Saturday, December 08, 2012

دراسة في القانون: مجلس السلطة القضائية في إطار الدستور الجديد (الحلقة الثالثة)


في شتنبر 1999، خلصت أعمال الدائرة المستديرة الدولية الخامسة عشرة المنعقدة في إكس أندبروفانس والتي تناقش موضوع «الدستور والأمن القانوني»، إلى أن سيادة القانون التي تستوفي الدولة القانونية تتطلب أن يتحقق الاستقرار في تطبيق القواعد القانونية فيما يتعلق باحترام الحقوق والحريات،  فلا معنى لسيادة القانون ما لم يتحقق الشعور بهذا الاستقرار لدى المخاطبين بالقانون، باعتبار أن تنظيم العلاقات القانونية من وظائف القانون،
فاهتزاز الاستقرار في العلاقات القانونية يؤدي بصفة أوتوماتيكية إلى اهتزاز صورة القانون في أعين المخاطبين به.

الوسيط: إن الوسيط الذي عرفه الدستور الجديد كمؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، وقيم التخليق والشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيآت التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية، سوف تعزز عضوية المجلس  الأعلى للسلطة القضائية بمحكم المهام الدستورية التي يمارسها، والتي لديها ارتباط وثيق بالمؤسسة القضائية، كما أن رئاستها في نسختها القديمة «ولاية المظالم» كانت من طرف قضاة أما حاليا فأصبحت من طرف محام. ومن شأن ذلك أن يفتح آفاقا جديدة للسلطة القضائية في الاطلاع على مجموعة من الآراء فيما يخص تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، والاستعانة بكل ذلك في إعطاء دفعة جديدة لإصلاح منظومة العدالة.
رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان: لقد عرف الدستور المجلس الوطني لحقوق الإنسان كمؤسسة وطنية تعددية ومستقلة تتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وبضمان ممارستها الكاملة والنهوض بها، وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال.
ولعل عضوية رئيس هذا المجلس الى جانب القضاة سوف تكون بمثابة عين للسلطة القضائية على قضايا حقوق الإنسان في التطبيق، وسوف يكون المجلس الأعلى للسلطة القضائية بمثابة آلية، لضمان احترام حقوق الإنسان، الذي تعتبر المحاكمة العادلة من أهم
أهدافه، وسوف تؤدي عضوية رئيسه، الى الاطلاع عن قرب وتقييم بعض الانتقادات التي توجه عادة الى الجهاز القضائي، والحيلولة دون رمي هذا الجهاز بما لا يليق بقداسة مهامه.
خمس شخصيات يعينها الملك، مشهود لها بالكفاءة والتجرد والنزاهة، والعطاء المتميز في سبيل استقلال القضاء وسيادة القانون من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى.
II بعض صلاحيات المجلس الأعلى للسلطة القضائية كدعامة لاستقلال القضاء.
من أهم مستجدات الدستور الجديد، بأنه أوجب على القاضي كلما اعتبر بأن استقلاله مهدد أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية المحتملة. كما نص على أنه يعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة. ونص الفصل 110 على أن لا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون. كما ألزم قضاة النيابة العامة بالتقيد بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها بعد النص في الفصل 107 بأن السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية. وبأن الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية.
من الملاحظات الأولى يظهر أن الدستور الجديد أعطى القاضي حصانة قبلية وبعدية، أي قبل النطق بالحكم وبعده في حالة إذا ما اعتبر أن استقلاله مهدد.
لكن كيف يكون استقلال القاضي مهددا؟ إنها سلطة تقديرية أخرى أحاطها الدستور بالقاضي ليعتبر أن هذا الاستقلال مهدد؟ مهدد من طرف من؟ وكيف هو هذا التهديد؟ إن هذه العبارات العامة يمكن أن يدخل فيها كل ما من شأنه أن يعتبره القاضي تهديدا؟
وهل تدخل الأفعال والأقوال والإشارات، لكي نعرف التهديد كما عرفه الاجتهاد القضائي والفقه الجنائي؟ ثم ماذا عن علاقة القاضي المقرر بالملف، ورئيس هيأته ورئيس محكمته، ورئيس محكمته الأعلى؟، ثم هل تسري هذه المقتضيات على قضاة النيابة العامة كما على قضاة الأحكام؟ وكيف يمكن أن نميز بين التدخل الإداري مثلا الذي عادة ما يواكب به رؤساء القاضي الملفات، وبين التدخل القضائي في ملف معين أو واقعة معينة؟ ثم ما مصير التعليمات التي يلزم قضاة النيابة العامة في اتباعها؟ ثم ما هي الوسائل التي يتعين بواسطتها أن يثبت القضاة بها أمام المجلس الأعلى للسلطة القضائية التهديدات المعتبرة في المس باستقلالهم؟
يمكن القول بأن هذه الدعامة الجديدة في الممارسة القضائية، سوف يكتشف المستقبل على نجاعتها، في الحياة العملية للقاضي، إذ يمكن اعتبارها سلاحا ذا حدين، فهي ظاهرها تحصين للقاضي، ولكن باطنها مسؤولية جسيمة، إذ أن القاضي أصبح يواجه بالخطأ المهني، ونص الدستور على اعتباره جسيما، بمعنى بأنه كاف لعزله من ممارسة مهنته في حالة ثبوته، بل اعتبر كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد، (وكل إخلال) هو عبارة شاملة وجامعة ومانعة، ويمكن أن تحتوي كل شاذة وفادة، وهي سلطة تقديرية أخرى كبيرة سوف يتوفر عليها المجلس الأعلى للسلطة القضائية في اعتبار الخطأ الجسيم وفي مسطرة إحالة القضاة عليه، وفي اتخاذ القرارات التأديبية، وغني عن البيان أن هناك آراء فقهية، أصبحت تنادي من أجل أن لا يكون القاضي فقط مستقلا بالنسبة للسلطة التنفيذية والتشريعية بل حتى عن مجلس السلطة القضائية نفسه.
فهل يستطيع المجلس الأعلى للسلطة القضائية أن يحدث في المستقبل القريب اجتهادات تتواتر عليها قراراته، للتعريف بما هو الإخلال وما هو الخطأ الجسيم، وما هو تهديد الاستقلال، ليكون القاضي على علم مسبق، بما يمكن أن ينتظره، من هذه الدعامة الجديدة لاستقلاله حتى لا يساء استعمالها، من طرف البعض، ونحن نعلم أن نصف الناس خصوم للقاضي هذا إذا عدل؟ وطبعا ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا، لذلك ينبغي الحديث عن هذه المقتضيات، فكما حدد الدستور هذه الأفعال يجب على القوانين المنظمة أن تتعرض لها بالتفصيل ليكون القاضي على علم بها، بل ليكون جميع المنتسبين الى منظومة العدالة مهتمين بمعرفتها.

بقلم : نور الدين الرياحي, عضو  المكتب المركزي للودادية الحسنية للقضاة

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا