الحديث عن أوضاع بعض السجناء والسجون يفرض الوقوف عند محتوى ومضمون بعض المفاهيم
على غرار الأطفال والنساء والشيوخ والمعاقين، أضحى السجناء بحاجة إلى حماية اجتماعية بالنظر إلى أوضاعهم اللاإنسانية والتي تعد نتاج غياب الحوار والتسامح والأخوة بصفة عامة، وغياب المواطنة بصفة خاصة. هذا إذا علمنا أن نوع الجرائم والمخالفات التي ترتكب داخل السجون هي نفسها التي تقترف خارج السجون والتي تحال بشكل يومي على جهاز النيابة العامة بالمغرب.
فهل الأمر مجرد صدفة؟ أم أن الأمر نتيجة مخطط وتدبير؟ فهل ستظل السجون فضاء مفتوحا يشجع على ارتكاب الجريمة؟ أم هي برهان على أن الدولة غير قادرة على الانتقال من الخطاب والشعار إلى الفعل، بخصوص مكافحة بعض الظواهر كتهريب الأموال إلى الدول الأجنبية والفساد المالي والإداري، والتي تؤدي إضافة إلى غيرها بطريقة غير مباشرة إلى تفشي الأوضاع اللا انسانية داخل السجون والتي تتجلى في انعدام وسائل الترفيه والتسلية وانعدام المكتبات وانعدام التطبيب والاكتظاط وانتشار الأمراض المعدية وظهور السحاق والشذوذ الجنسي والاتجار في المخدرات والسجائر وسيادة قانون الغابة، وبصفة عامة الاتجار في السجين لدرجة يمكننا أن نخلص معه إلى القول إن عند ارتكاب المرء جريمة معينة يمر بمرحلتين :
مرحلة تطبيق القانون وهي المحاكمة .
ومرحلة عدم تطبيق القانون، وهي المرحة التي يوجد بها المحكوم عليهم داخل بعض السجون باستثناء بعض السجناء المحظوظين مما يجعل وظيفة تأهيل السجناء وإعادة إدماجهم داخل المجتمع مجرد شعارات ترفع خلال تنظيم بعض اللقاءات والندوات والتظاهرات الثقافية الخاصة بأوضاع السجناء والسجون .
فما جدوى تطبيق القانون إن كنا سننتقل إلى مرحلة عدم تطبيق القانون والتي لا تنسجم في العمق مع فلسفة العفو والإفراج المقيد وإعادة الاعتبار؟
لقد تكاثر اللجوء إلى الإضراب عن الطعام من طرف بعض السجناء لأسباب مجهولة وأخرى معلومة، فهناك من يدعي أن هذه الخطوة مجرد موضة وهناك من يعتبرها مجرد احتجاجا على الظلم الذي يتعرض له السجين، وهناك من يعتبرها احتجاج على أعطاب بعض السجون، وهناك من يرغب فقط في التحسيس وإثارة الاهتمام بقضيته، وهناك من يحتج على انعدام المحاكمة العادلة .
إن سبب الإضراب عن الطعام داخل بعض السجون بعلة انعدام المحاكمة العادلة يبقى محل نقاش على اعتبار أن الأخيرة ودون الخوض في التفاصيل تقتضي بيئة قضائية محددة وشروط معينة والتي تنعدم نسبيا بانعدام الأهداف المتوخاة من السجن والتي تكمن في إصلاح السجين وتأهيله وإعادة إدماجه داخل المجتمع، كما سبق الذكر فهذه الغايات يتعين ان تستمر حتى بعد إطلاق سراح السجين الذي يتماشى مع روح استقلال القضاء بخصوص مرحلتي الوقاية والعلاج .
فالرد على التقارير التي كان موضوعها أوضاع بعض السجناء والسجون، ارتبط بوضع مخطط استعجالي يرمي إلى القيام بزيارات مفاجئة للسجون من قبل مفتشي المندوبية السامية للسجون للوقوف على الاختلالات التي تعانيها بعض السجون واتخاذ المتعين بشأنها يظل في الحقيقة وفي العمق منسجما مع مضامين الدستور الجديد في شقه المتعلق بالسلطة القضائية، خاصة في الباب الذي يجعل من جهاز النيابة العامة جهازا تابعا لم ينسلخ بعض من رحم السلطة التنفيذية، ويجعل رقابة السلطة القضائية على السجون رقابة صورية وسطحية حيث لا يأخذ بالتقارير التي تنجزها هذه السلطة في الموضوع، رغم أنها تصف بدقة وجرأة الاختلالات التي تنخر بعض السجون .
إن الجواب واحد حول ما يدور من أسئلة داخل الوجدان القضائي بخصوص أوضاع السجناء والسجون، فهل يمكن اعتبار السجناء ضحايا عدم تحديث الإدارة وتأهيلها وترشيدها؟ أم أننا ما زلنا لا نعتبر بعض السجناء مواطنين ولو من الدرجة الثانية، وفي هذا السياق من حقنا ان نتساءل لماذا لم تحرك مؤسسة الوسيط الساكن وتبادر إلى إصدار بيان حاد ومباشر في الموضوع كطلقات الرصاص بتوضيح الأمور انسجاما مع ما تلوح به؟ فاذا كانت مؤسسة الوسيط ليست خصما للإدارة فهي أيضا ليست خصما للمواطن خاصة وإنما أضحت من ضمن أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية حسب الدستور الجديد .
إن الحديث عن أوضاع بعض السجناء والسجون يفرض علينا الوقوف على محتوى ومضمون بعض المفاهيم من قبيل الاختفاء ألقسري والتعذيب وغيرها، طالما أن هذه الأفعال تلتقي مع ما يتعرض له بعض السجناء من تجريدهم من إنسانيتهم ولو دون قصد لأسباب يعلمها إلا الله عزوجل .
فمتى سننخرط في حكامه جيدة وان كان هذا الأمر مستبعدا ومستحيلا نظرا للوضع الحالي لجهاز النيابة العامة بالمغرب؟ والدليل على ذلك الكتب التي تتقاطر على هذا الجهاز والتي تدعو بعضها إلى الحد من الاعتقال نظرا لاكتظاظ السجون، وليس بفضل انخراط بلدنا في ثقافة حقوق الإنسان وقيام الديمقراطية التي أضحت من ثوابت المملكة حسب الدستور الجديد . فهل يحق لرجال القانون ورجال السياسة أن يطالبوا بسن قانون جديد يجعل من الإضراب عن الطعام بمثابة جريمة معاقب عليها تتمثل في محاولة الانتحار، وعلى كل حال فان الهدم في بعض الأحيان يشكل بناء خاصة في زمن قل فيه اللحم وكثرت فيه السكاكين.
إن الدعوة إلى إطلاق حوار حول أوضاع بعض السجناء والسجون هو في حد ذاته حوار حول أوضاع الشرق بصفة عامة فالحديث بشكل موضوعي عن أوضاع بعض السجناء والسجون يعد نسبيا بمثابة تأثير ايجابي على السلطة القضائية التي عليها ان تطالب بوضع يدها على الملفات الخطيرة والحساسة حتى يتسنى تحقيق مجموعة من الغايات وعلى رأسها الأمن القضائي وبالتبعية القضاء على اكتظاظ السجون وغيرها من الظواهر وبعبارة أخرى، فان القاضي لن يصبح أمير أحكامه إلا عند وقوفه على هوية الجلاد ومعرفة إن كان حقيقة أم وهما.
عادل فتحي (نائب وكيل الملك بابتدائية تازة)
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى