اللامركزية والحكامة
إذا كانت اللامركزية قد شكلت منذ عقود خيارا استراتيجيا للمغرب، فإن إقامة حكامة وديمقراطية محلية أصبحت، مع مرور الزمن، هدفا يحظى بالأولوية في السياسة العامة للدولة، التي تسعى أن تجعل من التدبير الجهوي قاطرة للتنمية الوطنية
وشهد نمط التدبير المحلي في المغرب تطورا عميقا، إذ انتقل من مجرد سلطة اقتراحية، إلى أخرى تقريرية، وقد أملت التقدم المحقق في هذا المجال، التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عرفها المغرب، ولكن أيضا بهاجس وضع نظام للحكامة يعوض التسيير الإداري للشؤون المحلية.
وتقوم الدولة في الوقت الراهن بدور تنظيمي يكمن في توفير شروط مناخ مؤسساتي واقتصادي للدفع بالتنمية، ومن ثمة فقد أصبح من مهام الجماعات المحلية العمل على ضمان النهوض بالجهات في انسجام مع توجهات وأهداف السياسة الوطنية.
وتتطلب الأهمية المخصصة لتدبير المجال الترابي إعادة تحديد مهام واختصاصات الجماعات المحلية، سواء تعلق الأمر بالجهات، أو العمالات أو الأقاليم أوالجماعات المحلية حضرية وقروية كما هو منصوص عليه في المادة 100 من الدستور.
ومن هذه الزاوية، فإن المشرع المغربي واكب هذا التطور، الذي يسير في اتجاه التخفيف من الوصاية، وتحميل المسيرين المحليين المزيد من المسؤولية، والتي من شأنها أن تشكل عصب نخبة ذات كفاءة عالية تجمع بين الواجب والالتزام المواطن.
واعتبر الميثاق الجماعي لـ 30 شتنبر 1976، لحظة المصادقة عليه، إصلاحا جذريا في هذا المجال، مع منح اختصاصات واسعة للرئيس وللمجلس الجماعي في ميدان التسيير الإداري.
بعد ذلك تمت المصادقة على ميثاق جديد في أكتوبر 2002، والذي ميز محطة جديدة في علاقات الجماعات المحلية والسلطة المركزية.
ويحيل هذا النص الذي خول صلاحيات جديدة للمجلس الجماعي، على أسلوب جديد في تدبير الشؤون المحلية.
وحدد ميثاق 2002 أهدافا سياسية تتعلق بتعزيز ترسيخ إرساء ديمقراطية القرب، وتحسين النظام التمثيلي ومشاركة المواطنين في تدبير الشأن العام.
وعلى الصعيد السوسيو ـ اقتصادي، يرمي النص إلى تطوير تدبير المجال الترابي والتهيئة الملائمة للمجال وتقوية قدرات تدخل المؤسسة المحلية في القطاعات الاجتماعية بهدف تقليص الفوارق بين الجهات.
ولا يمكن بلوغ أهداف الجهود التي بذلت في مجال التشريع وتقوية الموارد الترابية، خاصة عبر مراجعة الجبايات المحلية، من دون تغيير العقليات وإشراك أكبر للمنتخبين في إيجاد الحلول للمشاكل على المستوى المحلي.
وبما أن التنمية الشاملة للبلاد مرتبطة في جانبها الأكبر بدرجات التقدم المنجزة على المستوى الجهوي، فإن التركيز على التنمية المحلية أصبح يكتسي ضرورة قصوى وذلك بالتركيز على تشجيع الاستثمار وتحقيق برامج التنمية الاقتصادية وإعطاء الأولوية للمجالات التي تهم السكان.
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى