عمل المشرع المغربي على تحديث المنظومة التشريعية والقضائية، وذلك من خلال إصدار حزمة من القوانين المغيّرة والمتممة لكل من ظهير التنظيم القضائي لـ 15 يوليوز 1974، وقانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية، كما تمّ إحداث أقسام قضاء القرب بموجب القانون رقم 42.10، إلى جانب توسيع مجال اختصاص القضاء الفردي وإحداث أقسام للجرائم المالية بمحاكم الاستئناف… وغيرها من النقط التي حملتها التعديلات الجديدة الصادرة في الخامس من سبتمبر 2011، والمنشورة في الجريدة الرسمية عدد 5975.
وسنقتصر في هذا الإطار على جرد أهم الاشكالات التي تطرحها التجربة الفتيّة لأقسام قضاء القرب، والتي أبانت عن قصورها وأصبحت ملامح فشلها تُلوّح في أفقها، وذلك بعد مرور أزيد من سبعة أشهر من دخول هذا القانون حيز التنفيذ.
وهذه جملة من الملاحظات الواقعية والقانونية التي ترصد بعض علل هذه التجربة، اقتصرت منها على المهم، ثم اكتفيت بالأهم، وهي تتلخص فيما يلي:
أولا: إن القانون رقم 42.10، ليس ابداعاً مغربيا، بل هو تقليد لبعض القوانين البائدة، مثل قضاء المحاكم الجزئية بليبيا وقضاء الجوار بالعراق، أو هو بالأحرى استنساخ للتجربة الفرنسية ( القانون الصادر بتاريخ 09 سبتمبر 2002 المعدل بالقانون التنظيمي الصادر بتاريخ 26 فبراير 2003)، إلا أن الأدهى والأمرّ أن قضاء القرب أبان عن فشله في فرنسا، وهو ما جعل المشرع الفرنسي يصدر قانون بإلغائه ( قانون 13 دجنبر 2011) مع جعل الاختصاصات التي كانت موكولة إليه من اختصاص المحاكم العادية، وذلك بحلول تاريخ 01/01/2013 مع إمكانية تصفية القضايا المسجلة قبل هذا التاريخ في أفق 01/07/2013.
ثانيا: إن توسل المشرع المسطري بمبدأ المجانية في إطار القانون رقم 42.10 المحدث لأقسام قضاء القرب، وذلك في جميع القضايا التي لا تتجاوز قيمتها 5000 درهم، يُعدّ درباً من دروب تمييـع المنظومة القضائية المغربية، بحيث ستشكل ردهات المحاكم مجالا خصباً لابتزاز المتقاضين ومنفذا لمن لا منفذ له، وذلك عبر استعمال القضاء كوسيلة تهديدية من أجل قضاء مآرب غير مشروعة، نظرا لطابع اليسر والبساطة حد الميوعة التي تتسم به المسطرة أمام أقسام قضاء القرب.
ثالثا: إذا كانت نية المشرع هي تقريب القضاء من المواطن وجعل القضاء في خدمة المواطن عبر إقرار مبدأ المجانية، فإنه من جهة أخرى قد جعل ميزانية الدولة تتخلى عن مداخيل مهمة هي في حاجة ماسة إليها خصوصا في ظل الأزمة المالية التي تعرفها أغلب دول العالم ومن بينها المغرب، ذلك أنه تستفيد من المجانية الأبناك و كبريات الشركات الخاصة العاملة في مجال الاتصالات و التأمين و القروض الصغرى الخاضعة لمدونة التجارة ، فالمحاكم تسجل آلاف القضايا تقل قيمتها عن 5000 درهم تتقدم بها هذه المؤسسات الخاصة الكبرى و التي تعفى من الرسوم القضائية، وكان حريا بالمشرع أن يجعل مبدأ المجانية لا يتمتع به سوى الأشخاص الطبيعية، ويستثني منه الأشخاص الاعتبارية و يمكن أن نضيف كذلك الجمعيات و المؤسسات ذات النفع العام .
رابعا: إن الآجال التي ضربها المشرع في سبيل تسريع وثيرة البث في القضايا المعروضة على أقسام قضاء القرب تظل ” آجال فنطزية” طالما أنها غير مقرونة بإجراءات تأديبية إذا ما تمّ تجاوزها وعدم احترامها، كما أن قصر هذه الآجال يصطدم مع نقص الامكانيات المادية واللوجيستيكية الضرورية واللازمة لتفعيل وتنزيل هذا القانون على أرض الواقع.
وأخيرا وليس آخرا، فإن القانون المتعلقة بقضاء القرب تطبعه سمة الارتباك والتخبط، أريد له أن يولد ولادة قيصرية، بحيث ما زال يعيش على وقع الجُرعات التشريعية ( مشاريع القوانين) المتمّمة له، والتي تتقدم بها وزارة العدل والحريات كان آخرها مشروع القانون المغيّر والمتمّم للمادة السادسة، والذي يعيد النظر في مجانية قضاء القرب بالنسبة للأشخاص المعنويين.
بقلم: سعيـد موقـوش
باحـــــث جـامعـي
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى