة الإصلاح الجبائي الصادر في 23/04/1984، تجاوز مكامن الضعف والخلل الذي شاب المنظومة الجبائية على امتداد أكثر من ربع قرن من الزمن والتي لم تستطع أن تفي بحاجيات التمويل العمومي لتجاوز الأزمة الاقتصادية والمالية التي بدأت معالمها تبرز مع بداية السبعينات، ولا أن تستجيب لمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ولذلك وجد المغرب نفسه مجبرا على الانخراط في برنامج التقويم الهيكلي، الذي حددت خطته على المستوى النظري في محاولة الملائمة بين هاجس تحقيق المردودية لضمان تمويل قار وكافي للتخفيف من حدة المديونية، والاستغناء عن الموارد الاستثنائية المجحفة والمكلفة، ومن جهة ثانية ضمان عيش كريم لكافة المواطنين.
وفعلا، فقد حددت الحكومة عند تقديمها لمشروع قانون إطار الاصلاح الجبائي أمام مجلس النواب في دجنبر 1982 الأهداف المتوخاة من هذا الإصلاح، بحيث ركزت على ضرورة إلغاء الضرائب النوعية سواء المطبقة على الأشخاص الذاتيين وتعويضها بالضريبة على الدخل، أو تلك المطبقة على الأشخاص المعنويين وتعويضها بالضريبة على الشركات. كما أنها توخت إلغاء الضريبة على المنتجات والضريبة على الخدمات، وتعويضها بضريبة واحدة هي الضريبة على القيمة المضافة.
واعتبرت الحكومة أن تفعيل هذه الإجراءات يجب أن لا يؤدي إلى المساس بقوانين الاستثمارات التي تمنح إعفاءات جبائية ترمي إلى تشجيع بعض الأنشطة الاقتصادية، ولا إلى المس بالعدالة الجبائية على مستوى توزيع العبء الجبائي على الخاضعين للضريبة.
فهل فعلا تم احترام حقوق الملزمين والمكلفين بالضريبة، وخلق ضمانات كافية نظير عدم التعسف في فرض الضرائب و عدم محاباة فئات على حساب فئات أخرى أم لا ؟
ذلك ما سنحاول الإجابة عنه في ثلاث فقرات :

الفقــرة الأولــى : الضــريبة علـــى الـــدخل
لقد حاول المشرع المغربي اعتماد التوجهات العامة التي رسمها ضمن قانون إطار الإصلاح الجبائي الصادر في 23/04/1984، وذلك على مستوى تجاوز الضرائب النوعية، واعتماد ضريبة واحدة من شأنها وضع حد للتعقيدات المتمخضة عن تطبيقات الضرائب المتعددة، ودرء مخاطر العبء الضريبي المترتب عنها والذي يشل القدرة الشرائية للملزم ؛ ناهيك عن الرغبة في إقامة عدالة ضريبية تضمن حقوق الملزمين. ولذلك تم إخراج الضريبة على الدخل إلى حيز الوجود وفق ظهير 21 نونبر 1989.
لكن المتفحص لمقتضيات هذه الضريبة من خلال حقل تطبيقها، يكشف بأن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تجميع لمجموعة من الضرائب في ضريبة واحدة.
فهناك خمس مداخيل خاضعة لهذه الضريبة وهي : الدخول المهنية، الدخول الزراعية، الأجور والدخول المعتبرة في حكمها، الدخول والأرباح العقارية وأخيرا الدخول والأرباح الناشئة عن رؤوس الأموال المنقولة  هذا مع العلم أن لكل دخل حقل تطبيق يختلف عن الآخر، بل أحيانا نجد نفس الدخل تطبق فيه قواعد متعددة، الأمر الذي يضع العدالة الضريبية، ومن ثمة حقوق الملزمين موضع تساؤلات عديدة ؟
ولتوضيح هذه الفكرة، سنركز على المعطيات التالية :
- فعلى مستوى مبلغ الحد الأدنى المعفى من الضريبة على الدخل والذي يصل إلى 24000 درهم يبقى ضعيفا إذا ما قورن مع حجم الدخل الفردي وغلاء أسعار المواد الأساسية التي ما فتأت تتزايد بشكل مهول دون اكتراث بظروف الملزم المعيشية . هذا مع العلم أن المغرب يحتل المرتبة 108 فيما يخص مستوى الدخل الفردي وذلك بشهادة تقرير خمسين سنة من التنمية البشرية وآفاق 2025.
وتجدر الملاحظة إلى أن المشرع المغربي لم يطبق نفس مبلغ الحد الأدنى المعفى على المداخيل العقارية الناتجة عن بيع العقارات، بحيث يطبق سعر الضريبة على هذه المداخيل كيفما كان مبلغها، وذلك على شرط أن يتجاوز ثمن البيع 60000 درهم . وهذا يثير مشكلة عدم الانصاف على مستوى توزيع الأعباء الجبائية.
- أما على مستوى الأسعار المطبقة، فقد لاحظنا بأن التعديلات التي أجراها المشرع المغربي منذ دخول هذه الضريبة إلى حيز التطبيق كانت دائما في مصلحة أصحاب الدخول المرتفعة بحيث انخفض السعر التصاعدي من 62% إلى 42% حاليا. في حين نجد أن الملزمين أصحاب الدخول الضعيفة لم ينخفض السعر بالنسبة إليهم إلا بنسبة 1% أي من 14 % إلى 13% أما وفق قانون مالية 2007، فعلى الرغم من رفع الحد الأدنى المعفى من 20000 درهم إلى 24000 درهم. فإن المشرع المغربي لم يتمكن – نتيجة لتغليب الهاجس الحسابي- من التخفيض من السعر الأدنى بل على العكس من ذلك رفعه إلى 15%.
وتجدر الملاحظة إلى أن هذه الأسعار التصاعدية لا تطبق على نفس الدخول. بحيث إن هناك أسعارا خاصة أخرى تطبق على دخول أخرى. فمثلا نلاحظ بأن الدخول العقارية الناتجة عن تفويت العقارات يطبق عليها سعر 20% على أساس أن لا يقل الحاصل على 3% من ثمن التفويت .
فأي فائدة إذن ترجى من تجميع هذه الدخول في ضريبة واحدة مادام أن مقتضياتها تختلف من دخل إلى دخل آخر، بل أكثر من ذلك نلاحظ بأن نفس الدخل تطبق عليها إجراءات مختلفة. وهذا شأن الأجور والدخول المعتبرة في حكمها.
فالمصاريف المرتبطة بالوظيفة أو العمل والتي تخصم قبل تطبيق الأسعار الضريبية، تختلف حسب طبيعة المهن. فكيف يعقل أن يطبق خصم 17% فقط على فئة عريضة من الملزمين (عمال، موظفين من أساتذة التعليم الابتدائي إلى الاساتذة الجامعيين...الخ) في حين أن فئات أخرى يصل مبلغ الخصم بالنسبة إليها إلى 35% كالفنانين المسرحيين والغنائيين والسينمائين وراقصي الباليه، والفنانين الموسيقيين ورؤساء الأجواق؟!
بل أحيانا يصل مبلغ الخصم إلى 45% كما هو الشأن بالنسبة للملاحين بالطيران التجاري .
واخيرا نلاحظ بالنسبة للإعفاءات العائلية أن المشرع المغربي أعطى للملزم الحق في خصم مبلغ 180 درهم من مبلغ الضريبة عن الأشخاص الذين يعيلهم والمتمثلين في زوجته وأولاده سواء الذين هم من صلبه أو يأويهم بصفة شرعية في إطار كفالة مثلا، وذلك على شرط ألا يتجاوز دخل كل واحد منهم مبلغ 24000 درهم.
إن هذا الأجراء كان بالإمكان قبوله لو توقف المشرع المغربي عند هذه الجملة الأخيرة ، لكنه أضاف بأن مبلغ الخصم لا يمكن في كل الأحوال أن يتجاوز 1080 درهم بمعنى عدم تجاوز 6 خصوم، وأيضا أن لا يتجاوز سن الأبناء 21 سنة إذا انقطعوا عن الدراسة، وسن 25 سنة إذا كانوا يتابعون دراستهم.
وهذا الأمر يثير نوعا من الاستغراب، على اعتبار أنه لا يحترم خصوصية العائلة المغربية التي قد تأوي إما أبناء تجاوزوا سن 21 سنة ولم يتمكنوا لا من متابعة دراستهم، ولا من الحصول على منصب شغل، أو أبناء تجاوزوا سن 25 سنة ومازالوا يتابعون دراستهم، أو حصلوا على شواهد عليا ولم يتمكنوا من الدخول إلى سوق الشغل.
فحسب المنطق الضريبي، لا يعترف المشرع المغربي بهذه الفئة كأبناء للملزم، رغم أنهم عالة على هذا الأخير. فهل يرمي بهم في الشارع متجاوزا بذلك مقتضيات القانون الدولي لحقوق الإنسان على مستوى ضمان الحقوق وتوفير الرعاية اللازمة لأبناءه، أم يمتنع عن أداء ما بذمته لخزينة الدولة تحت طائلة عدم عدالة نظامنا الضريبي ؟

الفقرة الثانية : الضريبة على الشركات
لاشك أن حق التجارة وإقامة مشاريع استثمارية، معترف به ومضمون بمقتضى الكثير من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وذلك سواء تعلق الأمر بالأشخاص الذاتيين أو المعنويين.
غير أن المنطق الذي تعامل به المشرع المغربي بالنسبة للشركات أدى إلى المس بمبدإ الإنصاف، بعد أن تم سن قواعد تتعامل بمنطق مزدوج يحمل أحيانا محاباة وتقديم إعفاءات للعديد من المقاولات، في حين يضيق الخناق ويرفع العبء الضريبي على مقاولات أخرى.
فالمادة السادسة من المدونة العامة للضرائب  ميزت بين الإعفاءات والتخفيضات الدائمة، وبين الإعفاءات والتخفيضات المؤقتة .
إن هذا الإجراء قد يكون مقبولا إذا كانت نية المشرع المغربي تتجه نحو تشجيع بعض المستثمرين على إقامة مشاريع تنموية في قطاعات معينة بغية حماية حقوق أخرى كحق الشغل للعمال، أو تلبية حاجيات السوق من خدمات أو مواد معينة. أو ربما يتعلق الأمر بإعفاء بعض الجمعيات ذات المنافع العامة أو بعض المؤسسات التي تقدم خدمات صحية للمواطنين كالعصبة الوطنية لمكافحة أمراض القلب والشرايين أو مؤسسة الحسن الثاني لمكافحة داء السرطان.
غير أن الواقع العملي أثبت غير ذلك، بحيث منح المشرع المغربي إعفاءات أخرى مجانية طالت قطاعات مهمة كان بالإمكان أن تجلب موارد ضريبية لا بأس بها لخزينة الدولة كالدخول الزراعية المعفاة مؤقتا إلى غاية 31/12/2010 ولربما قد يتم تمديد هذا الإعفاء إلى سنوات أخرى ؟ !
وأيضا المنشآت المصدرة للمنتجات أو الخدمات. والمؤسسات الفندقية التي تتمتع بإعفاء كلي من الضريبة لمدة 5 سنوات وبتخفيض دائم يصل إلى 50% من الضريبة بعد مضي هذه المدة. هذا مع العلم أن لهذه الأخيرة – أي المؤسسات الفندقية- إعفاءات وتحفيزات ضريبية أخرى تهم على الخصوص الرسم المهني ورسم الخدمات الجماعية اللذان سيدخلان إلى حيز التطبيق في يناير 2008
هذا بالإضافة إلى المنعشين العقاريين الذين يتمتعون بمجموعة من الإعفاءات منها امتياز التخفيض المؤقت الذي تصل نسبته إلى 50% من الضريبة،وذلك عندما يتعلق الأمر ببناء أحياء وإقامات  ومبان جامعية تتكون على الأقل من 250 غرفة لا تتجاوز الطاقة الإيوائية لكل واحدة منها سريرين، وهذا خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات . هذا مع العلم أن لهذه الأخيرة إعفاءات جبائية تهم الكثير من الرسوم الجماعية.
وعلى العكس من ذلك تخضع كل الشركات غير المشار إليها في المادة السادسة من المدونة العامة للضرائب، للضريبة على الشركات دون أن تتمتع بأي إعفاء يذكر، سيما تلك التي تخضع للسعر النسبي 30% .بحيث نلاحظ بأن المشرع المغربي لم يأخذ بعين الاعتبار إختلاف مردودية المقاولات الصغرى والمتوسطة عن المقاولات الكبرى. لذلك كان من الأفضل تطبيق أسعار تصاعدية بشكل عقلاني حتى يتسنى ضمان العدالة الجبائية وحماية حقوق المستثمرين.
بل أكثر من ذلك ألزم المشرع هذه الشركات بأداء أقساط احتياطية عن السنة المرجعية السابقة. وذلك قبل حلول أجال الدفع المرتبط بصدور الإعلام بالضريبة ؟!   ولايخفى ما يثيره هذا الإجراء من تعقيدات وعراقيل سيما إذا تجاوز مبلغ الحد الأدنى المبلغ القانوني للضريبة.
كما أن إعتماد الأسعار الخاصة المطبقة على بعض الشركات والتي تتراوح ما بين 8%  و20% لا ينسجم مع منطق العدالة الضريبية بحيث تبرز هنا نية المشرع المغربي في تشجيع قطاعات اقتصادية على حساب قطاعات أخرى. بل أكثر من ذلك، هناك بعض المقاولات تؤدي مبالغ مالية جد هزيلة بالمقارنة مع الأنشطة والأرباح التي تحصل عليها. فكيف يعقل أن تؤدي الشركات القابضة الحرة (holding offshore) مبلغ 500 دولار فقط في السنة مع إبراءها من جميع الضرائب والرسوم الأخرى المفروضة على أرباحها أو دخولها، في حين أن مقاولات مغربية أخرى لها أنشطة جد هزيلة ومع ذلك تؤدى أضعاف هذا المبلغ ؟

الفقرة الثالثة : الضريبة على القيمة المضافة
إن المتتبع لسلسلة التعديلات التي همت الضريبة على القيمة المضافة منذ دخولها إلى حيز التطبيق بداية من فاتح أبريل 1986، يكشف عن خطة المشرع في تغليب هاجس تحقيق المردودية على حساب العدالة الجبائية.
فإذا كان بعض المهتمين بالحقل المالي، يجدون تبرير فرض هذه الضريبة غير المباشرة على المكلف في كونه أنه ثمة قيمة مضافة أضافها كل منتج أو متدخل على السلعة أو الخدمة أو المنتوج من مرحلة التصنيع أو الإنتاج إلى مرحلة الاستهلاك- فإن التساؤل يبقى مطروحا بالنسبة لماهية القيمة التي أضافها المستهلك ليتحمل عبئها في نهاية المطاف ؟
هذا مع العلم أن هناك إمكانية للمتدخلين أي المكلفين القانونيين لنقل أعباءهم الضريبية إلى ان تستقر في الأخير على المكلف الفعلي (المستهلك) الذي ليس له إمكانية لنقل هذه الأعباء، والذي لا ذنب له سوى أنه إشترى حاجياته الأساسية لضمان استمراريته في العيش.
وعليه، يعتبر أغلبية الباحثين بأن الضريبة على القيمة المضافة كضريبة غير مباشرة، غير عادلة.
وفعلا، فإنه بمجرد إلقاء نظرة خاطفة على الأسعار المطبقة، نستشف مدى التأثير السلبي لها على القدرة الشرائية للمواطنين.
- فسعر 7% يطبق على بعض المواد الأساسية التي لا يمكن للمواطن المكلف الاستغناء عنها كالمنتجات الصيدلية التي كان من المفروض أن تعفى على غرار ما يجري به العمل في بعض الدول العربية كلبنان  وذلك حتى يتسنى للمرضى ممارسة حقهم في العلاج وفق شروط مادية مناسبة. وهنا تجدر الملاحظة إلى أن المشرع المغربي لم يكلف نفسه حتى عناء القيام بأعفاء بعض الأدوية المخصصة لعلاج بعض الأمراض المزمنة، اللهم إذا ما استثنينا ما أشارت إليه الفقرة 19 من المادة 92 من المدونة العامة للضرائب والتي أعفت فقط الأدوية المخصصة لعلاج أمراض السكري والربو وأمراض القلب والشرايين ومرض السيدا .
بل أكثر من ذلك لم يسلم حتى الأطفال الرضع من تطبيق هذا السعر على مسحوق الحليب الذي يشربونه. فيكف يمكن لنا أن نضمن تغذية سليمة لأبنائنا مادام أننا نشجب حقهم في اقتناء حاجياتهم ؟ سيما وأن تقرير 50 سنة من التنمية البشرية وآفاق 2025 أشار إلى أن الأوضاع الصحية بالمغرب متدهورة، مع الاعتراف بفشل البرنامج المتعلق بصحة الأم والطفل بحيث لوحظ وفاة 227 مولودا من أصل 100000 ولادة في حين أن الجزائر تعرف فقط وفاة 140 مولودا والاردن 40 مولودا.
وحتى إذا كبر هذا الرضيع وبلغ سن التمدرس، فإنه يفاجئ بتطبيق السعر المذكور أي 7% على أدواته المدرسية، الأمر الذي يقف حائلا أمام حقه في التعليم المضمون بمقتضى الدستور المغربي والمنصوص عليه في المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 دجنبر 1948، وأيضا في المادة 13 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 3 يناير 1976  هذا مع العلم أن نسبة الأمية في المغرب تصل حسب تقرير 50 سنة من التنمية البشرية وآفاق 2025 إلى 43%.
- أما سعر 10% فيطبق بدوره على بعض المواد التي لا يمكن لا للمواطن البسيط ولا للغني الاستغناء عنها، كالزيوت السائلة الغذائية، ملح الطبخ، الارز المصنع والعجائن الغذائية. ويطبق أيضا على بعض المعاملات المهمة كعمليات القرض الفلاحي التي يقوم بها القرض الفلاحي المغربي، الأمر الذي يشكل اجحافا في حق الفلاح المغربي البسيط الذي تضرر كثيرا في السنوات الأخيرة، إما من سنوات الجفاف أو من سنوات الفياضانات. وهذا مخالف لخطة المغرب في تنمية العالم القروي.
- ويطبق سعر 14% على بعض المواد الغذائية كالزبدة، والشاي الذي يعتبر المشروب الأساسي للعائلة المغربية، والذي لا يمكن بالنسبة لعدد كبير من المواطنين الاستغناء عنه.ونفس الشيء بالنسبة لعمليات نقل المسافرين التي تخضع لنفس السعر ، فكيف يمكن للإنسان ممارسة حقه في التجول أو السفر مادام هذا الحق مؤدى عنه ؟
_ ونلاحظ في الأخير أن السعر العادي 20 % المطبق على المواد والخدمات غير المدرجة في الأسعار الخاصة أعلاه يبقى مرتفعا بالنظر إلى مستوى الدخل الفردي ، وبالمقارنة مع الأسعار المطبقة في بعض الدول كفرنسا التي تطبق سعر19,6% ولبنان التي تطبق سعرا موحدا هو  10% ولعل في فرض هذا السعر العادي على بعض العمليات المرتبطة بالأشغال العقارية_ كعمليات البناء التي تدخل في نطاق تسليم الشخص البضاعة لنفسه والتي مفادها أن المكلف الذي يقوم ببناء عقار، ولربما يبيع الأشياء الضرورية عنده، ويقترض الأموال من المؤسسات البنكية لإنجاز هذه العلمية، ويجد نفسه في الأخير مجبرا على أداء الضريبة على القيمة المضافة متى تعدت المساحة المبنية 300 م مربع. _ يبقى مجحفا ، فبأي حق يصح فرض هذه الضريبة على شخص عادي ليس بمقاول في الاشغال العقارية، بل يخصص مسار حياته المهنية فقط من أجل ضمان سكن يأويه هو وأسرته ؟
ولذلك فإن الضغط على المستهلك وعدم إنصافه، ومحاباة فئات أخرى عن طريق منحها إعفاءات مجانية  يضر بثقافة حقوق الإنسان، ويجعل نظامنا الضريبي غير عادل.
فهل استوعب المشرع المغربي هذه المخاطر، وتدارك الموقف على مستوى الجبايات المحلية التي ستدخل إلى حيز التطبيق ابتداء من يناير 2008 ؟
 ذلك ما سنحاول الإجابة عنه في المبحث الثاني الذي اخترنا فيه نموذج جبايات الدولة المحولة إلى رسوم جماعية بمقتضى قانون 47.06.






















المبحث الثاني
قراءة لضرائب الدولة المحولة إلى رسوم جماعية

لعل من بين الأسئلة التي يمكن أن نطرحها قبل الخوض في دراسة كل رسم على حدة، هي ما جدوى تحويل الضريبة المهنية، الضريبة الحضرية ورسم النظافة إلى رسوم جماعية ؟
فهل للجماعات المحلية الإمكانيات المادية والبشرية لضبط هذه الرسوم ؟ ذلك لأن التجربة أبانت على أن المديريات الإقليمية للضرائب كانت تجد – رغم الخبرة الطويلة التي اكتسبها أطرها- الكثير من المشاكل لضبط الوعاء الضريبي لها، سيما على مستوى الاحصاء العام للضرائب، والذي لاحظنا على أنه بدأ الاستغناء عنه بشكل تدريجي خاصة في هذه السنة.
وبالتالي هل تم التفكير في الآليات التي ستمكن من خلق تنسيق مستقبلا بين مديريات الضرائب والجماعات المحلية على مستوى التواصل، وتبادل المعلومات بكل دقة، وبأكثر سرعة ممكنة ؟
ذلك لأن النظام الجزافي المعتمد في الضريبة على الدخل مرتبط بمعرفة القيمة الإيجارية المعتمدة بالنسبة للضريبة المهنية ، أي الرسم المهني حسب قانون 47.06. ونفس الشيء بالنسبة للدخول العقارية (مبالغ الكراء) المصرح بها في إطار الضريبة على الدخل والتي تتطلب للتأكد من صحتها ، معرفة المداخيل الكرائية التي تم إحصاؤها في إطار رسم النظافة أي رسم الخدمات الجماعية الحالي
ونتساءل في الأخير حول ماهية المقابل المباشر الذي ستقدمه الجماعات المحلية للملزم مادام أن الأمر أصبح متعلقا برسوم ؟

الفقــرة الأولـــى : الرســم المهنــي
إن القيام بقراءة أولية لقانون 47.06، ووضع مقارنة بين الرسم المهني الجديد والضريبة المهنية، يكشف منذ الوهلة الأولى، تراجع المشرع المغربي عن خطة تحقيق العدالة الجبائية، على الرغم من كونها تعتبر من الركائز الأساسية لقانون إطار الإصلاح الجبائي المنظم بمقتضى ظهير 23/04/1984.
ومن ثمة، نستشف هاجس تحقيق المردودية على حساب حقوق الملزمين.
فحقيقة إن المشرع المغربي نفذ إلى حد ما خطة تبسيط الوعاء الجبائي في الرسم المهني، وذلك عندما قسم أسعار هذا الرسم إلى 3 طبقات، وبثلاثة أسعار :
- الطبقة الأولى بسعر %30
- الطبقة الثانية بسعر 20%
- الطبقة الثالثة بسعر 10 %
وذلك بدل اعتماد جدولين (أ) الذي يقسم إلى 5 أسعار و"ب" الذي يقسم إلى سعرين .
لكن هذا الإجراء كان على حساب حقوق الملزمين الذين سيرتفع العبء الضريبي عليهم بشكل ملحوظ.
ولتوضيح هذه الفكرة ندرج الجدول التالي
مقارنة بين طبقات وأسعار الضريبة المهنية والرسم المهني
الضريبة المهنية الرسم المهني
جدول (أ) السعر الطبقة السعر
0 (أ) 30%
1


30%


1 (أ) 25%
2 (أ) 15%
2




20%




3 (أ) 15%
4 (أ) 15%
5 (أ) و6 (أ) 10%
10%
3
10%
7 (أ) الأشخاص المعنوية 5%
الأشخاص الطبيعية غير خاضعة

جدول (ب) السعر الطبقة السعر
(ب1) 20%

1 30%

2 20%
(ب2) 10%
3 10%
نلاحظ من خلال هذا الجدول بأن جميع الملزمين الذين كانوا خاضعين لسعر 25% في الجدول 1(أ) أصبحوا خاضعين لسعر 30% كالصيدلي الذي يعمل لديه أكثر من مستخدمين أو طبيب الأسنان الذي يعمل لديه معد واحد وله ورشة لصناعة الأسنان أويشغل معدين إثنين.
ولذلك إذا أراد هذان الملزمان تخفيف العبء الضريبي عنهما ما عليهما سوى طرد المستخدم الثالث بالنسبة للصيدلي، والمعد أو المعدين بالنسبة لطبيب الأسنان ليصبحا خاضعين لسعر 20%، لكن سيكون ذلك على حساب الإضرار بحق الشغل للضحايا المعنيين بالأمر .
كما أن جميع الملزمين الذين كانوا خاضعين لسعر15%،أصبحوا خاضعين لسعر %20 ، كمستغل متجر للتغذية العامة
و نلاحظ أيضا بأن الكثير من الملزمين الذين كانوا خاضعين لسعر 10% في النظام القديم ، سيصبحون – حسب الرسم المهني- خاضعين لسعر 20% كبائع أو صانع ألعاب الأطفال الصغار. مع العلم أن المشرع جعل البائع او الصانع بالتقسيط مساوي للبائع او الصانع بالجملة وهذا يثير نوعا من الاستغراب ؟!
بل اكثر من ذلك تم إلغاء الإعفاء الممنوح لكثير من التجار والحرفيين من الأشخاص الطبيعيين المرتبين حاليا في الجدول 7 (أ) كمستغل الفران التقليدي، مسوي آلة البيانو، المصور بدون محل تجاري، النجار الذي يعمل بدون آلات، والشخص الذي يتولى الذبح في المجازر.. .إلخ
ومعنى هذا أن شريحة مهمة من التجار، قد تتوقف عن ممارسة حقها في مزاولة هذه المهن نتيجة للضغط الضريبي المرتقب ولا يخفى ما قد يترتب عن ذلك من تشريد لكثير من العائلات الذين قد يحرمون من أبسط حقوقهم الأساسية.
أما بالنسبة للجدول (ب) فقد لاحظنا بأن بعض الملزمين الذين كانوا خاضعين لسعر 20%، أصبحوا خاضعين لسعر 30% ، كمكري السيارات. وبعض الملزمين الذين كانوا خاضعين لسعر 10%، أصبحوا خاضعين لسعر20%،  كبائع السكاكر بالجملة بحيث ميز هنا المشرع بين البائع بالتقسيط الذي احتفظ له بسعر10%، والبائع بالجملة الذي رفع السعر بالنسبة إليه إلى 20%. وهذا عكس المثال السابق المتعلق بصانع أو بائع ألعاب الأطفال الذي كما رأينا أعلاه، لم يميز فيه المشرع بين البائع أو الصانع بالتقسيط، والبائع أو الصانع بالجملة. وهذا يدل على تجاهل لثقافة المساواة والعدالة الجبائية.
زد على ذلك، أن تحويل الضريبة المهنية إلى رسم جماعي لن يترتب عنه تقديم أي خدمة للملزم.

الفقرة الثانية : رسم السكن
لاشك أن حق السكن معترف به بمقتضى القانون الدولي لحقوق الإنسان، سيما المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 دجنبر 1948 ولذلك لابد من العمل على توفير كل الشروط الملائمة لضمان سكن لائق لكل أفراد المجتمع.
لكن الملاحظ، أن هذا الحق أصبح مشروطا بأداء نفقات جبائية قد لا تشجع المرء على أداء ما بذمته، خاصة أمام ضعف القدرة الشرائية، وأمام إحساس الملزم بعدم وجود عدالة جبائية.
ففي إطار رسم السكن الحالي، تراجع المشرع المغربي عن المكتسبات السابقة التي كانت فيها إلى حد ما ضمانات للملزم على مستوى تحديد القيمة الإيجارية المعتمدة لاحتساب الضريبة الحضرية، بحيث كانت لجنة الإحصاء مكونة حسب المادة السابعة من ظهير 30 دجنبر 1989 من " ممثل لمجلس الجماعة، مفتش للضرائب المباشرة والرسوم التي في حكمها، ممثل عن غرفة التجارة والصناعة، وأعضاء مختارين من بين السكان يكون عددهم مناسبا لعدد سكان الجماعة " .
وعلى الرغم من كون أن هذه اللجنة لم يكن يحضرها على المستوى الواقعي أثناء مزاولة عملية الإحصاء العام للضرائب سوى مفتش الضريبة بمساعدة ممثل السلطة، وذلك لغياب ثقافة المواطنة عند بقية الأعضاء  - فإنه مع ذلك كانت هناك ضمانات للملزم، بحيث إن تحديد القيمة الإيجارية للعقارات موضوع الضريبة، كان يتم عن طريق اتفاق كل أعضاء اللجنة. بمعنى أنه كانت هناك فرصة لممثل السكان، وممثل مجلس الجماعة، وكذا ممثل الغرف المهنية للدفاع عن مصالح الملزمين المتواجدين في الأحياء التابعة لهم. أما حاليا، وحسب رسم السكن الذي دخل إلى حيز التطبيق ابتداء من يناير 2008، فقد أصبح للجنة الإحصاء تكوينا إداريا محضا، بحيث لا تضم سوى مفتش الضرائب يتم تعيينه باقتراح من إدارة الضرائب، وممثل عن المصالح الجبائية للجماعة يعين باقتراح من رئيس المجلس الجماعي . فأي ضمانات يوفرها هذا الرسم نظير عدم التعسف في تحديد القيمة الإيجارية، وضمان العدالة الجبائية ؟ سيما وقد تم إلغاء الاعتماد على طريقة التقدير المباشر، بحيث تم الاكتفاء بالاعتماد على طريقة التقدير عن طريق المقارنة. وهذا يثير نوعا من الاستغراب ؟
فإذا كانت هذه الطريقة الأخيرة تبدو منصفة، على اعتبار أن لجنة الإحصاء ستعتمد على متوسط الأكرية المتواجدة في الحي الذي يتم فيه إحصاء العقارات الجديدة. فكيف يمكن تطبيق هذه الطريقة عندما يتعلق الأمر بحي جديد لم يسبق أن تم اكتراء عقاراته ؟
فالأكيد أن طريقة التقدير المباشر، كانت تجد حلا لهذا المشكل خاصة إذا ما تم اعتماد معايير منطقية تأخذ بعين الاعتبار لمواصفات العقار وموقعه. لكن في حالة ما إذا تم تعميم طريقة التقدير عن طريق المقارنة، فسيكون هذا الإجراء غير عادل، وغير متوافق مع المنهج المقارن الذي يستعمل في الأشياء المتماثلة، لا بين أحياء قديمة وأخرى جديدة لا تتوفر فيها نفس المواصفات.
وتجدر الملاحظة إلى أن رسم السكن قد خرق حق المساواة بين المواطنين المقيمين في المغرب وإخوانهم المقيمين بالخارج  كيف ذلك ؟
اشترط المشرع المغربي لتطبيق الخصم الخاص بالسكنى الرئيسية والذي يبلغ 75% من القيمة الإيجارية للعقار، أن يضع المقيم بأرض المهجر محل سكناه بالمغرب، مجانا رهن إشارة إما زوجته أو أحد أصوله أو فروعه من عمود النسب المباشر.
ومعنى هذا، وحسب منطوق الفصل 24 من القانون رقم 47.06، أن الشخص المقيم بالخارج إذا ما ترك محل سكناه فارغا بحكم تواجد زوجته وأبناءه معه خارج أرض الوطن، وأيضا بحكم تواجد والديه في محل سكني آخر، أولا قدر الله إذا كانا متوفيين، فإنه سيفاجئ عند رجوعه إلى بلاده بتطبيق رسم السكن بنسبة مائة في المائة .
ولتوضيح هذه الفكرة نسوق المثال التالي :
لنفترض أن أحد الملزمين يقطن بالمغرب، ويتخذ عقارا كسكنى رئيسية له، تم تقويمه من طرف لجنة الإحصاء بمبلغ 120000 درهم كقيمة إيجارية سنوية.
فحسب الرسم الجديد سيؤدي المعني بالأمر المبلغ الواجب عليه كالتالي :
120000 – 75% كخصم عن السكنى الرئيسية = 30000 درهم
(30000 × 20 %) – 2500 درهم = 3500 درهم
ولنتصور أن ملزما آخر يعمل بالديار الأوربية، وله عقار فارغ في المغرب قومته لجنة الإحصاء بنفس القيمة الإيجارية أعلاه أي ب 120000 درهم. فسيؤدي المعني بالأمر مبلغ الرسم على الشكل التالي:
120000 × 30 % - 6500 درهم = 29500 درهم
فكما نلاحظ أن المشرع المغربي لم يعط حق خصم 75 % من القيمة الإيجارية على العقارات التي يتركها المهاجرون في المغرب دون أن تكون مشغولة كسكنى من طرف الزوجة أو أحد الفروع أو الأصول من عمود النسب المشار. ولذلك قد يفاجئ هذا الملزم عندما يعود إلى أرض الوطن في العطلة السنوية،سيما إذا ما تم تفعيل الإحصاء العام للضرائب، بأداء مبلغ يتضاعف بأكثر من ثمان مرات (8,42 ×) عن المبلغ الذي سيؤديه المغربي المقيم بالمغرب.
وهذا الأمر لا يتفق مع خطة النظام الذي يشجع المغاربة المقيمين بالخارج على قضاء عطلتهم السنوية في المغرب لجلب العملة الصعبة .
قد يقول البعض بأن الرسم الحالي توجد فيه مع ذلك بعض الإيجابيات تتجلى على الخصوص في رفع الجزء المعفى من 3000 درهم إلى 5000 درهم. ولكن هذا الإجراء لن يستفيد منه سوى فئة قليلة من الملزمين، إذ إن أغلب القيم الإيجارية تتجاوز هذا المبلغ.
كما أن إعفاء الجزء المخصص للاستغلال المهني من رسم السكن، كان على حساب زيادة العبء الضريبي على المقاولات في رسم الخدمات الجماعية وهذا ما سنراه في الفقرة الثالثة.

الفقرة الثالثة : رسم الخدمات الجماعية
إن الذي يتمعن في كلمة الخدمات الجماعية، يتصور بأن الجماعات المحلية ستقدم مزايا وخدمات كثيرة للملزمين، وذلك كمقابل مباشر لما يؤدونه وهنا نتساءل ماهي هذه الخدمات وما طبيعتها ؟
فهل يتعلق الأمر بخدمات النظافة والتطهير ؟ لا نعتقد ذلك لأن هذا النوع من الخدمات مؤدى عنه في إطار الضريبة على القيمة المضافة المدمجة في ثمن فاتورة الماء .
فبأي حق يتم فرض هذا الرسم الذي يحمل مصطلحا ليس في محله. رسم لا يقدم أي خدمة للملزمين ؟
ومع ذلك كان بالإمكان تجاوز هذه السلبيات، لو حافظ المشرع على نفس المقتضيات المطبقة سابقا في إطار رسم النظافة، بل لوحظ أن هاجس تحقيق المردودية طغى إلى درجة أنه تم إخضاع الآلات المتحركة، وآلات الحاسوب، والتهيئة المرتبطة بإعداد المحلات التجارية (les aménagements) التي كانت غير خاضعة للرسم النظافة، لرسم الخدمات الجماعية.
ومعنى هذا، أن ما خسرته الجماعات المحلية في رسم السكن، الذي أعفي فيه الجزء المهني الخاضع للضريبة الحضرية – حاولت تداركه بإجراءات مجحفة لم يتم فيها احترام وضعية الملزمين، ولا مبدأ الإنصاف والعدالة.
ولتوضيح هذه الفكرة ندرج المثال التالي :
مثال تطبيقي يوضح أثر إدماج كل العناصر الخاضعة للرسم المهني في رسم الخدمات الجماعية
(مقارنة بين رسم النظافة ورسم الخدمات الجماعية)
لنتصور أن مقاولة معينة قامت بشراء أرض وبنت عليها مصنعا خصصته لحرفة النجارة، ولتسوية وضعيتها الجبائية أدلت لمصلحة الوعاء الجبائي بالبيانات التالية :
1- تاريخ الحصول على رخصة مطابقة الأشغال في 12/12/2005
2- تاريخ الحصول على رخصة الاستغلال في 12/01/2006
3- عناصر القيمة الإيجارية المعتمدة لاحتساب الرسم على الشكل التالي :





تكلفة البناء والتهيئات الخاصة بالمقاولة رسم النظافة رسم الخدمات الجماعية
السعر القيمة الإيجارية السعر القيمة الإيجارية
ثمن الأرض: 700000 درهم 3% 21000 درهم 3% 21000 درهم
تكلفة البناء: 500000 درهم 3 % 15000 د 3% 15000 د
ثمن الالات الثابتة:400000 درهم 3 % 12000 د 3% 12000 د
ثمن الالات المتحركة:400000درهم غير خاضعة 0 3% 12000 د
ثمن آلات الحاسوب: 100000 درهم غير خاضعة 0 3% 3000 د
تكلفة التهيئة : 400000 درهم
Les amenagements غير خاضعة 0 3% 12000 د
مجموعة القيمة الإيجارية الإجمالية 48000 درهم 75000 درهم

فكما نلاحظ من خلال هذا الجدول أن مبلغ القيمة الإيجارية الإجمالية وفق رسم الخدمات الجماعية يفوق مبلغ القيمة الايجارية الاجمالية المحتسبة بالنسبة لرسم الحالي وعليه سيؤدي الملزم :
وفق رسم النظافة ما يلي:
48000 درهم × 10 % = 4800 درهم
4800 درهم × 5 % ( الرسم الإضافي) = 240 درهم
المجموع : 4800 درهم + 240 درهم = 5040 درهم
أما بالنسبة لرسم الخدمات الجماعية فسيؤدي الملزم ما يلي:
75000 درهم × 10.5 % = 7875 درهم
ولذلك نلاحظ بأن العبء الجبائي سيزداد على الملزم بنسبة 56.25 %
وزيادة على ذلك، لاحظنا بأن الرسم الجديد ظل يحمل بعض عيوب رسم النظافة كيف ذلك ؟
إن الملزم الذي حصل على رخصة السكن بالنسبة للعقارات المخصصة للسكنى الرئيسية أو الثانوية، أو على رخصة مطابقة الاشغال بالنسبة للاستغلال المهني في شهر يناير من سنة معينة، يفرض عليه الرسم في نفس السنة. في حين أن الذي لم يحصل على الرخصة المعينة إلا في شهر فبراير سواء في أوله أو في آخره لن يؤدي المبلغ المطلوب إلا في السنة الموالية.
ومعنى هذا أنه يمكن أن يكون فرق يوم واحد بين تاريخ رخصتين يفضي إلى فرض الرسم على أحد الملزمين في نفس السنة، بينما الآخر لن يؤدي إلا في السنة المقبلة.
ولتوضيح هذه الفكرة نسوق المثال التالي :
لنفترض أن السيد أحمد حصل على رخصة السكن لعقار صنفته لجنة الاحصاء كسكنى ثانوية بتاريخ 31/01/2007 وتم تقويمه بمبلغ 80000 درهم كقيمة إيجارية سنوية.
فالمعنى بالأمر سيؤدي في نفس السنة التي حصل فيها على رخصة السكن أي في سنة 2007 ما يلي:
80000 × 10,5% = 8400 درهم
ولنتصور أن ملزما آخر يدعى سعيد حصل على رخصة السكن لعقار يحمل نفس المواصفات ونفس الغرض المعد له بتاريخ 01/02/2007 أي يفارق يوم واحد عن تاريخ رخصة السكن للسيد أحمد.
فالسيد السعيد لن يؤدي المبلغ أعلاه إلا في سنة 2008 ولذلك كان على المشرع المغربي أن يعمل على تطبيق أسلوب فرض الرسم حسب عدد شهور السكنى أو الاستغلال المهني، وذلك على غرار ما يجري به العمل بالنسبة للضريبة المهنية وأيضا الرسم المهني الحالي.
وعليه سيؤدي الملزم الثاني حسب هذا الإقتراح :
80000 × 10,5% = 8400 درهم (المبلغ عن سنة كاملة)
8400 × 11 = 7700 درهم (المبلغ عن أحد عشر شهرا أي من شهر فبراير إلى شهر دجنبر 2007) ليتحقق بذلك منطق العدالة الجبائية وضمان تكافؤ الحقوق.


















خـــاتمة :
لقد لاحظنا بأن المشرع المغربي ظل بعيدا عن المدلول الحقيقي للعدالة الجبائية، على اعتبار أن الهاجس المتحكم على مستوى فرض الضرائب والرسوم كان دائما هو تحقيق المردودية ولو على حساب حقوق الخاضعين للضريبة.
حقيقة إن مسألة النهوض بالموارد الجبائية، وضبطها في اتجاه تحقيق التنمية تعتبر في نهاية المطاف حقا معترفا به لجميع الدول، لكن لا ينبغي استغلال هذا الحق للقيام بالزيادة في العبء الجبائي على فئات معينة وتخفيفه على فئات أخرى. فالتنمية بدورها تعتبر حقا من حقوق الإنسان يقضي بتوفير كل الضمانات لممارسته وهذا ما أشارت إليه المادة الأولى من إعلان الحق في التنمية الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 04/12/1986 والتي جاء فيها: " الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف، وبموجبه يحق لكل إنسان ولجميع الشعوب المشاركة والاسهام في تحقيق تنمية اقتصادية، اجتماعية، ثقافية وسياسية، والتمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها إعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالا تاما" .
حتى إن مسألة تشجيع بعض المقاولات والشركات لإقامة مشاريع استثمارية عن طريق منحها إعفاءات جبائية لم تأت أكلها، ذلك لأن تقرير البنك الدولي الأخير حول أداء الأعمال صنف المغرب في المرتبة 129 على مستوى سهولة إقامة المشاريع .
ولذلك أثبت الدراسات الحديثة بأنه من الصعب تحقيق التنمية في غياب الإنصاف. وهذا أيضا ما أشار إليه البنك الدولي في تقريره عن التنمية في العالم لسنة 2006، بحيث اعتبر بأن هناك علاقة بسببية بين التنمية والإنصاف، وأن معنى هذا الأخير هو خلق تكافؤ للفرص بين مجموع أفراد الساكنة، وعدم إلقاء التكاليف كلها على المواطنين.
 هكذا ظلت القيادات السياسية بعيدة عن الفهم الحقيقي لمدلول التنمية. ويكفي أن نشير هنا إلى أنه عندما أعلن الملك عن انطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في خطابه المؤرخ ب 18/05/2005_ والذي جاء في بعض مقتطفات منه " ...ونود التأكيد في هذا السياق، على أنه لن يتم اللجوء إلى أي ضرائب أو تحملات جبائية جديدة، لا على المواطن، ولا على المقاولة..."- لم تستطع الحكومة العاقة و المنتهية ولايتها استيعاب روح الخطاب الملكي، بحيث استمرت في الزيادة في بعض الضرائب. كالضريبة على القيمة المضافة التي عرفت زخما من التعديلات بموجب قانون مالية 2006  . بل أكثر من ذلك أشار وزير المالية في تصريح لدى لفي إيكو بأنه سيتم اعتماد سعرين لهذه الضريبة وهما 10 و20 % وأن هذا الأمر سيدخل إلى حيز التنفيذ في سنة 2008 ومعنى هذا، أن المواد الخاضعة حاليا لسعر 7% ستصبح خاضعة لسعر 10% وأن تلك الخاضعة لسعر 14% ستصبح خاضعة لسعر 20%  .
ونتيجة لذلك، نرى في الأخير، أنه عندما تكون الجبايات غير عادلة، ولا تحترم الحقوق الأساسية للأفراد بل نعمل على تحجيمها، كيف يحق لنا أن نطلب من الخاضع للضريبة أن يكون مواطنا صالحا، ويؤدي بكل روح المسؤولية والمواطنة ما بذمته لخزينة الدولة ؟ كيف يمكن لنا أن نطلب منه أن يصرح بكل شفافية بمداخيله الحقيقية ؟ كيف يمكن لنا أن نطلب منه المساهمة في تأدية الأعباء العامة والآخرون يغتنون على حسابه ولا يؤدون ولو درهما واحدا لخزينة الدولة ؟ كيف  يمكن لنا أن نطلب منه أن يكون ديمقراطيا وديمقراطيتنا بدون ديمقراطيين ؟

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا