تتمثل أهمية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في تفعيل وتنفيذ آليات معينة إلى جانب اعتماد مقاربات أهمها المقاربة التشاركية والمندمجة مما سيشكل تحولا كبيرا في السياسات العمومية الوطنية، خاصة أن هذا التفعيل سيستحضر بقوة كل من مقتربي الحكامة والحكمامة الجيدة.
أما مسألة المتابعة والتقييم فإنها تتمثل في إسهامات مجموعة من الهيئات المتدخلة على مستويات (الحكومة والسلطات المحلية) بالنسبة للسلطات العمومية، (الجماعات المحلية) بالنسبة للهيئات المنتخبة، إضافة إلى كل من القطاع الخاص والنسيج الجمعوي في إطار ما يسمى بالمجتمع المدني.
المطلب الأول: آليات تفعيل المبادرة الوطنية
اعتمد تنفيذ المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على آليتين رئيسيتين هما: المقاربة التشاركية والمقاربة المندمجة وإذا كانت هذه الأخيرة تسهم في الحكامة العمومية للمبادرة الوطنية فإن المقاربة المتشاركية تتيح لكل المتدخلين المعنيين تفعيلها بشكل جماعي.
الفقرة الأولى: المقاربة التشاركية
تعد المقاربة التشاركية ذات أهمية ضمن آليات تفعيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ترجع هذه الأهمية إلى العولمة التي تتكون منها والتي تعمل على التكريس الموضوعي لمطلب الديمقراطية في مختلف تجلياته سواء المفاهيمية[1] أو من خلال العناصر المشكلة لوظائف وآليات المبدأ التشاركي بواسطة كل من مقاربات الوظيفة الديمقراطية والبيداغوجية الوظيفة.
الفرع الأول: مفهوم المقاربة التشاركية
إن المقاربة التشاركية هي تلك الآليات التصورية المنهجية التي يتم بموجبها فهم الأشياء وتحليلها وتطبيقها وهذه الأخيرة تصبح آلية تحتوي جملة من المفاهيم، تحدد لنا الفعل التشاركي من حيث طبيعته وأطرافه ووظائفه وقد أشارة الخطاب الملكي المرجعي للمبادرة (18 ماي 2005) إلى مفهوم المقاربة التشاركية حينما قال: (إنها تجارب تؤكد على العكس من ذلك نجاعة الأساليب التي تستهدف التحديد الدقيق للمناطق والفئات الأكثر خصاصة، أهمية السكان ونجاعة المقاربات التعاقدية والتشاركية فإذا كان محتوى النص قد أشار إلى أهمية السكان ونجاعة المقاربة التعاقدية والتشاركية وحيث أن المقاربة التعاقدية هي شكل من أشكال المقاربة التشاركية هذه الأخيرة التي لا يمكن إلا أن تكون مع السكان أو مع ممثليهم فإن نص الخطاب فصل في أطراف العلاقة التشاركية حيث قال وبصفة عامة ندعو الحكومة إلى اعتماد مقاربة تعتمد على الإصغاء والتشاور مع القوى الحية للأمم من أحزاب سياسية ومنظمات نقابية وجماعات محلية وهيئات المجتمع المدني وقطاع خاص وحتى مع المواطنين الذين لهم خبرة وغيرة في مجال التنمية وتجسيدا لخاصيتي الحكامة (سلطة القانون والإجماع) وتطبيقا للمقاربة التشاركية وقد منح جلالة الملك شرعية خاصة لهذه المقاربة (التشاركية) حيث قال: وتأكيدا للصبغة الوطنية الشاملة لهذه المبادرة فقد وجهنا وزيرنا الأول بأن يعرضها على البرلمان في جلسة مخصصة لمناقشة ما تقتضيه من دعم بناء."
وتعتبر المقاربة التشاركية في المفهوم العام " بأنها تشمل المناهج التي تحرر الجماعات مشيرة بدلك المكتسبات التصور الفهم وحيازة المشاريع التنموية المؤدية إلى التغييرات الدائمة... وأن هذه المناهج متوجهة نحو الأشخاص لتحقيق المزيد من احترام الكرامة الإنسانية وتحسين شروط الحياة اللائقة بحيث أن تطبيقها المعقلن سيؤدي إلى التكييف وقبول المسؤولية والإصلاحات المقترحة.
الفرع الأول: مفهوم المقاربة المندمجة
بالرجوع إلى الخطاب المرجعي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية يمكن القول أنه يقدم لنا شرحا متكاملا للمقاربة المندمجة وذلك حينما أكد على "أن التنمية الفعالة والمستدامة لن تتحقق إلا بسياسات عمومية مندمجة ضمن عملية متماسكة ومشروع شامل وتعبئة قوية متعددة الجبهات، تتكامل فيها الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية والبيئية كما عاود الخطاب التأكيد على أهمية المقاربة المندمجة حينما قال: كما أنه لنا تلك التجارب على محدودية جدول مقاربات التنموية غير المندمجة، ذات الطابع القطاعي الانفرادي المنعزل عن باقي القطاعات الأخرى، فضلا عن ما تؤدي إليه الموارد "بل إن الخطاب أكد مرة أخرى على أهمية البرمجة المندمجة مع تحديد محاورها حيث قال: "وتأسيسا على هذه المقومات والمرجعيات والتجارب فإن المبادرة التي نطلقها اليوم ينبغي أن تركز على المواطنة الفاعلة والصادقة وأن تعتمد سياسة خلاقة تجمع بين الطموح والواقعية والفعالية، مجسدة في برامج عملية مطبوطة ومندمجة قائمة على ثلاثة محاور أولها: التصدي للعجز الاجتماعي ثانيها تشجيع الأنشطة المتيحة للدخل القار والمدرة للفرص في وضعية صعبة أو ذوي الاحتياجات الخاصة لانتشالهم من أوضاعهم المتردية".
يمكن تحديد المقاربة المندمجة في تعريف محدد انطلاقا من النصوص الصادقة بجعلها "عبارة عن سياسات عمومية تندرج ضمن عملية متماسكة ومشروع شامل وتعبئة قوية متعددة الجبهات تتكامل فيها الأبعاد السياسية والاجتماعية الاقتصادية التربوية، الثقافية والبيئية.
وبالتالي فهي مقاربة ضد المقاربات لقطاعية الانفرادية التي تعمل بعزل عن باقي القطاعات الأخرى.
المطلب الثاني: آليات متابعة المبادرة
المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مجموعة من الأدوار لمختلف مستويات الحكامة من أجل انجازها شملت كلا من الحكومة والسلطات المحلية المنتخبين والجماعات المحلية القطاع الخاص الحاضر ضمنا والنسيج الجمعوي كممثل للمجتمع المدني العمومي وقد عززت هذه الأدوار لمجموعة من آليات المتابعة في إطار هياكل وبنيات ومخططات تنتهي لعمليات التقييم ثم التقويم الدائمين والمستمرين عبر مراحل دورية تنطلق من بداية الإنجاز إلى نهايته كما هو الشأن بالنسبة للجهة الإقليمية التي برفع تقرير شهري ونصف شهري إلى المصالح المركزية تتضمن تقييما لسير المشاريع التي تدخل في إطار البرنامج الأفقي بالإضافة إلى المتابعة والتقييم الدور بين الذين تتكتل بهما مجموعة من الهيئات المركزية كالمرصد الوطني للتنمية البشرية وباقي الهيئات المحلية.
فالمتابعة عبارة عن مسلسل للتواصل منظم للحصول على انطباع المشروع على مستوى الفرق التقنية وعلى مستوى العلاقة بين الفرق ومحيطها وعلى مستوى تنفيذ المشاريع كما أن المتابعة عبارة أيضا عن تتبع وتقييد مراحل التخطيط انطلاقا من التنظيم والمشاركة إلى ملائمة الحاجيات والمشاريع والموارد إلى التنفيذ إلى مرحلة قياس أثار هذه المشاريع على الساكنة، كما أنها تشمل كذلك وضع خطة التواصل يتم من خلالها إخبار الشركاء والسكان جميع القرارات والمراحل والمستجدات وتتجلى أهمية المتابعة في الحصول على التقييم من فوق بتقويم وتدخل دوري وجزئي الواجب القيام به كعملية ضرورية لتحقيق التقييم النهائي الذي دعا إليه الخطاب الملكي بعد ثلاث سنوات من تنفيذ المبادرة.
الفقرة الأولى: دور الحكومة والسلطات المحلية
يختلف دور مكونات السلطات العمومية في علاقتها بالمبادرة في النظر إلى طبيعة المهام المركزية الموكولة إلى الحكومة والمهام ذات الطابع المحلي الموكولة إلى السلطات المحلية.
الفرع الأول: دور الحكومة والسلطات المحلية
1. دور الحكومة:
تتجلى أهمية الدور الحكومي في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية باعتبارها الجهة المكلفة رسميا بتفعيلها ومتابعتها بحيث تم تكليف الوزير الأول بالسهر على تنكب الحكومة على تجسيد هذه المبادرة في دفعتها الأولى ضمن برامج مندمجة ومعلومة كما أن الحكومة على الصعيد المركزي في إطار اللجنة الإستراتيجية واللجنة المديرية للمبادرة مكلفة بتقديم التوجيهات اللازمة النابعة من المتابعة اليومية لتنزيل المبادرة الوطنية بما تملكه من قدرات بنيوية تسمح لها بالإحاطة الدقيقة بما تملكه من جندات مدر متعددة كما أن الحكومة مطالبة بتحديد الموارد البشرية والمالية اللازمة للمبادرة وبخصوص الموارد البشرية والإدارية فإن الحكومة مطالبة بإنشاء شبكة جهوية لخبراء المساعدة التقنية في مجال التنمية المستدامة.
وفي إطار الدعم المطلوب من الحكومة فإنها مطالبة أيضا بإنتاج مساحة المنهج التشاركي وتدبير المشاريع هذه المساحة التي يجب التأكيد على ضرورة انسجامها الشامل مع روح المقاربة التشاركية بحيث تتميز بنوع من المرونة والكفاءة لمعايير تؤطر من الأصل تحقق الهدف ال العمل كما أن هذه المساطر يجب إعدادها وفق المقاربة المندمجة حتى يتسنى لها أن تشمل جميع الأطراف المتدخلة والمهتمة، ويجب أن لا تعد وفق منظور أحد الأطراف الحكومة دون الأخرى وفي إطار هذه المقاربة، فإن الحكومة مطالبة بتقوية قدرات وإمكانيات التعاون الوطني ووكالة التنمية الاجتماعية وباقي المصالح المركزية والخارجية، وذلك حتى يتناغم الكل مع المبادئ الوظنية، وأن يصبح مؤهلا للقيام بالدور التنموي.
تجدر بنا الإشارة إلى أهمية تعزيز سياسة الاتمركز في إنجاح المبادرة الوطنية بحيث أن اللاتمركز يساعد الإدارات الخارجية والمحلية على اتخاذ قرارات نابعة من صميم واقعهم المحلي متجاوبة مع الحاجيات التي تفرضها الظرفية وباستغلال أمثل بعنصر الزمن ومتجاوبة كذلك فيما بعد خارجيا ومحليا من أجل تحقيق هدف التفاعل والتكامل المحليين. فاللاتمركز يشكل بيئة خصبة لتفعيل ومتابعة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية خصوصا إذا ما تم في إطار تفعيل مضامين وأهداف الرسالة الملكية التي وجهت إلى الوزير الأول بخصوص تعزيز اللاتمركز وتشجيع الاستثمار والتي دعت إلى إحداث المراكز الجهوية الاستثمار ثم له تعويض صلاحيات الوزراء إلى ولاة الجهات والتي تمت ترجمتها إلى مجموعة من القرارات الوزارية المؤرخة في 5 مارس 2002.
يمتد دعم الحكومة إلى اعتماد برنامج تأهيلي وتكويني يشمل الفاعلين الجمعويين المؤسساتيين العاملين الاجتماعيين المنشطين المربين بحيث أن أثره سوف لن يقف فقط عند حدود المبادرة الوطنية، بل إنه يتعداها ليشمل الثقافة والأداء التنمويين معا، وميادين أخرى مما يسمح بتكوين نخبة حقيقية ومؤهلة للإسهام في قيادة المجتمع هذا مع الإشارة إلى أن عملية التأهيل والتكوين هاته يجب أن تكون وظيفية أكثر بما يخدم عموما المبادرة وتخدم التنمية البشرية المستدامة والشاملة، كما يجب أن تلامس الواقع كما هي في الواقعة المرتكزة على المنهجية العلمية المنضبطة، والتعاون والشراكة والتضامن ثم من أجل إقرار ديناميكية نشيطة ودائمة للتنمية البشرية.
بما أن الحكومة مكلفة بحكم دورها على المستوى المركزي بتدبير مسألة التمويل الخارجي للمبادرة والبحث عن مصادره وتقوية هذا التمويل ليصل إلى المبلغ الذي تم تحديده لدعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وهنا تجب ألإشارة إلى أهمية الدور الديبلوماسي المغربي الذي يمكن أن يضطلع به بخصوص دعم التنمية البشرية المستدامة وذلك في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
فمن خلال عملية المتابعة فالحكومة كما جاء في الخطاب الملكي بـ "نهج خطة عمل ترتكز على مبادئ حسن التدبير من مسؤولية وشفافية وقواعد الاحترافية مع إشراك واسع للمواطنين وتحديد وعقلنة مجال تدخل المؤسسات والأجهزة العمومية، فضلا عن المتابعة والتقويم المستمرين للمنجزات.
1. ور السلطات المحلية
إنجاز المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومتابعتها كمسؤولية تحملت الحكومة إدارتها. يعول فيها كثيرا على دور السلطات المحلية ابتداء من الوالي إلى العامل إلى الباشا والقائد. فالسلطة المحلية وعلى رأسها العامل أو الوالي مطالبة من موقعها الهام والحساس بإيجاد الشروط اللازمة للمبادرة وإعادة تشكيل المحيط المحلي على مستوى الموارد والعقليات. نخلق بيئة تنموية تنتعش بداخلها المبادرة. هذه البيئة التي ستتشكل في إطار الحكامة الجيدة والمفهوم الجديد للسلطة.
تستلزم الحكامة المحلية تغيرا جذريا في الرؤية تؤدي بنا إلى اعتبار أن مثلا التراب المحلي يجب تعريفه ليس كجزء من المجال الطبيعي ولكن كنظام علاقات مفتوح وأن الدور الولي للدولة هو تنظيم التعاون والتعاضد بين الفاعلين العموميين والخواص فتطبيق المبادرة الوطنية ومتابعتها. يحتاج إلى تغيير عقليات المسؤولين المحلين لانخراط ضمن هذا النظام التنموي العلائقي المفتوح الذي هدفه الوحيد رعاية المصالح العمومية والشؤون المحلية والحريات الفردية المحافظة على السلم الاجتماعي.
وبالتالي فالتنمية البشرية التي تسعى إلى تحقيقها المبادرة الوطنية تتطلب وجود بيئة تنموية مساعدة تنتعش بداخلها وتوفرها على شروط النمو والنجاح هذه البيئة التي تفترض مجموعة من المقومات القانونية والإدارية مثل الديمقراطية ودولة الحق والقانون المفهوم الجديد للسلطة من أجل تحقيق أهداف المبادرة الوطنية والتي تسعى إلى تحقيق التنمية البشرية الشاملة والمستدامة المبنية على العدالة الاجتماعية الاقتصادية.
وتتجلى أهمية السلطات المحلية على المستوى الجهوي باعتبار أن الوالي هو رئيس اللجنة الجمعوية وبذلك فإنه في موقع يسمح له بالمتابعة الحقيقية لاشغال المبادرة الوطنية حينما وجدت على التراب الجهوي. خاصة وأن اللجنة الجهوية المكلفة بالعمل على تحقيق التماسك الشامل لجميع المبادرات.
فمن خلال عملية المتابعة فالحكومة كما جاء في الخطاب الملكي بـ "نهج خطة عمل ترتكز على مبادئ حسن التدبير من مسؤولية وشفافية وقواعد الاحترافية مع إشراك واسع للمواطنين وتحديد وعقلنة مجال تدخل المؤسسات والأجهزة العمومية، فضلا عن المتابعة والتقويم المستمرين للمنجزات.
الفرع الثاني: دور المنتخبين والجماعات المحلية
إن أهمية دور المنتخبين والجماعات المحلية بخصوص المبادرة الوطنية تتجلى من موقعهم كمسؤولين عن الرقعة الجغرافية ومجالها الترابي وكممثلين للسكان بداخلها. وهي نفس الرقعة الجغرافية ونفس الساكنة هدف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية إضافة إلى وجود نشاط تنموي محلي تقوده الجماعة للمبادرة الوطنية وداخل هياكلها وأنهما المعنيان الرئيسيان والمكلفان بكثير من برامج المبادرة ومشاريعها.
1. دور المنتخبين.
يعتبر دور المنتخبين على المستوى المركزي حاضرا في جملة من القرارات المهمة جدا وكما في الخطاب الملكي للمبادرة الوطنية (18 ماي 2005) فالمنتخبين بالبرلمان معنيين بمناقشة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في جلسة خاصة وتقديم الدعم البناء. فالطبقة السياسية من المنتخبين معنيين أيضا بالمبادرة الوطنية في صياغة المبادرة في المرحلة المقبلة لها على المدى المتوسط بعد جعلها من صميم برامجها الانتخابية المقبلة بل أكثر من هذا فالخطاب اعتبر اهداف المبادرة ومدى اعتمادها من طرف الأحزاب السياسية معيارا للعمل السياسي المستقبلي.وذلك حين قال:
وفي ذلك إشارة جد مهمة إلى ضرورة تطبيق المقاربة المندمجة على الصعيد المحلي وبرامج للتنمية البشرية، والبرامج القطاعية المحلية وبرامج المبادة المحلية للتنمية البشرية والبرامج التنموية على صعيد الجماعات المحلية في إطار مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية الذي تعده لجنة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
مما سيولد ديناميكية تنموية محلية ومنسجمة، تتكامل فيها المخططات التنموية للأطراف السابقة، ويتم فيها ترشيد الجهود والموارد البشرية والمالية وتدبير عنصر الزمن مما سيحقق لنا أيضا وظيفة المتابعة والتقييم بفعالية ودقة عن طريق الرصد المندمج.
وسيظل التحدي الذي يطرح على الجماعات المحلية ومدى توفرها على خطط تنموية واضحة ومفصلة ودقيقة تستجيب لمطلب التوفيق المندمج السابق الذكر مع البرامج القطاعية وبرامج المبادرة. بل المطلوب الآن وفق فلسفة ومنهجية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من الجماعات المحلية العمل بالمقاربة التشاركية في جميع المهام والأدوار المنوطة بالمنتخبين والجماعات المحلية على صعيد لجن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كمهمة التشخيص وتحديد المواقع وتفعيل المشاريع وتحديد المستهدفين والمصادقة وتهييئ دو تفعيل البرامج والمشاريع.
وبما أن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ظلت ضمن اللجنة المحلية واللجنة الإقليمية وبما أنه أصبح مطلوب منها مراجعة مخططيهما التنمويان على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي بما يتوافق مع باقي البرامج الأخرى القطاعية، وبرامج المبادرة الوطنية التي وجد اعتمادها وفق المقاربة التشاركية فالجماعات المحلية في شخص لجنتها الاقتصادية الاجتماعية ظلت اليوم مطالبة أكثر من أي وقت مضى باعتماد المخططات التنموية الاتصادية والاجتماعية بطرية استراتيجية وتشاركية واعتماد نهج التخطيط الاستراتيجي.
2. دور الجماعات المحلية
على مستوى الجماعات المحلية باعتبارها ممثلة اللجان المحلية والإقليمية والجهوية، حاضرة بقوة بداخلها فبالإضافة إلى مساهمتها المالية في التمويل للمبادرة الوطينة فإنها مكلفة بالقيام بدور التشخيص وتحديد المواقع وتفعيل المشاريع على مستوى اللجنة المحلية، ومكلفة بتحديد المستهدفين والمصادقة على المبادرات المحلية للتنمية البشرية على مستوى اللجنة الإقليمية ومكلفة كذلك على مستوى اللجنة الجهوية بخصوص التقريب والتوفيق بين العمال القطاعية بتهييئ وتفعيل البرامج والمشاريع.
كما تجدر الإشارة إلى مسألة مهمة وهي تمثيلية اللجنة المكلفة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في شخص رئيسها باللجنة المحلية للمبادرة، بل أكثر من هذا فإن اللجنتين المحلية والإقليمية المكلفتين بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفق قانوني (00.78 و00.79 المادة 36 لكليها) مدعوتان إلى مراجعة مخططيها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لجماعتيهما في إطار النظرة اتقاربية للباميج القطاعية والتوفيق مع المبادرة المحلية للتنمية البشرية.
الفقرة الثانية: دور المجتمع المدني
إن المجتمع المدني يحظى بأهمية مركزية داخل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. انطلاقا من الخطاب المرجعي لما الخطاب 18 ماي 2005، وانطلاقا كذلك من المنهجية والوسائل التي تتنزل بها، ويمكن الإقرار بأن الهدف الرئيسي للمبادرة والجديد الذي تحمله هو تقاسم معضلة التنمية البشرية مع المجتمع المدني. وجب إلقاء الطرد على هذا الأخير بشكل مختص عن دلالاته وسياقه التاريخي وعن مدى تموضعه وقوته داخل السيرورة التنموية بالدولة وعلاقته بالدولة والدور الجديد به من خلال المبادرة الوطنية في إطار مفاهيم التنمية البشرية المستدامة والحكامة الجيدة والمدروسة ودون التعمق في تاريخ تطور مفهوم المجتمع المدني كما تمركز الغرب انطلاقا من بدايته ألأولى خلال ق 13 تريبا إلى صيانة الليبرالية لدى فلاسفة النوار الذين أولو جميع اهتماماتهم بماومة الحكم الاستبدادي – وجدوا في المفهوم سندا لهم تشبتوا به إلى صياغة البورجوازية الرأسمالية بعد القيام بالثورات التاريخية المعرفة حيث اعتبر أساسا متينا من أسس الإدولوجية الليرالية.
وبالإمكان القول أن تاريخ المجتمع المدني عموما هو تاريخ مواجهة غياب العدالة اجتماعية والاقتصادية والسياسية. والميل إلى تحقيق التوازن الاجتماعي وذلك العناية بالإنسان في جميع مقوماته الشاملة. في إطار علاقة المجتمع المدني بالدولة والحكومة وموعه منها. ود تطرق المفكر البريطاني في "جوردون واين" في دراسته المنشورة بمجلة الديمقراطية في عام 1994. بقوله أن المجتمع لمدني عالم دو علاقة وسطية بين الحكومة والعائلة تشغلها مؤسسات منفصلة عن الحكومة وتتمتع باستقلالية تامة في علاقتها مع الحكومة المستقبلية والآنية. كما أن التغيرات التي يمكن أن تحدث يمكن التنبؤ بها وباعتباره كذلك مقاربة لتحسين التدبير فهو يسمح بالانكباب على الأوليات واستكشاف البنيات والوسائل المناسبة من أجل تنسيق التدخلات. ويدم هذا التخطيط إطارا. دقيق لتتبع مشاريع التنمية وكل هذا وفق معايير قابلة للمعايشة والقياس. ويدم أخيرا الدلالات الضرورية لتعبئة تمويلات المشاريع المسطرة.
وبصفة عامة. فإن هذا النوع من البرمجة يسمح للناشطين المحليين من خلال اعتماده بتحقيقه ستة أهداف رئيسية:
1 – وضع أولية للاستراتيجيات والمشاريع التنموية التي تستجيب لانتظارات طموحات السكان.
2 – تهييء الظروف الملائمة من أجل تنمية مستدامة تستفيد منها كل الأجيال الحاضرة والمستقبلية
3 – تخويل المنتخبين وأطر الجماعات المحلية الحق بأن يصبحو المبادرين والمسييرين الحقيقيين للتنمية البشرية.
4 – الدفع بالجماعات المحلية لتخصيص مواردها من أجل الاستجابة إلى الوليات بطريقة فعالة وناجعة.
الفرع الأول: دور القطاع الخاص
يولي القطاع الخاص أهمية محورية داخل عملية التنمية إذا أنه يشكل أساس التنمية بالدولة الليبرالية وذلك بتأكيد مختلف الدراسات وجود علاقات وطيدة ومحكمة بين أنشطة القطاع الخاص والنمو الاقتصادي فزيادة الإنتاجية ترتبط بشكل وثيق بالاستثمارات الخاصة بل أيضا تم تأكيد أن التأشير الإيجابي لاستثمارات القطاع الخاص على نمو يفوق تأثير استثمارات القطاع العام بأكثر من هذه ونصف وانطلاقا من هذا الإطار فالقطاع الخاص يعتبر شريكا أساسيا داخل المبادرة الوطنية حيث يمكن القول بأنه يتموضع بداخلها في ثلاث مستويات التمثيل وإعانة مجموعة من مشاريع المبادرة والاستثمار فيها والاستفادة من تمويلاتها ومن القروض الصغرى التي تؤطرها الجمعيات.
فعلى المستوى الأول فإن القطاع الخاص يمثل في عدد من هيئات المبادرة فهو ممثل ضمن الشبكة الجهوية لخبراء المساعدة التقنية والفنية في مجال التنمية المستدامة، حيث يدعم هذه الشبكة في شخص المقاولة إلى جانب الجامعة والنسيج الجمعوي إذ يتم وضعها في خدمة اللجان المحلية للتنمية البشرية. وإضافة إلى هذا فإن القطاع الخاص ممثل ضمن مكونات البرلمان والهيئات وباقي فعاليات المجتمع المدني وجمعيات ووسائل الإعلام وهنا تتجلى أهمية القطاع الخاص في تديم الخبرة والمسايرة. حيث إن موقعه هذا سيخول له القيام بدور المتتبعي والتقييمي لعمليات المبادرة سواء ضمن لجنة الشبكة الجهوية للخبراء أو ضمن المرصد الوطني للتنمية البشرية.
وعلى مستوى التكفل بمشاريع المبادرة والاستثمار فيها. فيعتبر القطاع الخاص الجهات المكلف بالتنفيذ والإنجاز في عدد كبير من مشاريع المبادرة وبرامجها، فمشاريع البنية التحتية لبرامج المبادرة وبالأخص برنامج محاربة الإقصاء الاجتماعي في الوسط الحضري قد سطرت واستهدفت 250 حي حضري من الأحياء الجانبية والعتيقة وإضافة إلى برامج محاربة الفقر بالوسط القروي الذي يستهدف 360 جماعة قروية وبرنامج محاربة الهشاشة الذي يستهدف هو كذلك 50 ألف شخص فالبنية التحتية لهذه المشاريع من ماء وكهرباء وتطهير طرف ومدارس مستشفيات ومستوصفات خيريات ومراكز الاستقبال وخدمات اجتماعية وشبكة تطهير السائل والصلب ثم سكن اجتماعي واقتصادي .. كلها برامج سيتطرق لها القطاع الخاص.
ولعل مساهمة القطاع الخاص في إنجاز وتنفيذ مشاريع المبادرة يجعله فقط محل متابعة ومراقبة بل مطالب بتقييم البرامج المنجزة.
الفرع الثاني: دور النسيج الجمعوي
تعتبر مشاركة السكان والنسيج الجمعوي ضمن المجتمع المدني مطلبا عالميا سواء تعلق الأمر بالدول المتقدمة أو السائرة في طريق النمو. إذ أن دراسة العطاء السوسيوتنموي للقطاع الجمعوي أو ما يعرف بالقطاع الثالث صارت من الدراسات محل الاهتمام كل مستوى العالم، ومن أشهر وابرز الإسهامات العلمية في هذا المجال المشروع الذي تبنته جامعة "جومنويكنز" الأمريكية عبر دراسة دولية بممارسة الإسهام السوسيو تنموي في 12 دولة في العالم شملت دولا متقدمة وأخرى نامية ودولا من أوربا الشرقية وقد شكل هذا المشروع زحما علميا هائلا، حيث طور البحوث في هذا الميدان حيث تتضمن كشفا علميا عن إمكانات هائلة للقطاع الخاص.
فمؤسسات المجتمع المدني تلعب دورا لا يقل اهمية عن دور القطاع الحكومي القطاع الخاص بالمشاركة في تحقيق التنمية الشمولية في لمجتمع وسيرورة تلك التنمية لرفع مستوى معيشة الأفراد وتقليص وحدة الفقر وتحسين مستو ى الرقي الاجتماعي والصحي والتعليمي من خلال تقديم خدمات للأفراد والمجتمع في مواقع مختلفة سواء في المدينة أو في الأرياف او المناطق النامية، غنية كانت أم فقيرة وإن أردنا الاختصار لتساءلنا يما الجديد الذي يفصل مفهوم الحكومة عن مفهوم الحكامة. لوجدنا الجواب أن الجديد هو المجتمع المدني وبالأخص النسيج الجمعوي الذي لا يمكن التصور يالحكامة بدونه بوجود المجتمع المدني ومن ضمنه النسيج الجمعوي، الذي يشكل عموده الفقري، يشكل مفهوم الحكامة شرط وجود.
ويكمن تقييم دور النسيج الجمعوي إلى مستويين أو موقعين اثنين في متابعة تنفيذ المبادرة وتقييم أدائها، فالمستوى الأول يعتبر داخلي يهم تكوين هيئات المبادرة كممثل للنسيج الجمعوي عامة إذ يساهم في تسيير وتدبير هياكل المبادرة، أما المستوى السكاني فيتموضع خارج هيئات المبادرة فهو يكون اما مستفيد أو صاحب مشروع ممول للمبادرة أو كفاعل مدني متتبع وراصد لها من الخارج ولكن قريبا لها على مستوى الميدان والإعلام وغير ذلك.
لقد أصبح مطلوبا اليوم، من النسيج الجمعوي التنموي بحكم أدواره هذه، أن يتمرس أكثر على المعرفة الاقتصادية، بحيث يتمكن من ثقافة المقاولة ومن ثقافة المشروع ومن ثقافة الشراكة، ولكن بنوع من المزج الذكي والمعقلن والمسؤول مع لواقع الاجتماعي بنقائصه وتناقضاته، وذلك بغية إرساء الحلول البديلة لما قد يعترض المسيرة المجتمعية من عوائق وأزمات.
لقد آن الأوان، أن تسود ثقافة المشروع داخل البرامج التكوينية والتربوية والتعليمية للنسيج الجمعوي، حتى تصبح هذه المعرفة المقاولاتية معرفة شعبية وليست نخبوية، وأن تخترق الأحياء المهمشة والقرى الفقيرة، وأن تتواجد لدى كل الفئات والشرائح الاجتماعية، وحتى الأطفال وجب تلقينهم أبجديات المشروع والمقاولة، وهذا يعد من الأبعاد الاستراتيجية الكبرى للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
________________________________________
[1] - ذ. سعيد جفري. المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى