Saturday, December 01, 2012

مبـدأ المشروعيـة


يقصد بالمشروعية أن تخضع الدولة بهيائتها وأفرادها جميعهم لأحكام القانون وأن لا تخرج عن حدوده، ومن مقتضيات هذا المبدأ أن تحترم الإدارة في تصرفاتها أحكام القانون، و إلا عدت أعمالها غير مشروعة وتعرضت للبطلان.
والأساس الذي يقوم عليه المبدأ مرهون باختلاف الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مختلف الدول.
وغالباً ما تتفق الدول على أن هذا الخضوع هو الذي يمنح تصرفاتها طابع الشرعية ويضعها في مصاف الدول القانونية وبخروجها عنه تصبح دولة بوليسية Etat de Police .([1])
ولابد للدولة القانونية من مقومات وعناصر طبيعية جوهرية ومن هذه العناصر:
1. وجود دستور يحدد النظام ويضع القواعد الأساسية لممارسة السلطة في الدولة ويبين العلاقة بين سلطاتها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.
2. خضوع الإدارة للقانون: ويقتضي ذلك عدم جواز إصدار الإدارة أي عمل أو قرار أو أمر من دون الرجوع لقانون وتنفيذاً لأحكامه.
3. التقيد بمبدأ تدرج القواعد القانونية : ويستند ذلك إلى أن القواعد القانونية تتدرج بمراتب متباينة بحيث يسمو بعضها على البعض الآخر.
4. تنظيم رقابة قضائية: لكي تكتمل عناصر الدولة القانونية لابد من وجود تنظيم للرقابة القضائية على أعمال مختلف السلطات فيها، وتقوم بهذه المهمة المحاكم على اختلاف أنواعها سواء أكانت عادية أم إدارية، تبعاً لطبيعة النظام القضائي المعمول به في الدولة كأن يكون نظام قضاء موحد أم نظام القضاء المزدوج.
ويمثل القضاء الإداري في الدول التي تعمل به ركيزة أساسية في حماية المشروعية وضمان احترام حقوق وحريات الأفراد من جور وتعسف الإدارة، ويتسم هذا القضاء بالخبرة والفاعلية في فض المنازعات التي تنشأ بين الأفراد والإدارة لكونه ليس مجرد قضاء تطبيقي كالقضاء المدني وإنما قضاءً إنشائياً لا يتورع عن ابتداع الحلول المناسبة لتنظيم علاقة الإدارة بالأفراد في ظل القانون العام.

الفصل الأول
مصادر مبدأ المشروعية

إذا كانت الإدارة تلتزم باحترام القانون وتطبيقه، فأن المقصود بالقانون هنا القواعد القانونية جميعها أياً كان شكلها .
ومصادر المشروعية هي مصادر القانون ذاته كالدستور وما يلحق به من قيمة قانونية عليا كإعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير ثم يلي الدستور القوانين ثم القرارات الإدارية التنظيمية و الفردية والعرف والقضاء .
وسنقسم هذه المصادر إلى نوعين : المصادر المكتوبة والمصادر الغير مكتوبة .

المبحث الأول
المصادر المكتوبة

تشمل المصادر المكتوبة الدستور والتشريع العادي (القانون) والتشريعات الفرعية أي اللوائح الإدارية .

المطلب الأول: التشريعـات الدستوريـة
تعد التشريعات الدستورية أعلى التشريعات في الدولة وتقع في قمة الهرم القانوني وتسمو على القواعد القانونية الأخرى جميعاً فهي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وعلاقته بالمواطنين وحقوق الأفراد وحرياتهم، والاختصاصات الأساسية لمختلف السلطات العامة في الدولة.
ومن ثم ينبغي أن تلتزم سلطات الدولة جميعها بالتقيد بأحكامه و إلا عدت تصرفاتها غير مشروعة، والإدارة بوصفها جهاز السلطة التنفيذية تلتزم بقواعد الدستور ولا يحق لها مخالفته في أعمالها إذ أن ذلك يعرض أعمالها للإلغاء والتعويض عما تسببه من أضرار . ([2])
والقواعد الدستورية لا يقصد بها مجموعة القواعد المكتوبة في وثيقة أو وثائق دستورية فحسب إذ من الممكن أن تكون تلك القواعد غير مكتوبة في ظل دستور عرفي يتمتع بسمو القواعد الدستورية المكتوبة ذاتها .
كذلك تتمتع إعلانات الحقوق وما تضمنته هذه الإعلانات من حقوق وحريات للأفراد بقوة النصوص الدستورية فلا يجوز مخالفتها .

المطلب الثاني: القانـــون
القوانين هي التشريعات التي تصدرها السلطة التشريعية في الدولة وهي صاحبة الاختصاص في ذلك، وتأتي هذه التشريعات في المرتبة الثانية بعد الدستور من حيث التدرج القانوني وتعد المصدر الثاني من مصادر المشروعية .
والإدارة بوصفها السلطة التنفيذية تخضع لأحكام القوانين فإذا خالفت حكم القانون أو صدر عمل إداري استناداً إلى القانون غير دستوري وجب إلغاء ذلك العمل .
والسلطة المختصة بإصدار القانون في العراق هي البرلمان باعتباره ممثلاً للإدارة العامة ويشترط في التشريعات التي يصدرها أن توافق أحكام الدستور وإلا كانت غير مشروعة وجديرة بالحكم بعد دستوريتها .



المطلب الثالث : اللوائح والأنظمة
اللوائح هي قرارات إدارية تنظيمية تصدرها السلطة التنفيذية وهي واجبة الاحترام من حيث أنها تمثل قواعد قانونية عامة مجردة تلي القانون في مرتبتها في سلم التدرج القانوني .
ومن ثم فإن هذه اللوائح أو الأنظمة هي بمثابة تشريعات من الناحية الموضوعية لأنها تتضمن قواعد قانونية عامة مجردة تخاطب مجموع الأفراد أو أفراداً معينين بصفاتهم لا ذواتهم، إلا أنها تعد قرارات إدارية من الناحية الشكلية لصدورها من السلطة التنفيذية .
ويمكن تصنيف اللوائح إلى عدة أنواع هي:
1. اللوائح التنفيذية : وهي التي تصدرها الإدارة بغرض وضع القانون موضع التنفيذ، وهي تتقيد بالقانون وتتبعه، ولا تملك أن تعدل فيه أو تضف إليه أو تعطل تنفيذه.
2. لوائح الضرورة : وهي اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية في غيبة البرلمان أو السلطة التشريعية لمواجهة ظروف استثنائية عاجلة تهدد أمن الدولة وسلامتها، فتملك السلطة التنفيذية من خلالها أن تنظم أمور ينظمها القانون أصلاً ويجب أن تعرض هذه القرارات على السلطة التشريعية في أقرب فرصة لإقرارها.
3. اللوائح التنظيمية : وتسمى أيضاً اللوائح المستقلة وهي اللوائح التي تتعدى تنفيذ القوانين إلى تنظيم بعض الأمور التي لم يتطرق إليها القانون فتقترب وظيفتها من التشريع .
4. لوائح الضبط : وهي تلك اللوائح التي تصدرها الإدارة بقصد المحافظة على النظام العام بعناصره المختلفة، الأمن العام والصحة العامة و السكينة العامة، وهي مهمة بالغة الأهمية لتعلقها مباشرة بحياة الأفراد وتقيد حرياتهم لأنها تتضمن أوامر ونواهي وتوقع العقوبات على مخالفيها، مثل لوائح المرور وحماية الأغذية والمشروبات والمحال العامة .
5. اللوائح التفويضية : وهي اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية بتفويض من السلطة التشريعية لتنظيم بعض المسائل الداخلة أصلاً في نطاق التشريع ويكون لهذه القرارات قوة القانون سواء أصدرت في غيبة السلطة التشريعية أو في حالة انعقادها .
المبحث الثاني
المصادر غير المكتوبة

تشمل المصادر غير المكتوبة للمشروعية على المبادئ العامة للقانون والقضاء والعرف والإدارة .

المطلب الأول : المبادئ العامة للقانون
يقصد بالمبادئ العامة للقانون تلك المبادئ التي يستنبطها القضاء ويعلن ضرورة التزام الإدارة بها، والتي يكشف عنها القاضي من خلال الضمير القانوني العام في الدولة ويطبقها على ما يعرض عليه من منازعات .
والمبادئ العامة للقانون لا يشترط ورودها في نص قانوني مكتوب فقد تكون خارجة عنه يستخلصها القاضي من طبيعة النظام القانوني وأهدافه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والقيم الدينية والثقافية السائدة في المجتمع .
وعلى الرغم من اختلاف الفقه حول القيمة القانونية التي تتمتع بها المبادئ العامة للقانون، فقد استقر القضاء على تمتع هذه المبادئ بقوة ملزمة للإدارة بحيث يجوز الطعن بإلغاء القرارات الصادرة عنها، وتتضمن انتهاكاً لهذه المبادئ والتعويض عن الأضرار التي تسببها الأفراد .
ومن المبادئ القانونية العامة التي استخلصها مجلس الدولة الفرنسي وأضحت قواعداً أساسية في القانون الإداري ونظام القانون العام : مبدأ سيادة القانون، ومبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية، ومبدأ المساواة أمام المرافق العامة، ومبدأ المساواة أمام التكاليف العامة، ومبدأ الحق في التقاضي، ومبدأ عدم المساس بالحقوق المكتسبة، ونظرية الظروف الاستثنائية .
والقضاء الإداري بهذا المعنى لا يخلق المبادئ العامة للقانون إنما يقتصر دوره على كشفها والتحقق من وجودها في الضمير القانوني للأمة، ولذلك فمن الواجب على الإدارة والقضاء احترامها والتقييد بها باعتبارها قواعد ملزمة شأنها في ذلك شأن القواعد المكتوبة .
المطلب الثاني : القضاء
الأصل في وظيفة القاضي تطبيق القوانين والفصل في المنازعات المعروضة أمامه، وهو ملزم قانوناً بالفصل في المنازعة الداخلة في اختصاصه و إلا اعتبر منكراً للعدالة، لذلك رسم المشرع للقاضي العادي الأسلوب الذي يسلكه لفض المنازعة إذا لم يجد في القواعد القانونية القائمة حلاً للمنازعة .
الأصل في وظيفة القاضي تطبيق القوانين والفصل في المنازعات المعروضة أمامه ، وهو ملزم قانوناً بالفصل في المنازعة الداخلة في اختصاصه وإلا اعتبر منكراً للعدالة ، لذلك رسم المشرع للقاضي الأسلوب الذي يسلكه لفض المنازعة إذا لم يجد في القواعد القانونية حلاً للمنازعة .
وعلى ذلك لا يعد القضاء مصدراً رسمياً للقانون لدوره المتعلق بتطبيق النصوص التشريعية وتفسيرها وإزالة غموضها وإزالة التعارض المحتمل بينها ، ولا يتعدى القاضي هذا الأمر ليصل إلى حد خلق قواعد قانونية خارج نصوص التشريع . ([3])
إلا أن الطبيعة الخاصة لقواعد القانون الإداري من حيث عدم تقنينه وظروف نشأته وتعدد مجالات نشاطه ، أدى إلى أن يتجاوز القضاء الإداري دور القضاء العادي ليتماشى مع متطلبات الحياة الإدارية فيعمد إلى خلق مبادئ وأحكام القانون الإداري ، فيصبح القضاء مصدر رسمي للقانون الإداري بل من أهم مصادرها الرسمية ، ويتعدى دوره التشريع في كثير من الأحيان .
وتتميز أحكام القضاء الإداري بعدم خضوعها للقانون المدني ، فالقاضي الإداري إذا لم يجد في المبادئ القانونية القائمة نصاً ينطبق على النزاع المعروض عليه يتولى بنفسه إنشاء القواعد اللازمة لذلك دون أن يكون مقيداً بقواعد القانون المدني .
ومن جانب آخر أن أحكام القضاء العادي ذات حجية نسبية تقتصر على أطراف النزاع وموضوعه ولهذا تحدد قيمتها بوصفها مصدراً تفسيراً على النقيض من أحكام القضاء الإداري التي تتميز بكونها حجة على الكافة .
وفي ذلك يتبين أن للقضاء دوراً إنشائياً كبيراً في مجال القانون الإداري ومن ثم فهو يشكل مصدراً رئيسياً من مصادر المشروعية .
أما بالنسبة للقضاء الإداري فأن أحكامه تتميز بعدم خضوعها للقانون المدني، فالقاضي الإداري إذا لم يجد في المبادئ القانونية القائمة نصاً ينطبق على النزاع المعروض عليه يتولى بنفسه إنشاء القواعد اللازمة لذلك دون أن يكون مقيداً بقواعد القانون المدني فهو قضاء إنشائي يبتدع الحلول المناسبة التي تتفق وطبيعة روابط القانون العام واحتياجات المرافق العامة، ومقتضيات حسن سيرها واستدامتها والتي تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص .
ومن جانب آخر أن أحكام القضاء العادي ذات حجية نسبية تقتصر على أطراف النزاع وموضوعه ولهذا تحدد قيمتها بوصفها مصدراً تفسيرياً على النقيض من أحكام القضاء الإداري التي تتميز بكونها حجة على الكافة .
المطلب الثالث : العرف الإداري
العرف الإداري هو مجموعة القواعد التي درجت الإدارة على إتباعها في أداء وظيفتها في مجال معين من نشاطها وتستمر فتصبح ملزمة لها وتعد مخالفتها مخالفة للمشروعية تؤدي إلى إبطال تصرفاتها بالطرق المقررة قانوناً .
ويأتي العرف الإداري في مرتبة أدنى من مرتبة القواعد القانونية المكتوبة مما يستلزم إلا يخالف نصاً من نصوص القانون، فهو مصدر تكميلي للقانون يفسر ويكمل ما نقص منه .
ويتبين من ذلك أن العرف الإداري يتكون من عنصرين : عنصر معنوي يتمثل في شعور الأفراد والإدارة بأن القاعدة التي سلكتها في تصرفاتها أصبحت ملزمة قانوناً، وعنصر مادي يتمثل في الاعتياد على الأخذ بتلك القاعدة بشكل منتظم ومستمر بشرط أن يتبلور ذلك بمضي الزمن الكافي لاستقرارها .
ومع ذلك فأن التزام الإدارة باحترام العرف لا يحرمها من أمكان تعديله أو تغييره نهائياً إذا اقتضت ذلك المصلحة العامة، فالإدارة تملك تنظيم القاعدة التي يحكمها العرف بيد أن قيام العرف الجديد يتطلب توفر العنصرين السابقين فلا يتكون بمجرد مخالفة الإدارة للعرف المطبق .([4])
أما إذا خالفت الإدارة العرف في حالة فردية خاصة دون أن تستهدف تعديله أو تغييره بدافع المصلحة العامة فأن قرارها أو إجراءها المخالف للعرف يكون باطلاً لمخالفته مبدأ المشروعية .([5])
ويلزم لوجود العرف الإداري إلا يخالف نصاً مكتوباً، فإذا خالفت الإدارة في مسلكها نصاً قانونياً، فلا يجوز القول بوجود عرف إداري أو التمسك به.
والعرف الإداري يعد مصدراً للقواعد القانونية في المجال الإداري إلا أنه لا يجوز اللجوء إليه إلا إذا لم يجد القاضي الإداري في نصوص القوانين واللوائح ما يمكن تطبيقه لحل النزاع، ويمكن القول بان دور العرف الإداري أقل أهمية في مجال القانون الإداري منه في مجال القانون الخاص، على اعتبار أن تكوينه يتطلب فترة طويلة من الثبات والاستقرار في حين تتطور أحكام القانون الإداري وتتغير باستمرار.
الفصل الثاني
موازنة مبدأ المشروعية

إذا كان احترام حقوق الأفراد وحرياتهم يقتضي وجود قواعد صارمة تمنع الإدارة من الاعتداء على مبدأ المشروعية، فأن حسن سير المرافق العامة واستمرار أداء الإدارة وظيفتها يقتضيان منحها من الحرية ما يساعدها في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب توخياً للمصلحة العامة .
لذلك اعترف المشرع والقضاء والفقه ببعض الامتيازات التي تملكها الإدارة وتستهدف موازنة مبدأ المشروعية وهي:
· السلطة التقديرية .
· الظروف الاستثنائية .
· أعمال السيادة .


المبحـث الأول
السلطة التقديريـة
تمارس الإدارة نشاطها بأتباع أسلوبين : الأول أن تمارس اختصاصاً مقيداً وفيه يحدد المشرع الشروط لاتخاذ قراراها مقدماً . مثلما هو الحال في ترقية موظف بالأقدمية فقط فإذا ما توفرت هذه الأقدمية فأن الإدارة مجبرة على التدخل وإصدار قرارها بالترقية.
والأسلوب الثاني يتمثل بممارسة الإدارة اختصاصاً تقديرياً إذ يترك المشرع للإدارة حرية اختيار وقت وأسلوب التدخل في إصدار قراراتها تبعاً للظروف ومن دون أن تخضع للرقابة .
فالمشرع يكتفي بوضع القاعدة العامة التي تتصف بالمرونة تاركاً للإدارة تقدير ملائمة التصرف، شريطة أن تتوخى الصالح العام في أي عمل تقوم به وأن لا تنحرف عن هذه الغاية وإلا كان عملها مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة . ([6])
إلا أن حرية الإدارة غير مطلقة في هذا المجال فبالإضافة إلى أنها مقيدة باستهداف قراراتها المصلحة العامة تكون ملزمة بإتباع قواعد الاختصاص والشكلية المحددة قانوناً، بينما تنصرف سلطتها التقديرية إلى سبب القرار الإداري وهو الحالة الواقعية والقانونية التي تبرر اتخاذ القرار والمحل وهو الأثر القانوني المترتب عنه حالاً ومباشرة، فهنا تتجلى سلطة الإدارة التقديرية . ([7])
وقد منح المشرع للإدارة هذه السلطة شعوراً منه بأنها أقدر على اختيار الوسائل المناسبة للتدخل واتخاذ القرار الملائم في ظروف معينة لأنه مهما حاول لا يستطيع أن يتصور جميع الحالات التي قد تطرأ في العمل الإداري ويرسم الحلول المناسبة لها، فالسلطة التقديرية ضرورة لحسن سير العملية الإدارية وتحقيق غاياتها


القضاء والسلطة التقديرية:
إذا كانت السلطة التقديرية استثناءً من مبدأ المشروعية، فما دور القضاء في الرقابة على أعمال الإدارة الصادرة استناداً إلى هذه السلطة ؟ .
ذهب جانب من الفقه إلى أن القضاء يمتنع عن بسط رقابته على أعمال الإدارة المستندة إلى سلطتها التقديرية، فالقاضي بحسب رأيهم يمارس رقابة المشروعية وليس رقابة الملائمة ولا يجوز له أن يمارس سطوته على الإدارة فيجعل من نفسه رئيساً للسلطة الإدارية . ([8])
في حين ذهب جانب آخر من الفقه إلى جواز تدخل القاضي لمراقبة السلطة التقديرية على أساس ما يتمتع به القاضي الإداري من دور في الكشف عن قواعد القانون الإداري فيمكن له أن يحول بعض القضايا المندرجة في السلطة التقديرية والمرتبطة بالملائمة إلى قضايا تندرج تحت مبدأ المشروعية تلتزم الإدارة بأتباعها و إلا تعرضت أعمالها للبطلان . ([9])
والرأي الأكثر قبولاً في هذا المجال يذهب إلى أن سلطة الإدارة التقليدية لا تمنع من رقابة القضاء وإنما هي التي تمنح الإدارة مجالاً واسعاً لتقدير الظروف الملائمة لاتخاذ قراراتها وهذه الحرية مقيدة بان لا تتضمن هذه القرارات غلطاً بيناً أو انحرافاً بالسلطة، وهي بذلك لا تتعارض مع مبدأ المشروعية بقدر ما تخفف من اختصاصات الإدارة المقيدة .






المبحث الثاني
الظروف الاستثنائية


تواجه الإدارة في بعض الأوقات ظروفاً استثنائية تجبرها على اتخاذ بعض الإجراءات التي تعد غير مشروعة في الظروف العادية حماية للنظام العام وحسن سير المرافق العامة فتضفي على إجراءاتها تلك صفة المشروعية الاستثنائية .
وعلى ذلك فأن الظرف الاستثنائي أياً كانت صورته حرباً أو كوارث طبيعية لا يجعل الإدارة في منأى من رقابة القضاء بشكل مطلق، فلا يعدو الأمر أن يكون توسعاً لقواعد المشروعية تأسيساً على مقولة " الضرورات تبيح المحظورات " .
فالإدارة تبقى مسئولة في ظل الظروف الاستثنائية على أساس الخطأ الذي قد يقع منها، غير أن الخطأ في حالة الظروف الاستثنائية يقاس بمعيار آخر ويوزن بميزان مغاير لذلك الذي يوزن به في ظل الظروف العادية، فيستلزم القضاء فيه أكبر من الجسامة . ([10])
وتستمد نظرية الظروف الاستثنائية وجودها من القضاء الإداري، غير أن المشرع قد تدخل مباشرة في بعض الحالات لتحديد ما إذا كان الظرف استثنائياً أم لا . وهو يمارس ذلك بأتباع أسلوبين: الأول: أن يستصدر قوانين تنظم سلطات الإدارة في الظروف الاستثنائية بعد وقوعها، ويتسم هذا الأسلوب بحماية حقوق الأفراد وحرياتهم لأنه يحرم السلطة التنفيذية من اللجوء إلى سلطات الظروف الاستثنائية إلا بعد موافقة السلطة التشريعية، ويعيبه أن هناك من الظروف ما يقع بشكل مفاجئ لا يحتمل استصدار تلك التشريعات بالإجراءات الطويلة المعتادة . ([11])
اما الاسلوب الثاني فيتمثل في اعداد تشريعات معدة سلفا لمواجهة الظروف الاستثنائية.ولا يخفى ما لهذا الأسلوب من عيوب تتمثل في احتمال إساءة الإدارة سلطتها في إعلان حالة الظروف الاستثنائية في غير وقتها والاستفادة مما يمنحه لها المشرع من صلاحيات في تقييد حريات الأفراد وحقوقهم .
وقد أخذ المشرع الفرنسي بالأسلوب الأخير إذ منحت المادة السادسة عشر من دستور الجمهورية الخامسة الصادر عام 1958 رئيس الجمهورية الفرنسية سلطات واسعة من أجل مواجهة الظروف الاستثنائية .
وكذلك فعل المشرع االعراقي حيث حدد المشرع العراقي هذه الحالات في قانون السلامة الوطنية رقم 4 لسنة 1965 فيما يلي :
1-اذا حدث خطر من غارة عدائية او اعلنت الحرب او قامت حالة حرب او اية حالة تهدد بوقوعها .
2-اذا حدث اضطراب خطير في الامن العام اوتهديد خطير له .
3-اذا حدث وباء عام او كارثة عامة .
كذلك اصدر المشرع امر قانون الدفاع عن السلامة الوطنية رقم (1) لسنة 2004 الذي خول رئيس الوزراء بعد موافقة هيئة الرئاسة بالاجماع اعلان حالة الطوارىء في اية منطقة من العراق عند تعرض الشعب العراقي لخطر حال جسيم يهدد الافراد في حياتهم ، وناشىء من حمله مستمرة للعنف ، من أي عدد من الاشخاص لمنع تشكيل حكومة واسعة التمثيل في العراق او تعطيل المشاركة السياسية السلمية لكل العراقيين او أي غرض اخر.

القضاء الإداري ونظرية الظروف الاستثنائية:
يمارس القضاء الإداري دوراً مهماً في تحديد معالم نظرية الظروف الاستثنائية، ويضع شروط الاستفادة منها ويراقب الإدارة في استخدام صلاحياتهم الاستثنائية حماية لحقوق الأفراد وحرياتهم، وهذه الشروط هي:
1. وجود ظرف استثنائي يهدد النظام العام وحسن سير المرافق العامة سواء تمثل هذا الظرف بقيام حرب أو اضطراب أو كارثة طبيعية .
2. أن تعجز الإدارة عن أداء وظيفتها باستخدام سلطاتها في الظروف العادية، فتلجأ لاستخدام سلطاتها الاستثنائية التي توافرها هذه النظرية .
3. أن تحدد ممارسة السلطة الاستثنائية بمدة الظرف الاستثنائي فلا يجوز الإدارة أن تستمر في الاستفادة من المشروعية الاستثنائية مدة تزيد على مدة الظرف الاستثنائي .
4. أن يكون الإجراء المتخذ متوازناً مع خطورة الظرف الاستثنائي وفي حدود ما يقتضه . ([12])

وللقضاء الإداري دور مهم في الرقابة على احترام الإدارة لهذه الشروط وهو يميز هذه النظرية عن نظرية أعمال السيادة التي تعد خروجاً على المشروعية ويمنع القضاء من الرقابة على الأعمال الصادرة استناداً إليها . كما تتميز عن نظرية السلطة التقديرية للإدارة التي يكون دور القضاء في الرقابة عليها محدوداً بالمقارنة مع رقابته على أعمال الإدارة في الظروف الاستثنائية .
فالقاضي في هذه الظروف يراقب نشاط الإدارة لا سيما من حيث أسباب قرارها الإداري والغاية التي ترمي إليها الإدارة في اتخاذه ولا يتجاوز في رقابته إلى العيوب الأخرى، الاختصاص والشكل والمحل وهو ما استقر عليه القضاء الإداري في العديد من الدول . ([13])



المبحث الثالث
نظرية أعمال السيـادة

اختلف الفقه والقضاء في تعريف أعمال السيادة، وهي في حقيقتها قرارات إدارية تصدر عن السلطة التنفيذية وتتميز بعدم خضوعها لرقابة القضاء سواء أكان بالإلغاء أو بالتعويض . ([14])
وهي بذلك تختلف عن نظريتي السلطة التقديرية والظروف الاستثنائية التي لا تعمل إلا على توسيع سلطة الإدارة فهي تعد كما يذهب جانب من الفقه خروجاً صريحاً على مبدأ المشروعية .
وقد نشأت أعمال السيادة في فرنسا عندما حاول مجلس الدولة الفرنسي أن يحتفظ بوجوده في حقبة إعادة الملكية إلى فرنسا عندما تخلى عن الرقابة على بعض أعمال السلطة التنفيذية . ([15])

وقد استلهم المشرع العراقي في قانون السلطة القضائية رقم (26) لسنة 1963 (الملغي) نظرية اعمال السيادة و قد اصبح لها مصدرا تشريعيا في العراق حيث نصت المادة (4) منه على أن (ليس للمحاكم أن تنظر في كل ما يعتبر من أعمال السيادة) واخذ بالحكم ذاته قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 حيث نص في مادته العاشرة على انه (لا ينظر القضاء في كل ما يعتبر من أعمال السيادة).
وعند صدور القانون رقم (106) لسنة 1989 وهو قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 نص في مادته السابعة البند خامساً على ما يأتي (لا تختص محكمة القضاء الإداري بالنظر في الطعون المتعلقة بما يأتي :
1-أعمال السيادة وتعتبر من أعمال السيادة المراسيم والقرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية). ويبدو أن المشّرع لم يكتفِ بالنص على أعمال السيادة إبل اعتبر المراسيم والقرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية من قبيل اعمال السيادة ولا يخفى مالهذا التوجه من خطوره على اعتبار ان اغلب مايصدر من رئيس الجمهورية هو قرارات إدارية لايمكن تحصينها من رقابة القضاء واذا هذا الوضع كان يجد من يبرره في دوله تتبع النظام الشمولي في الحكم والاداره فأن الصلاحيات التي يمارسها رئيس الجمهوريه والقرارات التي يصدرها في ظل دستور العراق الحالي لايمكن اعتبارها بشكل من الاشكال من قبيل أعمال السيادة. مما يقتضي تعديل المادة السابعة البند خامساً والغاء هذا الاستثناء من رقابة القضاء الاداري . وهو ما ينسجم مع توجه المشرع الدستوري العراقي في الدستور الصادر عام 2005 حيت ورد النص في الماده 97 (يحظر النص في القوانين على تحصين اي عمل او قرار اداري من الطعن.)
ومع أن المشرع في العراق قد نص على وجود ما يسمى بأعمال السيادة إلا أنه آثر عدم وضع تعريف محدد لها على غرار التشريعات الأخرى، وترك ذلك إلى القضاء والفقه، ولاشك أن ضرورة وضع معيار لتمييز أعمال السيادة عن سائر أعمال الإدارة يحظى بأهمية خاصة، لأن إطلاق صفة عمل السيادة على تصرف إداري معين يمنحه حصانة من الرقابة القضائية .
ولا يخفى ما لهذا الأمر من تهديد لحقوق الأفراد وحرياتهم، وقد ظهر في سبيل هذا التمييز ثلاثة معايير نبينها فيما يلي :

المطلب الأول: معيار الباعث السياسي
معيار الباعث السياسي هو المعيار الذي اعتمده مجلس الدولة الفرنسي للأخذ بنظرية أعال السيادة و ويعد حكم مجلس الدولة في قضية Le Fitte الصادر في 1/5/1822 حجر الأساس في اعتماد هذا المعيار . ([16])
وبمقتضاه يعد العمل من أعمال السيادة إذا كان الباعث عليه سياسياً، أما إذا لم يكن الباعث سياسياً فإنه يعد من الأعمال الإدارية التي تخضع لرقابة القضاء . ([17])
وقد أخذ مجلس الدولة بهذا المعيار ليتلافى الاصطدام مع الإدارة لأنه معيار مرن يتيح للإدارة التخلص من رقابة القضاء بمجرد تذرعها بأن الباعث على تصرفها سياسي .
إلا أن المجلس عدل عن هذا المعيار نتيجة لكثرة الانتقادات الموجهة له، وذلك في حكمه بتاريخ 19/2/1875 في قضية Prince Napoleon . ([18]) وحكم محكمة التنازع في 5/11/1880 في قضية Marquigny . ([19])

المطلب الثاني : معيار طبيعة العمل
نتيجة لما وجه إلى معيار الباعث السياسي من نقد لجأ الفقه والقضاء إلى اعتماد طبيعة العمل ومفهومه لتمييز عمل السيادة عن أعمال الإدارة الأخرى . وفي سبيل ذلك ظهرت ثلاثة اتجاهات :

1- الاتجاه الأول:
ذهب الاتجاه الأول إلى التمييز بين العمل الإداري والعمل الحكومي إذ عد العمل حكومياً إذا قصد به تحقيق مصلحة الجماعة السياسية كلها والسهر على احترام دستورها، وسير هيئاتها العامة والإشراف على علاقاتها مع الدول الأجنبية وعلى أمنها الداخلي، وهذا النوع من الأعمال يندرج في ضمن أعمال السيادة ويمتنع عن رقابة القضاء، أما النوع الأخر الذي يتعلق بالتطبيق اليومي للقوانين والأشراف على علاقات الأفراد بالإدارة المركزية أو المحلية، وعلاقات الهيئات الإدارية، بعضها بالبعض الأخر فيندرج في ضمن أعمال الإدارة الاعتيادية التي تخضع لرقابة القضاء.([20]) وفي هذا التمييز يذهب الفقيه " هوريو " إلى أن المهمة الحكومية تنحصر في وضع الحلول للأمور الاستثنائية والسهر على تحقيق مصالح الدولة الرئيسية أما الوظيفة الإدارية فتتركز في تسيير المصالح الجارية للجمهور . ([21])


2- الاتجاه الثاني:
ذهب هذا الاتجاه إلى أن أعمال السيادة أو الحكومة هي الأعمال التي تستند إلى نصوص دستورية أما الأعمال الإدارية فتستند إلى نص تشريعي عادي أو قرارات تنظيمية.([22]) ولا يخفى ما لهذا الاتجاه من خطورة لأنه يمنح الإدارة فرصة استغلال الدستور لإدخال الكثير من أعمالها في ضمن مجال أعمال السيادة لا سيما أن الدستور يتضمن أموراً هي في الغالب ذات طبيعة إدارية بحتة كالنصوص الخاصة بتعيين بعض الموظفين في حين تخرج بعض الأعمال من نطاق أعمال السيادة برغم طبيعتها الحكومية لا لشيء إلا لأن الدستور لم ينص عليها صراحة.

3- الاتجاه الثالث:
نتيجة لعجز الاتجاهين السابقين عن التمييز بين أعمال الحكومة والأعمال الإدارية الأخرى اتجه الفقه نحو أسلوب يقوم على تعريف أعمال الحكومة بأنها تلك الأعمال التي تصدر عن السلطة التنفيذية بخصوص علاقاتها بسلطة أخرى كالسلطة التشريعية أو سلطة دولة أخرى لا تخضع أعمالها لمراقبة القضاء. وقد أبز هذا المعيار مفوض الدولة " سيلييه Celier " ويعتمد رأيه على أساس أن الأعمال الحكومة لا تخضع لرقابة القضاء الإداري بوصف القاضي الإداري قاضي السلطة التنفيذية، ولما كانت السلطة التقديرية لا تخضع لرقابته، فإن أي قرار صادر عن السلطة التنفيذية ويمتد أثره إلى السلطة التشريعية يخرج عن رقابة القضاء. ومن جانب أخر يتصف القاضي الإداري بأنه قاضي وطني لا دولي ومن غير المعقول أن تمتد رقابته لتشمل سلطة دولية وعلى ذلك فأن القرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية بصدد علاقاتها مع سلطة أجنبية تخرج عن رقابة القضاء الإداري أيضاً.([23])
وأياً كان الاتجاه فأن التمييز بين أعمال الحكومة وأعمال الإدارة العادية بقى غير معتد به ويفتقر إلى أساس قانوني واضح مما دفع بالفقه إلى البحث عن معيار آخر يقوم على أساس حصر أعمال السيادة وهو المعيار الشائع في الوقت الحاضر .

المطلب الثالث : معيار القائمة القضائية
اتجه الفقهاء إلى اعتماد الاتجاه القضائي لتحديد ما يعد من أعمال السيادة لعجزهم عن وضع معيار لتمييز أعمال السيادة بشكل واضح .
ولعل أول من نادى بهذه الفكرة العميد " هوريو " الذي ذهب إلى أن " العمل الحكومي هو كل عمل يقرر له القضاء الإداري وعلى رأسه محكمة التنازع هذه الصفة".([24])
وبناءً على ذلك فأن تحديد أعمال السيادة يعتمد ما يقرره القضاء فهو يبين هذه الأعمال ويحدد نطاقها، وقد أسهم مجلس الدولة الفرنسي ومحكمة التنازع في وضع قائمة لأعمال السيادة تتضمن مجموعة من الأعمال أهمها :

أولاً- الأعمال المتعلقة بعلاقة الحكومة بالبرلمان:
وتشمل قرارات السلطة التنفيذية المتعلقة بالعملية التشريعية كاقتراح مشروع قانون وإيداع هذا المشرع أو سحبه، وكذلك القرارات الخاصة بانتخاب المجالس النيابية والمنازعات الناشئة عنها، قرارات رئيس الجمهورية المتعلقة بالعلاقة بين السلطات الدستورية وممارسة الوظيفة التشريعية مثل قرار اللجوء إلى السلطات الاستثنائية المنصوص عليها في المادة 16 من دستور عام 1958 الفرنسي، والمرسوم بطرح مشروع قانون للاستفتاء . ([25])

ثانياً- الأعمال المتصلة بالعلاقات الدولية والدبلوماسية:
فقد عد مجلس الدولة من قبيل أعمال السيادة القرارات المتعلقة بحماية ممتلكات الفرنسيين في الخارج ([26])، ورفض عرض النزاع على محكمة العدل الدولية ([27])، وكذلك الأعمال المتعلقة بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية . ([28])
ثالثاً- الأعمال المتعلقة بالحرب:
ومن هذه الأعمال حق الدولة في الاستيلاء على السفن المحايدة الموجودة في المياه الإقليمية وقت الحرب،([29]) وكذلك الأوامر الصادرة بتغيير اتجاه السفن أو الحجز عليها أو على ما تحمله من بضائع.([30])
وعموماً فأن القاسم المشترك بين هذه الأعمال يتمثل في تحصينها من رقابة القضاء إلغاءً وتعويضاً، وعلى ذلك فقد اعتبرها الفقه الإداري ثغرة في بناء المشروعية، وحول القضاء رأب هذا الصدع من خلال الاتجاه نحو تضييق نطاق أعمال السيادة وإخراج بعض الأعمال ذات الطبيعة الإدارية منها، كذلك اتجه مجلس الدولة الفرنسي إلى التخفيف من أثر أعمال السيادة فقرر إمكان التعويض عنها .
فقد قرر المجلس بتاريخ 30/3/1966 بأن الأضرار الناجمة عن حوادث توصف بأنها حوادث الحرب تفتح للمضرور حقاً في التعويض تتحمله الدولة استناداً إلى نصوص لها قوة القانون . ([31])

ويبدو ان القضاء في العراق قد اتبع هذا الاسلوب في تحديد اعمال السيادة فقد قضت محكمة التميز في حكمها الصادر في 6/5/1966 (… فانه وان كانت أعمال السيادة حسبما جرى الفقه والقضاء من أنها تلك الأعمال التي تصدر من الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة فتباشرها بمقتضى هذه السلطة العليا لتنظيم علاقتها بالسلطات الأخرى داخلية كانت أو خارجية أو تتخذها اضطراراً للمحافظة على كيان الدولة في الداخل أو في الذود عن سيادتها في الخارج إما لتنظيم علاقات الحكومة بالسلطة العامة وإما لدفع الأذى عن الدولة في الداخل أو في الخارج وهي تارة أعمالا منظمة لعلاقة الحكومة بالمجلس الوطني أو مجلس الدفاع وهي طوراً تكون تدابير تتخذ للدفاع عن الأمن العام من اضطراب داخلي بإعلان الأحكام العرفية أو إعلان حالة الطوارئ …)([32]) . فالمحكمة بعد أن قسمت أعمال الحكومة إلى أعمال الإدارة العادية وأعمال تتخذها بصفتها سلطة حكم لتنظيم علاقاتها بالسلطات الأخرى أو علاقاتها الخارجية أو تتخذها اضطراراً للمحافظة على كيان الدولة، نجد أن المحكمة تعود وتفصل هذه الأعمال من خلال إيراد قائمة بالأعمال التي تعد من قبيل أعمال السيادة


No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا