Tuesday, October 02, 2012

سلطة الريع في المغرب


الريع اقتصاديا,كل مكسب مالي يتحقق بدون جهد بشري,سواء كان ذهنيا أو عضليا,لكن ألا يعتبر ريعا,ذاك المكسب,أو المنافع التي تفوق المجهودات المبذولة ؟؟
هنا تختلف المقاربات,فالعلاقات الرأسمالية,تعتبر المحدد الأساسي للثمن المعروض هو السوق,فلا يمكن أن يحدد صاحب السلعة أو الخدمة مزاجيا الأثمان أو أن يخفيها ليؤثر باحتكارها أو المضاربة فيها,وهنا شرعت الرأسمالية قوانين معاقبة لمن يحتكرون أو يضاربون بدون التدخل في نظام السوق التنافسي,بحيث أن المنافسة مفتوحة ومشروعة,وهي آلية من آليات التأثير في الأثمان,هبوطا وصعودا,إلا في حالات الحروب أو اشتداد المواجهات بين الفاعلين الإقتصاديين لدرجة الإضرار بالإقتصاد الوطني,كما يحدث حاليا في كل من أروبا وحتى الولايات المتحدة الأمريكية
فالريع مرفوض قانونيا وأخلاقيا في النظام الرأسمالي,لكنه قد يحدث أن يلجأ إليه بعض الفاسدين من الفاعلين الإقتصاديين,وهم يدركون أن ضبطهم,قد يكلفهم كل ثرواتهم,فالمتعاملون معهم,سوف ينفرون منهم حفاظا على سمعة منتوجاتهم وحماية لأنفسهم من الشبهات المالية,وهنا تحمي الدولة حتى رجالاتها من رشاوي الفاسدين,وتحصنهم,ليس بالمال والرشوة والإغناء الفاحش,بل بالتدقيق المالي والمتابعات والعقوبات مع تشجيع الجديين منهم وتحفيزهم,رمزيا وماليا,
لكن في العالم المتخلف,يغض الطرف عن الإقتصادات الصاعدة,وتترك لها فرص الإستثمار مفتوحة,لتراكم الثروات,وتتعلم طرق التحايل على قوانين الرقابة,التي تبدأ بالتهرب من الضرائب,التي تصير شرعية بما سمي بالإعفاء الضريبي,وهناك دول ثالثية تعي تجاهلها للريع,كخطوة تبررها بأن الثروات لا يمكن أن تجمع مع احترام القوانين المالية,تلك التي تخيف المستثمر,وربما تفرض عليه الهرب إلى أكثر الدول تشجيعا لنمو الثروات في العالم الثالث,المتخلف طبعا,فهناك في القرن الحالي دول لازالت تعتبر منتمية للعالم الثالث,لكنها حققت قفزات اقتصادية وصناعية,وصارت تنافس الدول الكبرى,وبذلك حاربت الريع واعتبرته فسادا ينبغي القضاء عليه,واتبعت خطوات واضحة لتشجيع الربح غير الريعي,مع تفعيل قوانين الرقابة المالية وعدم الإنفلات من تأدية الضريبة المعتبرة واجبا وطنيا لا يمكن التهاون مع المتهربين منه,ماليزيا أندونيسيا والبرازيل.
أما الريع المغربي,فهو متعدد الجوانب ومعقد اقتصاديا,بفعل تداخله مع ما هو سياسي,فالملاحظ أن أرباح الفاعلين الإقتصاديين متضاعفة مقارنة مع نظام السوق,وكمثال على ذلك أرباح العقار,مقارنة مع الكثير من الدول بما فيها الغربية,كما أن التنافسية لتقديم عروض الأثمان تحسم خارج قاعة العروض,بالإتفاقات بين الكبار,الذين يتقاسمونها بالتناوب,وإن ظهر فاعل جديد,رفعوا الأثمان ليتعرض للإفلاس,أو يخضع لمنطق التوزيع الدوري,حسب درجات القرب من السلطة السياسية,أو درجة النفوذ العائلي وتحالفاته الممتدة,وبذلك غدت العلاقات الريعية إن صح القول,مؤسسة على مصالح تتجاوز ما هو اقتصادي,بل إنها سلطة خفية,تصير محددة للمسارت السياسية التي تتخذها الدولة نفسها,بعدم ضربها على أيدي المتلاعبين بالسوق والمتحكمين فيه,رغم الإتفاقات التي أبرمها المغرب من خلال ما عرف بسياسة الكات ونظام السوق الحرة وفتح الحدود أمام السلع الواردة من الخارج,بحيث يتعرض الرأسمال الأجنبي لمضايقات خفية,تفرض عليه القبول بقواعد لا يعترف هو بها,مثل الأكرميات وجلسات المطاعم قبل عرض المنتوجات,والإتصالات بمن يسهلون العبور والتوزيع والضبط والضغط,وهنا لا تعلن الدولة أنها متساهلة مع الرأسمال المحلي,بل تصير ممثلة داخله,لكن بدون الإعلان عن ذلك,فرجالاتها يحتاجون للمال,وإلا ما أهمية النفوذ إن لم يكن وسيلة لجني الثروات بأقل المجهودات,أو على الأقل مشاركة الفاعلين الإقتصاديين والتجاريين رأسمالهم,بتخويف مصالح الضرائب,التي لا يمكنها الإقتراب من المؤسسات التي توجد بها أسماء الفاعلين سياسيا أو المقربين منهم,عائليا أو اقتصاديا,ترى هل يمكن لهذا النمط من الريع المساهمة في التنمية الإقتصادية؟؟
حقيقة,لم يوجد من الدارسين في علوم الإقتصاد السياسي,من زعم أن الريع يساهم في التقدم ومراكمة الثروات وبناء الحضارات,فهو كما سبق أن قلت في مقالات سابقة,رأسمال لا تنموي,فقاعي البنى,يشيد عمارات وبنايات ولا يشيد اقتصاديات متذنتجة ومطورة لبنى البلد حضاريا وعلميا ,لأنه يقتات من فائض لم يحققه بمجهودات عقلانية منتجة للخبرات,وهو عاجز على المنافسة الدولية,وليست له القدرة على فتح أسواق البلد لمؤسسات إنتاجية منافسة,لأنها حتما سوف تكسر عظامه,تفضح مؤسساته العائلية,وتهربه من واجبات المساهمة في بناء الثروة الوطنية أو على الأقل تحصينها بالمعارف العلمية وتقنيات التحكم في الأزمات التي تستفحل اجتماعيا بفعل قلة فرص الشغل,والتفاوتات بين العرض والطلب,وبذلك يظل المغرب الإقتصادي عرضة للكثير من الأزمات الإقتصادية والإختلالات الدورية,نتيجة فوضى الرأسمال اللاتنموي أم ما يعرف باقتصاد الريع.
حميد المصباحي كاتب روائي

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا