المجتمع المدني المغربي : بين الرؤية التنموية ودعم حقوق الإنسان
إن التنمية من هذا المنطلق يجب أن تستهدف بالأساس الإنسان من حيث أنه المعني الأول بمشاريع التنمية، وعندما نتحدث عن الإنسان، فإننا نتحدث بالضرورة عن كيان له مجموعة علائق تحيط به ويتفاعل معها، فهل يمكن الحديث عن إنسان يعيش تنمية، دون الحديث عن ضرورة تنمية محيطه البيئي، وتنمية قدراته ومهاراته المختلفة بالإضافة إلى تمتعه بصحة جيدة، وتمتعه بحقوقه من كرامة واستقلالية وحرية؟ وهل يمكن الفصل بين الحاجيات الأساسية والحقوق الأساسية للإنسان؟
* شعارات حول التنمية في عصر العولمة:
من بين الشعارات التي أصبحت ترفع شعار التنمية المستدامة لدرجة أصبح المجتمع المدني في بعض الدول من بينها المغرب يعتمد كليا في أنشطته على المشاريع التنموية، فبدأنا نسمع عن دور تنموي رائد ومتشعب للجمعيات غير الحكومية في سبيل تحقيق التنمية والخروج من دائرة التخلف، خاصة وأن التجارب السابقة مع الحكومات المتعاقبة فشلت فشلا ذريعا، وأصبحت هذه الحكومات عاجزة عن تحقيق مشاريع تنموية، لتترك المجال فسيحا أمام المجتمع المدني.
لقد أصبحت الجمعيات بمثابة المحرك والقائد المسير لمسيرة التنمية، مما يعني أنه وبعد مرور أكثر من عقدين على ظهور المشاريع التنموية للجمعيات ضرورة مقاربة هذه المشاريع وتقييم عمل الجمعيات في هذا المجال، وبالتالي محاولة الإجابة على الأسئلة التالية:
1) ما هو دور الجمعيات في فعل الإدماج الاقتصادي؟
2) ما هي التحديات التي تواجه المشاريع التنموية للجمعيات؟
3) ما درجة الأهمية التي يكتسيها دور الجمعيات كقوة ضاغطة ومراقبة في أفق تحقيق التغيير وبالتالي التنمية المنشودة؟
4) هل فعلا تقوم الجمعيات بالتقييم المستمر لمشاريعها للوقوف على حقيقة الإنجازات وأثرها على الفئات المستهدفة، وما هي أسس هذا التقييم؟
1) دور الجمعيات في تحقيق الاندماج التنموي:
إن أي حديث عن دور الجمعيات في تحقيق الاندماج التنموي في المجتمع يتطلب مسبقا وضع مقاربة تأخذ بعين الاعتبار ثلاثة عناصر تعتبر الركائز الأساسية لتحقيق هذا الدور على الوجه الأكمل، هذه الركائز هي:الديمقراطية، المواطنة، الإدارة الرشيدة داخل الجمعيات.
فالديمقراطية بمفهومها الشامل لا تعني فقط الحكم السياسي بقدر ما يمكن تعميمها عل كل المرافق وكل التجمعات سياسية،اجتماعية أو مهنية، فلا يمكن تحقيق دور متكامل ومنسجم من أجل التنمية من طرف الجمعيات في غياب الديمقراطية في هيكلة وبنية العلاقات داخل هذه الجمعيات. وإن تحقيق الديمقراطية كمفهوم جاءت به أدبيات المفكرين من أمثال روسو وأوكان وقبلهما أرسطو اليوناني، تعني إعداد مواطن حر مستقل ممتثل للقانون الذي يساهم في بلورته " إن الامتثال للقانون الذي ألزمنا أنفسنا به هو حرية" -جون جاك روسو- وهو ما يعني إعداد مواطن حر ديمقراطي.
فالديمقراطية الفعلية لا يمكن تحقيقها إلا بواسطة مواطن متمتع بمواطنة فعلية، فلا يمكن الحديث عن ديمقراطية في مجتمع عشائري تسوده نمط علاقات تتميز بالعشائرية والتراتبية والعبودية.
فالديمقراطية الحقيقية تعني خلق نسيج علاقات متكافئة ومتوازنة تحسن تدبير الخلافات وتدعم مفهوم احترام الرأي الآخر وتحقق مجتمعا تحترم فيه إرادة المواطنين، وتصبح للمواطن قوة ضغط من أجل تحقيق ديمقراطية ومواطنة فعلية. إن الحديث عن الديمقراطية والمواطنة يجرنا لصلب الموضوع ألا وهو أن أي دور للجمعيات من أجل الاندماج التنموي يجب أن ينطلق من مفهوم الإدارة الرشيدة داخل الجمعيات، وهو المفهوم الذي يضعنا مباشرة في خضم الإشكال المطروح على جمعيات المجتمع المدني ، فماذا نقصد بالإدارة الرشيدة؟
إن أية سياسة رشيدة للجمعيات تنطلق من مبدإ أساسي ألا وهو ضرورة تكريس مبدأ الديمقراطية الداخلية الذي يفرض نفسه على مستويين هما: المستوى التنظيمي والمستوى المعرفي، فعلى المستوى التنظيمي ورغم ما نلاحظه في السنوات الأخيرة من الانتشار المتزايد الكمي والنوعي للجمعيات بالمغرب، وكذا ما يمكن تلمسه من إيجابية في الخطاب الرسمي للإدارة المغربية اتجاه الحركة الجمعوية كتعبير عن انفتاح ديمقراطي، فإنه ما يزال يتعامل بانتقائية في دعمه للجمعيات كما أن التحليل الموضوعي لعمل وأداء الحركة الجمعوية يفرز لنا واقعا هشا لأهم سماته: التبعية المطلقة لهذه الجمعيات للرأسمال الدولي الغربي من خلال الدعم المالي من طرف الممولين الدوليين، بالإضافة إلى قصور في المهنية للأطر العاملة داخل الجمعيات ليس لعدم الكفاءة فقط ولكن وفي أحيان كثيرة لعدم الاستقلالية والتمتع بروح المبادرة بعيدا عن الهيمنة والأوامر من طرف المكتب المسير.
أما على المستوى المعرفي ضرورة استيعاب جيد لمفهومي الديمقراطية والمهنية وهو ما يعني سن سياسة رشيدة داخل الجمعيات التي تنجز مشاريع تهدف من ورائها تحقيق الاندماج التنموي للفئات المستهدفة في إطار الشفافية واحترام مواطنة هذه الفئات، وأيضا روح المبادرة والخلق لدى الأطر العاملة. إن تحقيق هذا المبتغى يجب أن ينطلق أولا من إعادة النظر في البنية والهيكلة التنظيمية للجمعيات.
2) التحديات التي تواجه المشاريع التنموية للجمعيات:
إن الحديث عن الإدارة الرشيدة داخل الجمعيات نابع من واقع أفرزه التطور التاريخي والاجتماعي لعمل الحركة الجمعوية في ما يسمى بالمشاريع التنموية، فقد أصبح لزاما على الجمعيات خلق بنية تنظيمية مغايرة تنسجم مع الواقع الجديد (تبني الجمعيات للمشاريع حيث أصبحت بعضها بمثابة مقاولات) هذه البنية التي يجب أن تنطلق من ضرورة الفصل بين المجلس التنفيذي أو المكتب التنفيذي للجمعيات ولجنة تسيير كل مشروع على حدة والتي تتكون من الأطر العاملة في المشروع وممثلين عن المكتب والتي يفترض فيها المهنية العالية والتفرغ والاستقلالية لتحمل المسؤولية كاملة في إنجاز مراحل المشروع وعليها رفع تقارير دورية تحدد من خلالها الخطوات العملية ومناقشتها مع مكتب الجمعية أو المجلس الإداري قصد أخذ القرارات التي تنسجم وأهداف الجمعية، ولعل هذه النقطة التنظيمية تعتبر من التحديات التي تواجه العديد من الجمعيات التي تبنت مشاريع تنموية.
هناك أيضا تحد ثان يتمثل في أن مثل هذه المشاريع تضع مصداقية المكتب المسير للجمعية وأعضائه أمام محك عسير. غالبا ما نلاحظ فشل العديد من الإطارات الجمعوية في إثبات مصداقيتها أمام الممولين وكذا في علاقة مع الفئات المستهدفة من هذه المشاريع، وهو ما يعني أننا نعيش في واقع مؤسف أهم سماته لهاث العديد من الجمعيات وراء مشاريع تنموية من أجل تحقيق أغراض شخصية ومصالح مادية ضيقة، حيث نجد في بعض الأحيان رفوف مقرات هذه الجمعيات تحوي تقارير كاذبة عن أنشطة وهمية وعن إنجازات تنموية تمويهية، وما يؤسف له أكثر أن مثل هذه التجاوزات تتم في بعض الأحيان بتواطؤ مع منسقين أوروبيين عينوا من أجل المراقبة والمتابعة.
3) ما هي الأهمية التي يكتسيها دور الجمعيات كقوة ضغط ومراقبة في أفق تحقيق التغيير المنشود؟
إن مثل هذه الأهمية لدور الجمعيات كقوة ضاغطة تنبع من مقاربة شمولية لمفهوم مشروع مجتمعي تنموي، هذا المشروع المجتمعي الذي يجب أن تنخرط فيه وتساهم في بلورته كافة الفعاليات المجتمعية من مجتمع مدني ومؤسسات الدولة وأحزاب سياسية ومواطنين.ذلك أن ما يحدث وللأسف على أرض الواقع هو ظهور مشاريع تنموية متبناة من طرف جمعيات المجتمع المدني تبين بعد المعاينة والتقييم أنها مجرد قرص مسكن لآلام التخلف الاجتماعي الذي يعاني منه المجتمع ولا ترقى إلى مستوى تحقيق تنمية حقيقية مستدامة.
فتحقيق التنمية الحقيقة كحق من الحقوق الإنسانية المنصوص عليها في المواثيق الدولية لا يمكن أن يتم إلا عبر خلق قوة ضغط وقوة اقتراح وآلية مراقبة تعتمد الموضوعية والروح العالية من الالتزام اتجاه الفئة المستهدفة من مشاريع التنمية واحترام إنسانيتها وحقها في التنمية بعيدا عن مبدأ الشفقة والصدقة. واعتبار الهدف الأساسي من هذه المشاريع ليس فقط تقديم الخدمات بل أيضا العمل على المناصرة والمرافعة من أجل تغيير الوضيعات القائمة المجحفة التي تعمل على خرق الحقوق الإنسانية للفئات المستهدفة وأول هذه الحقوق الحق في العيش الكريم وفي التنمية الشاملة.
4) مدى تأثير المشاريع التنموية على الفئات المستهدفة وأسس تقييمها:
قبل أن نقارب أو نقيم مدى نجاح أو فشل المشاريع التنموية المنجزة من طرف الجمعيات، لا بد لنا من وقفة ولو قصيرة على تقييم شامل ومختصر للسياسات الحكومية المتعاقبة في مجال التنمية الاجتماعية منذ الستينات من القرن الماضي إلى اليوم.
لقد سنت الدولة سياسات تنموية تميزت في أغلبها بالخضوع لإملاءات الجو العام للسياسة الدولية ولقرارات البنك الدولي والتي اتسمت بما اصطلح على تسميته بسياسات التقويم الهيكلي. لقد كانت وما تزال المخططات الاقتصادية تنجز وتصاغ بعيدا عن أية مقاربة اجتماعية حيث كان التفكير في مشاريع التنمية وإنجازها أحادي الجانب، حيث يتم التركيز فقط على الجانب الاجتماعي، هذه السياسة أفرزت لنا عبر تطور المراحل التاريخية،برجوازية هجينة متحالفة مع المخزن، وتعمل على تطبيق سياسة التقويم الهيكلي خاصة مع بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي، وهو المخطط المطبق في أغلب دول العالم الثالث، مما يعني أن مل المخططات أدت وبشكل مباشر وعميق إلى إفراز وضعية اجتماعية مزرية لعبت البرجوازية الكسولة دورا أساسيا في توسيع هامش الفقر وتكريس سياسة اللاعدالة الاجتماعية.
وقد كان لانهيار الاتحاد السوفياتي وبالتالي نهاية الآمال والأحلام كما يرى فوكوياما في نهاية التاريخ أثرا بالغا في ثتبيت عولمة سياسية واقتصادية وفكرية وبالتالي اجتماعية مكنت الليبرالية الجديدة من التمركز والسيطرة رغم وجود بوادر مقاومة ضد الامبريالية الجديدة تقودها الحركات المعادية للعولمة المنتشرة عبر العالم.
كل هذه العوامل إضافة إلى السياسة الاجتماعية الفاشلة للدولة، أفرزت ظهورا قويا للمجتمع المدني الذي سيأخذ على عاتقه مهمة إنجاز مشاريع تنموية تراعي الجانب الاجتماعي من أجل تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية.
المشاريع الجمعوية : أية تنمية؟
كما سبقت الإشارة ومنذ عقد الثمانينات ونتيجة لسياسة التقويم الهيكلي التي انتهجتها الدولة المغربية إرغاما وطواعية في نفس الآن، ظهرت في المجتمع المغربي جيوش من المهمشين والمقصيين (عاطلين، متسولين، مومسات من كل الأعمار والمستويات ، منحرفين...) إضافة إلى انخفاض المستوى المعيشي لفئة عريضة من الشعب المغربي كانت في السابق تحسب على الطبقة المتوسطة، أمام هذه الوضعية وبسبب فشل السياسات الحكومية في مجال التنمية، ظهرت مشاريع تنموية منجزة من طرف جمعيات من المجتمع المدني، حيث فتحت أوراشا لمحاربة الفقر والأمية والبطالة، وتثبيت الحقوق الإنسانية لكل الفئات الاجتماعية دون تمييز. غير أنه ورغم تمكن بعض هذه المشاريع من تخفيف الوضعية المزرية خاصة بالنسبة للنساء الأميات ـ إلا أن النتائج على المستوى العام ظلت هزيلة ولم ترق إلى المستوى المنشود، فما زالت نسبة الأمية مرتفعة في أوساط النساء خاصة القرويات، ومازال عدد المقصيين يزداد يوما بعد يوم وهو ما يعني أن المشاريع الجمعوية في أغلبها يمكن إدراجها في خانة التنموية التي تأخذ طابع الصدقة والإحسان لأنها بكل بساطة أغفلت الجانب الحقوقي في مقاربتها لمسألة التنمية باعتبارها حقا من الحقوق الإنسانية، وجب تحقيقه عن طريق سن سياسة الحماية الاجتماعية وليس عن طريق التضامن العاطفي للأغنياء على الفقراء، فقد كان لزاما على الدولة أن تفرض على الأغنياء المتهربين من الضرائب دفع ضرائبهم تعمل بعد ذلك على استغلال هذه الموارد من أجل إحداث نظام للحماية الاجتماعية حيث تتمكن الدولة من مساعدة كل المهمشين والمقصيين وتمكينهم من حقهم في الكرامة الإنسانية ومن الحق في التنمية.
إن محاربة الفقر والإقصاء والتهميش يجب أن ينطلق بالأساس من مبدأ تثبيت المواطنة الحقيقية لكل المغاربة دون تمييز، لأن الفقر والإقصاء ليسا قدرا محتوما بل هما من نتائج اختيارات سياسية تكرس الإقصاء والتهميش والتمييز وتتعامل بمنطق دولة الرعية بدل دولة المواطنة والحق والقانون.
وما يؤسف له كذلك أن المشاريع التنموية للجمعيات كرست بدورها مفهوم الصدقة والإحسان بدل إعطاء بدائل تراعي مفاهيم الديمقراطية والمواطنة والحقوق الاجتماعية، حيث ظهرت طبقة جديدة اغتنت بفعل مشاريع تنموية منجزة من طرف الجمعيات وبدأت بدورها تمارس الترف الزائف كما كرست سياسة الاستغلال في تشغيلها للأطر الجمعوية ولم تراعي في أغلبها الحقوق الاجتماعية للعاملين بمشاريعها التنموية.
أما على مستوى النتائج وتأثير هذه المشاريع على الفئات المستهدفة، فيمكن القول أنها هزيلة أمام ما كان منتظرا، فإذا أخذنا مثلا مشاريع التكوين المهني للنساء ومحاربة الأمية، فإننا نلاحظ أن الميزانيات التي صرفت كانت أكبر وأضخم من النتائج المحصل عليها خاصة وأن تقارير بعض الجمعيات كانت تمويهية تفتقد المصداقية، من حيث الميزانيات المخصصة أو عدد المستفيدين، أو مستوى النتائج المحصل عليها، وما يمكن قوله هنا هو أن كثيرا من الجمعيات أعادت اجترار ما اعتدناه من سياسة الدولة التي كانت بارعة في إعطاء إحصائيات غير حقيقية، وحتى إن نجحت بعض المشاريع الجمعوية وفي حيز ضيق وبمناطق ومجالات محدودة إلا أنه يجدر بنا التذكير هنا إلى أنه لا يجب أن تتحول مشاريع الجمعيات إلى قرص مسكن لأوجاع الدولة فليس هذا هو دور الجمعيات التاريخي الذي من أجله أنشئت، كما أن الجمعيات لا يمكنها أن تقوم مقام الدولة التي عليها وحدها حل معضلات المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبالتالي تغيير السياسات القائمة، وتثبيت ديمقراطية عميقة في المجتمع بدءا بالتنظيمات السياسية والمهنية ومرورا بمحاربة الرشوة والجرائم الاقتصادية وانتهاءا بتأطير وتنظيم كافة المقصيين والمستغلين من أجل معركة حاسمة تروم تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والمواطنة الحقيقية باعتبارها مبادئ مقدسة.
هل هناك بدائل للسياسات التنموية القائمة ؟
لا يمكن التفكير في البدائل دون استحضار الواقع العالمي القائم حاليا ونعني به العولمة المهيمنة ومن السذاجة التغريد خارج سرب العولمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، من هنا ضرورة التفكير في بدائل لمواجهة ما يتهدد البعد الحقوقي والإنساني للتنمية من تحديات وانزلاقات بفعل تأثير العولمة.
قبل التفكير في إعطاء بدائل لا بد من التذكير بأهمية تحليل، وبشكل معمق ونزيه، كل الظواهر الاجتماعية المستفحلة في مجتمعنا، ولا بد من مقاربة واقعية ليس فقط لظاهرتي التخلف عن ركب التنمية، والفقر الذي تعاني منه فئة عريضة من المجتمع، ولكن وبشكل أعم وأشمل التفكير في أسباب استفحال ظاهرة الإقصاء والتهميش، وهي ظاهرة ناتجة عن التفقير والتهميش الممنهج والمنظم والذي ساهمت فيه المخططات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتعاقبة، ومما يزيد الوضع تأزما هو سكوت وتهرب الدولة من المقاربة الحقوقية القائمة على مفاهيم الديمقراطية والمواطنة لظاهرة التهميش والإقصاء، حيث نجد الخطاب الرسمي يردد عبارات القضاء والقدر، وهو خطاب لا علمي ولا واقعي ينتج بالضرورة سياسات تنموية قائمة على العطف والإحسان وليس على حق كل المواطنين في التمتع بحماية اجتماعية تضمن لهم البقاء باعتباره حقا إنسانيا سابقا على الحق في لقمة العيش.
انطلاقا مما سبق يمكن الحديث عن البدائل التالية:
1) إن على المواطن المغربي أن ينتزع حقه في التنمية، الشئ الذي لن يتأتى له إلا بإلحاحه في انتزاع مواطنته، هذه المواطنة التي تعني أن له الحق في الاستفادة من خيرات البلاد، وذلك انطلاقا من العدالة الاجتماعية والتوازن الاقتصادي فالحرمان لدى طبقة معينة هو نتيجة تبذير طبقة أخرى.
2) في مقابل ذلك فإن على الدولة أو الحكومة أن تعمل، وانطلاقا من الهامش الذي لها الحق في التحرك عبره، عليها أن تفرض نظاما ضريبيا صارما، وأن تتمكن من خلاله من فرض نظام الحماية الاجتماعية لكل المواطنين.
3) على الدولة وبتحالف مع قوى التغيير، أن تعمل على محاربة كل الجرائم الاقتصادية (الرشوة واختلاس ميزانيات الدولة) وهي خطوة أساسية من أجل إصلاح الإدارة المغربية باعتبارها عماد المجتمع وعبرها تثبيت دعائم الديمقراطية والمواطنة الحقة.
4) إن تحقيق البدائل الثلاث ت السابقة الذكر قد يصبح مستحيلا في غياب دمقرطة حقيقية وجذرية لكافة مكونات المجتمع، بما فيها التنظيمات المهنية والجمعيات والأحزاب، باعتبارها طليعة المجتمع وعلى عاتقها تقع مهمة تحقيق التغيير المنشود على درب الوصول للتنمية الحقيقية، كمشروع مجتمعي يروم إدماج كل المهمشين وكل المواطنين في مخطط التنميــــــــــــــــــة.
Auteur: ouaiaou Fatima
بقلم : ذ.فاطمة واياو صحافية وفاعلة حقوقية وجمعوية
http://www.tanmia.ma/article.php3?id_article=2790&lang=ar
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى