Saturday, October 13, 2012

دراسة: نادي قضاة المغرب... مقاربة تصحيحية

                                          الإدراك والوعي بضرورة المشاركة الفعالة في الإصلاح الشامل

لا ريب أن القضاء هو من أولى ضمانات حماية حقوق المواطنين وحرياتهم، سواء بصفتهم الإنسانية المجردة، أو بصفاتهم المدنية أو السياسية أو الاقتصادية أو غيرها. ويرتد مناط ذلك بالأساس، إلى ما يستلزم تفعيل تلك الحقوق من استقلال حقيقي له، يضمن العدل والمساواة بين العموم والخصوص. يعتبر استغلال القضاء وضمان العدل والمساواة من صميم مشتملات ما جاء في كلمة المغفور له الحسن الثاني قائلا: «(..) وإذا بين أيدي القاضي أكبر سلطة وأخطرها في المجتمع، فهو يتحكم في الأنساب والأموال، وفي حريات البشر وأرواحهم، كما أنه مؤتمن على حقوق الدولة ومؤسساتها المقدسة»(كلمة المغفور له الحسن الثاني ألقيت بتاريخ 12 نونبر 1964 بمناسبة اجتماعه بالمجلس الأعلى للقضاء).
بيد أن للاضطلاع بهذا الدور الهام في بناء دولة القانون، لابد أن يتسم قضاؤنا بالفعالية المتطلبة لتحقيق كل ذلك وغيره من الأدوار المنوطة به ؛ إذ يُرتهن قيامها -في اعتقادنا- بضرورة توفير بعض الوسائل الكفيلة بتنزيلها على أرض الواقع، وأهمها «الجمعيات المهنية للقضاة».
وجدير بالذكر في هذا السياق، أن دور هذه الجمعيات، وكما هو الأمر في كل الدول الديمقراطية، هو بمثابة الروح من الجسد بالنسبة إلى عمل القاضي، حيث تنقطع للدفاع عن استقلاليته وهيبته ونزاهته، باعتبار ذلك من صميم مصلحة المواطن الذي ما فتئ ينشد استقلال القضاء وما يترتب عنه من خير عميم على المجموع قاطبة.
ونزولا عند هذا الاعتبار، يمكن القول، إننا أمام جيل جديد لحقوق الإنسان، أو بالأحرى حقوق المجتمع التي تتبدى بالأساس في: «الحق في القضاء العادل»، و»الحق في القضاء المستقل»، و»الحق في القضاء النزيه»، و»الحق في القضاء المهيب» .. إلخ، إذ لم تكن هاته الحقوق في سابق عهدها سوى مُثُلاً تتلمسها المجتمعات، قبل أن تصير حقوقا تحرص على عدم انتهاكها والتطاول على حرمتها وقدسيتها.
وفي غمرة ما سلف، لم يشذ «نادي قضاة المغرب»، شأنه في ذلك شأن الجمعيات المماثلة في الدول الديمقراطية، عن قاعدة الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم بشتى أجناسها وألوانها تطبيقا للمادة 4 من قانونه الأساسي، وذلك عن طريق الانتصار إلى جعل القاضي «لا يستجيب إلا لما يوحي إليه القانون، ويمليه عليه الضمير المهني»( كلمة المغفور له الحسن الثاني بمناسبة اجتماعه بالمجلس الأعلى للقضاء سنة 12 نونبر 1964)، خدمة ورفعة لمصالح المتقاضين المنوط به حمايتها في أحكامه وقراراته طبقا للقانون، وتجسيدا لمفهوم «السلطة القضائية المواطِنة».
ولعل موقف «نادي قضاة المغرب» الصادر عن مكتبه التنفيذي يوم 01 يوليوز 2012، كان بداية تنفيذ ما التزم به سابقا من جعل حقوق وحريات المواطنين ضمن أولوياته التي لا محيد له عنها، حيث عبر عن ذلك بدعوته «للجهات المعنية إلى العمل على أنسنة ظروف الاعتقال والوضع تحت الحراسة النظرية وأماكن الاحتفاظ بالأجانب في وضعية غير قانونية»، فضلا عن تماهيه مع الهيآت الحقوقية الوطنية والدولية بشأن مواقفها المتعلقة بقانون الصحافة، والتي ما فتئت مطالبها تصبو إلى تفريد عقوبات تتلاءم وطبيعة عمل المخاطبين بها، وذلك بـ»تشديده على المطالبة العاجلة بإلغاء العقوبات الحبسية بالجرائم المرتبطة بقانون الصحافة باعتبارها سلطة رابعة».
ورب متسائل يقول: إذا كان من أهداف جمعية «نادي قضاة المغرب» الدفاع عن حقوق المواطنين، فلماذا وقع اختياره على فعاليات احتجاجية تناقض ذلك؟
لعل الغاية من هذا التساؤل في هذه الظرفية بالذات، هي إيهام الرأي العام والتلبيس عليه، إذ لا يتغيا قضاة النادي من وراء تلك الفعاليات -حقيقة- سوى مصلحة المواطن لا غير، وذلك في المنظورين المتوسط والبعيد، إذ يؤسسون من خلالها لمستقبل استقلال القضاء وعدالته ونزاهته وهيبته على غرار ما شهدته دول كثيرة (فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، مصر...) من تجارب كللت بالنجاح لفائدة الوطن عموما، والمواطن على وجه الخصوص.
وترتيبا على ما سلف، يتضح أن «نادي قضاة المغرب»، وباعتباره جمعية مهنية مستقلة، ينضبط، فضلا عن طبيعته المهنية، لثلاث مرجعيات أساسية:
الأولى: وتتمثل في المرجعية الحقوقية، الوطنية منها والكونية ؛ إذ يعتبر فاعلا مندمجا في المجتمع المدني، وقيمة مضافة إلى كل مكوناته المهتمة بالدفاع عن حقوق الإنسان بشتى أنواعها وأجناسها ؛
الثانية: وتتأدى في المرجعية التصحيحية؛ حيث العمل على إصلاح ما كرسته التجارب السابقة، وذلك بهدف مراجعة بعض هفواتها المتجلية أساسا فيما رَتَّبَته من نظرة نمطية للمجتمع على القضاء والقضاة، وبالتالي امتداد الهوة بينهما والمواطن.
الثالثة: وتتحدد في المرجعية المواطِنة، حيث الإدراك والوعي بضرورة المشاركة الفعالة في الإصلاح الشامل الذي تنشده البلاد بكل مكوناتها، والمعول عليه للرقي بها إلى مصاف الدول الديمقراطية المتقدمة، وذلك بالتأسيس لـ»سلطة قضائية مستقلة ونزيهة وقوية»، الأمر الذي سيتضح أكثر عندما ستتكشف محاور مخطط النادي حول التخليق الذي صادق عليه المكتب التنفيذي يوم 08-09-2012، والموسوم بـ: «البرنامج الوطني لتخليق منظومة العدالة»، تحت شعار: «محاكم بدون رشوة».
ونزولا عند هذا المعطى، يتضح أن «نادي قضاة المغرب»، وخروجا عن المعهود والمألوف، يتماهى بشكل كبير مع الفلسفة التي أقيم عليها صرح مجموعة من المؤسسات ذات البعد الحقوقي، لاسيما «المجلس الوطني لحقوق الإنسان»، حيث ورد النص في المادة الأولى من القانون المحدث له على ضرورة توليه بشكل أساس: مهمة النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وضمان ممارستها والنهوض بها، وصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنين، أفرادا وجماعات ؛ وكل ذلك في حرص تام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في ذات المجال.
لذلك، ورفعا لكل لبس، سيظل «نادي قضاة المغرب» وفيا لكل التزاماته التي ارتضاها ميثاقا وتعاقدا مطَوِّقا لعمله الذي يصب لا محالة في مصلحة المواطن المتلهف لاستقلال القضاء ونزاهته، وذلك بالارتقاء به إلى «سلطة حقيقية» ضامنة لموارده –أي المواطن- المادية والمعنوية، وضابطة وموجهة لكافة السلط، اقتداء بالتوجهات الديمقراطية السائدة في العالم الحر والمتقدم.

بقلم:  عبدالرزاق الجباري, عضو بنادي قضاة المغرب

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا