Thursday, November 01, 2012

الحكامة


الحكامة:
 هي أداة لتبسيط التوجهات الإستراتيجية الكبرى للإدارة، كما أنها طريقة للتدبير الجيد في خضم عملية الشراكة، وهي وسيلة لتجاوز العوائق التي تعارضنا، كما أن للحكامة أبعادا مختلفة، هذه الأبعاد يمكن اختزالها حسب معطيات الدورة في كون الحكامة الرشيدة عنصر لا يمكن فهمه إلا بعدم إقصاء أي عنصر، بمعنى استلهام كل الآراء وكل الطاقات والإمكانيات البشرية المتاحة. وللحكامة الرشيدة غايات وأهداف، كعناصر تدخل ضمن فهم الحكامة الرشيدة، هذه الأهداف والغايات يمكن تسطيرها وإجمالها في التنظيم الجيد، وتوزيع المسؤوليات، وكذا الكفاءة في إسناد المسؤوليات. وأخيرا دعم المؤسسات في إطار عملية الإشراك والتشارك، داخليا وخارجيا.

1 ـ حكـامة المــدن:
لقد أصبحت المدينة المغربية مع ترسيخ اللامركزية والديمقراطية المحلية فضاء قانونيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا يتم فيه التعبير عن حاجيات ساكنة حضرية في تزايد مستمر ، فلم يعد بإمكان المدن أن تبقى حبيسة نماذج التدبير الإداري التقليدي، بل وجب عليها أن تتجه نحو نظم تفسح المجال لحكامة تشاركية تمكن من انخراط العديد من المتدخلين ، ولمبادرات خلاقة تستند إلى شراكة إرادية للفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين.
اعتبارا لذلك، ستتم في إطار موضوع حكامة المدن مناقشة الجوانب التالية  :
العلاقات بين الدولة والمدن : يتعلق الأمر هنا بدراسة تطور مسار اللامركزية وشروط نجاحها، وخاصة كيفية تحسين وتقوية العلاقات المؤسساتية و التعاقدية بين الدولة والمدن، فالتعاقد بين الفاعلين العموميين الوطنيين والمحليين، يمكن من تحسين وعصرنة العلاقات بين الدولة والمدن وذلك من خلال  :
- تحديــد مسـؤولــيــات مختــلف الفاعــلين العـمـومــيين بشكل واضح (الدولة /المدينة ) ؛
- تعبئة جميع الفاعلين العموميين ؛
- التنسـيـق الفعال في إنجاز مشاريع التنمية؛
- توازن مالي للمدينة يتجاوزالإطار الضيق للميزانية السنوية إلى مدى أبعد.
وبالفعل ، يتطلب مفهومي الشراكة والتعاقد اليوم أشكال جديدة للتنظيم ووضع آليات مناسبة تمكن من إجراء التشخيصات وتحديد التوجهات ورسم الأهداف ، فضلا عن مساهمة الفاعلين وتقييم النتائج.
العلاقات بين المدن والشركاء المحليين (القطاع الخاص – المجتمع المدني...) :
تستوجب حكامة المدن ، وجود تنسيق بين جهود الفاعلين الاقتصاديين بالنسبة للمشاريع المقدمة من طرف المنتخبين وذلك من خلال تطوير الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص ء وتقتضي في الآن نفسه تعبئة الجمعيات المحلية وذلك حتى يتسنى للمواطنين المشاركة في مختلف مراحل إنجاز المشاريع المحلية .
وفي هذا الإطار، فقد خولت للجماعات المحلية صلاحيات جديدة ترمي إلى إشراك الساكنة في تدبير الشأن المحلي.
فالنصوص القانونية التي صدرت سنة 2002 دعمت الديموقراطية المحلية التشاركية وحثت المدن على تشجيع إحداث جمعيات الأحياء السكنية ، التي تشكل نقطة وصل للتبادل والتحاور بين المنتخبين والمواطنين .
وفي هذا الإطار، فقد اتسم نمط الحكامة الذي انبنت عليه المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بإشراك كافة المتدخلين في التنمية من قطاع عمومي (الدولة والجماعات المحلية ) ومجتمع مدني وفاعلين اقتصاديين خواص.
النظام القانوني المنظم للمدن التي يزيد عدد سكانها عن 500.000 نسمة : تخضع المدن الكبرى منذ إحداث نظام وحدة المدينة ببلادنا لنظام خاص يتجسد في تواجد مجلس للمدينة يتمتع باختصاصات واسعة ومجالس للمقاطعات لا تتوفر على الشخصية القانونية.
وبمقتضى هذا النظام الخاص ، تتكون المدن التي يتوفر فيها المعيار الديموغرافي المذكور من جماعات حضرية تسري عليها أحكام القانون العام ومن مقاطعات مسيرة من طرف مجالس منتخبة ذات اختصاصات استثناثية .
ورغم إجماع كل الفاعلين حول وجاهة الإصلاح ، فقد تعددت التأويلات فيما يخص نوعية العلاقة التي تجمع بين مجلس المدينة ومجالس المقاطعات وبمفهوم القرب وآليات التنسيق القائمة بين مختلف المتدخلين العموميين المحليين.
إضافة إلى ذلك، يحتاج مفهوم الصالح العام باعتباره مبدءا ينظم علاقات التعاون الجماعي إلى تفكير معمق يفضي إلى اقتراح وسائل ناجعة لتشجيع اللجوء إلى هذا النوع من التعاون الذي يهدف إلى تنسيق وعقلنة العمل الجماعي بغية تحسين جودة خدمات المرافق العمومية.

 2 ـ المرافـق العمـوميـة :
تحتل المرافق العمومية المحلية مكانة هامة ضمن أنشطة الجماعات ، ومن بين المرافق التي عرفت نموا ملحوظا تلك المتعلقة بالخدمات المقدمة عبر الشبكات كتوزيع الماء الصالح للشرب والتطهير الساثل وتوزيع الكهرباء والنقل الحضري والنظافة .
لكن وبالرغم من المجهودات المبذولة ، لازال حجم الحاجيات الناجمة عن النمو الحضري المرتفع وعن وتيرة تطور الأنشطة في تزايد .إضافة إلى ذلك ، يقتضي تعدد المتدخلين وصعوبة توفير التمويل اللازم البحث عن أنماط جديدة للتدبير ووضع آليات للمراقبة والضبط .
ويعتبر هذا اللقاء مناسبة لتعميق التفكير في التطور المستقبلي لهذه المرافق والتي بلغ تدبيرها مستوى معينا من النضج . فهي توفر بالنظر إلى التجربة الملحوظة التي راكمتها قيمة مضافة مرتفعة وإمكانيات مهمة للتنمية تجعلها تحظى برضي واستحسان المواطنين والمجتمع المدني.
إن أفاق تنمية هذه المرافق ذات الطابع التجاري والصناعي تقتضي تظافر جهود كل من الجماعات المحلية والدولة والقطاع الخاص لتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين .
ولهذا، يتعين البحث في سبل تنمية هذه المرافق وذلك من خلال الإشكاليات التالية :
تمويل المرافق العمومية : إن اتساع الفرق بين الموارد وتكاليف إنتاج الخدمة ، وتفاقمها بسبب تطبيق تسعيرات تفضيلية بالنسبة لبعض الخدمات، جعلا البحث عن موارد دائمة للتمويل أمرا ملحا وضروريا.
فالتمويل يعتبر إكراها يتعين معالجته نظرا لتوسع نشاط هذه المرافق وارتفاع تكاليفها ومحدودية الموارد التي توفرها التعريفة. وفي هذا الصدد، هناك عدد من التوجهات الهامة التي تقتضي الدراسة، ومن بينها على سبيل المثال:
- التعريفة الملائمة ؛
ـ مبدأ تغطية التكاليف ؛
ـ إحداث صناديق للدعم...
مراقبة وضبط المرافق العمومية : لقد وفر القانون المتعلق بالتدبير المفوض للجماعات إطارا ملائما لاختيار طرق تدبير المرافق العمومية. لكن يتعين الآن تتميمه وغناؤه بمنظومة مؤسساتية ، تحتوي على آليات فعالة لتنظيم وضبط أنشطة المستغلين. فقد أضحت الحاجة ملحة إلى مثل هذه الآليات بالنسبة للنقل الحضري داخل التجمعات الكبرى التي تستعمل بداخلها العديد من وسائل التنقل ؛
التعاقد في تدبير المرافق العمومية : كيفما كانت الطبيعة القانونية للفاعل أو مستغل المرفق ، فإن العلاقات التي تربطه بالجماعة يجب أن تكون تعاقدية. فمسطرة التعاقد هاته ستمكن من تحديد الأهداف المبتغاة ومن حماية أموال المرفق ، التي تعتبر في نفس الوقت ممتلكات جماعية ، وكذا من تحديد الالتزامات المتبادلة ؛
الأنماط البديلة للنقل الحضري : تقتضي معالجة هذا الجانب إنجاز مخططات التنقلات الحضرية ، التي ستمكن من تحديد التوجهات بخصوص الجوانب الهامة المتعلقة بهذا المرفق . فهذه المخططات ستساعد على تحديد منظور واضح المعالم لتنمية النقل الجماعي وإيجاد وسائل تنقل اقتصادية وأقل إضرارا بالبيئة. كما أنها ستشكل أداة لتعميق البحث حول أنظمة جديدة للنقل (النقل الجماعي ذي السعة الكبيرة...)

3 ـ نـمـو الـمـدن :
عرف عدد سكان المدن بالمغرب نموا سريعا خلال الأربعين منة الأخيرة ، حيث انتقل من 3.4مليون نسمة سنة 1960 إلى 16.5مليون مئة 4002 بمعنى أنه تضاعف أربع مرات في أقل من نصف قرن مما رفع نسبة التمدن من 29% إلى 55 %بالنسبة لمجموع سكان المغرب . و حسب توقعات المندوبية السامية للتخطيط سيصل عدد السكان إلى 25 مليون سنة 2020.
ولقد أصبح من المؤكد اليوم أن مدننا أضحت المجال الرئيسي لخلق الثروات كما تعتبر قطبا يلعب دور القاطرة بالنسبة للاقتصاد الوطني. وباعتبارها محركا للتنمية، ستلعب خلال السنوات القادمة دورا فعالا في تأهيل البلاد و في تحسين تنافسيتها على الصعيد الدولي.
فبالنظر إلى تسارع وتيرة التمدن ونمط الحكامة المعتمد وتعدد السياسات القطاعية الحالية داخل المجال الحضري، فإن مدننا تفتقر إلى الوسائل والإمكانيات الكفيلة برفع التحديات وتأمين تنمية اقتصادية مستدامة .
وبالنسبة لحركية التمدين، فقد كانت لظاهرة التوسع والامتداد المفرط انعكاسات ملبية نذكر من بينها:
ـ نقص حقيقي في المرافق والتجهيزات التحتية ؛
ـ مشاكل التنقل والخصاص في النقل الحضري العمومي؛
ـ تدهور الفضاءات العمومية والمحيط الذي يعيش فيه السكان؛
ـ تنامي السكن غيراللائق بمختلف أشكاله؛
ـ تمدن مفرط أدى إلى اختلاط ضواحي المدينة بالمجال القروي.
وتواكب هذا التطور اختلالات جسيمة كانحلال النسيج الحضري و تفاقم ظاهرة الإقصاء الاجتماعي.
إن كل أشكال القصور هاته تفرض على بلادنا إجراء تقويمات تجعلها قادرة على التحكم في ظاهرة التمدن وعلى استباق حجم وأبعاد تطوراتها، علما أن هذه الظاهرة أضحت معطى بنيويا في تطور المجتمع والاقتصاد الوطني. فالتحكم في نموالمدن وتهيئة إطار حضري جيد يمثلان تحديا كبيرا بالنسبة للنمو الاقتصادي والمحافظة على القيم الراسخة للمجتمع المغربي.
لقد تبين أنه من الضروري بلورة رؤية جديدة لتنمية مدننا من أجل تعبئة مختلف الفاعلين وتحديد الرهانات التي تتعدى الإطار الضيق للتدخل القطاعي إلى مقاربة شمولية تقوي وترسخ الأبعاد المختلفة - الاقتصادية والاجتماعية والبيئية - للمدينة . فالمشروع الحضري المطلوب سينبثق من توافق عام وتصور جماعي وتحكم مستمر في الموارد.
لهذا ستمكن مناقشة هذا الموضوع من تحديد توجهات عمل تكون بمثابة إجابات على التساؤلات التالية  :
ـ كيف يمكن التوفيق بين التوسع الغير محكم للمدن وضرورة التخطيط الحضري و التنمية الاقتصادية؟
ـ ما هي الآليات المؤسساتية والمالية والتقنية التي يجب وضعها من أجل استباق أبعاد التوسع الحضري والتحكم فيه و فتح مناطق جديدة للتمدن ؟
ـ أي دور يجب أن يلعبه الفاعلون المؤسساتيون من أجل مواكبة الجماعات المحلية في وضع وتنفيذ سياسة حضرية ؟
ـ كيف يمكن تعبئة الموارد وتمويلات مختلف الفاعلين في المدينة من أجل إنجاح سياسة حقيقية للمدينة وذلك أمام الحاجيات المتزايدة للسكان الحضريين وتحديات التنمية ؟
ـ كيف يمكن في مجال محدد ضمان تقارب السياسات القطاعية من خلال مشاريع تتوقف فعاليتها على التنسيق ؟

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا