في شتنبر 1999، خلصت أعمال الدائرة المستديرة الدولية الخامسة عشرة المنعقدة في إكس أندبروفانس والتي تناقش موضوع «الدستور والأمن القانوني»، إلى أن سيادة القانون التي تستوفي الدولة القانونية تتطلب أن يتحقق الاستقرار في تطبيق القواعد القانونية فيما يتعلق باحترام الحقوق والحريات،
فلا معنى لسيادة القانون ما لم يتحقق الشعور بهذا الاستقرار لدى المخاطبين بالقانون، باعتبار أن تنظيم العلاقات القانونية من وظائف القانون،
فاهتزاز الاستقرار في العلاقات القانونية يؤدي بصفة أوتوماتيكية إلى اهتزاز صورة القانون في أعين المخاطبين به.
لهذا كان الأمن القانوني (sécurité juridique) أحد العناصر الأساسية في الدولة القانونية أو دولة المؤسسات. وإذا كانت سيادة القانون ضمانا لحماية الحقوق والحريات، فإن الأمن القانوني يبدو العمود الفقري لهذه الحماية، حيث يتجلى في حماية النظام القانوني بأسره، فهو يهدف إلى حماية الحقوق والحريات، للوصول إلى ما عبر عنه الفقهاء الألمانيون، إلى الثقة المشروعة (la confiance légitime) في القانون، باعتباره مستندا إلى سيادة الشعب في النظام الديمقراطي.
والأمن القانون يقوم على عدة عناصر، من أهمها إحداث ذلك التوازن (léquilibre) بين الحقوق والحريات، التي يحميها القانون من خلال معيار (critère) التناسب بين مختلف القيم التي يحميها الدستور.
وإذا كان مبدأ استقلال القضاء من أهم القيم الذي جاء الدستور الجديد ليحميها، ويعيد صياغتها، بنصوص واضحة تارة، وعامة تارة أخرى فإنه من خلال القراءة الأولى لها يتبين بأنه نص على جهاز يمكنه أن تسببه آلية حكامة تسير السلطة القضائية وهو المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والذي أفرد له الفصول 113 إلى 116.
فكيف يا ترى يصبح هذا الجهاز في المستقبل القريب الرافد الأساسي، والدعامة الكبرى لإنشاء هذه الثقة المشروعة، «la confiance légitime» من أجل ضمان الأمن القانوني «la sécurité juridique» وكيف سوف يتعامل القاضي مع هذه المقتضيات لتجسيد استقلاليته، في الميدان العملي، إن لم نقل في حياته الخاصة لأن الدستور الجديد عندما أعطى الحق للقضاة في حرية التعبير لم يجعله مطلقا، بل يجب القيام به بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية، ومنع على القضاة الانخراط في الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية مع حقهم في الانخراط في جمعيات أو إنشاء جمعيات مهنية، والتقيد بواجبات التجرد واستقلال القضاء في ذلك.
وهي أمور تجعل القاضي ليس كالمواطن العادي في حقوقه الخاصة، وفي حريته، ونتساءل هنا هل هذا القاضي المطوق بهذه المسؤولية الدستورية أليس من حقه أن يتوفر على امتيازات في المقابل جراء هذا التقيد؟
حول تركيبة المجلس الأعلى للسلطة القضائية
إن هذه التركيبة المنصوص عليها في الفصل 115 حيث يتألف من:
الرئيس الذي هو جلالة الملك:
وجدير بالذكر هنا بأنه كان من جملة مطالب القضاة أمام اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة الدستور هي ترؤس جلالة الملك للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. نظرا لما يجسده هذا الترؤس من رمزية، وتشريف للسلطة القضائية ومن ضمان لاستقلالها، حتى يبقى القضاء ضمن ما يمنحه الدستور للمؤسسة الملكية باعتبار الملك طبقا للفصل 42 رئيسا للدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستقرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة، كما يعتبر ضامنا لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة.
الرئيس المنتدب الذي هو الرئيس الأول لمحكمة النقض
إن تعيين الرئيس الأول لمحكمة النقض كرئيس منتدب، يعني أن هذه الرئاسة سوف تكون لقاض تدرج في جميع درجات القضاء إلى أن وصل إلى أسماها، وأنه قضى أزيد من ثلاثين سنة على الأقل في ممارسة المهنة القضائية، فهو العليم والخبير بشؤون القضاة وبمشاكلهم، والمطلع على أحوال منظومة العدالة، فترؤسه لهذا المجلس، سيكون بمثابة دعامة أساسية، لاستقلال القضاء، خصوصا عندما نعلم بأن هذا المجلس كان ينوب عن الملك فيه وزير العدل مما أثار الانتقادات المعروفة، في ازدواجية المسك بالسلطة التنفيذية التي يمثلها وزير العدل والسلطة القضائية، من طرف شخص واحد، الشيء الذي يعطي ضمانة جديدة لم تكن في الدستور المراجع.
الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض
وطبيعي جدا أن تكون لهذه الشخصية المعتبرة من حيث التسلسل الإداري والقضائي للنيابة العامة، أن توجد عضوا بحكم القانون في هذه التركيبة، لأن الكلمة في قضاء النيابة العامة سوف تكون لها، باعتبار أن هذا المنصب يمكن أن يشكل في حالة تنزيل مقتضيات الدستور الجديد كرئاسة للنيابة العامة، خصوصا وأن الدستور الجديد في الفصل 110 عندما تكلم عن قضاة النيابة العامة وألزمهم بالتقيد بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها، لم ينص على هذه السلطة.
وهذا التساؤل اليوم مثار عدة آراء مختلفة حول تبعية جهاز النيابة العامة.
فالتساؤل المطروح لمن تتبع النيابة العامة في إطار الدستور الجديد في غياب النص الصريح على تبعيتها؟
قلم : نور الدين الرياحي, عضو المكتب المركزي للودادية الحسنية للقضاة
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى