Saturday, October 13, 2012

رأي: رسالة إلى الهيأة العليا للحوار الوطني لإصلاح العدالة (2/2)


الإصلاح الحقيقي لا يتطلب فقط روتوشات تشريعية بل يستوجب إعداد بيئة مادية ملائمة

سبق للنقابة الديمقراطية للعدل، العضو بالفدرالية الديمقراطية للشغل، باعتبارها إطارا تمثيليا لهيأة كتابة الضبط، أن عبرت عن موقفها من الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة بالمغرب كمبادرة ينبغي أن تشكل في شكلها ومضمونها نقلة نوعية في مسار التعاطي مع معضلة إصلاح القضاء، وأكدنا ضرورة نهل ما هو ايجابي في تراكم

الممارسة القضائية بكافة تجلياتها والانكباب على معالجة مظاهر الخلل والقصور في نظامنا القضائي، كما طالبنا باعتماد  مبادئ الديمقراطية والفعالية في تشكيل مختلف أجهزة الحوار الوطني  ومن الناحية الإجرائية  اختيار  الهيآت المهنية والنقابية  الأكثر تمثيلية بالإضافة  إلى شرط الكفاءة العلمية والفنية التي تتطلبها طبيعة مهام هذه الأجهزة.



ثانيا: ضرورة توفر إرادة سياسية داعمة للحوار
إن الهدف من هذا الحوار حسب مشروع الأرضية المقترح هو وضع ميثاق  لإصلاح منظومة العدالة.  ومن المعلوم أن مفهوم الميثاق   يتجه إلى صيغة اتفاق تأسيسي يقوم على أساس التعاهد بين مجموعة من الأطراف ويتصف بالشمول والثبات وقوته القانونية الإلزامية فضلا عن حمولته الأخلاقية ( مثل ميثاق الأمم المتحدة الموقع في 26 يونيو1945  أو الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي وقع سنة 2000 على المستوى الوطني) كما يمكن أن تشمل  التوصيات ترجمة نوعية و تنزيلا ديمقراطيا لمواد الدستور  المتعلقة  بالسلطة القضائية، وهذا الأمر مرتبط بالمدى الذي تنتهي إليه الإرادة السياسية في إصلاح القضاء.
وإذا كنا في النقابة الديمقراطية للعدل نعتبر أن الإرادة الملكية كإرادة سياسية داعمة لها أهمية كبرى في السير بهذا المشروع إلى مداه، فإننا نعتقد أنه كان حريا بوزارة العدل، لطمأنة أطراف الحوار و عموم الفاعلين حول الضمانات السياسية، أن تحدد في مشروع أرضية الحوار قنوات الربط بين هيكلة الحوار الوطني والقنوات الرسمية، خصوصا على المستوى التشريعي وأن تقترح ضمانات أقوى حول تنفيذ توصيات الحوار. كما أن  من المتوقع أن تصدر عن فعاليات الحوار عدة توصيات تهم الجانب التشريعي  الذي يختص به البرلمان دستوريا،  لذلك يطرح التساؤل حول ما هي ضمانات أن يظل  هذا التوافق، إن وجد، قائما داخل المؤسسة التشريعية، خاصة وأن مشروعا وطنيا من هذا الحجم لا يحتمل الاصطفاف بين أغلبية ومعارضة، وحتى تعطى للبعد التشاركي فعالية قصوى ليمتد إلى جميع المستويات نرى أنه من الضروري أن تواكب  آليات المقاربة التشاركية  مختلف مراحل المخطط  الحكومي  الناتج عن هذا الحوار، أي مراحل تنفيذ  وتتبع وتقييم المخطط الوطني لإصلاح القضاء.
ثالثا : ضرورة توفير الوسائل المادية والبشرية لتنفيذ توصيات الحوار
 إن الإصلاح الحقيقي لا يتطلب فقط روتوشات تشريعية بل يستوجب إعداد بيئة مادية ملائمة، عبر توفير فضاءات محترمة لتقديم الخدمة القضائية  وتشييد المزيد من المحاكم ومراكز قضاء القرب في كل قرى ومدن المغرب وضمان انتشارها بشكل يضمن الحق في الولوج إلى العدالة مع إرفاق ذلك بتوفير الموارد البشرية اللازمة وتأهيلها وتحسين ظروف عملها، لذلك  لابد أن ترصد للإصلاح الموارد المالية الكافية من خزينة الدولة وأن يتم القطع مع المقاربات الشكلية والتقنوية التي تحترف اللهث وراء التمويلات الخارجية وترهن البرنامج الإصلاحي بكليته لهذه التمويلات، وتتخذ مرجعيتها فقط من إملاءات الممولين والشركاء الخارجيين ومتطلبات الرأسمال والاستثمار الجشع ...مما يفقد العملية الإصلاحية اتساقها الداخلي وانتظامها الزمني وقدرتها على تقديم الإجابات الحقيقية على الانتظارات الحقيقية. وعلى القدر نفسه من الأهمية يجب توفير الإمكانيات البشرية الكافية والمؤهلة لإنجاح المخطط الإصلاحي، وما لم تكن الدولة مستعدة لإرفاق المشروع الإصلاحي بالإمكانات المادية والبشرية لإنجاحه فإن مصير ميثاق إصلاح العدالة لن يختلف عن مصير الميثاق الوطني للتربية والتكوين .
اعتبارا  لما سلف ذكره، وبالأخذ بعين الاعتبار للعديد من المؤشرات المحيطة بفعاليات الحوار الوطني الذي انطلقت، كاستمرار الاحتقان في العديد من المحاكم بسبب غياب ظروف  السلامة والصحة،  وبسبب تفشي بيروقراطية  استبدادية  في تسيير المحاكم   وبمركزية مفرطة  في  تدبير الموارد البشرية وتجهيز البنيات التحتية، بالإضافة  إلى  ما خلقه إقصاء فئات عريضة من الفاعلين الرئيسيين بالقطاع و في مقدمتهم هيأة كتابة الضبط من تذمر و عدم اهتمام بمجريات الحوار ونتائجه، وهو تذمر قد تتطور نتائجه بتطور حجم الضغط و الإمعان في التهميش الذي تعانيه هذه الفئة التي يراد تغييب رأيها قصرا، إما لاعتبارات سياسية أو لنزوع ذاتي أو فئوي، وبغض النظر عن كل ما قد يكون أحاط بظروف إنتاج وتنصيب هياكل الحوار الوطني، ومن منطلق استقراء تجارب هيآت عليا سابقة أشرفت على تجارب إصلاحية رائدة في مسار المغرب الحديث مثلما هو الأمر بالنسبة إلى هيأة الإنصاف و المصالحة و الهيأة العليا التي أشرفت على إعداد مدونة الأسرة، فإننا في هذا السياق ندعو أعضاء الهيأة العليا للحوار الوطني وهي مقبلة على التداول في محور الموارد البشرية بقطاع العدل بالغ الأهمية والذي يشكل رهانا إستراتجيا لإصلاح القضاء، إلى تحكيم بصيرتهم وقناعاتهم الوطنية ومواقفهم المتقدمة تجاه العدالة وإلى إعادة النظر بشكل  جذري في  الآلية التنظيمية للحوار الوطني وفق ما قدمناه وما قدمه غيرنا من تمثيليات ومنظمات مختلفة من  ملاحظات واقتراحات تسعى في النهاية إلى إعادة الشرعية والمشروعية إلى عملية إصلاح منظومة العدالة وإلى جعلها ورشا وطنيا لا ورش حكومة أو حزب.

بقلم:محمد عبد الصادق السعيدي, الكاتب العام للنقابة الديمقراطية للعدل

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا