Saturday, October 13, 2012

دراسة: مدونة الحقـوق العينية تؤكد رسمية العقـود في التصرفات العقارية

القــانون يوضح قناعة المشرع بالدور الهـام الذي يسديه التوثيق العدلي والعصري

إن صدور قانون الحقوق العينية: 39.08، بعد المصادقة عليه بمجلس النواب والمستشارين، أكد نية المشرع الصادقة في اشتراط رسمية العقود في التصرفات العقارية، وهو اتجاه صحيح وسليم، سيساهم بشكل كبير في حماية الحقوق، وصيانة مؤسسة التوثيق بإسناد توثيق التصرفات العقارية لأهل الاختصاص المؤهلين السادة العدول والموثقين، وفي هذا صيانة لمؤسسة التوثيق من كل عشوائية وعبث في تحرير العقود، على غرار ما أكدته مجموعة من القوانين الأخرى.

لقد طال انتظارنا كعدول لهذا القـــانون منذ كان مشروعا في المناقشة، وكان ترقبنا له حذرا من ان تضغط بعض الجهات على إقصاء مؤسسة العدول من الحق في تحرير العقود المتعلقة بالعقار المحفظ، كما أثير في السابق، مما أثار سخط العدول وغضبهم عبر مجموع التراب الوطني، وهم المؤسسة التوثيقية الأصيلة والعريقة في المغرب، والمؤهلة لهذه المهـــام بلا جدال.
ولـــــذلك فقد استغرق إعداد هذا المشــــروع حوالي عشر سنوات أو يزيد تم خلالها تعديل بعض مواده وتنقيحهـــا لتتـلاءم وتنسجم مع مختلف الحقــــــوق وكافة المصـــــالح.
ان هذا القـــــانون الذي يتألف من 334 مـــــادة والذي سيجري العمل به أواخر شهر ماي 2012، جاء في الحقيقة مدونا للـــــقواعد الفقهية الإسلامية، وللاجتهادات القضائية، وجاء نسقا متكاملا وموحدا لكافة العقار المحفظ وغير المحفظ، مستمدا من قواعد الفقه الاسلامي ومذهب الإمام مالك ابن انس، وهي القواعد التي تضمنتهــــــا كتب الفقه والـــنوازل، والاختلاف في العمل القضـــائي، كالعمل الفاسي والعمل السـوسي وغيره.
وقد نظمت ندوة علمية في هــــذا الشأن بـــــواسطة مكتب المجلس الجهوي لعدول دائرة محكمة الاستئـــــناف بمكـــناس، تحت إشراف الهيأة الوطنية للعدول تحت عنـــوان: "مدونة الحقوق العينية وآفـــــــاق التوثيــــــق العدلــــي "وانبثقت منها توصيــــات هـامة.
إن صدور هذا القـــــانون يندرج في إطار تحديث المنظومة التشريعية، وتوحيد المقتضيـــات القـــــانونية المتعلقة بالحقــوق العينية المطبقة على العقــــارات المحفظة وغير المحفظة، في إطار أحكام وقواعد الفقه الإسلامي، والرجوع إلى الراجح والمشـــهور، وما جرى به العمل في الفقه المـــــالكي فيما لم يرد به نص، وهذا اتجـاه مقبــــول ومحمــــود.
ان هذا القــــــانون يوضح قناعة المشرع بالدور الهـــام الذي يسديه التوثيق العدلي والعصري – العقد الرسمي – في مجــــال العقار وإلزامية قطع كل علاقة، ووضع حد نهـــــائي لكل تسيب في تحرير العقود المتعلقة بالتصرفــــــات العقارية، حتى لا يبقى هذا المجال الهــــام والاهم عشوائيا، ومباحـــا ومستباحــــا أمام كل من هب ودب، وحصره على ذوي الخبرة والكفــــاءة، وذوي الاختصـــاص: العدول والموثقين، تحت طائلة البطلان.
وهو ما نــصت عـــليه المـادة الـرابعة من القـانون " يجب أن تحرر  - تحت طــــــائلة البطلان  - جميع التصرفـــــات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى، أو نقلها أو تعديلهـــا أو إسقاطها، بموجب محرر رسمي، او بمحرر ثـــــابت التـــــاريخ يتم تحريره من طرف محــــــام مقبول للترافع أمام محكمة النقض، مالم ينص قــــــانون خـاص على خلاف ذلك...الخ.
وحيث ان تعميم رسمية التصرفات العقــارية هو ما تنهجه أغلب الأنظمة العقـــــارية في القانون المقارن، ومســـــايرة كذلك للتطورات التي يعيشها المجتمع المغربي في ميدان المعاملات الاقتصادية، والمعاملات العقـــارية بـوجه خـــــاص.
و مـــــا سارت عليه الكثير من القوانين الأخرى، لعل أهمها: القانون 51.00 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقـــــــار بمقتضى ظهــير 11 نونبر 2003، الذي يشترط رسمية العقـــــود المتعلقة بالإيجار المفضي إلى تملك العقارات.
والقانون 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الانجاز، والقانون رقم  18.00 المتعلق بالملكية المشتركة للعقارات المبنية، بمقتضى ظهير 3 اكتوبر 2002، حيث ورد في الفصل 12 منه على مايلي:
" يجب أن تحرر جميع التصرفــــــات المتعلقة بنقل الملكية المشتركة، أو إنشاء حقوق عينية عليها أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي أو محرر ثابت التـــــاريخ يتم تحريره من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قـــــانونية ومنظمة يخول إليها قانونهـــــا تحرير العقود، وذلك تحت طـائلة البطــلان. فقد صدر أخيرا هذا القــــانون، يؤكد الاتجاه نفسه.
وقد شـــــــاءت الصدف أن يتزامن صدوره مع تخرج الفوج الجديد من العدول الشبــــــاب، بعد قضائهم فترة التمرين والتكوين بالمعهد العـــــالي للقضاء بالرباط، واجتيـــــازهم بنجاح لامتحــان التخرج، وتم توزيعهم على المراكز القضائية بالمغرب التي تشكو خصاصا من العدول، وذلك للقيام بدورهم النبيل، وتأدية رسالتهم السامية في مجــال التوثيق.وإننا نعتبر هــــــذا الفوج الجديـــــد، بمؤهلاته العلمية الـــمتميزة، رصيدا هاما، وقيمة مضـــــــافة للــهيأة الــــوطنية للعـــــــدول،
يبعث على الافتخــــــار والارتيـــــــاح لحسن تكوينه، وإلمامه الكبير بمقتضيــــــات القوانين، وأحكام الشريعة الإسلامية، مما سيســــاهم بلا شك في تــعزيز وتقوية المهنة، وتجديـــد طاقاتهــا وتقدمهـــــا، وهـو ما نصبــــوا إليه.
و نلتمس بالمناسبة من الســـادة رؤســــاء المجالس الجهوية للعدول، أعضاء المكتب التنفيذي للهيأة الوطنية، ان يعملــــوا على حسن استقبــال هذا الفريق الجديد، ودعمهم ومساعدتهم بكل ما يحتــاجونه في إطار الممكن، حتى ينطلقـــــوا في مهــامهم الـــجسيمة، حــاملين مـــشعل التحدي بكل ثقة ومــــــسؤولية.
إننا نتمنى أن يواكب تعميم رسمية التصرفات العقارية، تحديث قطاع التوثيق، والقوانين المنظمة له، لأجل مواكبة ومسايرة التطور الحاصل في ميدان التوثيق و المعاملات العقارية – التعاقد الالكتروني مثلا -، ونعتقد أن وزارة العدل والحريـــــات واعية بهذا الأمر، وتعمل في هذا الاتجاه ولهـــــا الرغبة الأكيدة في ذلك بصفتهـــــا الجهة الوصية على تنظيم ومراقبة هذا القطاع .
وإذا كان الاتجــــــاه نحو رسمية العقود، وصدور مدونة الحقوق العينية التي جاءت تكريسا لهذا الاتجاه الصحيح، قد لقي استحسانا وارتياحا كبيرين لدى معظم الشرائح في البلاد، فقد لقي بالمقابل انتقادا واحتجاجـــــــا لدى الفئـــــات التي تمارس تحرير العقود العرفية في المجال العقاري، غير معتبرين جانب الكفــــاءة والتأهيل في تحرير مثل هذه العقود، وغير عابئين بجانب المصلحة العامة التي تعتبر من أولى الأولويات، وفوق كل اعتبـــــار، ومقدمة على الجانب المصلحي والشخصي،  وحماية أيضا لحق الملكية المنصــــوص عليه دستوريـا.
إن تعزيز رسمية التصرفات العقارية، هو النظام نفسه الجاري به العمل في قوانين الدول الأخرى. وهي الأدلة الكتابية التي تتضمن اتفاقات والتزامات المتعاقدين، يتم انجازها من طرف من لهم صـــلاحية التوثيق، وفق إجراءات قانونية، وتكتسي الحجية القوية في الإثبات لا يمكن استبعادها أو الطعن فيها، إلا بسلوك مسطرة الزور.
نتمنى صادقين أن يسترجع العقد الرسمي:  "Acte Autentique"، بهذا القانون عافيته، وقوته ونشاطه في الميدان، حماية لحقوق الناس، التي كثيرا ما تتعرض للضيــــاع، بسبب عقد عرفي: "Acte Sous Seing privé " تعتريه الكثير من العيوب، ولا تحترم فيه شكلية التعاقد، ومبدأ سلطـــان إرادة المتعاقدين في كثير من الأحيان، لافتقاد محرريها شروط ومؤهلات تحرير العقـود.

بقلم: محمد ساسيوي,  (رئيس المجلس الجهوي لعدول مكناس، النائب الأول لرئيس الهيأة  الوطنية)

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا