Saturday, November 03, 2012

الجهة ... من إطار بسيط للعمل الاقتصادي إلى جماعة محلية حقيقية في خدمة التنمية


الجهة ... من إطار بسيط للعمل الاقتصادي إلى جماعة محلية حقيقية في خدمة التنمية

اعتبرت الجهة في مرحلة أولى كإطار بسيط للعمل الاقتصادي وتم رفعها الى صف جماعة محلية حقيقية بهدف المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمملكة .
ففي سنة1971 ، كانت هناك رغبة لإخضاع نظام الجهوية لاختبار النضج. وهو ما يفسر أنه تم اعتبار الجهة في مرحلة أولى كإطار بسيط للعمل الاقتصادي من أجل إنجاز الدراسات وتنفيذ البرامج. لقد كانت إذن، إطارا محايدا وغير ذاتي استحق عن جدارة أن يكون اختبارا لفكرة الجهوية.
غير أن مظاهر نقائص النظام الجهوي المحدث سنة1971 ، وفشله بالاضافة الى عدد من العوامل الداخلية والدولية أثرت في اتجاه ضرورة رفع الجهة الى صف جماعة محلية حقيقية.
إن الفصل التاسع من دستور1992 هو الذي يرسخ للمرة الأولى الجهة باعتبارها جماعة ترابية. ويوضح أن "الجماعات المحلية بالمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية، ولا يمكن إحداث أي جماعة محلية أخرى إلا بقانون ".
ويشير القانون رقم96 -47 المتعلق بتنظيم الجهة، في التقديم (بيان الأسباب)، إلى أن "الجهة تبدو إطارا ملائما وحلقة رئيسية قادرة على إتمام واستكمال الصرح المؤسساتي للمملكة باعتبار أن الجهة ستبدع هيئة جديدة ستمكن ممثلي السكان من التداول في إطارها، بكيفية ديمقراطية، من خلال منتخبيهم في الجماعات المحلية والهيئات الاجتماعية المهنية، في شأن مطامح ومشاريع جهاتهم وبالتالي إعطاء الانطلاقة لديناميكية متميزة للمنافسة والتنمية الجهوية المندمجة ".
وتنص المادة الأولى من القانون في فقرته الثانية، على أنه " تناط بالجهات، مع مراعاة الاختصاصات المسندة إلى الجماعات المحلية الأخرى، مهمة المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجماعات الجهوية بتعاون إن اقتضى الحال مع الدولة والجماعات المحلية المذكورة ".
وبشكل عام، يمارس المجلس الجهوي ثلاث فئات من الاختصاصات، وهي اختصاصات خاصة، واختصاصات تنقلها إليها الدولة، واختصاصات تهم تقديم اقتراحات وإبداء آراء .
غير أن العمل الحقيقي لهذه الاختصاصات يعوقها تأطير جامد للجهوية وثقل مراقبة الوصاية .
وبالتالي، وحسب المادة41 من القانون الخاص بالجهة فإنه لا تكون قرارات المجلس الجهوي قابلة للتنفيذ إلا إذا صادقت عليها سلطة الوصاية وخاصة ما يتعلق بمسائل الميزانية الجهوية و الاقتراضات المراد إبرامها والضمانات الواجب منحها و فتح حسابات خصوصية و فتح اعتمادات جديدة ورفع مبالغ بعض الاعتمادات و التحويل من فصل إلى فصل و قبول الهبات والوصايا أو رفضها و تحديد كيفية وضع أساس الرسوم والأتاوى ومختلف الحقوق المحصلة لفائدة الجهة وتحديد تعريفاتها وقواعد تحصيلها وذلك وفقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل والامتيازات والوكالات وغيرها من أنواع تدبير شؤون المرافق العامة الجهوية والمساهمة في شركات اقتصادية مختلطة وجميع المسائل التي لها ارتباط بمختلف هذه الأعمال و الاشتراءات والبيوع أو المعاملات أو المعاوضات المتعلقة بعقارات الملك الخاص وأعمال تدبير الملك العام.
وتعكس المراقبة بالمصادقة كما ينص عليها قانون الجهة تدخلا للسلطة المركزية يعادل تدخلا حقيقيا في الشؤون الداخلية للجهات.
من جهة أخرى، فإن الاستقلال المالي للجهات ضيق ومحصور، حيث لم يتم بعد إحداث صندوق للموازنة والتنمية الجهوية الذي نص عليه القانون. ويتعين على الدولة إذن السهر على أن تتوفر هذه الهيئات الجهوية على الوسائل المالية الخاصة المستقلة والكافية.
وأخيرا، يطرح بحدة مشكل التقطيع الجهوي، الذي يعتبر عاملا حاسما في اختلال التوازن الترابي. وقد تم وضع الخريطة الجهوية الحالية التي تضم 16 جهة، على أساس معايير سياسية وجيواستراتيجية غير منسجمة في الغالب مع متطلبات وإكراهات التنمية.
وكل هذه المشاكل والمعيقات تستأثر باهتمام صاحب الجلالة الذي شدد في الرسالة التي وجهها جلالته للملتقى على ضرورة تعزيز أسس لامركزيتنا بواسطة نظام للجهوية الموسعة على أساس أقطاب جهوية متجانسة. وبذلك فإن إرادة تحقيق إقلاع حقيقي للجهوية أصبحت حقيقية.
ويبشر التفكير الجاري بخصوص شكل مشروع الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية المسترجعة الذي تنخرط وتشارك فيه الأحزاب السياسية والمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية ، برؤية متفائلة تعيد التفكير في المجال الجهوي في مجمله .
وسيتم الاستناد في هذا المجال على تعزيز الديمقراطية الجهوية، وتطوير الحكم الذاتي الجهوي ، والنهوض بالنخب والسلطات المحلية، وتكريس التضامن الترابي.
من جهة أخرى، حظي اللاتمركز الإداري باعتباره لازمة للامركزية وللجهوية باهتمام خاص في رسالة جلالة الملك.
تسريع مسلسل اللاتمركز الإداري :
يرتكز اللاتمركز الترابي على الاعتراف للفاعلين العموميين المحليين أو الموظفين على رأس مقاطعة إدارية بإمكانية ممارسة بعض الاختصاصات الإدارية التي يمارسها هؤلاء الفاعلون بالعاصمة أو بمختلف النقط الترابية. غير أن هذا النقل للاختصاصات يعتبر مرفوقا بصيانة ممارسة السلطة التراتبية.
ويستلزم اللاتمركز إذن نقلا جزئيا ما دام أنه لا يهم إلا الشؤون ذات الطبيعة الترابية ونقلا محددا بشكل دقيق بواسطة النصوص لأنه لا يهم كل هذه الشؤون، ولكن البعض منها.
ويتميز اللاتمركز كما تتم ممارسته بالمغرب بتقاسم للاختصاصات التي تمارس باسم السلطة المركزية، لكن مع الحفاظ على تبعية للسلطة المركزية لكل المكلفين باختصاصات لامتمركزة.
وفي الحياة الإدارية الواقعية بالمغرب، تتغلب المركزية بشكل واسع على اللاتمركز. ففي الغالبية الكبرى، تبقى سلط السلطات اللامتمركزة وخاصة بالنسبة لتلك التي توجد خارج العاصمة، ضعيفة في غالبية الأحيان.
وتبدو التدابير الهادفة إلى تطوير اللاتمركز جد خجولة. ويمكننا الحديث عن غياب سياسة حقيقية للاتمركز.
لكن هذا التأكيد مشروط بالمصادقة على مرسوم20 أكتوبر 1993 المتعلق باللاتمركز الإداري.
ويفسر غياب سياسة حقيقية للاتمركز بوجود احتراس معين تجاهها. ففي الواقع، هناك عوائق مختلفة حالت دون تطوير مذهب محدد.
ويتمثل العائق الأول في هيمنة اللامركزية. فبين كل مواضيع التفكير حول الإصلاح الإداري، يبدو موضوع اللامركزية أكثر إثارة للاهتمام، فرجال السياسة والخبراء والمزاولون لمهام إدارية وغيرهم يقدمونها كحل لمحاربة المبالغة في البيروقراطية.
غير أن هذه الأهمية الممنوحة للامركزية غيبت تلك الممنوحة للاتمركز .
ومن جهة أخرى، يمكن أن نكشف عائقا ذا طبيعة نفسية أمام لاتمركز السلطات الإدارية. فبالنسبة للإدارة المركزية، فإن اللاتمركز غالبا ما يؤدي، بالنسبة للمسؤولين المعنيين، إلى شعور بالحرمان . ولا يمكن القيام بأي مبادرة جدية بهذا الصدد إذا لم تقبل السلطات المركزية بالعاصمة بضرورة اللاتمركز. وبخصوص المصالح الخارجية، نجد في بعض الأحيان نوعا من الحذر إزاء تدابير اللاتمركز التي تفترض ممارسة مسؤوليات يتعين عليهم تحمل نتائجها.
واقترح مرسوم رقم2 -93 -625 الصادر بتاريخ20 أكتوبر1993 إيجاد حل لهذه النقائص من خلال صياغة أسس للاتمركز الإداري يجسد وعي الحكومة المغربية بالأهمية التي يكتسيها حاليا اللاتمركز ودوره في تحديث الإدارة.
كما نص مرسوم1993 على إحداث لجنة دائمة للاتمركز الإداري، والتي تقترح السياسة الحكومية في ميدان اللاتمركز الاداري وتؤمن متابعة تنفيذ هذه السياسة.
وبفضل إرادة جلالة الملك، فإن مسلسل اللاتمركز عرف دفعة حقيقية من خلال الرسالة الموجهة للوزير الأول يوم تاسع يناير2002 ، والمتعلقة بالتدبير اللاممركز للاستثمار. وقرر جلالة الملك في هذه الرسالة إحداث ، تحت مسؤولية ولاة الجهات، مراكز جهوية للاستثمار، تقوم بوظيفتين أساسيتين، هما المساعدة على خلق المقاولات وتقديم المساعدة للمستثمرين.
كما أمر جلالة الملك الحكومة بإعداد إصلاح للممثليات الجهوية للإدارات المركزية، يرمي خصوصا إلى التقريب بينها لتحقيق المزيد من تظافر الجهود والانسجام، والانكباب على وضع المستخدمين بها وتحفيزهم، وتشجيع العناصر اللامعة في إدارتنا على اختيار مسار مهني بجهات المملكة وليس فقط في الإدارات المركزية.
كما جاء مرسوم جديد تحت رقم2 -05 -1369 الصادر بتاريخ ثاني دجنبر2005 ليحدد قواعد تنظيم القطاعات الوزارية واللاتمركز الإداري، وكذا توزيع الاختصاصات والوسائل بين الإدارات المركزية والمصالح اللاممركزة.
ويستفاد من مقتضيات هذا النص الجديد أنه يتعين على الإدارات المركزية أن تكتفي بتطبيق السياسة الحكومية الخاصة بقطاعات أنشطتها، بتطبيقها وتقييم نتائجها وإعداد مشاريع نصوص تشريعية أو تنظيمية و توجيه ومراقبة عمل المصالح اللاممركزة وكذا تقييم الوسائل الضرورية لاشتغالها. وتتكلف المديريات الجهوية والإدارات بالإقليم أو بالعمالات وكذا المصالح التي تشكلها، بتنفيذ جميع القرارات والتوجيهات الصادرة عن السلطات المركزية . وتضع الإدارات المركزية رهن إشارة المديريات والإدارات المذكورة سلفا، الوسائل الضرورية لاشتغالها .
ويتعين على رؤساء القطاعات الوزارية تفويض التوقيع ومسؤولية اتخاذ القرارات الإدارية الفردية لرؤساء المصالح اللاممركزة على صعيد الجهة، العمالة أو الاقليم، باستثناء القرارات التي لايمكن تفويضها، بموجب المقتضيات التشريعية أو التنظيمية.
ويطرح اللاتمركز الإداري مباشرة مشكل إعادة توزيع المستخدمين بين الادارة المركزية والمصالح الخارجية. وينبغي أن يكون نقل الصلاحيات مصحوبا بالوسائل البشرية والمادية الضرورية حتى تتمكن المصالح الخارجية من ممارسة مهامها الجديدة بشكل ملائم وفعال.
كما أن اللاتمركز ليس فقط مشكلا تقنيا. فهو أيضا، وبالأساس مسألة اقتناع ورغبة . والشيء الأساسي، هو إرادة إنجاز الاصلاح. والواقع أن اللاتمركز لحد الآن لا يلعب الا دورا محدودا لاصلاح إدارتنا. وهذا ما يدعو للاسف، ذلك أن سياسة حقيقية للاتمركز تشكل وسيلة لاصلاح جريىء. فهي تتطلب مراجعة شاملة للمهام المسندة للادارات المركزية، وإصلاحا ملموسا للوظيفة العمومية وتوزيعا أفضل للوسائل البشرية والمادية على المستوى المركزي والمستويات اللاممركزة. من هنا إذن تبرز ضرورة البدء في تنفيذ ميثاق وطني حقيقي للاتمركز.

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا